جحر الشيطان ج3 ح18

970 66 29
                                    

الفصل 18
جحر الشيطان

" لأموت انا في سبيل أن تكون هي بخير، أميرة قلبي "

تخطاها الأمير شبه راكضًا فلحقته، فإذا به يدخل إلى حجرة  ..  وهنالك بعد الجاريات يحملن بطفلٌ صغير  ..  طفلٌ جميل  ..  يشبه الأمير بدرجة كبيرة، إلا أنه كان يبكي، ليس بكاء جائع أو بكاء تعب، بكاء أحست فيه بخوف الصغير المنهار تمامًا، اما ذاك الأبله فـ آثار نفورها وغضبها وهي تراه يصرخ في الصغير ليسكت.. بل يصرخ في الجميع أن يحاول اسكاته ، دلفت فجأة أميرة متعجلة في سيرها تأخذ الصغير بلوعة، جميلة  .. بل جميلة جدًا ملابسها وهيئتها وشعرها المنساب على كتفها تبدو كـ حورية.
كاد الأمير أن ينفجر فيها لكنه تمالك نفسه ونهرها أن تهتم بصغيره، لكن الصغير لا يهدأ  .. بل ذاد بكاءه وصراخه كأنه يرى ما لا يروه.
ألمها قلبها ألمٌ شديد واندفعت إلى الأميرة واطالة النظر للصغير الذي ظنت أنه سيموت من فرط الصراخ، تجمعت العبرات بعينيها تود القفز لكنها حبستهم جيدًا، وهمست في تأثر ويدها ممدودة  :
- هل يمكن أن أحمله، ربما يهدأ معيّ!
فحدجتها الأعيُن الخضروين الجميلتين في عصبيه قاتلة وهتفت دون وعي  :
- ما لك أنتِ، اغربي عن وجهي ولا تريني وجهك ولا تبقي أمامي.
ثُم صبت جام اهتمامها في الصغير وراحت تهدده وتروح وتجيء وتهزه، وشردت عينيّ دارين مصدومتين مزهولتين ورغم عن ذلك كانت في سرعة البرق تلتفت إلى الأمير براء بعينين تبرقان ترجوان وهمست في وداعة  :
- دعني أجرب ربما يهدأ معي، ان لم يهدأ يمكنك ان تأخذه.
اذرد الأمير لُعابه يُطالعها مليًا، فظنت أنه لن يوافق أن تأخذه لولا عيناه التي تبسمت فجأة وراح نحو زوجته ليأخذ الولد ويعطيه لها، فرمتها الأميرة بنظرات غاضبة والشرر يتطاير منهما وقد لاح لها تغيير في لونها ونار حقًا تخرج منهما فـ ارتشعت ورجف قلبها وهي تضم الصغير تلقائيًا لصدرها وتتراجع للخلف بنظرات هلع، زلت على صدمتها حتى غابت الأميرة، ولم تشعر إلا وكف الأمير يوضع على كتفها هامسًا في قلق  :
- أنتِ بخير؟  ما بالك..  اهدئي، اهدئي هذا انا ما بكِ.
قالها مطمئنًا ما أن شهقت مفزوعة باعيُن متسعة، فهزت رأسها وعينيها تجوب الحجرة بحثًا عن الأميرة الغريبة، المخيفة من وجهة نظرها.
شرعت تهز الصغير الذي بدأ يسكن تدريجياً، ترافقها نظرات الدهشة من الأمير الذي خلى الحجرة إلا منهما.
وتأملها وهي تحتضن إبنه بذراع والآخر تناغشه فيضحك ضحكة ساحرة وتضحك ضحكةٌ سعيدة، تلاطفه وتدغدغه وكانها طفلة قد وجدت من يُحيي طفولتها تلك.
اقترب منها وأخذ يلاعب صغيرة مستمتعًا، إبنه الذي هدأ بين يديها هي، وقد كان له فترة لا يرق من دمع ولا يهنأ بنوم حتى ظن إنه مريض، مرضٌ خطير وجاء له بكل الأطباء والحكماء ألا إن الجميع اكد ان صحته جيدة ولا يعاني من اي شيء فضاق ذرعًا.
غمغمت دارين وهي تضحك بطفولة  :
- إيه الطفل الحلـــــــو ده، وسكت معايا حضني حنين أكيد مش زي الناس اللي هنا.
طيف إبتسامة مر ثُغره وهو يسمع كلماتها المبهمة التي لا يفقه منها شيء، لكنها بدت تروق له ويحبها ايضًا فهي حين تتحدث بها تبدو طفلة جذابة، سعيدة، مرتاحة، يا الله ستفقده عقله، ولوهلة تمنى أنها هي زوجته أم إبنه اميرة مملكته.
" هذا إبنك؟  ام ماذا؟ "
تنبه من شروده فيها على صوتها فـ اطال الصمت قليلًا لوجهها قبل أن يقول في هدوء  :
- نعم إبني.
- علمت ذلك، فهو يشبهك لحد كبير.
- صدقًا!  … أول مرة أعلم هذا.
اخفضت دارين وجهها من نظراته، واضطربت قليلًا متسارعةً الأنفاس، وسئلت بعد ردحًا من الزمن وهي تتأمل وجه الصغير النائم في آمان في حضنها  :
- ما إسم هذا الملاك؟
- جعفر.
نطقت دارين فجأة متعجبة  :
- جعفر  !  اتدري أن أسمائكم على اسماء الصُحابة؟
ابتسم بهدوء ضاحكًا في خفوت، وقال  :
- اعلم هذا.
تلاقت نظراتهم لبرهة، فغضت عينيها سريعًا، فبادر هو قائلًا في لهفة  :
- كفاكِ الآن وقوف بالصغير، يمكنك ان تضيعيه في سريره وترتاحي انتِ.
فتشبثت هي بالصغير تضمه أكثر، وقالت في نبرة هادئة شبه هجومية  :
- سيبقى معيّ، سينام معي لن يبقى بمفرده.
لاحت لها بسمة على زاوية فمه سرعان ما اختفت فـ إذردت ريقها مستدركة ما قالت فراحت توضح بإرتباك  :
- اقصد يعني … لقد رأيت كيف كان يبكي ولم يستطع أحد أن يهدأه  … فأقترحت ذلك أن سمحت.
فـأجاب بنبرة ناعمة،  و ود لو كان في محل الصغير تمامًا بين كفيها و قلبها هكذا، يا الله ماذا دهاه وفيمَ يُفكر  انفض رأسه  :
- ولِمَ لا أسمح يممكنه ان يبقى معك، لكني اخشى عليه.
صمت متعمدًا، فرمقته في حيرى من أمرها، وحين لم يبرر قالت بعد هنيهة  :
- مما تخشى عليه وهو معي وفي قصرك.
فرد بدفاع  :
- لا اخشى من هذا
- إذًا!
- أخشى عليه من التعلق، أن يُأسر لشخصٍ لن يدوم معه، أن يعتاد على من سيرحل يومًا، اخشى عليه من الوحدة فيمَ بعد  .. أخشى عليه من التوجع و من كسرة القلب يا  … يا غريبة.
تأملته دون أن تنبس وكلماته لا تدري هل ألمتها ام أسعدتها!
وبعد وقت  ..  وقت طويل مشحون بالنظرات فقط كأنها صلة القلبين  .. التواصل بينهما، بكل هدوء ودون حرفٍ غادرت بالطفل وتركته، ينظر في أثرها وحيدًا، ضائعًا، تائهًا، فاقدًا للحياة تحت سطوة تفكيره القاتل في غياب اخته المقلق.

رواية "فتاة العمليات الخاصه" مكتملهWhere stories live. Discover now