الفصل السادس ج٢

298 15 18
                                    

الفصل السادس ج٢

"صباح الخَير لمَن ألقت الدنيا في دروبهم شوكًا فعَبروه كاتمين الألم مُرددين:
لعَل في نهاية الدرب بُستانًا."
لسانها يرددها بصوتٍ منخفض وهي تحدق في شاشة الهاتف واقفة خلف باب غرفتها وتستند عليه بظهرها، لم يخرج الجميع بعد لكنها لم تعد تستطيع أن تقاوم رغبتها في مراقبة ما ينشره كل صباح..
منشور صغير تشعر به موجه لها شَخْصِيًّا، بل ويصف حالتها..
منذ حديثهما ذلك اليوم الذي أخبرته فيه أنها لن تستطيع التواصل معه وهو أبتعد ولكن ليس تمامًا..
فقد مر أسبوعان ولم يقاوم أن يطمئن عليها كل يومين أو ثلاثة..
أحيانًا تجيب وأحيان أخرى لا..
رغبة داخلية تدفعها لترد عليه..
وصوت آخر يرفض ذلك ففي الأغلب كانت تخضع للثاني..
لن تنكر أنها تنتظر رسائله يَوْمِيًّا وعندما لا يراسلها تشعر بخيبة أمل..
لا تدري سبب انشغالها بشخصٍ لا تعرفه..
لم تره ولا تظن أنه سيحدث ولا حتى في الحُلم..
لم يكن لديها اهتمامات خاصة أبدًا، ولا تفكر حتى في عدم تواصلها مع البشر بسبب تشدد والدها..
الجميع يراه رجل ملتزم دينيٌّ يغار على أهل بيته وخاصة ابنته الوحيدة....
ابتسامة ساخرة تلوح على شفتيها وهي تُعيد الهاتف لمخبئه وهي تفكر أن والدها لم يكن يومًا مثالًا للرجل الملتزم دِينِيًّا..
وهل الالتزام بالصلاة والصوم واللحية؟
الإسلام الذي كرم المرأة لم يكن يرضى أبدًا بإهانتها وكسرها وتحطيم كرامتها تحت مسمى خوف العائلة..
في بعض الأحيان تجد نفسها تتأمل ملامحه بتعجب..
وتقسم أنه لو غاب عنها شهر واحد لتنساه كُلِّيًّا..
هل ستحزن عليه لو مات؟
السؤال يتردد بين جنبات عقلها فلا تعرف له جوابًا..
تكره عدم إحساسها بأهميته في حياتها..
وتكره التفكير في كيف ستكون حياتها لو تحررت من سجنه وباتت حرة تملك زمام أمرها، لا يكبلها غضبه..
تنهدت بضجر وهي تلملم أطباقًا بفكرٍ منشغل..
كل شيء بات ثقيلًا على قلبها، لا توجد رغبة حقيقية في فعل أي شيء..
حتى القراءة لم تعد متنفسًا لها ولا هربًا من الواقع كما كانت..
بل أصبحت تجري بعينيها على السطور كمن يطارد سرابًا..
كلما ظن نفسه أقترب ولحق بمبتغاه يجد نفسه يقبض على فراغٍ.
لطالما حَلَمْت بأن تحيا قصة حب مثل التي تقرأ عنها في الكُتب..
لا تريد زواجًا تَقْلِيدِيًّا، لا تريد أن تُزف عروس لرجل يُهدر كرامتها كل يوم..
لا تريد أن تكون مجرد وعاء للإنجاب..
لا تريد أن تخرج من سجن والدها إلى سجن رجل آخر..
ليس عدلًا أن يكون قدرها أن تظل حبيسة جدران مع اختلاف المسمى..
تفكير غريب أن يراود فتاة لم تتجاوز السادسة عشرة بعد ولكن على الرغم من سجنها إلا أن القراءة كانت نافذتها لمعرفة كينونتها كأنثى، عرفت الكثير ولكنها لن تستطيع يومًا أن تطلق العنان لمعرفتها..
رغم كل شيء هي لن تستطيع أن تغير رأي والدها الذي ما زال رغم تقدم الحياة يرى أن الأنثى عار يجب إخفاؤه أو التخلص منه..
كل ما أصبحت تتمناه الآن أن يرزقها الله برجل يعرف قيمتها كامرأة لا يعاملها كجارية..
أجفلت على صوت تحطم الصحن الذي تمسكه فارتدت للخلف تلقائي، زفرت بضيق وهو تستمع إلى خطوات تقترب من المطبخ فتوقعت أن تكون لوالدتها..
بالطبع لم تفلت من صراخ والدتها التي ظلت لنصف ساعة تخبرها كم هي مستهترة ولا تستطيع فعل شيء دون أن تخربه وكيف ستفتح بيتًا وتتحمل مسئولية رجل وأطفال..
لم تحتمل أكثر فلم تعِ لنفسها ألا وهي تصرخ بقوة وهي تضع يديها على أذنيها:
- كفى أمي كفى لقد سئمت!!!!
شهقت أمها بصدمة من انفجار "فرحة" المبالغ فيه والذي لم تتوقعه أيضًا..
انتفضت "فرحة" على صوت شقيقها الأكبر إسماعيل الذي جذبها من معصمها بقوة آلمتها يهتف بحدة:
- كيف ترفعين صوتك على أمك!!!
لقد فاض الكيل بها، دفعته في صدره وهي تحاول الإفلات من قبضته التي كادت تكسر ذراعها وصرخت فيه هو الآخر:
- أبتعد عني لم أعد أحتمل تدخلك فيما يخصني..
اتسعت عينا إسماعيل وهي يتطلع إليها بصدمة وكان رده عليها صفعة هوى بها على وجنتها جعلتها تترنح بينما قبض على خصلاتها بقسوة صارخًا بغضب:
- كيف تجرُئين على الحديث معي بهذا الشكل!!!
لم تؤلمها الصفعة بقدر ما آلمتها كرامتها التي تُهدر باستمرار فقاطعته وهي تصرخ وتضربه على صدره حتى يفلت خصلاتها التي تتقطع بين أنامله:
- وأنتَ من أعطاك الحق في ضربي وإهانتي!!! أبتعد  عني!! اتركني لقد سئمت منكم.. أكرهكم جميعًا..
الغضب أعماه، لم يشعر بنفسه إلا هو ينهال عليها ضربًا بكل قوته ويجذبها من شعرها حتى خرجا من المطبخ، صرخاتها تكاد تصل إلى عنان السماء، تحاول أن تتفادى صفعاته وأمها تقف ثابتة لا تتحرك، تراقب ما يحدث بجمود كأن تلك الفتاة ليست ابنتها ولدت من رحِمها بينما زوجته تحاول أن تتدخل لكنها تتراجع إلا وسيكون نصيبها مثل فرحة تمامًا..
لم تجرؤ يوم على أن تنظر إليه دون أن ترتجف فهل جاء اليوم الذي ترفع صوتها فيه وتتبجح!!!
كثرة الضرب أنهكتها حتى لم تعد لديها قدرة على المقاومة أو الصراخ، لا تدري ماذا حدث..
فوجدت نفسها تُسحب بقوة وصوت "عيسى" يتداخل مع صرخات "إسماعيل" كطوق نجاة..
معجزة تنقذها في زمن يزعمون أنه بلا معجزات..
دقائق تمر ولا تشعر سوى بذراعيه يحيطان بها وصوته يأتيها بعيدًا جِدًّا فلا تستوعب منه شيئًا..
استسلمت للألم الذي أهلك جسدها وسقطت مَغْشِيًّا عليها في ظلمة مؤقتة، تمنت لو تدوم..
......

خلف قناع العادات، كاملة (مستوحاه من احداث حقيقية)Where stories live. Discover now