After Burn بعد الاحتراق

Von Ghada_hazem

1.2M 36.6K 11K

⁦⚠️⁩محتوى الرواية NC-18: غير مسموح لمَن هو بعمر 18 أو أقل من ذلك! حاصلة على المركز الأول ⁦1️⃣⁩ في تصنيف #علاج... Mehr

إستهلال
إستهلال (2)
نشر بارت اليوم على موقع رواية وحكاية
-1-
إجتماع هام 📓
-2-
اقتباس من النهاية
-3-
Out of our World
-4-
-5-
Comfort Zone
-6-
-7-
-9- الجزء الأول
-9- الجزء الثاني
-10-
مقابلة لطيفة (من انت)🎙️⁩
-11- الجزء الأول
-11- الجزء الثاني
-12-
-13-
-14- (الجزء الأول)
مناقشة مهمة جدا
اقتباس من البارت القادم
-14- (الجزء الثاني)
اقتباس لإثبات حسن النية⁦:-D⁩
-15- (الجزء الأول)
-15- (الجزء التاني)
اقتباس من البارت القادم
الفصل السادس عشر - ج1
-16- ج2
-17-
اقتباس 🔥
-18- (الجزء الأول)
-18- (الجزء الثاني)
-19-
-20- (الجزء الأول)
ازاي أقرأ الفصل على المدونة؟
(الجزء الثاني) -20-
اقتباااااااااااس مش فصلللللل!!
-21- (الجزء الأول)
-21- (الجزء الثاني)
-22-
23
23/ ج2

-8-

24.6K 881 310
Von Ghada_hazem


قد يبدو الأمر هينًا وأنا أحكيه لك الآن في جلسة ودية بعدما انقضى الهول
لكن أتعلم؟
إنه لم ينقضِ إلا ببضعٍ من روحي المحاربة!

•¤•¤•¤•

كم منا مر بهذه اللحظة، وقت أجبر على اختيار أفضل الأسوء .. لا مكان للحلول الوسط هنا .. انت تعلم، هذه ليست لعبة .. تنتهي فرص التفاوض مع الحياة حين تتحرر الوحوش من مكمنها!!

حينها، القرار لم يعد ملكًا لك..

بعينٍ مدمغه بالظلام والتيه، وقلبٍ فتتهُ الندوب الضارية، تسمرت فريدة أمام المرآة تحصي ما بقى لها من دقائق في هذه الحياة البائسة، بعد أن تناولت كل ما كان بجُعبتها من أقراص على دفعات متتالية.

تشعر بهذا، برودة تتشعب بأطرافها، وفراغ مُوحش يملئ روحها .. إنها خاوية من الداخل .. وبلحظة، جميع أفكارها المندلعة توقفت وسكنت بعد أن حصلت على مبتغاها الذي ظلت ﻷيام تحرضها عليه، ليحل من بعدها الصمت .. صمت من نوع مميز .. صمت مُوجع .. إنه صمت مشارف النهاية!!

ودون أن تدري تبدل كل شئ حولها وعادت لذلك الصمت الذي تسلل لروحها من قبل .. وقت إنهيارها الأول .. كانت هناك، تقف مثلما تقف الآن، منهزمه، الخراب يَعُث داخلها، تقف واليأس قد نال من روحها حتى تبدى الموت في عينها وكأنه الخلاص الوحيد.

تساقط جسدها ببطئ للتسطح الأرض الباردة، ثِقل يحتل قدماها ولا تعرف إذا كان هذا تأثير ما تناولته أم لتضافر روحها مع ما عبرت به سابقًا .. وقت صار الموت هو العلاج السريع لذلك الظلام الذي لطّخ حياتها .. العلاج لكل الآلم التي إستيقظت لتُعانيها .. صدمات وندوب تشوهها من الداخل والخارج، عجز يلتهم جسدها ويسجن قدمها ويصمْ وجهها .. بذلك الوقت شَقَّ عليها العيش مع كل هذا، وإنتظار شفاءً بعيد الآمد، لتقرر ذلك ليلة إكتفائها من كل هذا.

زاغت حدقتيها وهُيئ لها أنها تستشعر ملمس الكرسي المدولب أسفلها بمسانده الجلدية الباردة، وقد عادت لتلك الليلة منذ سنتان حين أضجعته ناقله جسدها إليه بمشقة بعد أن أوهمت الجميع بإستغرقها بالنوم .. وبعد أن ثبتت عجلات الكرسي بأرضية الحمام لتخرج من إحدى جيوب منامتها شفرة حادة جديدة وتنزع غلافها قبل أن تشرع في الكشف عن ذراعها الأيسر وتقرب منه الشفرة في تصميم مستهدفة أوردتها الظاهرة أسفل جلدها الرقيق.

ولكن قبل أن يحدث هذا سقطت عينها تلقائيًا على ندوب عميقة تشكل خطوط متفاوتة الأطوال على إمتداد رسغها وحتى كتفها، وحينها بَزَغَ أمامها صور متقطعة ليدٍ رجولية تقبض على مشرط وتحدث بجسدها هذه الجروح .. جروح سطحية عديدة لا تتجاوز السنتيمتر من طبقة الجلد، ولكنها كانت على درجة من الحرفية والبطئ الكافي لينتزع روحها قبل صراخها.

حينها تهدجت أنفاسها بضحيح مستعر وقد تحولت الصور لمشهد كامل الإركان، لترى بصورة أوضح سرعة إنتقال يده على طول جسدها محدثًا بمشرطه اللاذع العديد من تلك الجروح، دون الإكتراث لدمائها التي باتت تشذب من جسدها أو حتى الإلتفات لصرخها الشحيح .. وجدت نفسها على دراية غريبة بأماكن هذه الجروح، ودون أن تدري أنها تفعل كان تخلع عنها ما ترتديه لتتأكد مما ينهمر على عقلها، ولتنعكس بعد ذلك الصورة الصحيح أمامها بالمرآة.

ﻷول مرة منذ أن عادت لوعيها من غيبوبتها أن تتدرج لجسدها بنظره متفحصة؛ فدائمًا كان هناك شيئًا يُنهيها عن هذا .. أما الآن، وبعد ما رأته من تَبّشُع، صرخت بنحيب داخلها دون أن يخرج لها صوت، أو حتى تهتز ملامحها المتصلبة، تخبر نفسها كم هي ضئيلة، وشنيعة، مشوهه كالأرض التي مر عليها قطيع غاشم!!

آنى لها العيش مع كل هذا الخراب!!

بتلك اللحظة أجاب عليها صوتٍ ساخر يبادر السؤال بآخر .. آليس هذا الخراب ما كادت أن تشارك به الآن؟! .. من ثواني مضت كانت ستقدم على فعل الجرم ذاته .. كانت ستشارك قاتلها في إنتهاك جسدها وسلبها حق الحياة .. لم تكتفي بما فعله لتأتي هي وتعينه على إتمام مهمته .. أن تتحول بفعلتها لجاني آخر، أهذا ما أرادت؟! .. أن تتساوى الضحية والجاني ﻷول مرة؟! .. لم يكفيها الظلم الواقع عليها، لتأتي هي أيضا وتظلم نفسها .. أهذا ما تستحقه؟!

وجدت نفسها لا تفرق شيئا عن الشعوب التي تترك الجاني ينعم بحياته وتنزل العقاب بالضحية!!

تساقطت دموعها بغزارة مع صوت إرتطام الشفرة بالأرض .. مردده بين جانبات نفسها:

- "لا، لا أستحق هذا!!"

إنقضت الليلة ولا تعرف كيف إنقضت، ليأتي من بعدها نهار جديد وشيئًا بداخلها قد تغير .. لم تعد تلك الفتاة المنهزمة المستسلمة لمصيرها، بَزغ داخلها من العزيمة والقوة ما بدد الوحشة وهزم الظلام، لتتوجه إلى طبيبها النفسي ذلك اليوم وتخبره بما توصلت له من حل يخفف من معاناتها ووطأة ألمها النفسي .. حل لم تكن لتتخيل يومًا أن تلجأ له، إلا إنه بذلك الوقت كان أرحم كثير من قتلها لنفسها.

وضعت يدها أعلى صدرها تضغط على قلبها الذي ينقبض وينبسط بسرعة قصوى، وقد زاغت بصرها وصار كل شئ حولها بالحمام يتحرك، حتى إختلت إستقامت جزعها لتسقط على الأرضية الباردة .. ومن بين كل هذا توسد رؤيتها ذلك اليوم الذي فترشت به السرير الطبي، ليأتي طبيبها ويحقن بوريدها إبره تحتوي على مخدر ثم يتبعها بأخرى معبئة بجرعة من (الأدرينالين)، في حين كان التمريض يقوم بتجهيز جسدها ونزع أي شئ معدني، قبل أن يحزموا حول جسدها أربطه طبية تثبتها بالسرير ويضعوا بين أسنانها شئ مطاطي .. ومن ثم تأتي الخطوة اﻷخيرة، وهي تثبيت لاصقتين طبيتين على جانبي صدغيها موصلاتان بأسلاك كهربية، وقبل أن تشعر بشئ كانت تغرق بنوم عميق لتستفيق بعد مدة وشيئًا من ألمها النفسي قد إندثر كإندثار ذاكرتها!!

أربعة جلسات كهرباء لتنظيم إيقاع المخ (ECT) هي كل ما إحتاجته لتتخلص من إكتئابها الحاد بسرعة لم تتخيلها .. بعد إنتهاء كل جلسة كان التحسن يتجلى على وجهها رغم ما كانت تعانيه من إعياء لاحق للجلسة يستمر ﻷكثر من يوم .. ولم يكن يخفف عليها وطأ كل هذا سوى وجود عائلتها بجانبها .. هذه التجربة ساعدتها على وضع الأمور بنصبها الصحيح، وتقدير قيمة وجود عائلة حقيقية تحبها وتحتويها دون شرط، حطمت الحواجز بين وبين والدتها وجددت شريان علاقتهما.

بعد خروجها من هذه التجربة شعرت بأنها قد إستعادت شئ من نفسها القديمة، صحيح ليس بنفس القدر، ولكنه كان كافي لتنطلق بعدها مكثفة كل جهودها في جلسات العلاج الفيزيائي ليكتمل تعافيها جسديًا ونفسيًا، وأعانها على المثابرة في ذلك وجود كًلا من مراد وسارة اللذان لم يدخرا جهدًا في دعمها، ليزداد يقينها بأنها بعد كل هذا لن تسقط أبدًا .. بالأصح أخذت العهد على نفسها بألا تسمح لها بالسقوط .. ليس قبل أن تشهد بعينها سقوط الجاني!!

ولكن أين هي الآن من هذا وأين ذهب العهد؟؟ .. لقد سقطت مجددًا، ونثرت كل ما بذلته من جهد على مدار سنة مع أول عاصفة ضربتها .. سقطت مرة أخرى وأخلت بالعهد وخانت نفسهاد لتهدي الجاني نهاية سعيدة!!

حينما وصلت لهذه الفكرة، ثارت روحها المحاربة ضدها بجسارة لتلعنها على قبح ضعفها وإنهزامها المخزي .. ورغمًا عنها فوجئت بنفسها تزحف على أرضية الحمام بما بقى لها من وعي، شاحذه قوتها، مستنفرة كل خلية بجسدها لتعينها على المحاربة ضد الموت.

حاولت تحريك جسدها لتزحف لقاعدة المرحاض، المسافة لم تكن بعيدة إلا أن جسدها كان ثقيل لدرجة أشعرتها بأنها النهاية .. فات أوان النجاة، أنتِ الآن تواجهي الموت!!

وعلى الصعيد الآخر من وعيها، وجدت صوت هي تألفه .. صوت محبب لقلبها، لكنها بهذا الوقت عجزت عن تحديد هوية .. صوت كان يحدث نفسها "قاومي فريدة .. أصمدي قليلًا هذه ليست النهاية .. ليست نهاية تليق بما تغلبتي عليه .. الموت ليس مكانك أنتِ فريدة!!"

وعندها -عندها فقط- إستطاعت أن تزحف بجزئها العلوي حتى وصلت إلى قاعدة المرحاض لتدب أصبعها بوهن داخل حلقها، وعلى الفور كانت تجتر ما إبتلعته من أقراص، أو بالأصح ما لم يتحلل بعد بمعدتها.

بعد دقائق من التقئ، وحينما استعادت جزء من وعيها، اتجهت صوب صنبور المياة وضمت شفتيها بفوهتها لتندفع المياة بجوفها مساعدة إياها على ابتلاع ما تستطيع منه لتخفف من تركيز الأدوية بجسدها، ومن ثم أعادت كرة تقيئها من جديد.

مرتان وربما ثلاثة كررت ما فعلته حتى استشعرت الإنقشاع النسبي لتأثير المخدر عن عقلها وخف الدوار، لتنسحب بجسدها ببطئ نحو الغرفة، وتندس بجسدٍ متهالك خائر القوى أسفل الفراش وقد طغى التعب على إدراكها، إلا أن ذلك لم يمنع عقلها عن مواصلة لعنها وجلدها لما اقترفته.

● ● ●

انتظرها طويلًا، لم يفعل شئ بيومه سوى انتظرها .. من آنً لآخر كان يلقى نظرة نحو غرفتها علَّها تنير قلبه برؤيتها، إلا إنها غابت هذا اليوم أيضًا!!

كيف يمكن لإنسان أن يكون بهذه الدرجة من القرب، وبالوقت ذاته بعيد؟! .. بعيد لدرجة أنه يُحرم من رؤيتها المهلكة كشمسٍ براقة تحرق بلهيبها كل قريب!!

توسط القلق صدره خاصة وهي لم تفتح بابها له وقت الغداء، حتى مع نداءه المتكرر لها .. ظن أنها عادت لتتجاهل مرة أخرى، ولكن حين استرق النظر لنافذتها من الخارج وتبدى له نومها العميق بهيئتها المرهقة، اعادته لتلك الأيام التي كانت تجمعهما في لحظات حميمية تسقط بعدها بنومًا كهذا، تلفظ به غطائها ولا تشعر حتى بأنها لا تتوسد شئ أسفل رأسها .. لساعات بقى يراقبها، يبتسم بين الحين والآخر بحزن دفين ينبض بشرايين قلبه الواهن، يذكره بكم كانت الجنة بين يديه، ولمدى حماقة لفظها واختار الجحيم!!

مضى النهار بينما هو بمكانه، ولم يشعر بنفسه إلا والليل قد أغشى عليه .. أعاد نظره لتلك النائمة على وضعها قلما يصدر عنها حركة طفيفة، ووقع في حيرة من أمره، لم يعرف ماذا عليه فعله، لقد انقضى النهار ولم تتناول إلا وجبة الإفطار، وليس من عادتها أن تنام بمتنصف النهار كل هذه المدة .. أصدر تنهيدة حارة أفرج بها عما يعتريه، بدأ يرتابه القلق حيال وجود خطب معها، ثم اتخذ قراره بالأخير سيجرب معها مرة أخيرة وإن لم تستجيب، لن يمنع نفسه عن تفحصها.

وقبل أن يفارق موضعه تسرب إلى سمعه صوت همهمات .. همهمات واهنه ضعيفة .. إلتصق بالزجاج غير عابئ برؤيتها له، ليتأكد ما سمعه، همهماتها تتعالى بينما تدس رأسها منغمسة بالفراش، وكأنها تخبئ وجهها مما تتراه .. تبا لذلك، انها على مشارف الخوض في كابوس!!

لم ينتظر مكانه وهرول إلى غرفتها بتمنى أنها لا تغلق الباب بالقفل، وبتوفيق من الله كان هذا.

هذا المرة استطاع تجاوز صدمته الأولى وتحرك اتجاهها ليمنع انغماسها في هذا الكابوس اللعين .. وجهها يغمره العرق، يديها المتشنجة على جانبيها، جسدها متحفز، وروحها أسيرة هناك بالظلام.

بنظرة منكسره تمزقه رؤيتها من الداخل، اقترب منها ليمسح عنها حبات العرق بحركات ناعمة، وكأنه يهذب وحشٍ ثائر، وهي بالفعل بهذه اللحظة كانت كذلك .. هبط بلمساته ليمسد ذراعيها محاولاً تليين تشنجها، حتى تشجع ليهمس لها بصوتٍ مرتجف:

- فريدة .. لا تخافي فريدة .. لا شئ مما تريه حقيقي!!

تأوه مختنق كانت استجابتها له وهي تدير بوجهها بعيد عنها، وبعقلها تجد تشوش كبير من واقعها وبين ما تعايشه اﻵن، لكن حينما تسلل إلى أنفها رائحته حتى تحولت آنينها لصرير متوجع يصدر من بين أسنانها المتلاحمة، تضغطها بقوة ليتردى صدى احتكاك ضروسها ببعضها، وعلى التوازي انحرفا معصميها بذات الإستداره الخطيرة التي رآها من قبل .. وهذا ما أفزعه، لينكب عليها بجسده، وهو يثبت يديها بوضع صحيح إلى الفراش، منحني على فريدة برأسه ليهتف بصوت عالي نسبيًا يخاطب به روحها:

- لا لا فريدة .. قاومي، قاومي فريدة، أنتِ قوية .. لا تدعينه يهزمك فريدة .. قاتليه، لا تستسلمي!!

ارتج جسدها أسفله وهي تشيح بوجهها يمنى ويسرى بحثًا عن هرب من صوت، ليزداد جزها على أسنانها أكثر .. ترك أدهم إحدى ذراعيها وملامحه كتلة من الهلع، ليمسك بفكها ويحاول التخفيف من ضغطها عليه خشية أن تؤذي نفسها، إلا كانت حقًا حالة ميؤسة!!

ازداد ضغطها على جانبي فكها، وقد تحول هتافه لها لصراخ متوسل بغضب:

- لا فريدة .. توقفي أنتِ تؤذين نفسك .. قاتلي فريدة، لا تؤذي نفسك. لا تدعيه يهزمك، قاتلي ارجوكِ!!

وقبل أن يتم جملته كانت ترفع ذراعها الحرة لتخبئ بها وجهها، وحينما ارتطمت بجسدته الكائن فوقها عملت على تسديد لكمات وضربات طائشة شديد السرعة لثواني كانت كافية لترسل لعقلها إشارات بأنها قد تجاوزت حيز اللاشعور وهي تواجه الآن الواقع!!

لم يتراجع حتى مع قساوة الضربات، بل استمر في تعزيزها على ذلك بهتافاته، وقد رآى أن الأمر كان فاعلاً معها، وقد نجح في تشتيت عقلها عما ينسجه لها من خيالات مرعبة، ليرتخي تشنج ذراعيها ويخف صرير أسنانها .. تراجع ببطئ على الفراش فقط حينما رآها تفتح عينها بطريقة مباغته على أقصى اتساعٍ لها، بينما هي لم تتراجع.

كانت ترمقه بنظرة متوحشة لا عهد له بها بينما تتابع تراجعه بلكماتها العشوائية حتى أفقدته القدرة على النهوض، وبدت له من موضعه أسفلها على الفراش بحالة فاقدة لتوازنها العقلي، وكأنها لم تستفق من حلمها بعد!!

ضرباتها هائجة تزداد قساوة مع تعالي صراخها، وكأن روحها المظلمة هي المتحكمة بها، ما بين لكمات وصفعات كانت تضرب هي بغل لتجرح بأظافرها وجهه، وتحدث لكمات لا أحد يصدق أن أصابعها الرقيقة هي ما فعلتها .. أما هو، فتلبسته حالة إستسلام غريبة، لم يحرك أصبع للزود عن نفسه ضد عدائها المتوحش، ربما ﻷن كان يرى مدى حاجتها لهذا بعينها المحتقنه التي تبكي بقهر وتصرخ بولع من بين ضرباتها، وربما ﻷن هذا ما أراده هو .. أرادها أن تفرغ ولو قليلًا من شحنة الغضب التي تحجم روحها، علّها تنعم بلحظة هدوء!!

لم تمهله الوقت ليستوعب عقله، فبذروة جنونها كانت تنتشل صينية الطعام الخشبية من جانبها مطيحة بما فيها، لترفعها عاليًا عازمة على تحطيم وجهه بها .. بل الأصح، كانت عازمة على قتله!!

نظرته .. تبا لنظرته تلك اللحظة!! .. شعرت وكأنها تنفذ إلى روحها وتخترقها لتجردها من قوتها .. نظرة ألبكت بدنها لما كانت تحمله بداخلها من احتواء لروحها الثائرة، وكأنها تهدهدها بعاطفة صادقة .. نظرة لعينة كانت على دراية بها دون الحاجة لذاكرة، إنها النظرة التي تخبرها بأنها الوحيدة التي ملكت نياط قلبه .. تخبرها بأن حياته ليس شئ أمام رضائها!!

للحظات كان لهاثها وشهقاتها هي كل ما يُسمع، بينما مازالت يدها تحتفظ بالصينية عاليًا في تهديد ما لبث أخذ طور التردد .. التردد الذي يحتل محياها، بينما تجول بعيناها الخاويتين وجهه المدمغ بالكدمات والخدوش وبضع قطرات دماء تنفذ من أنفه .. شيئًا في إستسلامه واستكانته أسفل منها ارسل شرارات حسية خدرت جسدها وامتصت هياجها، لتُسقِط من يدها الصينية بعيدًا، بينما تنسحب من فوق جسده بضياع، وقد انقشعت غيامة الغضب والجنون عن عقلها، لتدرك فداحة ما فعلته للتو وما كادت أن تفعله!!

انهارت بجسدها بعيدًا عنه في أحد أركان الفراش، لتحتوي جسدها بذراعيها تحاول لملمت شتات نفسها، عقلها في حالة فوضى ما بين ما حدث الآن، وما فعلته بالصباح، بكلتا الحالتان لا تصدق أنها نفس الشخص!!

من وضع ﻷسوء تتردى حالتها دون أن تمتلك أي فرصة في السيطرة، لسان حالها يسأل ويفتش عن هويتها بين كل هذا الخراب .. تيه وتشتت بل إنعدام رؤية نفسية، ضباب يحجب قلبها ويغشي عقلها .. أين هي الآن من الدكتور فريدة؟!

اعتدل بوضعه بسكون يراقب انسحابها المتخاذل، وكأنها تجر أذيال الخيبة من معركة خاسرة .. يراقب انكسارها أمام نفسها، بل رغبتها في التواري عنها .. عن نفسها!! .. يراقب كل هذا بعجزٍ بائن عن تقديم يد العون لها .. شحذ صوته ليخاطبها وهو لا يعرف حقًا ماذا يقول:

- فريدة...

- أخرج!!

صريخ مكتوم ولكنه كان زاجر صدر منها بينما تخبئ وجهها عنه .. حاول التحدث مرة أخرى لكن زجرتها كانت أقوى هذه المرةد وهي ترفع وجهها الممتقع ضاربة الفراش بقبضتيها:

- أخرج .. واللعنة ألا تسمع!!

نهض رافعًا ذراعيه لأعلى علّها تهدئ، فآخر ما تحتاتجه أعصابها هو انفعال آخر .. مع ذلك وجدها تنهض بشراسة وعينٍ متقده بالعداء، لتدفعه في صدره وهي تهدر بصوتٍ متهدج من فرط انفعالها تنفي به إستسلامها السابق:

- أخرج .. لا أريد رؤيتك مطلقًا .. ألا تفهم؟؟ أنا اتقزز من وجهك، وصوتك، وكل ما كل ما يخصك!! .. أنا أكرهك أكرهك .. أخرج ايها العاهر، أخرج!!

ظلت دفعاتها القوية تزج جسده بالرغم من ضخامته حتى أخرجته من الغرفة، لتوصدها على نفسها هذه المرة، ومن ثم تهاوى جسدها أرضًا .. كانت تعرف هذا، انقطاعها عن الدواء ﻷيام كان له أثر سئ على حالتها النفسية.

فطوال الأيام المنصرمة بالكادت كانت تنام، واﻷمر الجيد في هذا أنها لم تكن تروادها تلك الكوابيس اللعينة .. أم الأمر السئ فهو غرقها في مستقع أفكارها الضحل، وكلما مضى عليها الوقت دون نوم أو مهدئ، كانت تزداد انغماسًا، وتستفحل بعقلها الأفكار الإنتحارية، وتتضاف بعينها سوداوية حياتها، حتى تتيقن من أن قرارها بالإنتحار هو القرار الأكثر صوابا!!

أما الآن، فما هو إلى نتيجة طبيعية لما وصلت له، ولعتمة أفكارتها ولحرمانها من النوم .. كان طبيعي لدرجة مقززة .. طبيعي لدرجة جعلتها تخشى نفسها ﻷول مرة، تخشى ما قد تفعله دون أن تدرك حتى أنها تفعله .. تخشى من أن تستيقظ ذات مرة لتجد نفسها عليها مواجهة جريمة لا تتذكر لحظة ارتكابها!!

ما حدث الآن زاد من غرابة نفسها وتعثر تعرفها إليها .. ضرب بداخلها على نقطة ضعف أخرى، ازدرائها لنفسها!!

هذه هي الآن، هذا ما حولها له .. مجرد مسخ غير آدمي مثله، لا يعرف سوى الهمجية كطريق لتهدئة إنفعال روحه .. هل حقا أصبحت هكذا!!

وعلى غرارًا آخر، دبت خطوته أرضية القارب وهو يندفع بكل ما يحمله بداخله من مشاعر قاتمة تغذي جسده العجز والغضب والحسرة .. نظرات عينه الحالكة تحكي عن قهرٍ متعاظم يسكن داخله، ويمتزج بنقمه على نفسه ليوقد من عصر قلبه دون أي أمل في تخفيف كل هذا .. اندفع بكل هذا الوهج الحارق ليقذف جسده من الطابق الثاني للقارب، مرحبًا بصقيع البحر بهذا الوقت الذي لذع جسده كتيار كهربي، لم يبدي أي شعور حيال هذا مستقبلاً برودة الماء التي تنخر عظامه، علّها تبدد في طريقها النيران التي داخله!!

وهنا فقط سمح لتلك الدموع اللعينة أن تتحرر وتجد لها مكان بين ظلمة البحر بعد أن صارعها لأيام .. الآن فقط بكى، بكى كطفلًا يتيم أدرك لتوه خسارته أمه!!

وفي الخلفية، كان لا يزال يسمع صدى صوتها الذي يردد دون رحمة كلماتها، التي لم تفشل أبدًا في النفاذ إلى قلبه كطعنة سكين غادر ...

أكرهك!!

● ● ●

انجلى نهار جديد ليضمر في ثناياه لهيب ليلة مظلمة، لا يعرف أيًا منهما كيف انقضت؟!

وعلى توابع الأيام السابقة، بادر مبكرًا في إعداد فطورها بملامح خاوية وروح اندثرت ليلة أمس .. متجاهل كل ما اعتمل بداخله ليلًا ولم تستطع حتى برودة الماء احتوائه .. مذكرًا نفسه بهدفه، عازمًا على تقبل كل هذا وأكثر منها في سبيل إستعادتها لنفسها.

وعلى عكس ما اعتاد، لم تفتح له هذا الصباح لتغيب عن عينه لهفته في الإطمئنان عليها .. وجد نفسه يضع لها الأعذار والمبررات الكافية ليتركه على راحتها مع وعد بعودته إذا خرج الأمر عن حدود المعقول، ليترك صينية طعام على غرفتها ويرحل.

وعلى هذا مضى النهار ببطئ ثقيل عليه، خاصة ولم تفتح بابها ابدا .. يتكبده القلق كلما مضى الوقت، وتتدافع بداخله التساؤلات عما سيفعل في حال استصعبت حالتها .. بل ويتساءل أكثر عن سبب تقلباتها غير المتوقعة، فصباح أمس كانت سلسة التعامل، أما ما حدث يالليل فكان بمثابة صدمة أخرى من الصدمات التي من المفترضة أنه اعتاد على تلقيها.

بعد مغيب الشمس بساعات، وبينما كان طريح خواطره المضرمة، إنتبه للأضواء الخافته التي تنعكس على سطح المياة أمامه، والتي لم تكن آتية سوى من الطابق السطحي .. للحظة ظن أنه يتوهم ولكن مع صوت تهشم زجاج تأكد حدسه .. ليندفع بجسده قبل عقله، وهو يدعو ألا يكون قد أصابها شئ.

قلبه الملتاع شعر بها قبل أن يراها .. كانت تجلس إلى البار الكريستالي أمام المسبح وتوليه ظهرها .. محرره شعرها لأول مرة منذ أن آتى بها إلى هنا ليشكل أمواج صغيرة صاخبة كمزاجها الحاد تتطاير بفعل الرياح القوية بهذا الوقت، مرتديه إحدى قمصانه التي تصل لمنتصف فخذها .. تهادت دقات قلبه وهو يقترب منها ليتفحصها بقلق يتآكله من أن تكون تسببت لنفسها بأي أذية، لكنه لم يجد سوى كأسًا منكسر بالأرض، وكلما دنى منها أكثر كلما أدرك أن القادم أسوء مما مضى.

عندما شعرت بنظراته المندلعة التي تخترق ظهرها، تحدثت بنبرة خاوية تعبر عن الفراغ الذي تشعر به هذه الليلة:

- مثيرة للإشمئزاز، أليس كذلك؟؟

حقا لم يعي ما تقصد، لكن ما إن رفعت ذلك الكأس الذي كان من الواضح ما بداخله لتبتلعه دفعة واحدة، لم يشعر بنفسه إلا وهو يندفع نحوها بملامح جاهمة أكتفت من العبث لينتشل منها الكأس، وقبل أن يلمسه انتفضت مسافة عنه، وهى تهسهس بنفس الشراسة التي اعتادها منها هذا الأيام:

- إياك أن تلمسني!! .. إياك أن تلمس يدك القذرة جسدي، أفهمت؟؟

لم يفهم .. هو لم يعد يفهم حقًا ما تمر به من تغيرات سريعة ستفقده عقله .. أو بالفعل أفقدته عقله، ﻷنه أقترب منها بطريقة خطيرة وعينيه القاتمة توحي بأنه قد بلغ حده من هرائها .. إلام تنوي بفعلتها الهوجاء هذه؟؟ .. أردف بملامح حاد وهو يؤكد على كل حرفٍ يلفظه:

- وإلا ماذا فريدة؟؟ .. ليس ﻷنني كنت لطيف معكِ وأحاول مراعاة ظروفك أن تتصوري بأنني قد أسمح لكِ بهذا!!

قبل أن يرتد له جفن كان تكسر الكأس الذي كان بيدها بحافة البار، لتضع نصل قطع الزجاج المتبقية بين أصابعها على طرف معصمها، لتبتسم بعدها بعينٍ متحدية تبرق بجنون:

- وهكذا؟؟

ما كان منه إلا أن يعلن تراجعه وإستسلامه أمام جنونها الذي ينهال منها وهي في كل مرة تذهله ببلوغها مرحلة أعلى عن الأخرى .. ليحصي بعدها الإحتمالات بعقله ﻹنتهاء ليلة كارثية أخرى مع لعنته!!

أشارت له بطرف ذقنها ليذهب بعيدًا، فاستمر في التراجع بجسده حتى بلغ أريكة بيضاء تجاور البار وارتمى بجسده عليها .. ليأمرها بصوت متشنج من الغضب:

- لن أقترب، فهمت .. اتركي ما بيدك!!

رمته بنظرة مستهترة لهجته الآمرة، وكأنه يقوى على فعل شئ حقًا!! .. لقد راهنت على ما حدث الآن، ولكن لم تتوقع تراجعه السريع هذا، جبان!! .. اتخذت أبعد كرسي يطل على البار، واحتفظت بقطعة الزجاج عن قرب، لتعاود صب كأس آخر من ذلك النبيذ اللذيذ .. حدثته بينما تفعل هذا وقد عاد صوتها لنفس النبرة المتبلدة:

- لم تجيب سؤالي .. هل أبدو لك مثيرة للإشمئزاز؟؟

إستدارت له بجسدها مستنده بذراعها إلى البار، يتأجح الكأس بيدها، ثم رفعت إحدى ساقيها على الأخرى لتكشف عن الجزء العلوي منها، وما يتناثر به من ندوب متفرقه بعضها كان غائر، ولكن الأكثر كان سطحي .. تعلق نظرها بعينه بإنتظار الإجابة وهي ترتشف من كأسها على مهل.

ملامحه كانت غير مقرؤة لها، كان يرمقه بطريقة لم تفهمها .. لم تفهمها لأنه لا يمكنها الإطلاع النيران المضرمة بصدره .. عن أي هراء تتحدث الآن؟!، يبدو أنها قد تناولت ما جعل رأسها يتأرجح ولسانها يتفوه بالحماقات!! .. لذا آثر الصمت مفضلًا عزوفه عن الإشتباك معها، متوقعًا سقوطها في أي لحظة على اعتقاد أنها مرتها الأولى في الشرب.

هزت برأسها أكثر من مرة متظاهرة بالإستيعاب، وهي تتناول بعض حبات من المكسرات أمامها:

- حسنًا، فهمت .. أممم ما رأيك أن تحكي لي تفاصيل هذه الندوب؟؟ .. لقد خَممت وانت تحكي القصة على عجالة، لذا دعنا نحكيها الآن بمزاج رائق!!

إلتفتت له من جديد تحدثه بسلاسة، وكأن الحديث عن هذا لا يؤذيها .. انتظرت وانتظرت تحدقه بتحفز لأي كلمة، بل ﻷي تعبير يثلج قلبها .. إلا أن ملامحه الجامدة كانت تصدها .. كركرت بسخرية مريرة وهي تحرك رأسها بكلا الجانبين:

- لا تريد أن تتحدث!! .. حسنًا، سأسألك أنا وانت تجيب، اتفقنا؟؟

تجرعت قليلًا من كأسها لتدير الكرسي هذه المرة ليصبح مواجهًا له .. ثم تشدق بنبرة خالية من أي شعور:

- لنبدأ بما شعرت وأنت تفعل هذا؟؟

صمت للحظات ظنت أن سيمتنع بهذا أيضًا عن الحديث، وأنه لا أمل من تجاوبه معها هذه الليلة، إلى أن فاجئها وتحدث بنبرة ميتة ولكنها كانت صادقة .. نبرة وصف بها ما يختلج بداخله منذ هذه اللحظة وحتى الآن:

- وكأنني بالجحيم!!

هذه المرة تحاشت النظر له، تعابيره تقززها، بل الصدق الذي يندح من عينه هو أكثر ما كان يقززها .. تغلبت على المرارة التي تصاعدت لحلقها بتجرع ما بقى بكأسها، ثم قالت ما إن استعادت شيئًا من برودها:

- ومع هذا أكملت؟؟

أخذ كامل وقته ليستشف إلام تريد الوصول من هذا؟! .. حالتها لم تكن مطمئنه بالمرة، مع كل رشفة ينتظر تساقط جفونها أو أن تسقط هي، إلا إنها كانت بدت أمامه وكأنها معتاده على الشرب .. هذا يجعل جسده يفور!! .. مسح وجهه لاعنًا نفسه مع كل زفير ليفكر بإجابة لسؤالها .. لماذا أكملت؟؟ .. هذا حقا سؤال صعب فريدة، لو كانت لدي له الإجابة من قبل ما كنت أكملت!! .. رمقها من جديد، كانت تبعد خصلاتها المتطايرة عن وجهها، تصفيفة شعرها الغجري تعيد له الذكرى .. ذكرى أول مرة وقعت عينه عليها .. المرة التي تمنى محوها من حياته بقدر ما كان يقدس!!

تلك المرة التي أصدمت به بينما تحمل كوب قهوتها .. كانت تصفف شعرها كالآن، تتركه على تمرده، ثائر يفوح عبيره عفى كل مار .. متمرد، يستفزك لتعيد تهذيبه .. تماما كما فعلت هي به!!

بحث بداخله عن إجابات ولكن أكثرها قربًا من الحقيقة هو ما قاله بصوتٍ الرخيم وسحابة غائمة تملئ صدره:

- لأنني لم أكن أثق بأن ﻷمثالي أي مكان بالجنة!!

جميل .. حديثه جميل، يحب المرء سماع مثل هذا الحديث!! .. ولكن هي لديها الأفضل منه والذي تثق بأنه سيروق له .. ملئت كأسها للمرة الرابعة أو ربما أكثر، مدت أصابعها لتتناول كأس آخر وتعبئه بالشراب والثلج، ومن ثم دفعته بضع إنشات تجاه أدهم وهي تشير له شبه آمره:

- أشرب

فقط هذا، ومن بعدها ارتخت بجلستها أكثر وهي تصدر تنهيدات عميقة تعبر عن التخمة التي تشعر بها .. رائع، حقا رائع .. كل الأصوات بداخلها صامته الآن، لا ضجيج أو صخب .. فقط هدوء قلما تنعم به .. إرتشفت مرة أخيرة من كأسها مستمرة بالتنهد بارتياح لتعلن إكتفائها من الشرب، ثم رمته بنظرة جانبية لتجده قد استجاب لدعوتها، وامسك بكأسه يراقب حالتها التي لا شك في أنها الآن منتشية، فليعينه الله على تحمل هذه الليلة!!

أخذت نفس آخر عزز من شعورها بالإسترخاء ثم قالت دون مقدمات:

- هل تريد سماع قصة أفضل من هذه؟؟ .. قصة ساخرة للحقيقة!!

تحفزت جميع حواسه وقد شعر أن حالة الإنتشاء التي بها ستجعلها تفصح ولو قليلًا عما تُخبئة .. وبالفعل وجدها تبتسم تلك الإبتسامة المعبئة بالسخرية مضاف إليها نكهة مرحة قبل أن تبدأ في الإسترسال:

- ذات يوم استيقظت على اعتقاد أنني فقدت حياتي المثالية .. الحياة التي حققت بها كل ما تمنته يومًا، حلمي، دراستي، عملي، وفوق كل هذا أحببت .. أحببت شخص وسيم، مشهور، وثري .. لكن كأي قصة لطيفة كان هناك أشرار هم مَن حطموا كل هذا.

ضحكت مرة بإستهزاء لتعود للشرب من جديد، قبل أن تكمل بتعابير مقتضبة وكأنها تتذكر تلك الفترة من حياتها، تحدثه بجدية دون أن تلتفت له، فقط تنظر بعتمة السماء المطلة عليهما:

- لك أن تتخيل كم يوم ظللت أعيش بها الوهم، بل وخُيل لي أنني تذكرت بضعًا من مشاهد رومانسية لعينة مع الشخص الذي احببت .. والذي بالمناسبة تركني ما إن استفقت .. تركني لأنني لم أعد صالحة له .. هذا ما قرأت بالصحف عن الحادثة من تحليلات لغيابه المفاجئ!!

أخرجت ما تكون بصدرها من ضيق في زفرة واحدة وقد توقفت عند هذه النقطة المريرة لتستكمل بنفس النبرة اللامبالية:

- كل يوم كنت أنظر لنفسي بالمرآة أتأكد بأنني السبب .. من سيقبل بزوجة مثلي، بشعة، عديمة الفائدة .. فاقدة للذاكرة، مشلولة، وفوق كل هذا مشوهه الجسد .. هناك من استباحها جسديًا وربما الأكثر من هذا .. وضعت لزوجي المحترم كل الأعذار لتبرير وضاعة فعلته .. إلى اليوم الذي عرفت به أن حياتي لم تكن مثالية، وأن ما تخيلته ليس من مخزون ذاكرتي المفقودة، ما تخيلته ما هو إلا قصة سخيفة اخترعتها ﻷعبئ بها فراغ عقلي وأداري بشاعة وبؤس حياتي .. ﻷهرب من حقيقة انني كنت مغفلة كبيرة أحبت وغد لم يبادلها الحب، بل وارتضت بساديته وعقده حتى أفقدها صوابها، وكاد يفقدها حياتها أيضا!! .. وخمن ماذا؟؟ .. الآن هو يختطفني في مركب مختلة مثلة، فقط ليخرب حياتي مرة أخرى!!

تخلل حديثها ضحكات هستيرية بالكاد كانت تكبحها لتتمم جملها، بدت في ذروة انتشاؤها، وذروة صدقها أيضا!! .. وبالنهاية استطاعت تمالك نفسها لتكمل بوجه أرهقه الضحك، لا ما تقول:

- الآن فهمت .. أنت جئت لتخرب حياتي بعد أن وجدتني قد نهضت مجددًا .. بعد أن تأكدت من أنني قد وجدت شخص يحبني حقًا .. شخص عاني بجانبي من أجل أن انهض، تحمل مرضي وتعبي .. لم يتركني وأنا مجرد خردة عديمة النفع .. شخص أن أتحدث الآن بفضله.

فارقت جوفها تنهيدة حزينة معبئة بعبق تلك الأيام، ازداد إسترخائها بالمقعد عندما عبر طيف وجهه أمامها، لترفع بعد قدميها على مقعد أخرى، ودون وعي كانت تحتل شفتيها ابتسامه شغوفة لتجد نفسها تتغنى بصوتٍ خافت ناعم ولسان ينطق الإيطالية بسلاسة:

- عيونك الضاحكة للحب .. كغصن الصفصاف الغض .. زوريني كل ليلة .. واملئ قلبي بالحب .. الإبتسامة الرقيقة تليق بك .. عيناك أغلى ما في الدنيا .. ما أروع هذا الشعور .. أن أحبك.. ما أروع هذا الشعور!

بالرغم من دندنتها الخافته إلا أن رنين صوتها كان يضرب آذنه بعمق وألم .. عرف ما تتغنى به، إنها إحدى الأشعار الإيطالية التي -وبدون شك- كان يتغزل بها هذا اللعين .. كل ما مضى كان يستطيع تحمله، يقسم انه كان على إستعداد لتحمله دون شكوى أو تذمر .. لكن هذا.. يظن أن قد بلغ عذره!!

رغم ما يتفاقم بداخله من مشاعر حقد وغضب لم تكن لتنتهي نهاية حميدة أبدًا، إلا أنه كان يشعر بإرتخاء أوصاله وتخدرها ببطئ يثقل جسده عن أي رد فعل عدائي .. علم أنه الآثر السئ للكحول، اللعنة عليها، لم يكن ينوي مشاركتها الشرب، ولكن بحديثها المتستفز لكل ذرة تعقل به لم يشعر بنفسه إلا وهو يقضي على ما تبقى من زجاجة النبيذ، ليبتلع بها بشاعة حديثها ويبتلع معه حقده المتنامي تجاه نفسه .. للتلاقى جفونه على صورتها النائمة أمامه وقد فقدت هي الآخرى الوعيد بليلة لن تنسى أبدًا!!

● ● ●

ضربت أشعة شمس الظهيرة جفونه لتجبره على الإستيقاظ وصداع شرس يلتهم عقله .. أول شئ بحث عنه كانت هي، لم تكن بمكانها مما جعله يعتقد أنه أحد أحلامه، ولكن الكؤوس الفارغة أثبتت عكس هذا!!

اللعنة!!

لقطات مما حدث تتوافد على عقله لتزده اشتعالًا من شربها، حركاتها، سخريتها، تهديدها الأرعن بقتل نفسها، حديثها اللعين وحتى أشعار ذلك الأبله!!

هل ذكرت أنه يحبها، ويعوضها عما عانته معه؟؟ .. لنكن صادقين حتى وإن كان هذا هو الحقيقة، وحتى وإن اعترف به مكابرة أمام نفسه، إلا أن اعترافها هي بذلك كان الأكثر ألمًا على الإطلاق!!

اعتاد على التعامل بحنكة وروية مع كل ما يصدر منها منذ جمعتهما الحياة من جديد، إلا أن ليلة أمس كانت كالقشة التي كسرت ظهر صلابته النفسية.

ما قالته من كلمات ضارية كطلقات رصاص، وما فاق هذا من نظرات نفور مشبعة بحقدٍ خالص وكراهية لا حدود لها، جعلته يرى الأمر من زواية حقيقية أطاحت بكل أحلامه السابقة في الحصول على فرصة لتصحيح ما حطمه .. حطم ذلك الشئ الذي نمى بداخله وذهب ﻷبعد من هذا، ﻷبعد حتى من فرصة إصلاحها .. ذهب لفرصة له معها!!

نعم، أنكر كثيرًا هذا، بل ونهره كلما طالب به قلبه بلوعه .. لكن هذا ما حدث، رغمًا عنه كلما رآها أمامه تتسرب روحه من بين يديه دون إراده، لتُنسج مع روحها، يرتجف قلبه وتنبض به دماء الحياة كلما رآى مالكته .. ورغم بُعدها المحقق، إلا أن الأمل اللعين لم ينضب عن التنامي من بين جانبات روحه!!

لكن ما حدث أنها وئدت هذا الأمل ليلة أمس بما قالته .. ليس هو الشخص المناسب لإصلاحها .. لنواجه الحقيقة، لا يمكن إعادة ما احترق وتحول إلى حفنة رماد!!

هذه الحقيقة، كانت كافية لتعيد الأمور لنصبها الصحيح، وليعرف محدودية قدرته .. ليشرع أولا في اعداد آخر وجبة فطورٍ لها على هذا المركب بآلية وجمود سكن روحه وقد عزم على تحريك هذا المركب في طريقه للعودة!!

وفي منتصف النهار، وبعد أن يأس من رؤيتها كالعادة، كان قد انتهى من إعادة كل شئ بالمركب لموضعه الصحيح، ليقف خلف المقود ويكبس ذر التشغيل.

المفاجأة التي لم يفهمها للحظات، أن القارب لم يتحرك، بل أصدر أزيز جعله يقضب جبينه بعدم فهم قبل أن يشرع في اعادة تفحص كل جزء بها متتبعًا ذلك الأزيز الذي كان يبتعد عن كونه يصدر من المحرك، بل من شيئًا آخر .. شيئًا يجري بالموصلات الكهربية.

وعلى هذا، قرر النزول لغرفة المحركات ليتفاجئ بعلو الصوت كلما مضى في طريقة تجاه علبة التحكم الكهربائي .. فتح الباب وهو يضيق عينه بتفحص علّه يلتقط موضع هذا الضجيح، وعندما تعذر عليه هذا قرر أن يُغلق كافة الأزرار المسئولة عن المحرك ليتفحصه بروية أكثر .. وما إن أنزلت أصابعه زر المكبس حتى اقتحمت جسده شحنة كهربائية لتصعقه بقوة لدرجة أطاحت بجسده في الهواء بعنف ليصطدم ظهره بالحائط المقابل قبل أن يرتد ساقطًا في الأرض دون حراك!!

● ● ●

#يتبع

هاي يا حلويات 👐

ايه اخبار الأحداث معاكم؟؟
فظيعة مش كدة؟؟

عشان تعذروني لما بغيب🤗

المهم
فريدة كان ليها محاولة انتحار سابقة
ومانتحرتش💪

فريدة اجتاحت لجلسات كهربا عشان تتحسن لان فعلا حالتها كان سيئة
(وهاتتكلم عن ده بالتفصيل قدام)

فريدة كانت فاكرة لفترة أدهم سابها عشان الاعتداء اللي حصلها

عن أدهم وهو شايف حب فريدة في مراد لا وكمان بتغني أشعاره🤦

النهاية .. أدهم اتصعق بكهربا

وبالمناسبة الناس اللي بتسأل عن فريدة فين
يا جماعة عاتشييي صحيت قبله ورجعت اوضتها💁

احب ابشركم💃
احنا الحمدلله خلصنا مرحلة في الرواية
وداخلين على المرحلة اللي بعدها

-ربنا يستر بصوت هنيدي-

الأحداث بتتصاعد بشكل غير متوقع
مع ذلك انا مانحرمش من رأيكم اللي بيبهجني

خبر عاجل بقا⭐⭐
(وبالأخص متابعي الانستغرام)

تم تنشيط حسابي على الإنستا من اليوم وأصبحت موجودة هناك أيضا👐
وده حسابي يا جماعة
ghada_hazem2020

نزلت فيه صورة واحدة بس لكن أن شاء الله النشر بيكون بالتتابع مع البيدج يعني اللي مش متابع البيدج بيلاقيني على الانستا🤗

كل سنة وانتم طيبين يا قمرات ⁦♥️⁩

Weiterlesen

Das wird dir gefallen

268K 10.6K 41
رجال آلقوة.. وآلعنف آلغـآلب آلمـنتصـر.. وكذآلك آلعقآب لآ نهم ينقضون على صـيده بــكسـر جـنآحـيهم آي بــضـمـهمـآ آوبــكسـر مـآيصـيدهم كسـرآ آلمـحـطـم آ...
504K 12.7K 15
كان القلب فارغ وحاضري اراه يشبه ماضي،، الحب لم اعرفه ولم اعشه اتاني فجأه كهديه من السماء وعرفت ان العمر هو مجرد رقم لايتحكم بالقلب ولا بالروح عندما...
1.1M 69.3K 105
" فرحات عبد الرحمن" شاب يعمل وكيل نيابة ويعاني من مرض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع مع ارتباط وثيق باضطراب النرجسية مما يجعله ينقاد نحو كل شيء معاك...
273K 9.8K 41
النساء لا مكان لهُنَّ في حياته، عالمه ينصب على أبناء شقيقه وتوسيع تجارته في أنحاء البلاد. هو "عزيز الزهار" الرَجُل الذي أوشك على إتمام عامه الأربعين...