الثالثة والعشرون

5.1K 137 2
                                    

الحلقة الثالثة والعشرون

في إيطاليا

تجلس علي طرف الفراش الخاص بغرفتها تفرك يديها ببعضها بعصبية شديدة ممزوجة بقلق مبالغ به علي ولدها الذي علم الحقيقة لتوه  ، نظرت للمرآة أمامها تدقق بملامحها التي تغيرت مع كِبر سنها  ، تتذكر كل ما حدث بالماضي الذي عاش معها لسنوات

كيف لها أن تنسي كيف تم تهريبها من بلدها الأم كالمجرمين  ، كيف أتت إلي هذه البلدة التي لم تعرفها يوماً  ، وحتي تخليها عن إبنتها التي لم تعُدها إبنة لها يوماً  ،  لم تعطيها حنانها كما تفعل الأم لصغارها

كل هذا جال بخاطرها بدقائق سُرقت من الزمن  ، تأملت تلك الحديقة أمامها الخاصة بمنزلهم الصارخ بالثراء الفاحش فوجدته قد عاد بسيارته والجمود هو المُسيطر علي ملامحه الوسيمة المُشابهة لوالده

أسرعت إلي غُرفة زوجها ودلفت سريعاً لتجده يجلس منكساً رأسه بحزن بالغ يسند جبهته علي كفيه فتغاضت هي عن ذلك قائلة بلهفة  :

َـ كـارم وصل يا شوقي لازم تحاول تتكلم معاه  ، انت الوحيد اللي تقــآآآآ

َـ إبنك لو بص في وشنا تاني تبقي معجزة من ربنا  ، أنا خلاص تعبت  .. تعبت منك ومن الدنيا بحالها  ، أستاهل كل اللي يجرالي علي إني سمعت كلامك ورميت بنتي ورا ضهري  . قالها مُقاطعاً إياها بعُنف جعل الجمود يُسيطر علي ملامحها

قاطع كل ذلك دلوفه إليهم بهدوء تام وملامحه الوسيمة مرتخيه وشعره الأشعث اللامع علي الرغم من ذلك كان هدوئه مُعاكس تماماً لقوله لهم  :

ـ أنا بكرا نازل مصر

وقعت تلك الجُملة عليها وقع الصاعقة وبداخلها تطمئن نفسها فإقتربت منه قائلة بصوت يكسوه الحزن  :

ـ كـــارم حبيبي اسمعنا علي الأقل

ـ أسمع منك إيه يا مدام جميلة  ، عاوزاني أسمع إيه  ، عاوزاني أسمع منك إن ليا أخت حية تُرزق ومعرفش عنها حاجة  ، ولا تكوني عاوزاني أسمع منك إيه اللي يخلي أم تسيب بنتها ومتبصش وراها عشان الفلوس وعشان حياتك وأنانيتك  ، دي الأم بتضحي بنفسها عشان ولادها  .. لكن إن أم تضحي ببنتها عشان حياتها جديدة بصراحة  . قالها كارم بنبرة ساخرة متهكمة لأول مرة بحياته

لأول مرة يرفع صوته علي والدته التي لطالما اعتبرها حُبه الأول والسيدة الأولي بحياته  ، لأول مرة يخرج عن طوره الهادئ والرزين عقب سماعه لحديث والده ووالدته بل بالأحرى مشاجرتهم  ، نظر بعينيها قائلاً بإستنكار وقد تذكر حديثهم الذي يتردد صداه بداخله  :

ـ تبيعي بنتك علشان حياتك والفلوس  ؟! تخربي حياة واحد ومراته عشان الفلوس  ؟! تتفقي وتحطي إيدك في إيد واحد مجرم علشان الفلوس  ؟!

إنهمرت عَبراتها لأول مرة منذ سنوات  ، لأول مرة تدرك عواقب ما فعلته  ، لطالما أقنعت ذاتها بأن كل شيئ انتهي وبدأت حياة جديدة بلا أي عواقب وتناست من تركتها خلفها دون النظر إليها  ، حتي أنها لم تفكر قط في حال تلك الطفلة التي تركتها وحيدة  ، لم تُقبل يوماً علي الإتصال بمكالمة هاتفية واحدة

نفوذ العشق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن