زوجة العُمدة- الجزء الثاني.

By AmanyTarekAhmed107

43.6K 1.6K 327

تلك الأيام التي مضَّت لم تكن سوى ألمًا ينطوي بصدرها.. عينيها الزُمرتين.. ذاتَ سحرًا غنيًا، لطالما قالت بداخله... More

قبل البدء.
الشخصيات.
المدخل.
أقتباس من الحلقة الاولى.
الحلقة الأولى 🦋
الحلقة الثانية🦋.
الحلقة الثالثة🦋
الحلقة الرابعة🦋
الحلقة الخامسة🦋
أقتباس
الحلقة السابعة🦋
الحلقة الثامنة🦋.
الحلقة التاسعة🦋
الحلقة العاشرة 🦋.
الحلقة الحادية عشر🦋.
الحلقة الثانية عشر 🦋.
تنويـه.
الحلقة الثالثة عشر 🦋.
الحلقة الرابعة عشر 🦋
الحلقة الخامسة عشر🦋
الحلقة السادسة عشر🦋.
الحلقة السابعة عشر 🦋
الحلقة الثامنة عشر💕.
📌مُناقشة.
مدخل.
الشخصيات.
سيلا🦋
طاهر🦋
عدنـان🦋
آسية🦋
أقتباس مستقبلي.
إهداء.
الحلقة الأولى🦋.
الحلقة الثانية🦋.
الحلقة التالتة🦋
الحلقة الرابعة🦋
الحلقة الخامسة🦋
الحلقة السادسة🦋.
الحلقة السابعة🦋
الحلقة الثامنة 🦋
مَـن أنا؟
الحلقة التاسعة🦋
الحلقة العاشرة🦋
الحلقة الحادية عشر🦋.
الحلقة الثانية عشر🦋.
الحلقة الثالثة عشر🦋.

🦋الحلقة السادسة.🦋.

1K 53 2
By AmanyTarekAhmed107

🦋لحلقة السادسة من زوجة العمدة-الجزء الثاني#نسيم الغرام.🦋

***

" أيمكنك أن تترك حُبي الذي لم يكن سوى شوكة بداخلي، كلما تحركت ... تاذيتُ، بِبعُدكَ تأذيت .. وقلبي الذي كان يدميِّ بذكرى هجركَ ليِّ."

"كيف لي ألا أنسى وألا أرغب بالهجر، وقلبي الدميم يلومني كل ليلة على جرحه الغائر."

***

[ملحوظة_الفصل بدايته بوجهه نظر عاصي ].

بعمر الرابعة والعشرين.

الليلة .. تغير الكثير، والمشاعر التي تحيط بصدري، تُشعلني بشدة، أخي وليد، الذي فعل ما فعله ليُدمر يومي، لم أكن يومًا كارهًا لهُ، بل كنت دوما أسعى حتى أراه سعيدًا، ولكن الليلة تمنيت لو أستطيع أن أقتله بيداي العارتين، نظرات الجميع الواسعة حين صرخت أخُت شذى بهِ ...

وجهه والدتي الذي شحب حين حاولت أن تفهم من الفتاة ماذا فعل ذلك الأحمق، حاولت أن أفهم أنا الأخر، ولكن كأن عقلي قد شُل من الصدمة، هل تحرش وليد بها حقًا؟

كل شيءِ حدث بسرعة، شجار عنيف، بين والدي ووالد شذى، وبكاء أخُت شذى العنيف، نظرات وليد الهادئة وكأن شيئًا لم يحدث، نظرات زُملائي الذين كانوا يتهامسون بينهم.

وعودة إلى المنزل، مع وعود وشجار عنيف بين والدي و وليد، حين وضعت قدماي داخل المنزل، كنت أشعر بالغضب، ليس الحرج أو الحَزن، مظهري أمام الجميع تدمر، بفعل واحد ... تلك الليلة غيرت مني الكثير ..

دلفت لغرفتي وأنا لا أعلم ماذا أنا  بفاعل؟

جلستُ على الفراش، وانا أحاول أن أسيطر على تلك المشاعر الحارقة، وفجأة شعرت باحد خلفي، رفعت عيناي نحوها وجدتها تقترب بخطوات قلقة وعينيها باكيتين، كانت زينة ابنة عمي. يداها كانت تحكَّها بحدة حتى شعرت بدماء تظهر منها .. قالت بنبرة والخوف يحاوطها:

_عاصي لو سمحت ممكن تنزل وتمنع عمي من ضرب وليد، لو سمحت!

تلك المرة الأولى التي أراها هكذا، بدون حجاب، يبدو بأنها من الخوف نسيت أن ترتديه، شعرها البُني الفاتح الطويل الذي ينسدل كالماء .. على كِلتا كتفيها، جسدها الغض الطويل الممتليءِ .. ملامحها الفاتنة وخضرواتيها التي تلألأ بدموعٍ، أنتفضت حين وجدتها قريبة مني وقد لمست كتفي بيديها البيضاء/ أردفت:

_أرجوك يا عاصي.

قُربها الهالك شيئًا أخر، لطالما فضَّلت ألا أراها في فترة وجودها بالمنزل، بسبب جمالها الذي جعل جسدي ينتفض من فتنتها، فستانها الذي لم يكن سوى فستانا بيتياً طويل إلى كاحليها، ولكنه شفاف عند ذراعيها، ولكن أستطيع أن أرى منحناياتها ..

تلك اللحظة لم أفكر بشذى، بأي شيءِ سواها، وكم هي جميلة، بل كانت حتى أجمل من والدتها بكثير .. جمالها الذي جعل الكلمات تهرب من شفتاي ..

لازالت يدها على كتفي، وبدون وعي نفضها عني، جسدي مشتعل من قُربها هذا ويديها الجميلتين .. فقط لمسة منها جعلت جسدي في نار لاتهدأ..

قالت باعتراض:

_يعني هتسيبه يضرب!

كان الغضب يحيط بي، تهتم لأخي لتلك الدرجة حتى أنها نست بأنها ترتدي حجابًا! وليت ظهري بالكامل قائلاً بصوت جهوري:

_أخرسي يا زينة!

أسمها الذي لم ألفظه لها لسنواتٍ، ولم أكن بقادرٍ على نطقهُ، حين فعلت أخيرًا، كنت أصرخ بوجهها الجميل الذيِّ تغيرت معالمهُ وتبدلت بأخُرى غاضبة مفتعلة، فقالت وهي تقترب:

_ عمرك ما أهتميت بيه، أكيد مش فارقة معاك إنه يتهاب ويضرب.

أستدرتُ لأرى وجهها بوضوح، وأنا أحاول تذكيرها بأمر حجابها وملابسها، لتضع فجأة يدها على شعرها الحريري، وتفهم .. قلت بعصبية:

_أطلعي برا ... مش عايز أشوف وشك قدام أوضتي!

بلعت ريقي بصعوبة وأنا أمسح بكفي على وجهي أحاول أن أنسى كيف مظهرها أمامي الآن..

سمعتها تقول:

_مُقرف!

لديها الحق، انا شخص قذر حتى أفكر بها بطريقة أخُرى، ولكن حديثها عن اخي وليد، وأنا أعلم بأنها لن تترك أبي يعاقبه بأي شكل، زفرت الهواء بضيق.. لأهبط بسرعة وأراها تقترب من والدي قبل أن يسطو بالحزام على وليد، فأمسكت بذراعها أجذبها بعيدًا .. لترمقني بعصبية وقد رأيتها وقد غطت شعرها بالكامل ..

أمسكت بذراع والدي أقول:

_كفاية!

نظر فهد بعصبية إلى عاصي، فتابع بسرعة يقول عاصي:

-       وليد مينفعش يضرب يابابا، مبقاش صُغير ..

-       اللي عمله النهاردة يستاهل إنه يتربى من جديد ..

علق عاصي وهو يأخذ الحزام ويلقيه بعيدًا:

-       اللي عمله النهاردة مش هيصلح حاجة لو ضربته أو أهانته تاني وتالت، لأنه حصل... خلاص قدر الله وماشاء فعل.

همس والدتي خلفي وهي تهمس بأسمي، وكأنها تظن بانني سأبكي، ولكن لا، عيناي سقطت عليها هي فقط! كانت تنظر لـ وليد نظرات لم أشعر إلا وجسدي يثور بحمم، هل تحبهُ؟ ولكن لا يجب أن تفعل ذلك، فهي أخته بالفطام!

رفعت عينيها إليِّ، ولم أفهم مشاعرها، لم أفهم أهي غاضبة أهيِّ حزينة؟

أم ممتنة؟

قبل تلك الليلة، لم أكن أهتم بالنظر إليها، فقد عهدتَ نفسي بأن علاقتي بها لن تتعدى علاقة الاغرباء، فهي ابنة عمي، وقد تربتَّ في منزلنا، بسبب مرض والدتها الذي لم تستطيع يومًا التغلب عليه، أعلم بأن ماعانته من فقدان لـزياد كان مؤثرًا خاصة بأنها كانت تحبه وتظن طوال تلك السنوات بانها هي سببًا في ذهابه وحده للشاطيءِ لذلك حين سبح، غرق!

وحتى الآن لم أكن أراها أكثر من ضيفة، ولكن الليلة، بوجهها الذي لم أستطع ألا أمِّل من النظر إليها، وجهها الممتليءِ وشفتيها المكتنزتين بلون الدم، كانت طبيعية عكس الكثيرات التي أراهن بالجامعة.

وكانت صغيرة، بسن الثامنة عشر .. لذلك لم يكن يجدر بي النظر إليها هكذا، التفكير بها هكذا يزيد من غيظي، زهرة ابنة عمتي، لم أجرؤ النظر إليها، لم أجرؤ أن أتحدث معها أو أحدق بها، رغم محاولتها الدائمة بالجلوس بجواري والتحدث عن أموري ..

ولكن تلك الهرة، لم تبذل مجهودًا، وخطفت تفكيري في ليلة، يجب  فيها أن أنزوي بفراشي وأبكي على حُطام قلبي وحياتي...

وكأنها تخبرني بأني لم أخسر شيءِ ... وكأنني بالفعل لم أخسر، الفتاة التي أحُبها، واصدقائي ..

بعد يومين .. كان عيد ميلادها، وقد أتمت الثامنة عشر ..هدأ الوضع المنزل، رغم ذلك لم يجرؤ وليد على الخروج من غرفته، بل كانت (زينة) هي وحدها من تدخل وتخرج من غرفته، كانت والدتي (جُلنار) قد أرتني قلادة تحمل زُمرد، بنفس لون عيناى زينة، وأخبرتني بأنها أخبرت الصائغ بأن يحضرها في هذه الليلة حتى تهديها إلى زينة.بمناسبة عيد ميلادها.

لم أتحدث معها، أو حتى أعتذر عما قلته بغرفتي، وأصبحت تتجاهلني وتسير بجانبي بحذر شديد ...

وفي تلك الليلة، حدث الكثير، بالصباح أهدتها والدتي القلادة وأردتها دون أن تبالي ان تغطي شعرها بالكامل .. فقدت تركت حجابها بدون دبابيس ..

ولذلك أردت الخروج للتنفيس عن غضبي والرغبة الشديدة بالتحدث معها، وحين عدتُ ... كنت أصعد إلى الأعلى حتى أخبر والدي عن أمر طرق ببالي، ووجدتها واقفة أمام غرفة والداي، شعرت بالحنق، ولكن تخشبت حين سمعت ما تقوله والدتي ..

_كان عندهم حق يافهد، زينة فَّال وحش، بسببها عاصي خطوبته أتفسخت!

رد والدي بعصبية:

_إيه اللي بتقوليهِ ده، لمجرد إنك مش عايزة تشيلي ابنك الذنب و ..

قاطعت تتحدث بعصبية:

_أنا سقطت بعد ولادتي علطول، اخوها مات .. لما ماماتها أنتبهت ليها وسابت زياد، عاصي حصلتله فضيحة! كل ده عايز تقولي إنها مش فال وحش، مامتك أول مرة أتفق معها على كلامها زمان.

وسقط مابين يدى زينة، كانت تحمل أكواب من العصير ..

وسمعت شهقة والدتي كأنها لم تقصد قول ذلك، ركضت زينة بعيدًا عنهم، وعن المنزل، أغمضت عيناي بغضب، ونظرت لوالدتي التي خرجت بهرولة، بعتاب شديد ... كيف لها أن تقول ذلك؟

طوال السنين التي ظلت زينة بالمنزل، كانت تحاول أن تنسى إهمال والدتها التي وضعت ذنب موت زياد عليها، كانت طفولتها ليست كأخرى بين تربيتها بمنزلنا ومنزل خالتها هبة ...

وميرال التي كانت دوما في حالة شرود، رغم محاولات عمي المتواصلة بان يظل معها وأن يخرجها من تلك الحالة ... إلا أن وجود زينة أمامها أغلب الوقت كان يزيد من حنقها...

ركضت خلفها وجدتها بالقرب من البحيرة التي خلف المنزل، وتجهش بالبكاء .. صوت بكاء كان كالرُمح السام بصدري، وجهها الأبيض سرعان ما أصبح أحمر من شدة البكاء وحجابها الذي أنسل من رأسها فأصبح بين يديها ... تتمسك به بقوة، وضعت يديها حول شفتيها حين علت شهقاتها..
ورغبة مُلحة تخبرني أن أذهب وأعانقها بقوة، اخرج تلك الصيحات المكتومة بداخلها على صدري ...

ولكن لا، لا يجدر بي فعل ذلك، فأقتربت منها وأقول:

_زينة!

لم تهتم لصوتي، بل أسرعت تفتح هاتفها، وتحاول الاتصال بعمي هاشم، رنَّ بعد أخرى، ولم تمَّل...

مكالمة، وأخرى ولم تمَّل ... وكأنها كانت طوق نجاتها، أمسكت الهاتف من يديها بسرعة، ولم ترفع وجهها قط ...

_زينة ...

ركعت على ركُبتي ونظرت إلى وجهها الشريد ..

_أنتِ عارفة إن كلامها غلط، صح؟

رفعت عينيها الباكين فقالت:

_مبقتش فارقة غلط ولا لأ، لما يكون الكل شايفك عبءِ حياتك كلها هتفضل في نظرهم عبءَ.

وأخذت الهاتف من يدي من جديد، وحاولت التواصل إلى والدها، الذي أجاب بقلق، قالت بصوت أجش:

_أنا عايزة أروح يا بابا، أرجوك .. مش قادرة أفضل هنا..

وبكت من جديد، فقال شيءِ عمي، مسحت دموعها تقول:

_لأ مفيش حاجة حصلت، انا مخنوقة إني بعيدة عنكم، كفاية كده .. أنا عايزة أرجع القاهرة ...

وقفت خلفها ..والرياح كانت عالية وشعرها الطويل، لازال يرفرف من شدة الهواء .

وكانت أخر مرة أراها ...

حتى أصبحت بعمر العشرين، كانت قد أصبحت بكلية الهندسة ... لم تأتي للمنزل أبدًا .. رغم محاولات أبي المتكررة القدوم للمنزل والتحدث معها، ولكنها طوال الوقت كانت صامتة، وتخبره بانها منشغلة بأمور الجامعة وليست مهتمة بتضيع وقتها والمجيءِ..

وتلك المرة، كنت أريد الذهاب للجامعة لأجل بعض الأوراق، فقد قررت أن أسافر للخارج ..

ورغبت برؤيتها، ورأيتها وقد تغيرت كثيرًا، جسدها قد أمتلأ، ولم تعد متوسطة الحجم، كانت تجلس بمفردها بزاوية بالجامعة وتتناول طعامها بمفردها، وفجأة رأيتها تبكي .. كان اليوم عيد ميلادها العشرين.

بالتأكيد تشعر بالوحدة، شعرت وكأن هناك قبضة من الجمر تعتصر قلبي من الداخل، مظهرها يخبرني كم هي أصبحت تعيسة ..

لذلك .. لم أتردد حين دخلت البيت بعد يوم طويل، طرقت باب غرفة وليد، والذي كان يشاهد بعض عروض الطبخ بأهتمام، فقلتُ:

_أنتَ بتشوف زينة؟

تجاهلني بالكامل، فكررت السؤال، فقال فجأة:

_أنا سيبت كلية الهندسة!

هززت رأسي بغير تصديق:

-       أزاي؟ بابا عارف؟

-       طبعًا لأ، مستني الفرصة المناسبة وأقولهُ.

صككتُ على قواطعي، فقلت:

-       زينة مش كويسة!

قطب حاجبيه يقول:

-       أنا كلمتها إمبارح كانت كويسة..

-       مش كفاية يا وليد، أنتَ الوحيد اللي هتقدر تكون معها، مش مهم سيبت هندسة ولا لأ، المهم روحلها وخليك جمبها ...

هز وليد رأسه موافقًا .. وقبل أن أخرج قال:

-       أنتَ بتحبها؟

أستدرتُ أقول:

-       مش مجرد إني بطلب منك تهتم بيها علشان حياتها متبهدلة، يبقى بحبها!

-       أصل عمرك ما أهتميت بحد ...بس ماشي.

تلك المرة الاخيرة التي أهتم بها، فحين عودت من أمريكا لم تعد كما تركتها.

****

الآن. الوقت الحالي.

-       أنا بحبكِ.

قالها وليد، وهو ينظر إليها وقلبه يخفق بجنون، شحب وجهه زهرة من حديثه المفاجيءِ، لم تعلم بماذا تُجيبه ولكنها بالفعل لن تقبل بحبهُ .. فقالت بنبرة جامدة تكسيها البرود:

-       أنا آسفة بس مش مهتمة!

-       زهرة ..

استدارت ترفع سبابتها بوجهه:

-       كفاية لو سمحت .. وأسمي الدكتورة زهرة.

ركضت للناصية الأخرى، حتى تذهب للمنزل مع صديقاتها، والتي قالت إحداهن بتساءُل والفضول يأكلها:

-       مين اللي كنتِ واقفة معه ده يا زهرة؟

قالت زهرة بلامُبالاة:

-       ابن خالي.

همهمت صديقاتها بإعجاب، حتى وإن كانت لاتُبالي به، فوليد بمظهره الأنيق يجذب الأنظار، بشعرهُ البني الفاتح و لحيته الخفيفة، وجسده الرياضي الرشيق، قالت زهرة بانزعاج:

-       بلاش الكلام ده، وليد مش شخص كويس أصلاً.

قالتها وهي تتقدم عليهم بخطوة تحاول ألا تنفجر بعصبيتها خاصة بعد أن سمعت أقولهم على مظهرهُ الجذاب .. نفخت وجنتيها تعترض:

-وليد؟ وحلو؟ في جملة واحدة!

***

أستيقظت (زينة) على الأرض الباردة، وهي تشعر بيد حانية على كتفها، كانت السيدة ثُرية، وهي بيديها بعض الملابس حتى تُبدلها، كان وجهه زينة مليءِ بالدموع، وكأنها غفت بعد البكاء الشديد، أستندت زينة على يد ثُرية حتى وضعتها بالفراش .. كانت زينة صامتة وصمتها ذلك، أقلق ثرية، فهمست تقول:

-       الدكتور عملكِ حاجة؟

رفعت زينة عينيها تقول:

-       ولو عمل، مفيش حاجة هتتغير ..

وضعت ثُرية يدها على كتف زينة تقول:

-       أنا معرفش حصل إيه علشان تكونوا كده، بس عاصي طيب .. وعمره ما هيتمنى لحد الشر ...

أجهشت زينة بالبكاء تقول:

-       أنتِ مستحيل تفهميني، محدش فاهمني..

أخذتها ثرية بحضنها تُربت على ظهرها، وهي تقول :

-       زمان لما جيت البيت ده، كنتِ صغيرة شوية، ومكنتيش شقية بل بالعكس كنتِ أهدى واحدة مابينهم، أنا عارفة إن تعب الست ميرال بعدك عنها كتير، بس فكري معايا يابنتي، أمُك كان زياد اول فرحتها، بتربيه لـ أتناشر سنة، مش سنتين مش تلاتة، أتناشر سنة .. وفجأة ليلة واحدة، مرجعش إلا هدومه، مات ومش باينله أثرَّ ... عايزاها أزاي تتعافى .. مفيش أم تقدر تتعافى من موت ضناها يا زينة...

-       وأنا ؟ أنا روحت فين في كل ده؟

ابتسمت ثرية وهي تمسح دموع زينة بكفها الهرم:

-       ربنا رزقك بأخ تاني، وليد ... ورزقك بعيلة، كانت دايما تفرحك وقت الأعياد ويفكروا فيكي، كلنا مليانين أغلاط وذنوب بس مش كلنا بنكفر عنها بنفس الطريقة، أنسي وسامحي يا زينة .. أول ما تغفرلي مستحيل تفكري في حد تاني .. أول طريقة للنسيان، الغفران!

وضعت ثرية قبلة على شعر زينة، ثم نهضت تعطيها الملابس، التي لم تكن سوى بنطال من القطن وقميص .. كانا واسعين، فقالت زينة بتساءُل:

-       بتوع مين؟ عاصي؟

أومأت ثرية رأسها، لتعترض زينة:

-       مستحيل ألبس حاجة تخصهُ، ممكن تجيبي حاجة ليا من أوضتي؟

ابتسمت ثرية بحنان تقول:

-       انا مكنتش هقبل هدومه لولا إني عارفة إن هدومكِ أغلبها مش مقفول يا زينة، اللبس ده هيدفيكي وأنتِ هنا، بس جبتلك هدوم داخلية من دولابكِ ..

تابعت وهي تخرج:

-       لو أحتاجتي حاجة.. رني على الجرس اللي جمبك ده.

هزت (زينة) رأسها، وكانت شاردة، جذبت الملابس لأنفها، لتجد به ريحهُ، شعرت بصدرها يضيق بشدة .. ورغبة ملحة تخبرها أن تبكي من جديد، لا تريد أن تتزوجهُ لأنها تعلم بأنه لا يحبها..

وعادت بذاكرتها قبلتهُ، وهي تشك ألف مرة لماذا فعل معها ذلك؟

بدلت ملابسها بـذلك البنطال والقميص الذي كان بنصف أكمام،

وجلست على الفراش تضم قدميها لصدرها حتى أشرقت الشمس ولازالت جالسة صامتة وعينيها شاردة ...

ثم شعرت بأحد يفتح الباب وجدتهُ هو يقف ينظر إليها..

كانت ملامحهُ جامدة .. فقال:

_إحنا مخلصناش كلامنا إمبارح يا زينة!

رمشت عدة مرات، لازال قلبها يخفق بجنون من رؤيتها لهُ، تنهدت كثيرًا .. بماذا ستقول لهُ، وبماذا ستشرح له حُبها الذي تخطى الجنون!

تحدثت بنبرة هادئة :

-       عايز تعرف ليه مش عايزاكَ؟

لم يهز رأسه أو يُجيبها بل كان يتابع بعينيه الجميلتين حركات جسدها، نهضت من الفراش ووقفت قبالتهُ .. قالت ويبدو عليها الإنكسار :

-       أنا حبيتكَ من زمان، ممكن لما كنت جمبي وقت زياد لما مات، ممكن لما كنت بحس إنكَ الوحيد اللي فهمني، بس مش مهم أزاي حبيتكَ .. كنت عارفة إنك مش شايفني، معرفش ليه؟ معرفش ليه عمرك ما حبيت تكون معايا في نفس المكان، ويوم ماكلمتني وقت خطوبتكَ ...

قاطعها يقول:

-       زينة ..

تنهدت تغمض عينيها بغضب وهي تجذ على أسنانها:

-       سيبني لو سمحت أتكلم!

قالتها بغصة بحلقها، فصمت .. ونظر إليها لتتابع حديثها وتسترسل قائلة:

-       الليلة اللي بابا جيه وأخدني، كنت عايزة أنساك وأنساكم كلكم، كنت عارفة إن ولا حاجة في حياتكم، مكنتش هفرق معاكم لو حصلي حاجة، أهتميت بالجامعة ونسيت نفسي .. كنت لما بزعل وأشتاق ليكم .. أكل، لغاية ما جسمي زاد كتير أوي، وبقيت لوحدي من تاني ... كله بسبب إني عارفة إن مهما عملت مستحيل تشوفني، مستحيل تشوف قد إيه أنا بحبكَ .. واللي عمري ما كان عندي قُدرة أقولها فعلا وأنا قصادها..

أبتعدت عنه خطوتين، وشفتيها ترتعشان، رفعت كُم القميص من جديد، ورأى خطوط عريضة بكتفها بيضاء اللون، كانت تبكي بصمت، ثم رفعت قميصها ليظهر معدتها ليرى خطوط حمراء تملأها ..

هزت رأسها تقول:

-       في غيرها كتير في أماكن تانية، حُبك كلفني نفسي زمان، مستحيل .. مستحيل أكرر غلطي .. أنا كنت ولا حاجة، ودلوقتي بقت حاجة .. كله بيعملي حساب. أنا عمري ما خجلت من نفسي، أنا أتكسرت منك، ووعدت نفسي مهما يحصل مستحيل أرجع لنقطة الصفر، وأنتَ ياعاصي نقطة الصفر ..

مسحت دموعها بكفها بشدة حتى أصبح لون خديها شديد الحمرة، اقترب منها لتبتعد تقول:

-       أنا عايزة رد ..

لم يجيبها بل أولاها ظهرهُ، فقال:

-       تقدري تطلعي أوضتكِ يا زينة ..

علا صوتها تقول:

-       يعني كده مش هتتجوزيني؟

وقبل أن يخرج، أسرعت تهتف:

-       عاصي! أرجوكَ.

أستدار يقول:

-       لأ يا زينة ... هتجوزكِ!

أنفعلت تقترب بشدة تقول:

-       أنتَ عمرك ماحبتني ..

نظر إلي عينيها الحمراء فقال وهو ينظر إليهم بعمق:

-       أسكتي يازينة .. أنتِ ماتعرفيش حاجة.

قالت بشجن:

-       لأ يا عاصي مش هخرس، عاصي فوق أنا مش شذى، انا مش حُب عمرك اللي ضاع من أيديكَ، أنا مش عايزة أتعذب!

أمسك بذراعيها يقربها نحوه يقول:

-       ليه بتقارني نفسك بحد ..ليه مش شايفة نفسكِ.

وقبل أن تعلق، وضع أصبعه على شفتيها يردد:

-       أنتِ غيرهم يا زينة .. فوقي، وقت لما فسخت مع شذى .. انا ما أنجرحتش منها، انا كنت متعصب .. كنت مضايق بس مكنتش مقهور .. مكنتش مجروح، كلامك ورفضك ليَّا بيـ ...

-عاصي!

قالتها جُلنار وهي تنظر إليهم بحرج شديد، أبعد يديه عنها سريعًا، وهو يشعر بحرارة بجسدهُ، أبعدت زينة وجهها الباكي عن عيناى جُلنار، حمحمت جلنار تقول:

-       عمك وأبوك فوق، يَّلا أطلع وخُد معاك زينة!

أومأ لوالدتهُ، التي نهرت فعله بنظرة، وأسرعت هي للأعلى تصعد، نظر إلى زينة التي تمسح دموعها، ورغب بلمسها وأن يعانقها بشدة، ولكنه بدلا من ذلك قال:

-       هستناكِ برا الأوضة.

لم تُجيبهُ، بل ظلت على حالها تعطيه ظهرها، تنهد وهو يترجل من الغرفة ويقف منتظرًا إياها، مسحت وجهها جيدًا حتى لا تظهر أمام عمها و والدها ضعيفة محطمة، فيكفي ما حدث منهما..

حين خرجت وجدته امامها منتظرًا إياها، هزت رأسها له ليسير بجوارها، وجدت والدها يتحدث مع عمها بجيدة تامة.

وحين ظهرت أمامهما، إنتبهت لنظرات عمها (فهد) فتلك الملابس بالتأكيد أنتبه بأنها لابنه البكر، وجدته ممتعضًا .. أبتلعت ريقها .. ونظرات والدها تؤلمها، لم يكن والدها شخصا عنيفًا ولكنها حين أصبحت تحاول أن تؤذي والدتها دوما بحديثها الحاد .. أصبح يقف رادعًا تلك الكلمات بصفعة أو حتى يدفعها بعيدًا عنهم ..

نهض هاشم من مقعدهُ وهو ينظر إلى عاصي:

_أنا كلمت فهد وقولتله كل حاجة .. أنا همشي..

ولكن عاصي قال:

-بس إحنا محتاجينك يا عمي ..

نظر هاشم إلى زينة التي تقف خلف عاصي وترتعش، رفعت عينيها الحمراوتين من شدة البكاء .. فوجدت والدها يقف يُناظرها بألم .. فقال وهو يختنق:

-ميرال تعبت تاني، مش هقدر أفضل هنا يا عاصي ..

عضت على شفتيها بقسوة وهي ترغب بأن تعلم ما حدث لوالدتها تلك المرة، فضغطت على ذراع عاصي والذي قال بسرعة :

-إيه اللي حصل لطنط ميرال؟

تنهد وهو يمسح وجهه بيدهُ يقول:

-بتقول إنها شافته تاني ...

رفعت زينة عينيها إلى والدها المتألمة، ووالدتها تنتكس كلما شعرت بأحد يُشبه زياد، حين تعافت بالبداية كانت تخبرها بأنها كانت تحلم به شابًا يشبه والدهُ في صباه، وشعره الأشقر أزداد غزارة مع احمرار بسبب لون شعرها البني المائل للأحمرار دوما، وعينيه التي كانت بصفاء السماء في أوج وحدتها-بدون غيوم-

وكلما رأت أحد .. كانت تنتكس، وتبكي وتظل دوما تهذي وتشرد ...

لذلك كان من المؤلم رؤيتها لها كل تلك السنوات، فحين ترى ابنتها الوحيدة، تبكي متألمة تندم بأنها ذهبت معها إلى الداخل دون أن تبالي بطلبات ابنها...

تنهد عاصي وهو ينظر إليها، وقد شعر بألم بصدرهُ حين رأى دموعها تغرق وجهها، كانت تتألم ولكنها لم تصدر صوتًا يخبرهم بانها أشتاقت لوالدتها، أشتاقت لتلك الصور الدافئة التي كانت تحيط بالمنزل بالماضي، وهي والدتها تعانقها بقوة وتغرقها بقبلاتها الحانية ..

ذهب (هاشم) سريعًا من المنزل، وركضت هي خلفهُ ... حتى أوقفته بصوتها الباكي: بابا.

أستدار لها وهو يحاول أن يسيطر على مشاعرهُ، فما فعلته ليس سهل الغفران، وحين أستدار ركضت إلى حضنهُ، تتمسك به، وغصبا تملكت مشاعرهُ كيانه، ورد ذلك الحُضن .. بقوة، وقلبه يخفق بشدة ... ابنته الوحيدة تأذت من بعدهُ، تأذت رغمًا عنه، ولكنها كانت بخير ..

حتى الآن، لم يعلم ما قالته جُلنار، حتى الآن لم يعلم لماذا كرهت عمها والمجيء، وهي بالماضي كانت من ترغب بالمكوث أشهر دون تردد ..

همس وهو يبتعد عنها: خلي بالك من نفسك يازينة، وأعملي اللي عمك هيطلبه منكِ ..

-بس!

قاطعها وهو ينظر إلى عينيها: بنتي اللي أعرفها، كانت هتقول حاضر بس.

ورغبت أن تقول بانها تغيرت ..

ولم تعد طفلته الحنونة، بل اصبحت أخُرى بشعة، مشاعرها تحجرت من قسوة الجميع ولومها على شيءِ لم ترتكبه يديها.

لم تقول شيءِ بل صمتت، وهو تركها وصعد بسيارتهُ..

عادت بدون كلمة إلى غرفة عمها، والذي كانت منتظرًا لقدومها، قال فهد وهو ينظر إليها بجمود:

-فرحكم أسبوع الجاي وهيتمَّ.

رفعت عينيها بخوف شديد، قالت بصدمة:

-يعني إيه فرحنا الأسبوع الجاي، ليه بتقول كده؟

ضحك فهد ساخرًا: مش محتاجة سنة أو أتنين علشان تعرفي ابن عمكِ!

بلعت ريقها بتفاجُأ، وحين تابع وهو يوليها ظهره:

-       كفاية الكلام اللي سمعته عنكِ!

-       وإيه هو؟

قالتها وهي تقف أمامه، قال وهو يرفع هاتفه :

-بنت الجبالي، كانت علاقتها بـهيثم علاقة منفعة، ولما أخد اللي عايزهُ، رامـاها!

صكت على أسنانها، تعلم بأن تلك العقربة شيري من قالت ذلك، فهي تعلم بأنها لا تهتم بـحُب هيثم أم لا، لم تهتم بتلك المقالة .. ولكن رفعت حاجبها حين رأت تلك الصورة، كانت هناك عدَّة صور وهناك شابٌ، أبتلعت ريقها ولكن عمها أنتشل منها الهاتف وهو يشير إلى ابنه:

-       أحمدي ربنا إن عاصي وافق يتجوزكِ..

قالت وهي تنظر لعمها:

-       عمي إنت طول عمرك عارف أنا ليه بكرهكم، ليه شايفني مش ضحية!

نظر إليها وهو يرى نظراتها الثابتة، تعابيرها جامدة... كأن ذلك لم يعد يجرحها من جديد .. فقالت وهي تهتف بابتسامة متألمة:

-       علشان انتَ مصدق، وأكيد زمان صدقت ..

تقصد بما قالته زوجة عمها جلنار، بانها ذات حظ سيءِ ويصاحبها دوما الأمور السيئة .. ولكنه قال وهي يسير نحو مكتبه:

_لأ يا زينة، عمري ما صدقت لزمان ولا بعدين، بس أنتِ أنا اللي ربيتكِ، أنا اللي علمتك كل حاجة، ويوم ما أتقالت كلمة ، ماجتيش تعاتبي أو تلومي، لأنكِ كنت عارفة إنك غلطتي لما سمعتي حاجة أتقالت في وقت مش مناسب .. بس أنتِ أتغيرتِ .. بدل للأحسن، للأسوء! زمان، كنت أتمناكِ لأي حد ومنهم عاصي، دلوقتي لأ يا زينة.

تابع وهو يجلس: دلوقتي كان نفسي تكوني أتجوزتي هيثم وما شوفتيكيشَ!

عاصي معترضًا:

-       بابا.. الكلام ده ملوش داعي.

-       حبيبة القلب كانت عايزة تسمع، خليها تسمع ..

كانت عينيها لم تتغير، ولكن فهد يعلمها كصفحة يدهُ، هشة، وترغب بالبكاء، كان هو من أهتم بتربيتها، كانت ابنته بالفعل بكل شيءِ، هي من كان يجلس بجوارها دوما أثناء مذاكرتها ويعلمها كل شيءِ ..

ولكن حين هاجت وصرخت بوجهه حين جاء ليخبرها أن تقضي فترة الصيف معهم، تلك المرة ... تمنى ألا يراها مرة أخُرى..

خرجت من الغرفة، وتبعها عاصي، والتي أستدارت فجأة وأصطدمت بصدرهُ، لتنظر إلى عينيهِ .. وأنفاسه أصبحت ثقيلة .. قالت:

-أرفضَ!

هز رأسه ب(لا)، لتنظر إليه برجاء:

-أرفض يا عاصي، أنا مؤذية زي ما قال عمي، انا بقيت سمَّ.

هز كتفيه بلامبالاة: مبقاش يهمني يا زينة..

أسرعت إلى غرفتها وهي تلعنه بداخلها .. بالتأكيد يرغب بالانتقام لذلك هو سبب ذلك الزواج!

****

حل الليل سريعًا ..

كانت قد عادت زهرة من عملها بالمشفى، وقبل أن تبدل ملابسها سمعت صوت طرقات، ذهبت هيَّ حين وجدت والدتها مشغولة بالمطبخ، وحين فتحت رأت أمامها (وليد) من جديد، ولكن بيديه وردًا ..

كان دوار الشمس، نوعها المفضل.. أبتلعت ريقها بصعوبة وهي تنظر إلى عينيه التي تبعث بها أملاً ..

خرجت وأغلقت الباب خلفها حتى لا تسمع والدتها ما يحدث بينهما، ضمت ذراعيها لصدرها تقول بانزعاج:

-       إيه ده؟

ابتسم بتوتر:

-       ورد!

تابع وعينيه بها تلأتلأ غريب:

-       كنت جاي أكلم عمتو علشان أتقدم!

-       تتقدم! أنتَ باين عليك ماسمعتش اللي قولته إمبارح، لأ يعني لأ..

-       أديني فرصة، انا مش وحش يا زهرة.

ضحكت بعيدًا عن وجهه، صدرها محتقن بالغضب، فقالت:

-       أنا كنت خطيبة عاصي وممكن نرجع..

-       عاصي وزينة هيتجوزوا!

تخشبت ملامحها بصدمة وغضب وحقد، صكت على قواطعها، وبغضب أمسكت باقة الزهور وبقوة ألقتها أرضًا قائلة بعصبية:

-       وأنتَ فاكر نفسك مين! أنتَ ولا حاجة يا وليد، أزاي تفتكر إني هوافق عليك، أنسان حقير ومقرف .. واحد زيك مفيش بنت تتمناه في حياتها، بتاع بنات وكمان متحرش!

-       زهرة! أسمعيني..

صدته تشير للخارج:

-       برا بيتي، أنا مش عايزة أشوفك تاني يا وليد، كفاية لغاية كده، إنك تفتكر إني هفكر فيك تبقى غبي وأناني، أنتَ لو أخر راجل في الدنيا دي مستحيل أقبل بيك، أطلع برا بقى وخلي عندك كرامة!

ودخلت منزلها وأغلقت الباب خلفها لتصفعه أمام وجهه بكل غلٍ وعصبية.

أما هو تحطم، وتحطمه كان حزنا وشجن يتقاسم داخله...

***

_وليد! أرجوك .. انت لازم تيجي وتاخدني، قبل ما أخوك المجنون يعمل اللي في دماغه!

قالتها بهستيرية. ولكن قُبل حديثها بنبرة جافة خالية من المشاعر:

- زينة... وافقي على عاصي. .

- انت اتجننت اخوك ده مش هيتجوزني علشان بيحبني علشان يسود عيشتي الباقية!

ولكن صمت هو ماتلقته. وشعرت بقلبها يؤلمها حين سمعت نحيبه عبر الهاتف، أنتشلت من بؤرة خوفها الشديد وقالت:

- مالك يا وليد؟

بصوت باكٍ:

_ زهرة رفضتني يا زينة. عارفة قالتلي إيه، إنِ أحقر بني آدم قبلته في حياتها وعمرها ماهتسمح ليا أكون معها .. كلامها جرحني .  انا عارف إنِ مش شبه عاصي، بس أنا بحبها أكتر منه .. وبخاف عليها .. بس ..

تنهدت زينة وهي تسب ابنة عمتها الغبية، وقالت:

- مستحيل تنُول عاصي يا وليد، عاصي عدى سنة خاطبها بس عمره مافكر فيها.. انت لو هتقارن نفسك بيه هتتعب .. انت عمرك ماهتكون شبه. على الاقل انت صادق، وجودك معايا هنا كان بيحسسني بالأمان .. بس انا اللي اسفة انا اللي سببت كل الوجع ده ليك لو مكنتش خليتك تفركش خطوبة عاصي وشذى..

وتنهدت تقول: انا اسفة .

ثم أغلق الهاتف دون أن يجيبها، قبض قلبها فحاولت عدة مرات أن تهاتفه ولكنه يأتيها دوما مغلق.. زُرع بداخل صدرها الرُعب قلقا عليه. لذلك لم تتردد بأن تركُض إليه، حتى وإن كان يبغضها حتى وإن كُلا منهما لايريد إلا الألم لبعضهما البعض إلا بأنها تعلم محبته لأخيه.

لذلك هرعت دون أن تراعي ملابسها بالرواق ومظهرها الرث من بكاءها وجذبها الشديد لخصلات شعرها.

وفتحت الباب دون حتى ان تطرقه. أنتفض حين رأها هكذا وغضب لفتحها باب غرفته دون أن تطرقه وقبل أن يقول اي شيء وجدها تركض إليه بتلك الملابس الكاشفة وقالت:

- وليد.. انا خايفة عليه

كاد أن يجذبها لجرها للخارج ولكن يدها المُرتعشة وصدرها الذي يهبط ويرتفع بسرعة كبيرة ..جعلته يضطرب وهو يراها تعاني امامه هكذا ودموعها تهبط بانفعال شديد..

أمسك بكتفيها وهو ينظر إلى عينيها : أحكي!

- وليد.. راح يتكلم مع زهرة .. وقالي انها رفضته لتاني مرة بس بس ...

تلعثمت وتشعر وكأنها ستُصاب بنوبة، فقال وهو ينظر لعينيها يُطمأنها : أهدي ..أتنفسي ..

نظرت لعينيه وبدأت تتنفس الهواء بهدوء حتى تحدثت وهي تمسك بيده بقوة: وليد لما كنت بكلمه فجأة قفل تلفونه انا خايفة يحصله حاجة .. خايفة يعمل في نفسه اي حاجة وحشة.. ارجوك يا عاصي، أيا كان اللي بينا .. وليد أخويا زي ماهو أخوك .. مش عايزاه يضيع مني.

مسح على يدها ثم أسرع يأخذ هاتفه ليجري اتصالاته، بدأ بمكالمة من عمته وهو يرى زينة تجلس بالفراش الخاص به وهي تضع كِلتا كفيها تُدثر وجهها داخله.

انتبه لحديث عمته تقول: انا معرفش إنه جيه والله يا عاصي، زهرة قالتله انه جيه ومشي وكان مستعجل.

- طيب، ممكن تديني زهرة.

وافقت وثوانٍ وكان صوتها الناعم يهتف: نعم يا عاصي.

نظرت زينة لهُ بفضول وقلق فبدأ يتحدث وعينيه لاتُفارق عينى زينة:

-  إيه اللي حصل بينك وبين وليد يازهرة؟

تنهدت بغضب: هيكون حصل إيه ياعاصي، أخوك جيه وأتكلم بخصوص إنه عايز يتقدم  وانا رفضته.

- بس ده كله، يعني ما أهانتهوش وما أتكلمتيش بقلة ذوق!

- لا يا عاصي ...

سحبت زينة الهاتف من يده وهي تتحدث بغضب وسخط:

- أقسم بالله يازهرة لو حصل ل وليد أي حاجة .. مش هسيبك عايشة على الدنيا أنتِ فاهمة!

كان حديثها الساخط أغضبه ولكن رق قلبه لها، قلقهاعلى أخيه بشدة يعلم بأن علاقتهما لم تتعدى اي شيء غير الاخوة ورابط الذي بينهما .. ولكنه أستغرب مما بها، جسدها يرتجف من البكاء الذي لم تتوقف عنه.

أعطته الهاتف ونظرت له:

- هنعمل إيه؟

نظر إليها وإلى ملابسها الفاضحة وحمحم:

- ألبسي هُدوم تقيلة .. وهننزل ندور على إيه.

هزت رأسها بسرعة وبلمح البصر كانت بغرفتها ترتدي فُستان فضفاض كان لوالدتها .. ولم تهتم بربط شعرها أو حتى وركضت الى الاسفل وجدته بالسيارة جلست بجانبه وهي تنظر للطريق..

حاولت الاتصال بوليد طوال الطريق سواء بهاتفها أو بهاتف عاصي ولكن ليس هناك أستجابة ..

ذهب عاصي إلى الطريق المؤدي إلى منزل عمته ولكن فجأة فتح الهاتف فابتسمت زينة وأخذت ترن على الهاتف مرة أخرى ولكن تفاجأت بصوت سرينة اسعاف وصوت اقدام ..

بلعت لعابها بخوف حتى أجابها ذلك الرجل بأن صاحب الهاتف سيُنقل إلى مشفى وكان بالقرب من مكان طريقهم ..

نظرت إلى عاصي الذي أستغرب لشحوب وجهها .. لم يكن يستمع إلى المكالمة لانشغاله بالطريق ..

فقالت: أركن على جمب.

بدون أن يتحدث توقف بالطريق ونظر إليها ورأى دموعها من جديد وهي تهمس : يارب مش عايزة أخسره زي ماخسرته.

 قبض قلبه من حديثها فقال:

- هو كويس؟

رفعت وجهها إليه قائلة وهي تمسك بيدهُ:

- هما هيوده المستشفى ..

قشعريرة أصابت عموده الفقري ..وشحب دون أن يحاول شعره بدموعهُ .. قالت هي بثبات:

- ان شاء الله خير .. لو مش هتقدر تسوق انا ..

قاطعها: لأ .. قوليلي هو فين؟

****

كانت جُلنار تشعر بانقباض صدرها خصيصا بأنها تفاجأت بخلو المنزل من ولديها وحتى من زينة.

نظرت إلى فهد الذي يغط بنوم عميق، وخللت أصابعها بين شيب رأسه .. حبيبها و والد طفليها الحبيبين، منذ زواجهم وهو كان ولازال يدثرها بحبه العميق والذي لم ينسل من قلبه أبدا قبلت جبهته ونهضت من الفراش تحاول أن تهاتف عاصي ..

حتى أجاب ولكنه لم يكن عاصي بل زينة .. والتي قالت:

- لو واقفة يا خالتو ممكن تقعدي؟

قالتها وهي تحاول ألا تظهر نحيبها .. جلست وحين فعلت أردفت :

- وليد في مستشفى الرحاب .. اصابته خطيرة .. بس ادعيله ربنا يخرجه منها على خير.

- وليد مين؟ ابني..

سقط الهاتف منها وهي تهرع إلى زوجها قبل أن تفقد وعيها من الخوف.

****

بعد عدة ساعات.

A few hours later

كانت زينة تجلس أمام غرفة العمليات لم يكن معها عاصي لانه ذهب بالداخل مع الطبيب للعمليات .. كانت تجلس برفقة والدة عاصي والتي كانت متعبة وعينيها متورمتين من البكاء المتواصل، كان فهد صامدًا لم يتزعزع بُنيانهُ. كان يحاوطها بجذعه مقبلا جبهتها .. محاولا التهدئة من روعها ومن زينة التي كانت تقضم أظفارها بعنف حتى شعرت بدماءها ..

رأت من بداية الردهة قدوم نوران وابنتها زهرة، والتي كانت جامدة الملامح مما زاد من عُنف وتهيج مشاعر زينة والتي سارعت بِكُل غضب تتجه نحوها تقف تماطلها من أن تقدم خطوة للامام ..

_ جاية ليه؟

صرخت بوجهها لتنتفض ملامح زهرة من أثر الصراخ ..ابتلعت لعابها وعينيها ترمش بتوتر وحمرة خديها تعلو .. نظرت حولها لترى بأن زوجة خالها توقفت عن البكاء ونظرت وهي تمسح دموعها وتنظر بحذر للموقف.

أكملت زينة تهدر بعنف:

- أقسم بالله يا زهرة محدش هيرحمك من أيديا لو حصله حاجة!

تلعثمت تقول: أنا معملتش حاجة، وأنا حُرة في حياتي مين يكون فيها ومين لأ .. ثم أنت مين علشان تتكلمي معايا.   بلأسلوب ده ومالك عاملة كده .. اللي يشوفك يفتكر إن بينكم حاجة أكتر من علاقة الإخوة!

صفعة!

رن صوتها بالارجاء ..هذا ما أردته من البداية أن تفعله زينة، تظنها بانها لن تفعل شيء بوجود نوران ولكن نوران كانت خجلة بالفعل من ابنتها، فعلاقة زينة و وليد أخوة لانهما إخوة بالرضاعة وكلا منهما مشاعره للاخر صادقة .. والجميع يعلم لماذا. وليد الذي كان يكره اخيه لانه يحصل على كل الاهتمام، كان يحبها بشدة لانها من رافقته في صباه حتى بعلمه بحبها ل عاصي منذ الصغر، كان يرغب أن تكون لاخيه .. لحبه لوجودها رفقته وتدلُلها عليه .. وهي تحبه لانه عوضها عن أخيها الذي مات  وهجرها الجميع إلا هو .. كان يحبها ويحميها من كل شر ..

لذلك لم تستطع أن تترك زهرة تقول تلك الكلمات عنهما، لان ما مرت به وهو بِجوارها يجعلها تُضحى عمرها لأجله.

- مش مصدومة منكِ عارفة ليه لإن عارفة إن طول عمرك حقودة يازهرة!

قالتها واستدارت حين سمعت صوت باب غرفة العمليات ويخرج منه عاصي والذي شهد الأمر من بعيد من صوت زينة العالي، اسرعت إليه .. فقالت بخوف:

_ طمني!

وأراد أن يمسكها ويدخلها لصدره ويطُمئنها.

كان وجهها الشاحب الخالي من مساحيق التجميل قد جعله في حالة أخرى منها، هما سيتزوجان. وكُلا منهما يعيش بجانب أخر بالمنزل. وأراد أن يأخذها بين أحضانه ويقُبل جبهتها المتعرقة.

مال ناحيتها وقال بصوت خافض: مش عارفة أقولك إيه يا زينة ، بس هو الحمدلله العملية نجحت ووقفنا النزيف بس أحتمال كبير يدخل في غيبوبة الحادثة مكنتش سهلة .. بس متأكد إن وليد هيعملها ويفوق.

ارتعشت شفتيها تقول: يعني إيه؟

أستوعبت حديثه وقالت : يعني ممكن يخش في coma (غيبوبة ) تقعد كتير ..

هز رأسه .. فقالت :

- إن شاء الله وليد هيقوم وليد لسه في حاجات كتير هيعملها مستحيل يحصله حاجة .. صح؟

قالتها وقلبها يخفق قلقا.. كان قلبه يتألم لاخيه .. ولكنه كان يشعر بأنها سيفعلها ولن تدوم ..

أنهارت جلنار تبكي وتنتحب خوفا وصدمة .. وأجهشت زينة للبكاء.. مسحت دموعها بظهر كفها ونظرت ل زهرة بحذر:

- لو حصل حاجة ليه يا زهرة .. هتشوفي زينة اللي طول عمرك بتكرهيها.!

وسارعت بالركض ونظرت زهرة ل عاصي حتى يقف بصفها ولكنه خلع المأزرة الخاصة بالعمليات وأسرع يلحق زينة والتي حين خرجت من المشفى وضجيجها كانت تبكي وكأنها لن تبكي مرة أخرى تبكي بكاء حارا يجعلها في أشد الضعف..

شعرت به خلفها وأمسك ذراعيها حول خصره يأخذها في حضنهُ..رغم كره الشديد لها .. وكرهها الذي لم يتخطى حبها لهُ، بادلته العناق الحار وقلبها يخفق وهي تتألم من خوفها على وليد، مسح على ظهرها وهو يقبل كتفها من فوق انسجة ثوبها، لم يكن يوما حميما لامرأة قبلا حتى شذى التي غرق بحبها لم يجرؤ على لمس يدها .. ولكِن تلك الهرة التي لم تترك يوما دون أن يرغب بخنقها وجعلها تتمنى الموت .. كان بها شيء يجذبهُ

واليوم لم يستطع منع نفسه بألا يأخذها في حضنه ويجعلها تبكيّ داخل صدرهُ ..وهو يخبأها من كل شر..

وخوفها على أخيه يجعله في حالة من الحيرة والغيرة، يعلم بطبيعة علاقتها بوليد، ولكنه لم يكن يظن بأنها بتلك القوة .. كأن روحها تؤخذ .. يعلم بأنها ترى وليد كأخيها الذي مات ولم تستطع أن تنام في حضنهُ.

لذلك لم يكرهه خوفها على أخيه بل زاده رغبة في ضمها إلى أضلعهُ وهو يهمس بأذنها: هيبقى كُويس يا زينة ..

يتبع ...

السلام عليكم، الفصل نزل في معاده ياشباب، انا بس عايزة اقول حاجة، ليه التفاعل حرفيا معدوم؟
يعني الفصل بيبقى٥٠ حد شافه والفوت بيبقى لاسبوع مبيكملش ال١٠؟
انا بس عايزو اقول إن ده بيحبطني خصوصا اني ملتزمة بالنشر وان الفصل بيبقى مليان🥲.
عموما إحتمال فصل الخميس يتأجل للجمعة علشان مجهزش باي شكل.
واسفة لو بجد لقيت مفيش تفاعل هنا.
هيتأجل للمواعيد بتاعته بتاع الاسبوع الجاي.
واللي هتكون أتنين وأربع وجمعة.

Continue Reading

You'll Also Like

338K 7.8K 34
لو إلتقينا في عالم آخر لوقعت.. لغرقت وتهت في حبك ولكن ولدنا هنا في عالم انتِ القاتلة وانا السجان واه من حرقة الإنتقام ولهيبها تهنا معًا في هذا الظلام...
7.5M 367K 72
" سَــتَتركينَ الـدِراسة مِــن الــغدِ.. لَــقد سَـحبتُ مـلفاتكِ مِــن الـجامعةِ بـالفعل ..! " " مـالذي تَــهذي به..!؟ " " هــذا مــا لَـدي... لاتَ...
1.3M 23.8K 63
نتحدث هنا يا سادة عن ملحمة أمبراطورية المغازي تلك العائلة العريقة" الذي يدير اعمالها الحفيد الأكبر «جبران المغازي» المعروف بقساوة القلب وصلابة العقل...
8.1M 513K 53
رجلٌ شرسٌ شُجاع مُتقلبُ المزاج غريبُ الطورِ عديَمُ المُشاعر حيَادي لا ينحاز سَديدُ الرأي رابطُِ الجأَشِ وثابِتُ القلب حتىٰ.. وقعت تلك الجميلةُ بين...