جحر الشيطان ج3 ح5

1.2K 67 26
                                    

الفصل الخامس
جحر الشيطان
ما زال للعشق بقية

إلهي ! لولا أنّك بالفضلِ تجود ، ما كانَ عبدُكَ إلى الذنبِ يعُود .

ولولا محبّتُك للغفران ، ما أمهلتَ مَن يُبارزُكَ بالعصيان ، وأسبلت سترك على من تسربَلَ بالنسيان ، وقابلتَ إساءتَنا منكَ بالإحسان .

إلهي ! ما أمرتَنا بالاستغفارِ إلاّ وأنتَ تُريدُ المغفرة ، ولولا كرمُك ما ألهمتَنا المعذرة .

أنتَ المبتدئُ بالنوالِ قبلَ السؤالِ ، والمعطي مِن الإفضالِ فوقَ الآمال ، إنّا لا نرجُو إلاّ غفرانَك ، ولا نَطلبُ إلاّ إحسانَك .

إلهي ! أنتَ المحسنُ وأنا المُسيء ، ومِن شأنِ المحسن إتمامُ إحسانِه ، ومِن شأنِ المسيءِ الاعترافُ بعدوانِه .

يا مَن أمهلَ وما أهمَل ، وسَترَ حتّى كأنّه غفَر ، أنتَ الغنيُّ وأنا الفقير ، وأنتَ العزيزُ وأنا الذليل .

إلهي ! مَن سواكَ أطمعَنا في عفوِك وجودِك وكرمِك ؟ وألهمَنا شُكرَ نعمائِك ، وأتى بنا إلى بابِك ، ورغّبَنا فيما أعددّتَه لأحبابِك ؟ هل ذلكَ كلُّه إلاّ منكَ ، دللتَنا عليكَ ، وجئتَ بنا إليك .

واخيبةَ مَن طردتَه عن بابِك .! واحسرةَ مَن أبعدتَه عن طريقِ أحبابِك .!

طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قلة الثقة بذرة تنبت بين ثنايا القلب فتفتته، وتهدم كل حب ينمو بالفؤاد، فلا تكن فريسة له، فتخسر حياتك وتعيش فقط تتنفس.

وقف حذيفة على باب غرفتة مصدومًا حينما وقع بصره على أسماء الباكية، هالُه بكاءها الذى شطر قلبه لإشلاء، هرع إليها مزعورًا، جالسًا على ركبتيه امامها، مُتسائلًا بقلق وهو يزيح كفيها عن وجهها :
- أسماء.، مالك يا حبيبتي فيكِ ايه ؟ بتعيطي ليه ؟
كأن خنجرٌ يطعن فؤادها دون رحمة، وميضٌ اليم يطوف في خلدها وهو يقف مع إسراء، كم من مرة رأته يُحادثها بعيدًا، يتبسم ويضحك لها وهي النار تغلي في قلبها المتلظي، عاد ليخونها؟!
مجددًا يخسر ثقتها يشق قلبها دون ادنى ذرة رحمة؟ لا جرم تلك المرة أمر حيثُ زلت تلك الغصة عالقة في جوفها بمرارٌ كـ الحنظل.
ضاق صدره من بكاءها، واعتقد إنها تبكِ لحال وعد وعائشة، فإذا بهِ يسرق بسمةٌ من الآلامه مُرددًا بخفوت مواريًا به وجعه لحالهم :
- هيبقوا بخير والله يا اسماء، ربنا موجود يا حبيبتي، ولا يكلف نفسًا ألا وسعها، ربنا له حكمة في ذلك، ولو مكنوش قد اختباره مكنش اختارهم، خليكِ قوية عشانهم لو ضعفتِ مين هيسندهم لو وقعوا؟!
تبسمت في نفسها ساخرة وحادثت ذاتها في تهكم "هل يشعر بمن حولها إلا هي ؟ هي القريبة الساكنة قلبه لا يشعر بنار الغيرة التي تتأجج بروحها، او ربما لم تعد كذلك، طفح الكيل منه لن تصمت مجددًا ولن تبقى مع خائن مثله، ليس جدير بالثقة"
أبعدت كفية، وهبت واقفة تجأر بصوتها الجريح بمرار :
-أنت ايه إزاي كده، وثقت فيك أكتر من نفسي وحبيتك وأدتك عمري كله، ليه تخون ثقتي فيك؟ وقدام عيني أنت إزاي كده.
حدق بها مزهولًا ونهض في تقاثل، لا يدر عن أي خيانة تتحدث؟! هل أصابها الجنون أيضًا؟ تمتم متعجبًا في نبرة مندهشة وهو يؤشر على نفسه :
- أنا..أنا خُونتك؟! أنتِ اتجننتِ ولا بتقولي اي؟
إندفعت نحوه تضربه في صدره بقبضتيها الضعيفتين، تُردد في بكاء ادمى قلبه :
- كمان بتكدب؟! انا شفتك بعيني يا خاين وإنت مع إسراء، يا ترى حبيتها؟ ولا حصل بينكم اي؟
هوى على وجهها بلطمة قوية دفعتها للخلف وهو يهدر مردفًا :
- اسكتِ بقا إنتِ بتقولِ اي؟
نظرت له نظرة أضنت فؤاده ألمًا على فعلته، وضعة كفها مكان كفه الذى المها بشدة لتقول بمرارة :
- أنا كرهتك يا حذيفة، كرهتك اوووي، مبقتش طايقة أشوفك، يوم ما اتجوزتك فكرتك إنك اتغيرت لكن لأ.. كُنت غلطانة اللي فيه عادة مش بيبطلها ابدًا، طلقني وعيش حياتك مع دي ودي كلم وخرج واعمل كل اللي يريح لكن انا مش هقدر اكمل معاك.
جُحظت عينيه لا يستعب ما تتفوه به، يقسم إنها جُنت ذاد وجيب قلبه يدك دكًا يؤلم صدرة، طلاق؟! هل حقًا تود الأنفصال؟ كيف لها ان تفصل روحٍ عن جسدها؟ لقد تغاض عن كل فعلها الذى كان لا يروقة، تفتيشها في هاتفة وملابسه ومراقبتها له وهو في عمله تغاض عن كل شيء، لماذا لا تصدق إنه تغير ليس لأجلها فقط بل للرحمن ايضًا، لقد أنار دربه ليسير على نور الإيمان دون أعوجاج فلماذا تزحزحه؟!
كان صدره يعلو ويهبط منفعلًا ليردد بصوت لا حياةً فيه :
- بتقولِ اي؟! طلاق اي؟ استهدي بالله وبلاش شيطانك يسوقك! أنا اكتفيت والله اكتفيت كم مرة شوفت نظرت الشك في عنيكِ وتفتيشك في تلفوني ومراقبتك كل ده تغضيت عنه عشان بحبك وفي الاخر بتتهميني بـ اي ؟
ضحكت في تهكم مغمغمة :
- بتهمك؟! لأ مش بتهم أنا شفت بعيني أنت ازاي بتكلمها بعيد عن الكل ازاي بتبصلها وإزاي الفترة دي بقيت بعيد.
صاح فيها وهو يهزها في عنف ربما تفوق :
- مشغول اي؟! ونظرات اي وكلام فارغ أنتِ عارفه نفسك بتقولِ ايه؟!
صرخت فيه في عنف وهي تنفض كفيه بحدة عنها :
- سبني كدا ولو عندك كرامة طلقني مش هعيش مع خاين.
رمقها بحدة وجأر بصوته دون وعي:
- هعمل اللي يريحك، طلاق! هطلقك.. بس مش قبل ما اشوف الندم والحسرة في عنيكِ
ران صمت مفاجأ يقطعه شهقات الصغار الذين يقفون عن بُعد يشاهدون ما يحدث بخوف، تضم ملك مالِك وهي ترتجف وهو يبكي في صمت ويحاول تهداتها.
ما الذي أدى بهم إلى هذا الحال ؟
ذرة شك وسوء فهم قد تهدم أرسخ العلاقات واقواها دون رحمة، إذ يكمن السر بإنها تستولى على صاحبه فتغشى عيناه وقلبه عن كل الحقائق.
خرج حذيفة مسترقًا نظرة على صغاره في الم وغادر صافقًا الباب خلفه.
في حين انفجرت أسماء باكية منهارة على الفراش تبكِ بلوعة، تتذكر لحظاتهم سويًا، لا تنكر إنها دائماً كانت تشكِ فيه، لا ريب ما زال الماضي كامنًا في فؤادها، والخوف أن قد يكون عاد لما كان يفعله سابقًا، كفكفت دمعها حينما أحست بأكفف صغارها تحاوطها فضمتهم لصدرها، كأنها تختبئ من حزنها فيهما ربما يولى؟! ولكنه بالطبع يعرف الطريق لقلبها.

رواية "فتاة العمليات الخاصه" مكتملهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن