جحر الشيطان ج3 ح28ج1

787 55 35
                                    

الفصل الـ (28 ج1)
جحر الشيطان

مقيدةً الذراعين وراء ظهرها، مكبلة الساقين، معصومت العينين، ملتصقت الفم، هكذا كان حال أروى ما أن فاقت من غشيتها، تزوم برهبة ملئت كل كيانها، آكلها الندم على عدم سماعها تحذير حمزة، أوقعت نفسها في مأذق ربما لن تحور منه، ليتهم فقط ينزعوا عصبة عينيها لترى أين هي!
الظلام يُغلف عينيها المغلقتين مما جعل الخوف يكتنفها كليًا.
والجزعُ يستبدُ بفؤادها بل ويظلل روحها الهائجة.
همهمت بكاءها كلُ ما يصدر عنها.
الغرفة المُلقاة بها كانت تحوى فراش يشبة فرائش المستشفيات، وثمة أدوات طبية على إحدى المناضدد بجانبه.
لكن لا يوجد أحد، دقائق، ثوانٍ وتناهى لها صوت خشفة أحد يدنو، فسكن جسدها مرهفة السمع بترقب حذر.
في أعلى تلك الغرفة، تفاجئ حمزة بمدير المحل يوصد الباب ويتبسم في وجهه بسمةً غامضة وهو يقترب في تلكؤ مبهم، فتصلب جسد حمزة متحفزًا، وقلبه يثور جنونه على أروى التي لا يدري عنها شيء، وفي سبيل أنقاذها يفتديها بروحه أن تطلب الأمر، لا يهم نفسه ولا ما يصبه الأهم أن تخرج هي من ذاكَ المكانِ سالمةٍ، وضع المدير كفه على منكبه، وردد بنبرة جزلة  :
_ أنا أنهارده هعرفك على حاجات تبع الشغل ومتأكد أنك هتوافق تبقى معانا، هخليك من انهارده عايش ولا الملك بس لو نفذت كل حاجة نطلبها وتكون أيدنا اليمين.
زوى حمزة حاجبيه رافعًا إحدهما بريب، وغمغم في تهكم بيَّن:
_ وإيه بقا إللي هيخليني ولا الملك أكيد حاجة مش قانونية، ولا أنا غلطان يا باشا؟!
نفى المدير برأسه، وقال غامزًا له  :
_ لا طبعًا، مش غلطان، تعال ورايا!
قاده إلى البروفا وضغط على زر قريبٌ منه فـ أنفتحت الأرضية فتحة يمكن لجسد المرء أن يُدخل منها وتدلى سلم فجأة، عندئذٍ ألتفت المدير برأسه إليه وقال بصوتٍ أجش محذرًا  :
_ جهز نفسك إللي هتشوفه تحت هيبهرك، بس أعرف أن إللي بيدخل تحت من غير ما يكون تبعنا وحافظ سرنا، نقتله.
قال آخر عبارته وهو يؤشر بإبهامه على عنقه بمعنى الذبح، فما كان من حمزة إلا أن تبسم ساخرًا وهو يؤمأ برأسه، ويمنى نفسه برؤية أروى، وخطى خلف المدير متسلقًا السلم نزولًا، و وقف يفحص الغرفة بعينين حادتين متربصتين كالصقر، أشار له المدير أن يتبعه ولحق به بصمت فوقفا على أعتاب غرفة، ما بداخلها جعل حمزة يشهق بأرتياع فلح في إخفاءه سريعًا، وجز على أسنانه غضبًا، فقد كان مجموعةً من الشباب يدسون أكياسٌ من المخدرات بطريقة مبهرة داخل الملابس، أبهرت حمزة رغمًا عنه ولم يستطع إلا الأعجاب بطريقتهم لتهريب المخدرات التي لا تخطر على بال.
تحرك المدير وسط الشباب الذين يعملون بجهد عظيم، ولم يلتفت أحد لهما كأنما لا يروهم، وقال بتكبر واضح في نبرته  :
_ هنا زي ما أنت شايف بنورد المخدرات في الملابس للي عاوز.
ورفع سبابته مسترسلًا  :
_ مخدراتنا مفيش زيها دي بتتزرع بطريقة تخلي كل إللي يدوقها مرة يطلب ألف مرة، وإللي ياخد من عندنا ميشوفش غيرنا.
ثُم وقف قبالته متابعًا  :
_انهارده في صفقة مع شركة عالمية بس من بلاد بره، متستغربش كدا إحنا مخدراتنا بتروح كل البلاد بدون استثناء وبتطلب بالإسم.
شد حمزة من عنقة ناظرًا بتمعن إلى عينيه، وقال  :
_ محدش أبدًا قدر يوقعنا ولا هيحصل، أنت عارف إحنا بنعمل إيه في الظابط إللي يلف ورانا؟
قرب فمه من أذنه هامسًا  :
_ بندفنه حي في المقابر!
قهقه عاليًا وهو يبتعد عنه موليًا إياه ظهره، وقال فاتحًا ذراعيه على وسعهما:
_ متتفجأش المعلم بتاعنا دا جبار قدر يعمل الأمبراطورية دي بنفسه دا حتى الشرطة بتعمل له ألف حساب.
أستدار لحمزة باسم الثغر وضم كتفه خابطًا عليه وسحبه خارج المكان وهو يستطرد  :
_دلوقتي بقا هوريك الجانب التاني من اعمالنا وإللي ميتوقعوش بشر، المحل إللي فوق ده ما هو إلا واجهة بس لينا إحنا بنخطف البنات إللي يتكون لوحدها من غير حد معاها بيكون سهل تختفي ومحدش يتوقع إنها اختطفت هنا، لكن مش بنقدر لو حد معاها.
عارف بنعمل فيهم إيه؟!
سئل وهو يقف، ويقف حمزة بدوره منصتًا لكل حرف باهتمام شديد، عاد المدير يضحك بنشوت ظفر مغمغمًا  :
_ بناخد أعضاءهم كل حاجة ممكن تتوقعها، عينين، قلب، كلى، كبد كل حاجة ممكن تفيدنا ونرمي بقيها أو بالأحرى بندفنهم هنا تحت الأرض.
عاد يسير وحمزة يسير بجواره مشتعلًا غضبًا، وبينما يدخلان إحدى الغُرف، اتسعت عينين حمزة حتى كادا يخرجان من محجريهما وهو يشاهد أروى نائمة فوق فراش طبي، وطبيبًا يرتدي قفازات في يديه متهيئٍ لما هو مقبل على فعله وإلى جانبه ممرضة أنتهت توًا من تخديرها، خفق قلبه النابض بارتياع وندّ عنه نداء خافت بإسمها، وقبل أن يبدر عنه إي بادره، وجد فوهة سلاح تلتصق بجبينه وصوت المدير يغمغم بانتصار  :
_ مش عيب يا سيادة المقدم تيجي تشرفنا وتشتغل معانا؟
طب مش تقول عشان نوجب! بس متقلقش إحنا هنعمل أحلى واجب ومراتك الحلوة هنخليك تشوفها وهي بتموت قدامك وبناخد اعضاءها وحدة وحدة، اتمنى يكون قلبك جامد.
وعاد يقهقه غافلًا عن حمزة الذي استغل الموقف وفي لمح البصر كان يقفز مطوحًا السلاح من يده بعيدًا بركلة من قدمه، بينما ساقه الأخرى تدفع يد الطبيب الذي كاد يعري زوجته، ويمناه كانت تصفع الممرضة التي لم تستعب لأي مما حدث سوى بصفعة قوية سقطت على أثرها لترتطم رأسها بحافة المنضدة وتسقط فاقدة الوعي، لم أحد يدرك ما حدث فقد غاص حمزة بقبضة في معدة المدير وهو يكيل له بيسراه عدت لكمات مهشمًا أنفه ودفعه بقسوة ثُم انهال على الطبيب المتأوهً ضربًا، لم يكد يلتفت إلى أروى وإذ بهجوم عاتي يقبل نحوه من الشباب فقفز قفزة بارعة ممسكًا بالسلاح موجهًا فوهته على المدير وهو يقول  :
_ خطوة كمان ورأسه الحلوة دي هتتفجر.
توقف الجميع في مكانهم مزهولين مما جرى، بينما أشار لهم حمزة بأن يستديروا فـ أطاعوا صاغرين وجعلهم يسيرون حتى دخلوا إلى الحجرة التي كانوا يعملون بها وأوصد الباب من الخارج وهو يهتف  :
_خليكم جوة يا شباب شوية مش عاوز معافرة ولا وجع دماغ.
ركض إلى حيثُ أروى وأخذ يحاول على أيقاظها فلم يفلح فما كان منه إلا أن حملها بين ذراعيه بهلع وخوف وسار بحثًا عن مكان للخروج لكنه لم يجد مخرج إذ كان المكان يشبه المتاهة، والظلم يعم على جم الآرجاء، فتنهد بعجز وتفكير، جلس حين لم يعرف ما عليه فعله والخوف على أروى جعل تفكيره ينزوي، فتركها ونهض يبحث عن مياه إلى أن وجد وعاد إليها ومال فوقها ينثر على وجهها بعضًا منها فإذا بها تتململ متفاجئة أنها ما زالت على قيد الحياة، تتنفس، فبكت ملقية نفسها في حضن حمزة معقودة اللسان، ولم يتوان هو في ضمها وهو يهدأها فما يدري الرائي هل يهدأها حقًا أم يهدأ قلبه الذي كاد يقف من شدة خوفه عليها؟
صوت صقفة تناهت لهما أبعدتهما، فـ ألتفت حمزة ليجد شاب طويل القامة لم يراه قبلًا مرتديًا جلباب صعيدي فأحس بحدسه إنه ربما وراء كل ذلك، تشبثت أروى بذراعه وهما ينتصبان واقفان واختبئت وراءه، فدنا الشاب الذي كان يلتهمهما بنظراته الحادة، وقال بصوتٌ قوي  :
_  تعرف إن إللي عندينا ويدور ورآنا كيفك گِده بنعمل فيه إيه؟ 
افتر ثغره عن بسمة شرسة، مسترسلًا:
_بنعدمُه العافية ونرميه في التُرب وهو حي فلو مماتش من الخوف والوحشة، بيموت من الجوع والعطش مع إني أشك إنه يفضل عايش.چوه المجبرة (المقبرة) لِربع ساعة من الأساس.
حك ذقنه وهو يمعن حمزة الناظر إليه باستهتار، وتابع:
_لكنك عچبتني يا حضرة الظابِط فِكرة زينه، زينه جوي إنك تيجي لحدنا برجليك وتضرب حد من رجالتي، لاه وكمان خطتك كانت هتنجح لو الراجل محذرناش منك وجال لنا.
_ راجل مين إللي قال لكم.
تسائل حمزة بشكه الذي كان يمور في صدره منذ مجيئ أروى إلى المحل وها هو يؤكد ظنه أن ثمة من لا يريد للمهمة ان تنجح.
فقال الرجل ببساطة يُحدس عليها  :
_ راجل جريبك (قريبك) يا حضرة الظابِط.
إلتف بغتة رجال حوله واحاطوا بهما إحاطة السوار بالمعصم، فضم أروى بذراعه وعقله جامدًا عن التفكير سوا بخروجها هي سالمة من هذا المكان.
ثُم وسع له رجاله ليعبر ودار حولهما وهو يقول بشراهة  :
_أنت دلوج مستحيل تخرج من أهنا إلا جثة، حتى لو قتلت كل الرجاله دي الخروج مستحيل ببساطة لأنك متعرفش مكان الخروج، اهنه متاهة محدش غيري يعرف يخرج منيها، وأنا لو مسمحتش ليك تخرج مش هتخرج.
وفجأة سحب أروى بعنف موجهًا نصلٍ حاد على عنقها مما سمر حمزة مكانه، وقبل أن ينبس صاح الشاب الصعيدي وهو يجذب أروى التي تحاول التنصل منه بعيدًا  :
_ علموه الأدب يا شباب.
فرد حمزة عليه متهكمًا  :
_الأدب ده تتعلموا أنت يا بغل.
كان قد أختفى بـ أروى، وهجم شاب على حمزة بلكمة تلقاها في ساعده الأيسر وعاجله بلكمة هشمت فكه في ذات اللحظة كانت قدمه تركل الرجل من خلفه ثُم رفع إحدهما بذراعيه وألقاه على الباقين وأسرع ليلحق بـ اروى التي كانت تصدد لكمة قوية بوجه الشاب الصعيدي وركبتها تغوص في معدته ليتأوه بصوت مكتم، لم يعلم حمزة مكانها لكن فجأة ظهر أمامه رجل بسلاح مشهرًا نحوه وطلقة نارية تفادها بإن قفز بجسده على الجانب الآخر، وقبل أن تُطلق رصاصة أخرى قفز رافعًا السلاح للأعلى لتنطلق الرصاصة مستقرة في السقف، واستشعر الشاب بأن زلزل قد زلزله حين توالت لكمات حمزة على وجهه ومعدته ودفعه بعيدًا، بحث بعينه عن مخرج إلى أن وجد مدير المحل المترنح أمامه يقول بثبات  :
_ أي حركة منك وهتلاقي مراتك في عداد كان، اسمع كلامي عشان متخسرهاش.
اضطر حمزة صاغرًا من أجل نجات أروى على الاستسلام قسرًا، فقاده المدير إلى إحدى الحجرات فبادر حمزة قائلًا بمراوغه  :
_ هعمل كل حاجة تقولوا عليها بس مراتي ممتأذيش!
فـ اومأ المدير، وقال قبل أن يغلق الباب  :
_ حلو أوي، وليك وعدي محدش هيلمسها.
جلس حمزة واضعًا رأسه بين كفيه، مفكرًا في حل للخروج دون خسارة.
لم يدم طويلًا وإذ بذو الجلباب يدلف في هدوء، فرفع حمزة بصره نحوه وضحك ساخرًا وهو يرَ وجهه المكدوم، وتمتم متهكمًا  :
_ مراتي هي اللي علمت عليك كدا، صح؟  والله عيبه في حقك تعلم عليك ست بس مش أي ست دي بنت الشرقاوي.
تحسس الشاب إسماعيل مكان لكمة أروى، وقال  :
_لولا إني ما بمدش يدي على حرمة كنت دفنتها في مكانها.
فنهض حمزة واقفًا امامه وقال وهو ينظر في عينيه مباشرةً:
_ كنت عملتها عشان كنت دفنتك أنت وعيلتك وسلالتك كلها.
مرت لحظة صمت قبل أن يقول إسماعيل متفرسًا في وجه حمزة  :
_ إنت إكده بتثبتلنا إنك بتحبها جوي، وتعمل عشانها أي شيء!
وده حلو لصالحنا، ولا اي يا باشا؟
بغطرسة أستدار حمزة بهدوء جالسًا على المقعد الوحيد في الحجرة، و وضع قدم فوق الأخرى، وتحل بالبرود وهو يقول في سخرية  :
_ كنت مفكرك زكي بس طلعت غبي جدًا يا  .... يا إسماعيل.
_واه وعارف إسمي كُمان؟
_ أومال دا أنت مطلوب بالإسم في المخابرات!
كان كاذبٌ فهو ما جاء إلا ليعلم من يدير هذا الوكر الوَعر، ليعلم ذاك الداهية الذي يُهرِب المخدرات بطريقةٍ مُبهرةً.
دار إسماعيل حوله ورداء الصمت ملقيًا عليهما، حتى شقه إسماعيل بقوله الخبيث  :
_ آنّي المطلوب؟ متأكد أنت؟ ويا ترى هتساعدنا كيف؟
ثم وقف وراءه مباشرةً ومال على أذنه هامسًا  :
_ أياك تفكر إنك تقدر تخدعنا تاني يا سيادة المجدم، دا أنا جبت كل كبيرة وصغيرة تخصك، وعارف ومتأكد إنك مستحيل تخون بلدك، مستحيل صُح بس معاي آني هخليك تنطق غصب عنك وهطلع منك كل معلومة زي الشعرة من العجينة.
أخرج خفيةً نصلٌ حاد وكاد يغرسه في بطن حمزة ، لكن حمزة ما فعله يثير الدهشة فهو في ذات اللحظة وقبل أن ينغرس النصل في المنطلق نحوه كان يقبض على كف إسماعيل ملتفًا إليه ولكمة لكمة هشمت أسنانه وسالت الدم من فمه، أعقبها بلكمة أخرى في معدته ليميل إسماعيل صارخًا بألم وسدد لكمة إلى حمزة تفاداها بكل براعة وهو ينحني بجذعة ملتفًا خلف إسماعيل وركله بقوة في ظهره ليسقط على وجهه، في ذلك الحين فُتح الباب و دخل رجال إسماعيل وكاد حمزة يشب عراقًا معهم لولا هتاف مدير المحل الذي سمره  :
_ متنساش مراتك يا حضرة المقدم إحنا رجاله متهمناش حاجة وأنت عارف.
استسلم حمزة لينهالوا عليه ضربًا طوعًا ثُم قيدوه بعد إن فقد الوعي من شدة ما تلقى.

رواية "فتاة العمليات الخاصه" مكتملهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن