اقتباس من البارت القادم

14K 579 139
                                    

- وطوال هذه المدة .. لم تكوّن أيّة صداقات؟؟

هز رأسه بكسل وبدأت نبرته تأخذ إيقاع أبطأ وكأنه يقترب من منحدر وَعِرّ .. وقد كان بالفعل:
- ولا حتى هذه، فبعد امتناعي المتكرر عن نزول الإجازات، لاحقتني صفة الغرابة مرة أخرى بالمدرسة .. طبيعي، ففي الوقت الذي يتلهف فيه الجميع ليوميّ الخروج من هذا الجحيم، أفضل أنا البقاء!! .. ولأنني كنت أكره الفضول والتطفل فرفضت صداقه كل مَن حاول معرفة السبب، بحجة التسّرية عني، لأبقى مجددًا الطفل المنبوذ .. إضافة إلى لقب (صاحب الغرفة الفردية) الذي لاحقني، فكما أخبرتك كان شيئاً مميزًا، وطلعت معه إشاعة خرقاء وقتها أني جاسوس سري لدى القائد، لذلك اعطاني تلك الغرفة وحدي، ولكِ ان تتخيلي المعاملة من الجميع!!

ضحكت حتى آلمها وجهها فور أن سمعت كلمة "جاسوس" .. تلك الاطفال كانوا كارثة!! .. صدقًا ماذا تتوقع من أطفال بمدرسة عسكرية؟! .. لهثت انفاسها لتكون جملة:
- يا إلهي .. ما هذا البؤس؟! .. عذرًا، الأمر فكاهي للغاية!!
- يسعدني أنكِ تستمتعين بوقتك !!

أجابها بنبرة ساخرة وهو يمسح جوانب فمه، لتحرك عينها لها بحرج طفيف، وقضمت شفتها بتفكير:
- ولكن لم تخبرني، لمّ لا يُسمح لأحد بغرفة فردية؟! .. أليس هذا من المفترض أن يُنمي جانب الاستقلالية والبلا بلا بلا خاصتهم؟؟

اشار لها بإصبعه دلالة على صوابها:
- تلك هي النقطة .. الاستقلالية تُعارض القواعد الأساسية، فريدة .. الاستقلالية تعني التفرّد، والتفرّد ضد الانتماء .. الاستقلالية تعني أن تحتفظ بأسرارك الخاصة .. وهذا عكس مبدأ الجماعة، التي تحمي أسرار مشتركة .. لذلك لا يُسمح بغرفة فردية، فبوجود شريك، لن يكون هناك أسرار، ولن يكون هناك استقلالية .. وبالتالي لن يفكر أحد في مستقبله كفرد .. بل كمستقبل جماعة .. ومستقبل دولة ووطن فيما بعد!!

تاهت فريدة في عمق الكلمات، وكيف أن أبسط الأشياء لا تتم لدى البعض عبثًا، إنما على أساس وتخطيط متقن ومحسوب بالميللي .. لا شيء اعتباطي هنا!! .. عادت بتركيزها له وهو يتابع:
- وعلى هذا الأساس تعاملت مع الجميع بفوقية شديدة، ربما لم أرد أن أوطد علاقتي بأحد، لأنني ارتأيت أنني سأرحل على كل حال، فلا فائدة من هذا .. لم يكن هناك، سوى مكالمات مريم القصيرة، هذا كل ما استطاعت أن تفعله، الاطمئنان عليّ كل حين، فهي لم تكن من أقارب الدرجة الأولى ليُسمح لها بزيارتي، إلا إذا جاءت بصحبة أبي، والذي امتنعت بالأساس عن رؤيته!! .. حتى الإجازة الصيفية، قضيتها بين التدريبات المكثفة ومعسكرات الكشافة وفرق التخييم .. لا أنكر، كل هذا أثقلني خبرة وأمل في أنني سأنجو بعد الهروب خارج أسوار المدرسة .. كل يوم كنت اقضيه، أزداد قوة ويقين أنني سأنجح بكل ما أتعلمه، لن احتاج للجوء إلى أحد هذه المرة .. وعِندها سأتخلص من كل قيودي .. حتى انتهت الإجازة، وجاء ذلك اليوم الذي خشيته دائمًا!!

After Burn بعد الاحتراقOnde as histórias ganham vida. Descobre agora