الفصل الرابع

453 16 3
                                    

الفصل الرابع

جالسة على السلم الخلفي للمبنى، نادرًا ما يستخدمه الطلاب فجلست هنا ترتاح بعدما أنهت عملها، تستهوي العزلة بعيدًا عن الناس، تلتمس من عزلتها الأمان وتتسلح بقواها الداخلية لتساعدها على مواجه العالم الخارجي بثبات رغم ذلك ترى نفسها تفشل، هذا التظاهر لم ينجح في إخفاء رجفة جسدها عندما تكون بين جموع الناس، تجد نفسها تُسرع في خطواتها لعلها تختبئ منهم، يهيئ لها أن الجميع يريد أذيتها فيدب الخوف في أوصالها، تمسح "روح" دمعة انسابت على وجنتها ببطء، تحتضن جسدها بذراعيها وتستند برأسها على الحائط الجانبي وتهمس بصوت مسموع:
- أشعر بشيء غريب..
- ما هو؟
تظن أنها سمعت صوتًا يُجيبها، لم تنتبه أنها هي التي تجيب على نفسها:
- أشعر بعتمة في صدري.. أشعر بكل بشيء يدفعني للهلاك..
لم تشعر بزوج العيون التي كانت تراقبها، بينما أظلمت عيناها وتجتاحها ذكرى قديمة تشعر بها تكبلها، وأختنق قلبها بغصة لدرجة أنها شعرت بصعوبة في التنفس، أغمضت عينيها بقوة..
وسيل الذكريات يسحبها كأنها تغرق في بحرٍ عميق..

صوت والدها يأتيها واضحًا من الردهة مصحوب بصوت رجل ذي لهجة غريبة لا يمكنها تحديدها بالضبط ، كانت قد رأته مع والدها مرتين، لم تهتم بهما وأكملت ما كانت تفعله، الأقلام الملونة مبعثرة من حولها تستخدم واحد وتلقي الآخر، وشقيقتها تجلس على الفراش تقلب في كتاب دون تركيز حقيقي، أمها تناديها فتترك ما بيدها وتنهض مسرعة لتلبي النداء، مرت من أمام والدها وصديقه عندما خرجت لتجلب شيئًا لأمها فاضطرت لإلقاء التحية بأدب عندما رأوها فابتسم لها والدها بحنو، أما الرجل فاحتضن كفها وهي ترتسم على شفتيه ابتسامة جانبية، رغم وسامته الواضحة إلا  أنها أصابتها بالنفور، شعرت برعشة تسري في جسدها ولم تفهم سببها فسحبت يدها بسرعة وهي تنسحب لتعود إلى والدتها في المطبخ، في طريقها للعودة لغرفتها سمعت الرجل يتحدث مع والدها فشعرت بالفضول لتعرف ما يقولان، أرهفت السمع دون إن تلفت النظر لها من خلف الستارة، سمعت بعض الحديث لم يهمها في شيء فقررت العودة لتكمل رسمًا ولكن أوقفها صوت الرجل قائلًا:
- أنا أريد الزواج من ابنتك..
عقدت حاجبيها وهي تعاود الوقوف مكانها وترهف السمع، لم تشعر بشقيقتها التي لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها خرجت هي الأخرى ووقفت خلفها وسمعت ما قاله الرجل، توقعت "آسيا" أنه يطلب يدها فانقبض قلبها، صوت والدها يأتيها واضحًا بتساؤل :
- آسيا؟
- بل روح
شهقت "آسيا" بقوة فانتفضت "روح" وهي تضع يدها على شفتيها، ارتجف قلب "آسيا" بين ضلوعها وهي تسمع والدها يتكلم بهدوء:
- لكنها ما زالت صغيرة..
ولم تعرف ما قيل بعدها حيث أمسكت بها والدتها من ملابسها هي وروح وأدخلتهما للغرفة وهتفت بحدة:
- ما الذي تفعلانه بالخارج!! والدكما لو رأى إحداكما بالخارج سيعاقبها..
وخرجت صافعة الباب خلفها بقوة، جلست "روح" على الأرض وهي تفكر هل ما يقوله الرجل صحيح أم مجرد مزاح!! بالطبع يمزح كيف لرجل كبير ناضج أن يتزوج فتاة مثلها
أما "آسيا" كانت في عالم آخر، قلبها يخفق بقلق وصدمة..
عقلها يطرح أسئلة عديدة، ما الذي يجذب رجل في مثل عمره تجاوز الخامسة والأربعين لفتاة مثل "روح" لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، تعلم أن "روح" تمتلك ملامح جميلة لكنها ليست مبهرة، لم يكن بها أي شيء مميز سوى شعرها الذي تجاوز أسفل ظهرها ببضعة سنتيمترات فيلفت النظر لها في كل مكان، حتى أن جسدها أقرب لجسد طفلة فملامحه بالكاد تظهر من خلف ملابسها، في كلتا الأحوال هي ما زالت طفلة..
بالطبع والدها لن يوافق على هذا الهراء، ذلك الرجل أما أنه مختل عقليًا أو يمزح..

خلف قناع العادات، كاملة (مستوحاه من احداث حقيقية)Where stories live. Discover now