الفصل الثالث

472 15 1
                                    

الفصل الثالث

- آسيا احكي لي لي عن الحب، هل هو مؤلم؟
أسبلت آسيا أهدابها وارتجفت شفتاها، مسحت على بطنها المنتفخة وهمست باختناق:
- نعم مؤلم، مؤلم جِدًّا..
- إلى أي حد؟
همست بها "روح" ببراءتها المعتادة رغم ما مرت به وسنوات عمرها التي تجاوزت الخامسة عشرة فأجابت "آسيا" ودمعة ساخنة تنساب على وجنتها:
- مؤلم للغاية يا روح، لدرجة جعلك تصرخين وجعًا، تحترقين، مؤلم حد الموت..
عقدت "روح" حاجبيها وهي تستمع للهجة شقيقتها الغريبة وارتجف قلبها للتعبير الغريب فاستطردت "آسيا" بقوة وهي تمحي دموعها:
-إياكِ أن تسلمي قلبك لرجل يوم فكلهم سواء، يستغلون قلبك.. ويأخذونكِ ليمتصوا كل قطرة حب منكِ ثم يلقون بكِ جثة هامدة على قارعة الطريق.. محترقة الروح فتحيين جسدًا فقط لتتجرعي مرارة خيبتك ما بقي من عمرك..
صمتت تلتقط أنفاسها وشفتاها ترتعشان، كتفت ذراعاها حول جسدها وأغمضت عينيها قائلة بخفوت:
- إياك أن تمنحيهم ثقتك.. سيأتي عليكِ يومًا تتوسلين فيه الخلاص بعدما تُسْتَنْفَد سنوات عمرك في اللا شيء..

"روح أين شردتِ هيا يا ابنتي لقد وصلنا"
انتبهت من شرودها على صوت "أمينة"، نظرت حولها لتجد أنهما قد وصلا أمام المدرسة التي تعمل بها "أمينة"، حيث استطاعت أن توفر لروح عمل معها المدرسة، للحظات شعرت بخطواتها تتجمد أمام الباب بينما "أمينة" تنظر لها بتساؤل، كانت "روح" سارحة بأفكارها وبداخلها تساؤلات عدة..
هل يمكنها بدء حياة جديدة هنا؟
هل سيكتب لها الله أقدارًا جميلة في هذا المكان؟
عالم جديد عليها لم تكن تظن أنها ستخطو بداخله يومًا، هذا ما تخشاه حق، هؤلاء البشر مختلفون تمامًا عن من تربت بجانبهم، فهي كانت من عائلة متوسطة الحال بل تكاد تكون فقيرة..
هزت رأسها بقوة تنفض تلك الافكار عنها وخطت نحو المدرسة وهي تمني نفسها بحياة جديدة هادئة، لا تخللها كوابيس، ولا تطاردها فيها صرخات..

ساحرة.. أبسط كلمة يمكن أن تقال عليها، يحدق فيها مذهولًا كأنه لم يرَ نساء من قبل، عيناه تنتقل بتأن، بدءًا من ملامحها المرتبكة وارتجافة جسدها الواضحة للعيان، ملابسها البسيطة بل أقل من ذلك، تكاد تكون مهترئة، وشعرها..
كان طويلًا وكثيفًا تخطى خصرها بمسافة، لم يعِ لنفسه وهو يسير إليها مرغمًا، وعيناه تلتمع وابتسامة بلهاء ترتسم على شفتيه وهو يقف أمامها..
أجفلت روح من ذلك الراجل الذي وقف أمامها فجأة فارتدت للخلف بحركة تلقائية تنتابها دائمًا تجاه الرجال أو الغرباء بشكل عام، عقدت حاجبيها وجسدها يرتجف ارتجافة خفيفة، تنظر إليه بتساؤل خائف فيبتسم لها مطمئنًا، ارتخت ملامحها تَدْرِيجِيًّا وصوته يتخلل لها بدفء غريب:
- من أنتِ؟
- روح..
للحظات لم يفهم فعقد حاجبيه بتساؤل فأردفت بتوضيح خجول:
- اسمي هو "روح"
ابتسامته تزداد اتساعًا لتظهر "غمزة" وجنته ويشعر برقة صوتها تنفذ لقلبه، يقف حائرًا لا يدري ماذا يقول، ولا يعرف ما الذي يفعله بوقوفه هنا مع فتاة لا يعرفها فقط وجد نفسه ينجذب إليها فذهب ليحدثها..
أي أحمق أنت يا عُدي!!
منذ متى تقف محدقًا في الفتيات هكذا!!
أخذ يعاتب نفسه سِرًّا لكنه أيضًا لم ينسحب كأن قدميه التصقا بالأرض و "روح" تنظر له بتوجس..
- لماذا تقف هكذا يا عُدي؟
أجفل على صوت "غزل" وارتبك، التفت لها وحك ظهر رأسه بيديه وأجاب محاولًا الابتسام:
- لا.. مرحبًا.. ماذا..
نظرت إليه عاقدة حاجبيها فتنحنح قائلًا:
- كيف حالك؟
- بخير..
أجابته ثم وجهت حديثها إلى "روح" مبتسمة بود:
- المدير وافق على تعينك يمكنك بدء العمل من اليوم..
ابتسمت لها روح بامتنان وهمست بصوت متقطع:
- شكرًا لكِ لا اعرف ما أقول..
ربتت على كتفها بحنان قائلة:
- لا عليكِ هيا اذهبي إلى أمينة
أومأت روح وابتعدت عنهما مسرعة بينما التفتت غزل إلى عُدي الذي كان يحدق فيها وهي تبتعد بنظرة غريبة لم تفهمها، أخرجته من شروده قائلة بنبرة مواربة لكنه فهمها:
- ستعمل هنا عاملة نظافة مع أمينة..
أومأ بشرود وهو يلتفت لها فبادلته النظر بتساؤل فهز رأسه دون معنى وقال:
- سأذهب لأرى عملي..

خلف قناع العادات، كاملة (مستوحاه من احداث حقيقية)Where stories live. Discover now