جحر الشيطان ج3 ح17

1K 69 17
                                    

الفصل الـ (17)
   جحر الشيطان
ما زال للعشق بقية
           " مجنونة وستصيبني بالجنون "

ظلت في مكتب ذاك الظابط الذي ساقها من بيتها بتلك التهمة اللعينة، مصدُمة، مبهوتة، لا تنفك مُقلتيها من البكاء، رغم أنها على يقين انها لن تمكث في هذا المكان كثيرًا فأن وعد جدتها نافذ لا محالة، لا تصدق أن تلك الفتاة قد اتهمتها بتلك التهمة باوراق مزورة أنها فقدت عذريتها، تقسم أنها لن تساعد احد مرة اخرى، ندمت  ..  أشد ندم على قرارها بمساعدتها في الاساس، كان يجب ان تتركها هكذا فمالها ومالهن هي...
هذا العالم مُخيف للغاية ليس كما كانت تعتقد وتعلمت و علِمت أنها وسط ذئابٌ بشرية ، لقد ظنت ان الجميع طيب ذو روحًا نقية لكنها نست إن صوابع اليد غير متساوية و هذا هو حال البشر، منهم من يتلونٌ بـ مائة وجه، منهم الخبيثٌ والماكر الذين يجيدون تمثيل الطيبة  .. حسنًا لقد اخطئت ولن تتكرر مرةٌ اخرى، هي جدٌ اسفة لنفسها كثيرًا.
فُتح الباب بحركة عنيفة لتنتفض ملتفتها برأسها تستطلع الطارق فما كان إلا أخيها، حبيبها، سندها، وثبت واقفة تبكي بحرقة ليغلق معاذ الباب راكضًا إليها حابسًا إياها بين ذراعيه يجاهد على تهدائتها بكلماتٍ مُطمئنة وكفه يمسح على خمارها الطويل في خزى من نفسه، يشعر إنه غير جدير ان يكون أخاها، كان يجب ان يهتم بها اكثر، ويعلم ما يجري في حياتها وتعانيه وتحياه.
اخته الرقيقة، الطيبة، ذات الروح النقية لا تدرك من خبث البشر شيء، لذا وجب عليه ان يكون حذرًا، مراقبًا لها، يشاركها يومها بكل ما تعانيه.
غمغم معاذ وهو يقبل هامتها  :
- اهدائي يا لمياء انا جنبك يا حبيبتي، والله ما هخلي اللي عمل كدا يتهنى ولا يدوق الفرح في حياته، هدفعه التمن يا غالية بس انتِ اهدي.
لم تبتعد عن حضنه، ولم تذيدها كلماته إلا بكاءًا وتشبثًا فيهِ، رفعت رأسها تنظر في عينيه برؤيةٌ مشوشة من إثر الدموع، و قالت  :
- انا معملتش حاجة يا معاذ صدقني والله ما عملت حاجة، خرجني من هنا يا معاذ انا خايفة.
عادت تدفن رأسها في صدره فشدد من ضمها أكثر جازًا على أسنانه في سُورةٍ من الغضب يستشعر رهبة قلبها من كل ما حولها، وتمتم في نبرة حاول جعلها هادئة قدر الإمكان  :
- حبيبتي انا عارف إنك مستحيل تعملي كدا، بابا وماما وتيتا العيلة كلها جنبك مش هنسيبك، محدش مننا هيسيبك وأنتِ عارفه كدا.. و دلوقتي...
رفع وجهها في وجهه وتابع في صلابة بمسحة من حنان  :
- قوليلي كل اللي حصل معاكِ عشان أقدر اطلعك.
فغرت فاه لوهلة مفكرة، مترددة، تخبره ام لا تخبره، هو سر لأحدى طلباتها فهل تبوح به  ؟
عمَّ تفكر هي الآن، أليس من الأجدر ان تفكر في نفسها!
أومأت برأسها مع زمجرة معاذ لها وهو يقول صاكًا على اسنانه  :
- بتفكري في إيه أنتِ! ولا حابة تتحبسي!
هزت رأسها رفضًا وهي تقص عليه جُل ما حدث آنفًا معها، وفي منتهى الغضب صاح فيها معاذ معنفًا  :
- أنــــــــــتِ غبية ولا معندكيش عقل خالص إزاي تتصلي وتقوليلهم كدا على طول من غير أي تفكير وإزاي تخبي عليّ كل ده؟
انتحبت لمياء وهي تتمخط في منديلًا ورقي جذبته من جيبه وقالت بصوتٍ متهدج  :
- أنا خوفت على البنت عشان كدا اتصرفت كدا.
ثُم قالت منفعلة وهي تنفجر باكية بصوتٍ عال  :
- وبعدين انت بتلومني على إيه اصلًا.
- على خيبتك يا اختي...
قالها معاذ نافثًا عن غضبه وهو يوليها ظهره يستدعي كل هدوئه، بينما جلست هي منتحبة، دام صمته وعلى بغتة جلس على الطاولة امامها يميل بوجهه على وجهها وهو يضمه بكفيه هامسًا  :
- قلبك الطيب ده مينفعش في الزمن دا يا لمياء يا حبيبتي، اللي عملتيه حلو، بس اهوو شوفي البنت عملت فيكِ إيه واتهمتك بـ إيه هي وعمها، بس ولا تشيلي هم أنا جنبك وهطلعك من هنا وهدفعهم التمن غالي على كل دمعة نزلت من عينك، قوليلي بقا إسمه وعنوانهم وكل اللي عرفتيه عنهم.
باحت له لمياء بكل ما تعرف.. وقد سكن وجيف فؤادها، وغزاها الإطمئنان، الجميع معها هي لست وحيدة، ثمة من يشاركها مصائبها بل وسيساعدها ايضًا، فبات الحمل خفيفًا  .. وكيف لا يكون وهي تمتلك مثل هذه العائلة والألفة.
غادرها معاذ على وعد اللقاء مجددًا ببُشرِة خروجها، فلم تجد نفسها إلا ان تستأذن من الظابط لتتوضأ وتصلي وقد كانت بمفردها في المكتب بعد ما تركه لها  ..  وقد سخر لها الله من يرأف بحالها. ويثق في برائتها، فـ ماذا لو كان ظابط اخر غير هذا  ؟
تُرى كيف كانت ستكون؟
تكاد تجزم إنه إذ كان غيره لكانت الآن بين قضبان إحدى الزنزانات، أو في جلسة إستجواب، يا الله كم هو رحيم بها، فحق لها أن تلجأ إليه وتبثُ إليه شكواها، تشكيهُ مرارةُ قلبها فيجبره، هي على يقين انها ستُجبر، فمن ذا الذي طرق بابه ولم يُفتح له؟
من راح إليه مهمومًا و لم يعد مجبورًا؟
دائماً باب الرحمن لا يُغلق بوجه أحد، نحن من نزل انفسنا بلجؤنا لغير الله عز وجل..

رواية "فتاة العمليات الخاصه" مكتملهWhere stories live. Discover now