-15- (الجزء التاني)

21.3K 742 174
                                    

عاملين ايه my comfort zone❤️

قريت كل تعليقاتكم والله وبجد شكرا على كل كلمة تجيع او حب .. شكرا على الدعم والقلب الطيب والطاقة الايجابية
انتو خير سند في المجال ده ربنا ما يحرمني منكم😘❤

نبدأ

_______________

تعال..
بكل جروحك
بكل امرأة أحببتها
وكل كذبة كذبتها
بكل ما يقلقك ليلًا
بكل فم لكمته
وكل دم تذوقته
وكل عدو صنعته
بكل من دفنتهم من عائلتك
بكل فعل قذر ارتكبته
بكل شراب أحرق جوفك
وكل صباح استيقظت فيه وحيدًا بلا هدف
تعال بخسارتك
وندمك
وخطاياك
وذكرياتك
وأسرارك
تعال بعارك كله..
تعال بقلبك المثقل
فأنا لم أر أبدًا من هو أجمل منكَ..!
 
-وارسان شاير-
•¤•¤•¤•

 


-        خُذه إلى غرفة التأديب!! .. ربما يفهم أين هو!!
 
هكذا أمـر أحد المسؤولين بصياح خشن، ليفزع أدهم وأحد العساكر يسوّقه من ذراعه بالقوة .. صرخ، عافر، وتمزقت أحباله الصوتية من الصراخ .. كان شيء جنوني بالنسبة له .. وكل ما علّق على لسانه ويردده بهستيرية فاجعة:
-        أين أبي؟! .. دعني، أريد أبي .. أين ذهب وتركني؟! .. أبي..!
 
 
وهل ظن أنه سيستميل قلب أحدهم له؟!
 
 
الحقيقة، لم يكترث لأفعاله الصبيانية أحد، ولم تتحرك له رفة جفن، وكأن الصدمة التي يُعانيها هي أكثر شيء طبيعي في الكون .. كيف لا، وهذه الحالة شبه متكررة مع حديثي السن أمثاله، خاصة ممَن يوّدعون رغمًا عنهم، أو رغبةً في تهذيبهم وتحويلهم لرجال عن حق!! .. حسنًا، أولئك هم بالأصل المَعنيّون بالتوصية في المعاملة الأمثل!! .. لذلك مرة أخرى، لم يُعيّره أحد أي لعنة، وكل ما حصل عليه في المقابل، عدة دفعات غليظة مُدججة بعبارات فظة يسمعها لأول مرة!!
 
 
كان كل شيء هنا يعيشه لأول مرة .. وهنا تكمن المعاناة!!
 
 
ومع آخر دفعة تلقاها، وكادت تُبرحه أرضًا، لم يدري أين هو إلا وباب حديدي مصقول يُغلق عليه .. لتبدأ أولى لعناته!!
 
 
ليلة .. كانت ليلة واحدة فقط، ولكنها أبادت بجفاوة كل شيء عاشه قبلها!! .. ذلك لأن ما حملته في كل ثانية منها، فاق وتخطى عمره كله!! .. وأين عمره هذا؟! .. أنها فقط عشرة سنوات يحملها، لم ير بهم شيئًا كهذا!! .. صحيح، قد خاض ما هو مرير، وربما يكون قد ظن أنه الأسوأ، لكن تلك الليلة أثبتت أن مازال أمامه المزيد .. ليعلم أن السيء ليس له حدود!!
 
 
 تلك الليلة كانت غيّر بكل الأحوال!!
 
 
أن تُولد كـطفلٍ وحيد، وتنشأ في بيت يعُج بالرفاهية، بالتأكيد ستكون غرفة مظلمة لا تعرف ما يُسمى بالنافذة، ألفت جدرانها الرطوبة، وأدفئت أركانها الجرذان، لهي بيئة قاتلة بالنسبة لك!!
 
 
بل هي التعريف الإجرائي للموت!!
 
 
وقد كانت كذلك بالنسبة له .. فبذلك السرير القديم، تكنف الصغير على نفسه، وبمرور بضع ساعات، كان قد تحول بُكاؤه إلى نواح وتضرع لمَن له الأمر .. ثم ما لبث أن أخذ منحنى هابط نحو الإعياء، وقد انهكت بدنه الشهقات، ليسقط بعدها في عِدة غفوات متقطعة، انتهت جميعها بالكوابيس والفزع اللانهائي!! .. خاصة، وصرير تلك الجرذان لم يتوقف أبدًا عن بث الرعب ببدنه، وخياله يتحيّن بين لحظة وأخرى انقضاض أحد تلك الأشياء عليه لتفتك به .. وشيئًا فشيء، كان يفقد أنفاسه بين هذا الجو المقبض .. بل يفقد شيئًا أكبر من هذا..
 
 كان يشهد احتضار الطفل الذي بداخله!!
 
 
وانقضت الليلة .. ومـر من بعدها يومٍ كامل، ولم يسأل أحدًا به!! .. كان يسمع أصواتهم وهم يعبرون بابه، دون أن يلتفتوا له، رغم صوته الذي تمزق من التضرع لهم والتوسل المدمغ ببكاء جاف، إلا أن كل ما حصده، لا شيء!! .. لم يجبه أحد، وكأن صراخه لم يشق صرير أذنهم .. وكأنه غير مرئ .. ليس له وجود!! .. أجل، أحسنت التعبير، هذه هي الرسالة التي سعوا لإيصالها له..
 
"أنت غير موجود .. أنت لا شئ!!"
 
 
أوليس هو كذلك؟! .. متى آخر مرة كان بها موجود أو مرئ من أحد؟؟ .. ليس من قريب حسبما يتذكر .. لم يكن شيئًا لأباه، ليست بعد دخول سمر بحياتهم، فها هو قد ألقاه بالجحيم ورحل ولم يعبئ، وكأنه وجد حُجته أخيرًا ليتخلص منه ويتفرغ لزوجته وطفلته الجديدة!! .. تركه هنا وبالتأكيد كان يعلم أي مصير سيلقى، ولم يلتفت خلفه!! .. لم يعد له قيمة لديه، لم يعد له مكان، ولم يعد يستحق الحب .. هذا لم يخذله فقط، قد ذبحه!!
 
 
أي حب هذا كان يحمله له؟؟ .. وأي حب راهنت أنت أدهم عليه؟!
 
 
مريم، أجل، هي آخر شخص كان يراه ويشعره بوجوده .. لكنها لم تعد موجودة، وعلى الأغلب لن تعرف أين هو .. كيف لها أن تعرف وقد عمل والده على ترتيب كل شيء وإبعادها من البداية، لذلك ليست بحلٍ محتمل لمعضلته، والده سلبه هذا أيضًا .. لذلك، لم يبقى له بالنهاية سوى "نور" .. من وقت فقدها، وقد أُظلمت حياته ولم يعد يراه أحد!!
 
 
هذا هو الشعور الذي ترسخ بداخله، لذا أين أنتِ نور، وأين الدفء الذي كنتِ تحمليه ليبدد ما أستشعره برد .. برد يرج عظامي من الخارج، وبرد آخر يعتصرني بالداخل .. وهو الأسوأ!!
 
 
نعم، بالوقت الذي من البديهي أن يشتهي أي طفل موضعه، طعام أو شربة ماء .. أشتهى هو حُضنها، وهلّوس بدفئه .. صار أقصى أمنياته أن يعود فراشه الصغير، وذراعيها تلفه من الخلف بالأمان .. أين الأمان، وأين صار هو؟! .. ليل أم نهار، لم يعد يدرك، فقد حِسه بالوقت .. الوقت الذي اعتاد أن يلهو به بالخارج كيفما يشاء، وسط رفقته بين هزل وأشياء سخيفة .. بلى، بدى له كل هذا منتهى السخف أمام ما يعانيه الحين .. الحرمان من كل ما كان يملكه بوفرة مترفة، جعله يتحسر حتى على أبسط الأشياء!!
 
 
وليس هذا فقط، بل خُيل إليه أن أيام العاهرة جحيم العاهرة لم يكن شيئًا أمام كل هذا .. بل كان نعيم خالص .. تمنى بصدق أن يُفتح الباب بأي لحظة، ويدخل والده ليخلصه من كل هذا، وتعهد له في رأسه كثيرًا أنه لن أشتكي عاهرته أبدًا .. لن يفعل ما يغضبه، لن يعصيه مجددًا، فقط يعيده للبيت!! .. ليس بالضروري أنت تكون نور هناك، يعرف جيدًا هي لن تعود، لا مزيد من الولّدنة .. تكفي مريم .. البيت ومريم فقط، ولن يُسمع له صوت بعدها .. لن يعترض مجددًا على شيء تفعله سمر، لو كان هذا العقاب الذي خبأه له، فها هو قد تعلم الدرس ولن يعيدها .. لا مزيد من الهرج، وحركات الانفلات .. لا سرقة، لا خمور، ولا سجائر .. سيعود لسالف عهده، أدهم الولد المهذب .. لقد حفظ الدرس، وأقسم على هذا بحياته!!
 
 
حياته التي يشعر بها تتسرب من جسده الآن .. إلى متى سيتحمل؟؟ .. لن يتحمل، لن يصمد طويلًا، كان ضعيفًا جدًا لينجو في بيئة مميتة كهذه .. لذلك، أجل، سيموت، وهذا الجيد بالأمر .. حينها، ستنتهي عنه كل الآلام، وسيذهب هو عندها .. عند "نور"..
 
 لكن كم سيستغرق هذا؟!
 
 
وفي غمرة هواجس عقله الصغير، تحقق حُلمه وفُتح الباب، لكن لم يدخل منه والده كما تمنى .. بل كان شخصًا آخر، شخصًا لم يستطع تبين ملامحه بسبب انعدام الضوء، وحتى لو كان هناك ضوء، فهزال جسده كافي ليعميه .. لكنه أنصت جيدًا لحركته حوله، بالأخص عندما توقف على مقربة من فراشه، ليصله صوته الأجش من هذا المستوى:
-        كيف حالك أيها الصغير اليوم؟؟ .. "أدهم"، أليس كذلك؟! .. تأديب من أول يومٍ لك، أدهم؟! .. أتمنى أن تكون قد نفعك هذا وكبرت قليلًا لتفهم أين أنت!! .. بالمناسبة، هل تريد أن تخرج، أم أحببت غرفتك هنا؟؟

After Burn بعد الاحتراقWhere stories live. Discover now