الفصل الخامس عشر

285 18 7
                                    

الفصل الخامس عشر

جهاد النفس أصعب أنواع الجهاد أشبه بالعذاب، وحماية الروح من فجوات اليأس عذاب آخر ..
...

في غمرة يأسها وتشتت أفكارها، دفعها اليأس لتنهي حياتها.. لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة..
حينها انتفضت كمن أصابه مس، والقت الشفرة الحادة بعيدًا عنها..
العبرات التي كانت حبيسة حدقتيها انسابت تحرق وجنتيها وهي تحدق في المقعد المتحرك الذي بات رفيقها.. 
وسجنها الآخر..
انتبهت من شرودها على حركة اهتزاز الهاتف أسفل وسادتها، لا تدري ما الذي جرف عقلها لتلك الذكرى حينما قررت أن تنتحر..
تستغفر ربها بصوت مسموع، لولا حديث صالح الذي قفز لعقلها في تلك اللحظة لكانت ارتكبت معصية لا تغفر، لكانت قابلت ربها على معصية..
صالح..
تخط اسمه في دفتر مذكراتها كما تفعل في بداية كل صفحة مُنذ أن عرفته..
لكن هذا المرة في كل ما ستكتبه يخصه..
"صالح..
شعاع نور أضاء حياتي..
صالح..
قبضة قوية انتزعتني من غمرات يأسي ووجعي..
وانتشلت قلبي..
وهدهد روحي من كل ألمٍ قد حل بها..
زرع قناديله المضيئة في بئر الظلمات الذي غرقت فيه رغمًا عني.."
أغلقت دفترها متنهدة، تشرد عيناها في ذكرى أخرى، لكنها ذكرى زراعة الأمل، و إنبات الحياة، و إحياء قلبٍ كان يقاوم السقوط وكاد أن يستسلم لولا تلك الكلمات التي فتحت لها باب الأمل الذي ظنته أُغلق في وجهها منذ زمن..
سبعة عشر عام عاشتهم تحت سقف هذا البيت، يضم عائلتها التي لم تتقبلها يومًا سوى عيسى، لكنه هو الآخر لا يسعه تحرير روحها من سعيرها..
يسعر لكن ما باليد حيلة، هو الآخر سجين إطار العائلة، مهما حاول انتزاعها منها يجد نفسه ينغرس فيها هو الاخر أكثر ..
لا تصدق أنه مر ثلاثة أشهر على ما أصابها، والعجيب أنهم قد مروا سريعًا، لم تشعر بهم..
عيسى وعبدالله يُسانداها لتتم علاجها، صالح يدعمها بكلماته يوميًا دون انقطاع..
عندما أخبرته ما حدث لها، كانت محطمة تمامًا، أفرغت كل ما في قلبها في محادثة بينهما كالعادة، أرسلت له بيأس:
- لماذا أنا؟ لماذا يحدث لي أنا كل هذا دونًا عن الجميع!! هل كان ينقصني سجن آخر!! هل كُتب عليّ أن أبقى حبيسة جدران البيت وحبيسة هذا المقعد!!!
انتظرته حتى أرسل لها تسجيلًا صوتيًا بلهجته التي تعشقها وصوته الأجش الحنون:
- لا تيأسي يا صغيرتي، إنه ابتلاء من الله ليختبر صبرك وإيمانك، وأنا عاهدتك مثابرة لا تسقط مهما حدث لها.. 
لحظات ويرسل لها تسجيلًا آخر:
- أنظري للجانب المشرق، كان عيسى يهتم بكِ وحده، الآن بات عبدالله هو الآخر يُبدي اهتمامًا واضحًا بكِ، أصبح لكِ شخصين حولك يحفلون من أجلك..
 تلك هي الحياة.. إذا أشتد سوادها ستري ضوءً مشعًا في أخر النفق.. ويجب أن تعلمي شيئًا أيضًا..
انقطع الصوت وانتظرت لدقيقة حتى أرسل غيره:
- أنا هنا من أجلك دومًا، حينما يهجرك الجميع، حينما تخونك نفسك وتفقدينها، أنا هنا لأُعيد ترتيب ما حلَ بقلبك.. أنا هنا.. وأُحبك..
تناسب دموعها بصمت دون قدرة على كتابة شيء، حتى لسانها قد عجز عن قول شيء..
واختتم حديثه معها ذاك اليوم قائلًا:
- عديني أن تكوني قوية، من أجلي، من أجل نفسك قبل الجميع..
- أعدك..
أرسلتها دون تردد، وتلاها واحدة أخرى منها:
- عدني أنت الآخر أن تظل معي، أن تبقى حتى لو رحل الجميع.
- أعدك أن أبقى، واعدك ألَّا اسمح لأي شخصًا أن يفرق بيننا.. حتى لو كان هذا الشخص هو أنتِ..
..
للمرة الثانية يجرفها عقلها للذكريات، تلك المرة انتبهت على اهتزاز مستمر للهاتف فعرفت أنه يهاتفها، أغلقت الاتصال وفتحت رسالته:
- ماذا تفعلين؟
- أفكر
- إلى أين ذهب عقلك؟
- إليك، ليس لي سواك أفكر فيه..
ابتسم صالح وهو يقرأ رسالتها الأخيرة دون أن يفتحها، يُسقط الهاتف من يده على الفراش وينهض متجهًا إلى شرفة غرفته، يشاهد الرياح الشديدة بالخارج، اوراق الأشجار تتطاير في كل مكان، يراها بشكلٍ واضح من البناية العالية الذي يسكنها.. فصل الخريف أتى سريعًا هذا العام مجتاحًا اوراق الشجر، يُسقط منها الضعيف والميت، فقط من حافظ على رونقه وتمسك بالحياة هو من يفلت من هذا القدر المُحتم

خلف قناع العادات، كاملة (مستوحاه من احداث حقيقية)Onde histórias criam vida. Descubra agora