زوجة العُمدة- الجزء الثاني.

By AmanyTarekAhmed107

43.6K 1.6K 327

تلك الأيام التي مضَّت لم تكن سوى ألمًا ينطوي بصدرها.. عينيها الزُمرتين.. ذاتَ سحرًا غنيًا، لطالما قالت بداخله... More

قبل البدء.
الشخصيات.
المدخل.
أقتباس من الحلقة الاولى.
الحلقة الأولى 🦋
الحلقة الثانية🦋.
الحلقة الرابعة🦋
الحلقة الخامسة🦋
أقتباس
🦋الحلقة السادسة.🦋.
الحلقة السابعة🦋
الحلقة الثامنة🦋.
الحلقة التاسعة🦋
الحلقة العاشرة 🦋.
الحلقة الحادية عشر🦋.
الحلقة الثانية عشر 🦋.
تنويـه.
الحلقة الثالثة عشر 🦋.
الحلقة الرابعة عشر 🦋
الحلقة الخامسة عشر🦋
الحلقة السادسة عشر🦋.
الحلقة السابعة عشر 🦋
الحلقة الثامنة عشر💕.
📌مُناقشة.
مدخل.
الشخصيات.
سيلا🦋
طاهر🦋
عدنـان🦋
آسية🦋
أقتباس مستقبلي.
إهداء.
الحلقة الأولى🦋.
الحلقة الثانية🦋.
الحلقة التالتة🦋
الحلقة الرابعة🦋
الحلقة الخامسة🦋
الحلقة السادسة🦋.
الحلقة السابعة🦋
الحلقة الثامنة 🦋
مَـن أنا؟
الحلقة التاسعة🦋
الحلقة العاشرة🦋
الحلقة الحادية عشر🦋.
الحلقة الثانية عشر🦋.
الحلقة الثالثة عشر🦋.

الحلقة الثالثة🦋

1K 40 5
By AmanyTarekAhmed107

الحلقة الثالثة – زوجة العمدة الجُزء الثاني.

***

أعترف بأنني لم أكن سوى غبية حين ظنتت بأن هواي الذيِّ املكهُ لكَ  ... ودموعي التي تبكي حين يُصيبك أذى كان من الغباء وليس من الحُب الذي ملكنيِّ

***

حُلم آخر ..

هي بهِ، بشعرها الأسود الفحمي وعينيها الخضراء .. كان حُلم مشوشًا ولكنه أنتفض من الفراش .. وقد إنتبه أن جسده بالكامل يغرقه العرق، مسح على وجههُ يتمتم:

-       هو باينهُ شهر مُقرف!

نهض من الفراش، وخلع كامل ملابسه، وفتح صنبور المياه حتى غرق جسدهُ بالمياه الباردة .. رغم أنهُم ببداية شهر نوفمبر وهطول الأمطار، إلا أن جسدهُ كان حار، ورغبة مُلحة بأن يتحمم بمياه باردة حتى تُطفيء النار المُوقدة داخلهُ..

أغمض عينيه بإرهاق، لم ينم كفاية .. بل لم يرتاح أيضًا أثناء نومهُ الذي جفاه من خيالها، هو يكرهها بشدة وكراهيتهُ لها أزدادت بعد خيالها الذي لم يفارق حُلمهُ..

توقف وهو يتذكر ما حدث هذا الفجر، حين اقترب منها يخبرها بأنها تضع الخبز خطأ .. ولكن تلك الرائحة الحُلوى التي تسللت إلى أنفه ألجمتهُ، تلك الرائحة الذكية لم يستنشقها إلا منذ فترة طويلة، أعوام رُبما؟ لا يتذكر .. ولكنه تذكر حين اقترب وبدَّت تلك الرائحة معروفة لهُ ..

إنهُ عطر أنثوي كان قد استنشق عبيره حين كانوا باحدى المولات لشراء الاثاث الخاص بشقة أخيه، هو لاحظها بالماضي تذهب للمكان ولأنه لم يبالِ بالنظر إليها، لم يعلم ماذا أشترتهُ .. ولكنهُ لم يكن يعلم بأنه أبتاعت ذلك العطر الذي أعجبهُ رائحتهُ..

همس وهو يرتدي ساعة معصمهُ: ممكن تكُون صُدفة!

سمع طرقات خفيفة على الباب، ابتسم وهو يفتحه فوجدها السيدة ثُرية التي قالت وهي تسير بخطوات هادئة:

-       الفطار جاهز يا دكتور ..

-       تسلمي يا حاجة ثُرية .. أنا عشر دقايق ونازِّل.

فكّر بأنه بالتأكيد سيلتقيها بالافطار، هندَّم ملابسه التي لم تكن سوى بنطال من القطن وقميص .. هبط على الدَّرج ورأهم بغرفة الطعام، لاحظ جلوس كُلا من وليد وزينة بجانب والدته جُلنار .. وهو الآن يجلس في جانب والدهُ..

إنتبه فهد إلى الكدمة البنفسجية على وجهه ابنهُ، فقال مستغربا:

-       مين اللي عمل في وشَّك كده؟

تنهد وليد غير مباليًا بالنظر إلى والدهُ يقول وعينيه على اناملهُ:

-       في حُمار أيدهُ كانت سرقاه ضربني!

قضم عاصي اللقمة بقسوة وهو ينظر إلى أخيه بغضب، نظر فهد إلى وليد ثم إلى عاصي والذي كان وجههُ لم يخلو من العصبية ..

-       بلاش شُغل العيال ده، انتو كبرتو .. مش كل ما تتخانقوا أيديكم تسرقوا على بعض!

ثم تابع وهو يوجههَ حديثهُ إلى عاصي:

-       زهرة كلمتك؟

تنهد وهو ينظر إلى والدهُ وهو يتحدث بنبرة مُهذبة:

-       أيون، هسافر القاهرة النهاردة علشان أزورها ونقعد سوا..

-       وكمان، أتكلم مع نوار على موضوع الجواز علشان تشوف طلباتهُ ..

قطب عاصي حاجبيه:

-       بس أنا مش عايز أتجوز دلوقتي! مش محتاج أتكلم عن أي حاجة.

أسند فهد ظهرهُ على المقعد يقول:

-       بقالكم سنة مخطوبين، طبيعي هتتكلم مع أبوها عن الجواز، ويعني إيه مش عايز تتجوز دلوقتي! عاصي أنتَ دخلت التلاتين، متعملش غلطتي لما أتجوزت في سن كبير!

-       أنا آسف يابابا، بس أنا محتاج فترة زيادة و ..

ضرب فهد كفه على المائدة بغضب:

-       يعني إيه فترة؟ هو أنتَ بنت علشان تخاف من الجواز؟ لو مش هتتكلم، أنا اللي هتكلم مع أبوها لما أسافر علشان الشغل..

-       ده جُوازي أنا .. أنا المفروض أتكلم مع عمي نوار ..وكمان أنا حاسس إني انا وزهرة محتاجين وقت زيادة ... وأرجوك أنا مش طالب حاجة غير وقت زيادة، كل اللي عايزهُ إني أخد على زهرة أكتر ..

تنهد وأرتاحت قسماتهُ فقال :

-       لما تتجوزها هتتعود عليها يا دكتور، زهرة بنت محترمة وكمان بتحبكَ.. ماتفكرش كتير ولما تسافر كلم نوار ..

ثم بدأ يتناول طعامهُ، لم يتحدث عاصي بالموضوع مرة أخُرى، فهو لم يرَ بأنه موضوع جيد أثناء تناولهم الطعام، خاصة بوجود زينة وأخيه ..

رفع بصرهُ إليها.. إنتبه لشرودها، ولكنهُ إنتبه بأنها لم تضع لقمة بفمها ..

فقط تقوم بتقطيع الخبز وتُمثّل بانها تضع أي شيءِ بفمها ..

لم يفهم لماذا تفعل ذلك؟ هل تعاني من مرض يمنعها من الأكل، أنشغل بها طوال فترة تناوله لطعامهُ مابين يُراقب وجهه الذي أزداد شحوبة وتعبها ..

يبدو وكأنها لم تنم! أستغرب فقد تركها منذ ست ساعات .. لم تنم حتى الأن؟

على الجانب الأخر، كانت جُلنار تشعر بالارهاق خاصة بعد شجارها الأخير مع زوجها ليلة أمس .. لم تتحدث معه منذ أن استيقظت .. وأصبحت تشعر بالتعب لمجرد بأنه لا يُبالي بمشاعر أطفالها..

__

ليلة أمس.

شعرت به يتسطح على الفراش، ويده التي ضمت خصرها حتى تنام بِحُضنه الواسع، تنهدت عدة مرات بماذا ستفتح الموضوع الذي بدا يؤرقها، فقالت :

-       فهد ؟

همهم وهو مغمض عينيه، فقالت: ممكن تفوق شوية محتاجة نتكلم ..

أبتعد عنها حتى واجهه وجهها المُرهق، فقال بقلق وهو يضم بيديه وجهها:

-       أنتِ كُويسة؟

هزت رأسها: الحمدلله كويسة .. بس مش صحتي هو الموضوع.

تابعت وهي تنظر إلى عينيه:

-       أنتَ عارف إن عاصي مش بيحب زهرة، صح؟ وإنِ زينة بتحبهُ ..

تغيرت معالمهُ ...

أصبحت ملامحهُ جامدة، غير مباليًا بما قالتهُ الأن ..

-       وأعمل إيه أنا؟ أستفدت إيه لما قولتي حاجة زي كده!

أستندت بمِرفقها على الفراش حتى جلست عليه وقالت:

-       بلاش عاصي يتجوز زهرة .. بلاش أنتَ عارف إن وليد ...

قاطعها بعصبية:

-       أنتِ أزاي تدي لنفسك فرصة تفكري في حاجة زي كده، زهرة من زمان وهي بتحبه .. وانا مش شايف غيرها مناسبة لعاصي، اما زينة دي كام سنة عُقبال ما يفوق خطيبها ويقرر يتجوزها ده إذا ما قررش يسيبها ويبقى مع غيرها ..

-       ياحبيبي ...

نهض من الفراش يقول:

-       عاصي مش بيحبها، عمره ما حبها، لولا غباء أخوه كان دلوقتي متجوز شذى ومخلف منها .. بس نصيبنا إن ابننا يقرر يعزل نفسه ومايتجوزش!

شعرت بالغيظ من حدة الجدال الذي لايريد ان يستمع إليها، فقالت:

-       فهد .. اسمعني، عاصي لو أتجوز زهرة .. أنسى إن وليد وعاصي يبقوا أخوات تاني .. وأنسى إنك هتشوف إبنك ضناك! 

-       يعني عايزني أجوز زهرة الدكتورة، للفاشل وليد اللي فاتحلي مطعم وساب الهندسة؟

نهضت من الفراش تقف بجانبهُ: فكر معايا، إيه اللي هيحصل لما عاصي هيتجوز زهرة، عاصي مش بيستحمل أي حاجة منها، ممكن يطلقوا بسرعة أول ما زهرة تزهق منهُ، ابنك واخد منك طبع الخشن والقسوة .. عمره ما كان حنين عليها ولا أي حد ..عاصي ممكن يتعدل بجد بس لو سيبته هو اللي يختار!

-       عايزة تقولي إيه من كل ده إن أختياري لـ زهرة غلط ! وإن زينة ممكن تكون احسن أختيار ليه!

 

اضطربت عينيها، وضمت شفتيها بشجن: آآه يا فهد، أنا مش عايزة اخسر ولادي .. لو كان وليد مش أخو زينة كنا فعلا جوزناهم لأنهم متفاهمين سوا، بس عاصي عمره ما فكر في زهرة .. او حتى يفكر يجبلها حاجة !

-       أسكتي يا جلنار .. وخشي نامي ..أنتِ اللي فرقتي مابينهم زمان .. فرقتي بينهم في معاملتكِ ودلوقتي عايزة تقوليلي إن قراري هيخسرك الأتنين، فوقي أنتِ خسرتيهم من زمان ..

 

صكت على أسنانها تصرخ بوجهه: تقصد بإيه؟ انا مستحيل ما فرقت مابينهم .. مستحيل !

اقترب منها وهو ينظر لعينيها التي لم يفارقها لمعانها:

-       لأ فرقتي، وقت لما ابوك توفى وسقطتي! فرقتي لما رفضتِ ترضعيه وتديله كل حقوقهُ لإنك مكنتيش عايزة ..

صاحت به:-

-       أنا كنت نفسيا تعبانة .. أبويا كان مات يا فهد، مكنتش مستوعبة إني مش هشوفه .. مكنش بمزاجي ...

شهقت بألم تقول: ليه بتفتح الموضوع ده ليه بتفكرني بخسارتي لكل حاجة؟

تنهد يقول وهو ينظر إلي عينيها المتألمة:

-       أنا مش بفكرك .. لإني عارف عمرك ما نسيتي.

 

***

-       جُلنار ..

أفاقت على صوت زوجها يناديها بصوته الأجش، لاحظت نظرات الجميع عليها، ابتلعت غصتها تقول:

-       أنا آسفة .. كنت سرحانة.

تابعت: كُنتو بتقولوا حاجة؟

قال فهد وهو ينظر إليها :

-       عاصي كان عايز يسألك عايزة حاجة لما يسافر القاهرة ؟

ابتسمت ابتسامة خفيفة لم تصل إلى وجهها:

-       لأ، شكرا يا حبيبي .. خلي بالك من نفسك بس.. عن إذنكم .. حاسة إني تعبانة شوية.

لم ينظر نحوها فهد، بل تابع يتناول طعامهُ .. ودقائق وهو الأخر يستأذن للذهاب لمكتبهُ .. وقد نادى السيدة ثُرية حتى تحضر لهُ قهوتهُ..

لاحظ عاصي وليد وهو ينهض من الطاولة بعد أن رحلت زينة منذ دقائق ليست بقليلة فقال عاصي:

-       وليد .. هات زينة وتعالى معها أوضتي!

-       نعم؟ ليه؟

واجهه عاصي : هتعرف لما تيجي .. الموضوع مهم .. هاتها وتعالى.

دقائق مرت وجدها تقف بملابس وليد ورائحة عطرها التي لم يستطيع نسيانها منذ الصباح، كانت تمط شفتيها بضجر ..

وقف عاصي أمامها يقول:

-       عايز أعرف ما كلتيش ليه النهاردة؟

قطبت حاجبيها باستفهام شديد، حتى انها ضحكت باستخفاف لحديثه:

-       وأنتَ مالك؟

نظر إلى وليد يقول:

-       من أول مانزلت  وأنا واخد بالي إنها مابتكُلش أي لقمة .. اخدتك بالك؟

نظر وليد إلى زينة التي شحب وجهها من نظرت وليد لها .. فقال :

-       لأ ما أخدتش بالي ..

وجه عاصي حديثه مرة أخُرى لها:

-       ما بتكليش ليه؟ انا معرفش هل أنتِ ما بتفطريش، ولا الأكل ماكنش عاجبك؟ بس شكلك الرفيع ده  وعضمك اللي باين بيقولي إنك بتجوعي نفسك!

أبتلعت ريقها تلك المرة بشكل ملحوظ، لاحظ وليد ارتعاش يديها، ولكنها لم تظهر ضعفها أمام عاصي:

-       كلت ما كلتش مايخصكش، زي ما كنت ما خصكش زمان .. زي ما كنت ولا حاجة بالنسبالك أو بالنسبة للعايلة!

تلك المرة تقدمت حتى أصبحت أمامه تتحدث بغضب وقد صكت على أسنانها:

-       غريبة أوي أهتمامك ده يا ابن عمي .. مش أنا كنت ولا حاجة! ولا أنا سمعت غلط!

إذًا استمعت لحديثه عنها باحدى المناسبات، يتذكر بانها كانت ترتدي ثوب لم يعجب أحد من كبراء العائلة حتى أحتجت إحدى السيدات عليه تقول:

-       مش المفروض بنت عمك يا عاصي يابني، المفروض تفهمها إن اللبس ده مش من طَبعنا ولا احنا نلبس الحاجات دي!

رد ببرود: هي ولا حاجة للعايلة ياطنط .. أي تصرف بتعمله أو أي حاجة تخصها عمرها ما كانت بتمثلنَّا!

__

ضحك ساخرًا  وهو ينظر إلى خضرواتيها:

-       يعني من إمتى وأنتِ مهتمة بكلامي عنكِ؟

-       من وقت ما بقى وجودك يضايقني .. سواء كلت أو ماكلتش وجودي هنا فترة وهتعدي .. ومش هظهر تاني في حياة حد !

قالتها وهي تستدير مبتعدة عنهما – وليد وعاصي- وبعد أن سمعا صوت صفع باب غرفتها .. قال عاصي:

-       خلي بالك منها!

زفر وليد الهواء بغضب:

-       أنا عايز أفهم دلوقتي، هي تهمك في إيه؟

-       حتى لو كانت عبء علينا كلينا .. وجودها هنا فرض يخليني أهتم بصحتها! علشان لما ترجع للبيئة اللي كانت فيها ماتقولش كنا مجوعنها! وكمان أنت اخوها، أكيد فاهم إن اللي بتعمله ده غلط ومش في مصلحتها..

اقترب وليد منه يقول:

-       أخر مرة هقول، كل اللي يخص زينة ما يخصكش!

ضحك عاصي يقول:

-       لا يا وليد، كل حاجة تخص أي فرد في عايلتي تخصني، انا كبير العايلة، يعني كل حاجة بتحصل في حياة كل واحد أنا لازم أكون عندي دراية بيها .. وبلاش أستخفاف بكلامي يا وليد ... علشان ده مش في مصلحتك!

لم يعلق وليد عليه، بل قد مَّل من الجدال مع أخيه، والذي هو ايضًا مل من الشجار على كل شيءِ حتى وإن كان لايستحق ..

إنتبه عاصي إلى صوت هاتفه والذي كان يهتز باسم زهرة .. إنتبه وليد لذلك فأسرع يخرج من الغرفة غير قادرًا على أن يستمع لمحادثة أخيه معها ..

***

لم يُجبها، بل سيخبرها حين يصل بأنه كان يقود .. أصبح يشعر بثقل شديد حين يُذكر أسمها، يعلم بأنهُا مناسبة له وأيضًا هي تحبه، ولكنه حتى الآن لا يراها سوى ابنة عمتهُ. ولم يستطيع أن يتعدى بمشاعرهُ أكثر ..

حين خرج من المنزل وكاد أن يصعد إلى سيارتهُ، لولا أنهُ رأى حارس المشفى يركض نحوهُ بشكل غريب ..

وحين وقف أمامه كان يأخذ أنفاسه بتعب ..

-معلش يادكتور .. بس في عيلتين مسكوا في بعض، وفي حالات كتير .. وباقي الدكاترة مش هيعرفو يجوا غير بليل ..

ضمَّ عاصي شفتيه بتفكير .. كانها إشارة بألا يتعب نفسه ويذهب، تنهد عاصي وهو يقول:

-       طيب، أسبقني وأنا جاي وراك ..

-       حاضر، يادكتور.

أغلق السيارة مجددًا .. وحين أستدار رأها تقف بِشُرفتها، بملابس أخرى بنطال وقميص نسائي .. أستغرب لانه يعلم بأن المنزل ليس به ملابس، ولكن حين لمح عزت .. علم بأنه حين عاد كانت ميرال قد أعطت حقيبة ملابسها..

أبتعد عن السيارة وهو يحاول أن يسرع من سيرهُ حتى يرى عملهُ...

***

-       معلش يا دكتور، اليوم اللي أخدتهُ أجازة، خلناكَ تلغيهِ.

قالتها الممرضة التي تقف بجانبهُ بعد أن أنهى تمضيد جُرح أحد المصابين، قال عاصي وهو يرتب أدواته:

-       ولا يهمك، مكنتش أول مرة ..

ضحكت الممرضة ولكنه لم يكن يمزح لذلك مَّثلت العبوس حين رأت وجهه الجامد .. كان معروف بشخصيته الجّدية وعدم المُزاح في العمل خاصة مع الممرضات .. ولذلك نست الممرضة نفسها غصبًا ولكنه صمت ولم يتحدث من الأساس كَّونه مشغولاً بمُصيبته التي تسكن بيتهم الأن.

وأيضًا قد نسى أن يتحدث مع زهرة بأمر عدم قدومه وبالتأكيد ستكُون منزعجة، ولكنه توقع منها أن تتصل به ولكنه لاحظ أن هاتفه خالي من المكالمات ..

قال للممرضة بعد أن خلع معطفه الطبي:

-       ساعتين وجاي علشان أشوف عملية الحاج لطفي..

-       تمام يا دكتور.

**

عاد ووجد زينة أمامه تجلس بالفرندة ويديها داخل دفتر ويبدو عليها بأنها منغمسة بما تفعله حتى أنها لم تشعر به يقف بجانبها ولكنه كاد أن يرى ماذا ترسم وفجأة حين شعرت بظله أغلقت دفترها بسرعة .. ونظرت له بحدة تقول:

-       متعرفش حاجة أسمها خصوصية؟

ضحك وهو يقضم شفته السفليه وكاد أن يرد عليها لولا صوت والده:

-       عاصي تعالا مكتبي!

-       حاضر ..

نظر عاصي إلى والده الذي غاب داخل غرفة مكتبهُ وقال:

-       اللي بيخبي بيبقى حرامي يا زينة ..

لوت شفتيها تحدق به:

-       بس اللي بيدخل في اللي ملوش فيه بيتقاله عنه حاجة تانية ..

ورغب أن يرد عليها ولكنه لم يكن لديه قوى حتى للجادل لذلك أشار إليها:

-       كلامنا مخلصش!

وسارع بخطواتهُ إلى مكتب والده وهو ينظر إليها قبل أن يغلق الباب خلفه:

-       ليه مقولتش إنك في المستشفى؟

أبتلع ريقه يقول:

-       حصل فجأة وأضرِّيت إني أروح علشان ألحق ..

قاطعه والده بعصبية:

-       المفروض كنت كلمت خطيبتك قبل ما تروح المستشفى يا عاصي!

تابع وهو يضيق عينيه: أنا مش عايز أسمع كلام اللي أُمك قالته ده تاني..

تردد عاصي يقول: ماما؟ هي قالت؟

-       قالت إن إختيار زهرة كان غلط، وإن زينة ممكن تكون اختيار كويس ليكَ.

صمت ولم يجب على  والدهُ.. ولكنه لم يجب لانه توجس من تلك السيرة، هو وزينة؟

لم يفكر يومًا بها كزوجته أكثر من مصيبة يكرهها ويريد أن يخنقها من تمردها واستفزازه المتواصل ..

قال فهد  وهو يراقب ملامح عاصي:

-       عاصي؟ سكت ليه؟

-       علشان كلام ملوش لازمة، حتى لو أأه لغاية دلوقتي مفيش مشاعر لزهرة، انا مستحيل أفكر في زينة.

أرتاحت قسمات فهد وهو ينظر لولده بفخر .. كانت جلنار بالداخل حين كانت تأتي بالقهوة، وتلاقت عينيها بعينى فهد ثم ولدها، وصمتت .. وضعت القهوة ..وكادت أن تترجل لولا فهد الذي قال لابنه: أطلع أوضتك ريح شوية.

هز عاصي رأسه وهو يرمق والدته نظرة غريبة، كأنه متفاجئًا لقولها الغريب ذلك .. بانه سيكون هناك فرصة بينه وبين زينة!

وقفت جُلنار أمام المكتب صامتة وهي حتى لم تكلف العناء للنظر بعينى زوجها، والذي قال بنبرة هادئة:

-       سمعتي بودنكِ يا جُلنار، أبنك مستحيل يفكر فيها أصلاً..

رفعت وجهها إليه تلك المرة لم تكن حزينة، كانت غاضبة والغيظ يأكلها، فقالت بنبرة مختنقة:

-       ليه بتكره زينة؟ مكنتش كده لما كانت صغيرة ..

تعكرت ملامحهُ وهو يقول:

-       لأنها مبقتش صغيرة ..

تقدمت إليه تقول:

-       زينة ليها حق إنها تتغير وتبقى وحشة يا فهد .. أنتَ مكنتش عايش في نفس الظروف بتاعتها .. مكنتش عايش في بيئة تخلي أمها تكرهها وتبعد عنها..

-       بس أحنا كنا مكانهم ..

صاحت به بشجن: بس احنا مكناش أهلها، انا مكنتش أمُها !

كان صوتها عاليًا .. مما زاد غضب فهد، ولكنه تفاجأ بدموعها تنهمر من عينيها، وهي تقول: هي بتكرهني.. علشان كلمة قولتلها ساعة غضب .. بتكرهني لسنين يا فهد .. وأنا عمري ما حاولت أصلح غلطتي، وكان عندها حق.. زينة لو كانت عايشة زي زهرة، كانت هتبقى أحسن منها.. بس أنت لأ .. بكل انانية، شايف إنهاوحشة .. شايف إنها ما تستاهلش حد من عيالكَ او أي حد محترم!

-       جُلنار!

-       زفت جُلنار زهقت! أنا أستفدت إيه من كل اللي بتعمله ده .. عاملها كأنها بنتك اللي ماتت ممكن يشيل ذنبي شوية.

وفرت من مكتبة وقلبها منكسر .. لم يكن ذلك الرجل هو زوجها الذي تزوجته وأغدق عليها كل فنون الحُب والهيَّام

كان رجلا غريبا، قاسي لايغفر ..

***

بعد مرور ساعة ونص.

كان ينظر إليها باستفهام كبير حين رأها تقف أمام غرفته بتلك الملابس، لقد أخذت راحتها بشكل كبير حتى جعلته لايستطيع الترجُّل من غرفته بأي وقت، كان تنظر إليه بجمود حتى قالت:

_ عايزة أتصل بحد وتلفوني ماما أخدته!

تنهد وهو ينظر إلى ساعة معصمه ليجد بأن ورديته في المشفى ستبدأ بعد نصف ساعة، فقال في برود:

- هتاخدي قد إيه؟

مطت شفتيها: ممكن عشر دقايق.

أخرج هاتفه من جيب بنطاله وأعطاه إياها وهو يحاول ألا ينظر إليها حتى لايخجلها، فبنطالها الضيق وملابسها التي تظهر مُنحانياتها تجعله يشعر بالخجل من النظر إليها ولكن غصبا عنه تجلته عينيه على وجهها، بشرته الشاحبة الخالية من مساحيق التجميل وعينيها العشبية التي تتخلل بها شعاع ضوء .. وشعرها الذي صبغته من بني فاتح إلى أسود حتى جعل عينيها بها ضياء مبهر.. ابتلع ريقه وهو يهبط بعينيه إلى عنقها الذي زُين بقلادة قد أهدتها والدتهُ لها حين كانت بالثامنة عشر .. أخر وقت قد رأها ببراءتها ..

نظرت له فجأة ولكنهُ لم يبعد عينيه عنها بل نظر إليها بنفس المشاعر الهائجة التي تبحر بمدٍ شديد داخلهُ، لاحظت عينيه منذ البداية ولكنها حين شعرت بها على عنقها .. لم تستطع ألا تنظر إليه.

تلك القلادة أهدتها جلنار إليها في سنة ثانويتها وكان أخر مرة تعاملت معها كأُمٍ لها.

لا تعلم لماذا لا زالت تحتفظ بتلك القلادة، ولكنها دوما تضعها حتى تشعر بأنها تتنفس عَبير لازالت تُطارده رغم خواء روحها منه.

_ ألو يا هيثم!

أفاق عاصي من شرودهُ وتذكر أين هما وماذا تفعل في غرفته، ليبتعد عنها بخطوتين وهو يلعن مشاعره المُضطربة .. نظر بعيدًا وشعر بعينيها تُلاحق خياله وتحركاتهُ.

_ أنا آسفة بجد بس تلفوني مش معايا و.

تحدثت بعصبية فجأة: هيثم انا بكلمك في حاجة مهمة! يعني إيه مش فاضي، ما أنا مكنش بأيدي ما أردش عليكَ!

أهتزت نبرة صوتها ولكنها لم تبكِ، تنفست الهواء بثقل، وهُنا استدار عاصي وهو يرفع حاجبيهِ .. منذ أمس ولم يرَ ذلك الضعف الظاهر بمُقلتيها .. ما أمرها؟

ولكَنها كانت ترغب بالبكاء ليس لان هيثم يحاول أن يتجاهلها، ولا حتى المأزق وعملها الذي يجب عليها أن تنهيه حتى لا يأخذ أحدا غيرها المنصب، إلا أن وجودها هنا يعيد ألم.   لازال صداه يتردد داخلها.

ذلك الفقد وتلك الليلة التي غيرتها لازالت تتجَّلل داخلها كمرآة عاكسة. ولذلك .. كانت متعبة ..

= هيثم أسمعني أرجوك، ممكن تروح ل سيلا وتقُولها إني في بيت عمي ومحتاجها تيجي تاخُدني... هيثم انا محتاجاك... يعني إيه؟ مكنش يوم يا هيثم!!!

أبعدت الهاتف عن وجهها في صدمة، لقد أغلق الهاتف بوجهها ذلك اللعين رغبت في تلك اللحظة بقتله .. أنتشل عاصي الهاتف، وأفاقت من شرودها في التفكير حين أخذ الهاتف من يدها وقال: رُبع ساعة كفاية.

عضت على شفتيها وهي تنظر إليه، وعينيه إلى هاتفه يمسح ذلك الرقم يقول وعينيه على الهاتف وابتسامة ساخرة تلتمع بين شفتيه:

- كُنتِ فاكرة إن خطيبكِ المحترم هيجي علشانكِ؟

اكمل وهو يمط شفتيه: باين إنكِ ولا حاجة بالنسبالهُ!

ابتلعت ريقها تقول وهي تقف قبالته:

- ممكن ما تتدخلش في اي حاجة متخصكش! ثم انا وهيثم علاقتنا كويسة هو بس زعلان إنِ مكنتش امبارح موجودة لان في شغل مهم كان لازم أخلصه!

زادت ابتسامته ساخرة يقول:

- كنت فاكرك هتقولي إنه خاف عليكي لما ملاقيش بتردي على تلفونكِ...

صكت على فكها تقول: خليك في حالكَ.

اقترب منها فجأة لتبتعد عنه بخطوة حتى نظر إليها بعينيه التي خفق قلبها من النظر إليه:

- أنا فعلا في حالي.

قطبت حاجبيها .. ماذا يقصد؟

- عاصي!

نظرا كلاهما إلى مصدر الصوت ولم تكن سوى زهرة .. ابنة عمتها .. وخطيبة عاصي!

أبتعد عاصي عن زينة واقترب من زهرة ووضع بينهما مسافة كبيرة قال باستغراب:

- ما قولتليش إنكِ جاية؟

قالت وهي تنظر إلى زينة الواقفة بداخل غرفته:

- حبيت أعملها مفاجأة.

نظرت زينة إلى ملامح عاصي الباردة، وزادت غرابة، أخبرتها والدتها أثناء ثرثرتها المعتادة بأن خطبتهما كانت مبهجة .. وكانت يبدو عليهما السعادة ولكن يبدو وكأنه لا يبالي بوجودها من الأساس، وتلك الحقيقة، فقد وافق عاصي على تلك الزيجة لأن يطمئن والدته بأنه نسى شذى ولم يعد يفكر بها ..

رفع عاصي عينيه إلى زينة قائلا:

- لو مش عايزة حاجة تانية، ممكن تروحي أوضتكِ؟

ابتسمت زينة بطريقة ثعبانية وهي تقترب منه قائلة:

- شكرا جدا على المكالمة.

ثم غمزت له وسارت إلى ضرب أخر، كانت تقصد غرفة وليد لتخبره بأن زهرة هُنا ..

ابعد عاصي عينيه عنها حين غابت ونظر إلى زهرة التي أحمر وجهها من الغيظ والحزن:

- أفهم من الوضع اللي شفُتكم فيه إيه؟

قالتها زهرة ونبرتها مضطربة وكأنها على وشك البكاء، هنا كانت ملامحه جامدة .. نفس تلك النبرة كانت تنبعث من صوت زينة وشعر وكأنه يرغب بألا يسمعها أو حتى يرى وجهها يبكي ولكنه أمام تلك العيون لا يُبالي، رغم مرور عام على خطبتهما .. ومهما حاول، لم يرَ زهرة امرأة غير ابنة عمته والتي يجب أن يحافظ عليها ..

- أنا مش فاضي للكلام ده، عندي وردية... ولازم ألحقها.

أمسكت زهرة بِملابسه وهي تشده قائلة:

- مش مهم يا دكتور لما تتأخر ساعة! المهم إنك تفسر لخطيبتك هي البني آدمة دي كانت بتعمل إيه في أوضتكَ.

صك على قواطعه بغضب شديد وقد رأت ذلك بعينيه فأبعدت يدها من ملابسه ..

رغب أن يقول لها بنبرة صارمة ألا تلمسهُ مرة أخرى، ولكنه يعلم بأن الأمور ستزداد حِدة .. فقال بنبرة جامدة:

- كانت بتعمل مكالمة من تلفوني لخطيبها لأن تلفونها مرات عمي أخدتهُ وهي راحة مصر...

- وليه جت؟

عقد حاجبيها بغرابة، هو يعلم بأن علاقتها بزينة سيئة ولكنه لم يعلم بأنها سيئة لتلك الدرجة .. قال بنبرة شديدة:

- أعتقد إنك مش واخدة بالكِ يا دكتورة زهرة... إن البيت ده بيت عايلة وكل فرد في العايلة براحته يجي!

- بس من أمتى وهي عادي تيجي، أنتَ ناسي عمايلها السودا وكمان لبسها المُقرف ده... ازاي خالي وافق يدخلها البيت بالشكل ده وأنتَ موجود!

أبتعد عنها خطوة أخرى وهو يحاول أن يسطر على أعصابهُ فهو لم يتصور بأنها ستنزعج وتفعل تلك الأمور لمجرد بأنها رأت زينة تقف معه داخل غرفته رغم تركه للباب مفتوحا ..نظر لساعته وشعر بضيق يجب أن يذهب سريعا، تحدث بحدة وهو يستدير:

- أنا مش فاضيلكِ...

تلك الجملة كادت أن تجعلها أن تضرب كتفه ولكنه هرع إلى الاسفل متذكرا بأن هناك عملية ويجب أن يجهز لأجل حضورها

نظرت زهرة إلى الحائط لتجد زينة .. وابتسامة واسعة تزين وجهها ..لم تذهب ولم تبتعد بل أختفت لتسترق السمع فقالت زينة بنبرة خبيثة:

- أزيك يا زهرة!

ثم استدارت تذهب وصدرها منتعش .. كم هي تكرهها والأخرى تشعر بنفس الشعور، ولكن زينة زادت من بهجتها حين علمت بأن عاصي لا يحترم زهرة بأي شكل ما ..

فجأة سمعت صراخ زهرة وصوت شيء يتحطم، تنهدت زينة وهي تقول: يا خسارة يا زهرة .. كنت أفتكرتكِ أتغيرتي!

وعن إي تغير تقصد؟

كانت تتمنى لو أنها نست العداوة بينهما، بالماضي كانت هُناك العديد من الأمور تتميز بها زينة على زهرة، كأهتمام عمها وزوجته الشديد عليها وأيضا أحتواء وليد لها فهو أخوها بالفطام

وعاصي الذي كان يتجنب التحدث مع الفتيات، كان من حين لأخر يتحدث ويحتوي حزنها حين كانت صغيرة، ف موت زياد غَير الكثير.

ولكن زينة .. تشعر بالشفقة عليها، فهي لم تكن متميز عنها بأي شكل، فتلك المشاعر كانت شفقة من الجميع..

لأن والدتها دوما كانت تبتعد عنها وهي ترى بأعينها نظرات الغضب واللوم ..

كانت وحدها رغم وجودها بينهم .. وشعور بأنها شيء زائد ولا يجب أن تظل بينهم ..

شعرت بسعادة غامرة وهي تشعر وكأنها روحها الشريرة تزداد بهجة .. لاثارة غيرة زهرة على عاصي .. ولكنها سرعان ما تحولت لوجه بارد وهي ترغب بشدة بكسر دماغهُ. كم تكرهُ!

-ليه رجعتي بعد كل سنين دي؟

أفاقت زينة على لهجة زهرة العنيفة، أهتزت مُقلتيها باستغراب .. فردّت:

-مكنش بمزاجي، أنا لو عليَّا مش عايزة أي حاجة تُربطني بيكم كلكم !

ضحكة ساخرة خرجت من فاه زهرة، والتي كانت تنظر إلى زينة بغلٍ:

-كدابةّ! ... طُول عمرك هتفضلي كدابة يا زينة، أنتِ عايزة عاصي، جيتي علشان تخليهِ يسبني!

حديثها السَّام أرهقها، هل تظنها بذلك القُبح؟ منذ خطبتهما .. لم يرا أحد وجهها، لم تكن تجبر نفسها على حضور إي مناسبة حتى مع ضغط والدتها المتواصل.. ولكن كفى، لقد مَّلت ألا تَرد عليها، وألا تخجلها، فزينة لم تعد تلك الفتاة الخجولة التي تخفي مشاعرها عن الكل حتى عن الشخص الوحيد الذي أحبتهُ .. لذلك اقتربت منها وهي تنظُر إليها باستخفاف:

-للدرجاتي مش واثقة في نفسك يا زهرة، أفتكرتك كبرتي وعقلتي! بس طلعتي غبية أوي.

صاحت بها زهرة بغضب:

-أحترمي نفسك ... شوفي مقامك يا زينة، أنتِ فعلا ملكيش حد هيقف جمبك في اي حاجة، عارفة ليه؟

أكملت وهي تنظر إلى عيناى زينة:

-علشان محدش عايزك في حياتهُ، عبءِ حتى والدتكِ .. بتكرهكِ.

تلك الكلمة جرحتها، بل شقت صدرها بنسل سهم سام.

تلك الحقيقة التي أكلت جسدها، أن والدتها منذ أن وعت لم تعد ترغب بها..

ولكنْ زينة لم ترمش .. بل ابتسمت تقول:

-على الأقل، مش بحب حد بيعاملني كأني حُسالة!

وتلك المرة زهرة لم تعد تستحمل استفزازها .. فأمسكت شعر زينة بيدها بقسوة .. تألمت زينة أثرهُ، وتشاجر .. بصوت صراخ حتى أسقطتها زهرة على أثر القطع من المزهرية التي كسرتها ..

صرخة ألمت خرجت من شفتاى زينة وهي ترى كفها ينزف دماءً.

***

كان يستمع إلى صوت تأوهات من غرفة الطوارئ ، تفاجا باخيه يحمل زينة والتي كان كفها ينزف .. هرع إليها دون أن يبالي بنظرات والدته وخطيبته .

- إيه اللي حصل؟

اخذها من يداى وليد الذي رفع حاجبيه باستفهام لملامح أخيه القلقة .. هسهست زينة وهي تتلوى من الألم:

- خطيبتك الغبية رمتني على حتة من الفازة اللي كسرتها... والله يا زهرة هقتلكِ..!

بررت زهرة بتوتر وخجل أمام ملامح جلنار:

- والله مكنتش أقصد  ... هي اللي وقعت واتجرحت

قالتها وهي تمثل البُكاء.. نظر عاصي إليها بعصبية مفرطة وهو يضع زينة بفراش الطوارئ ويمسك بالستارة الفاصلة ويتحدث بقسوة :

- انا هروحها ياريت مشفش وشك لما أرجع يا زهرة!

قالت جلنار بلوم:

- اتكلم باحترام يا عاصي دي خطيبتك!

- انا بتكلم بالاسلوب اللي حضرتها هتفهم بيه!

أحمر وجهه زهرة من الغيظ .. أما وليد كان يتابع المشهد وهو ينظر لزهرة باهتمام، يعلم بأنها تكذب وأنها هي من قصدت أن تجرح زينة بتلك القطعة ..

ولكن نظرة عينيها الحزينة الباهتة، والخجل بأن الجميع ينظرون إليها، لم يستطع ألا يكذب ويقول:

- زينة مكبرة الموضوع فعلا يا عاصي، وزهرة مكنتش تقصد تؤذي زينة.

نظرت له زينة بشر .. ولكن سرعان ما صمتت قبل أن تتشاجر حين شعرت بتعبه الشديد .. نظرت زهرة لهُ وهي تحاول ألا تظهر أمتنانها ..

نظرت جلنار ل عاصي: أهو شفت ازاي ظالمها؟ لينا كلام تاني لما ترجع يا دكتور.

وقد شعرت جلنار بأعين الجميع عليهم ..

أغلق عاصي الستار وجلس على المقعد لينظر لذلك الجرح ..همست زينة بنبرة هادئة: أنتَ عارف إنها فعلا أذتني صح؟ وعارف إن وليد من حُبه ليها مش عايزها تتهان قدام حد!

رفع عينيه إليها، ليرى تعابير وجهها.. وجهها الشاحب وعينيها الخضراء المُنهكة .. فلامته: ليه خطبتها وأنت عارف من الأول إن وليد بيحبها؟

- مين قالك إنِ عارف بكده؟

قالها وهو يضع يخرج الأدوات من العُلبة وعينيه منُصبة على ذلك الجرح ولكن عقله معها، هو يعلم بالفعل إذ إن الجميع يعلم بمدى حُب وليد لزهرة حتى حين كانا صغيرين.

ولكن فساد وليد وسهره في الملاهي الليلية وعدم أهتمامه بأي شيء لم يكلفه فقط حُب زهرة بل أصبحت تمقته بشدة وتتقزز منه بكل الطرق.

لذلك لم يجبرها أحد أن تكون معه خصوصا بأنه لم يحاول لمرة واحدة أن يتغير لأجل نفسهُ!

-عاصي...

رفع نظره إليها فقالت :

- سيبها علشانه، علشان ما تخسروش أكتر من كده.

عقد حاجبيه وهو ينظر لعينيها .. كانت ترغب بالبكاء فظن من ذلك المطهر فقدت تألمت حين وضعه، ولكن وجهها يخبره بأنها متعبة وترغب بأن تبكي لتخفيف ذلك العبء الذي يجثو بداخلها.

- هيفضل لوحده حتى لو سيبتها، مفيش حد هيقبل بشخص مستهتر.. ميعرفش ربنا!

وكان بكلامه لا يقصد أخاه فقط بل يقصدها هيَّ

أخر مرة رأه براءتها واحترامها لذاتها،كانت ترتدي حجابها الذي أخفى عنه كل شيءِ. أخفى عنه جمالها وكل شيء كان يخشى أن يراه.

والآن .. يعلم بأنها نحيفة ذات بشرة شاحبة وشعرها الذي صبغته أسود جعل عُشبيتها ظاهرة أكثر.. وقلادة أنارت عنقها وملابسها التي يخشى أن يضع عينيه بمكان يشعرها بالحرج.

- عُمرك سألته ليه أتغير؟ عمرك ما أهتميت بمشاعره يا عاصي، وجاي تقول عنه كل حاجة وحشة وعُمرك ما أهتميت هو كويس ولا لأ.

- أنتِ معاه .. هسأل ليه؟ خصوصا قربكم سوا يشكك !

قالها وهو ينظر لوجهها باستخفاف لتضربه بصدره بقبضة يدها الأخرى:

- أحترم نفسك .. وليد يبقى أخويا!

ابتلع ريقهُ فقال: بس أنا مش أخوكِ يا زينة! ورغم كده مش بتعملي حساب ليا.

- علشان أنتَ ولا حاجة بالنسبالي، إنسان مستفز شايف نفسه وفاكِر إن الكل لازم يسمع كلامكَ. عارف ليه مفكرتش في يوم إلا في نفسك، علشان جبان .. علشان شايف إنك لو لقيت حد أحسن منك .. هتحس بنقص!

أراد أيذائها تلك المرة..

فقال: اللي كنت فاكره هيتحداني مات يا زينة .. ومفيش غيري اللي هيبقى العمدة هنا.

سهم وضع بين طيات قلبها، يقصد بحديثه زياد، أخيها!

صفعته بقوة حتى صدى له صوت .. زاد فضول الممرضات حولهم ..

- طول عمرك هتفضل في نظري حقير يا عاصي!

أمسك بذراعيها بقوة وقد أنهى معالجة جرحها : أطلعي برا ..

فتح الستارة ليتفاجأ بأخيه واقفا، أرتمت زينة بحضن وليد الذي كان ينظر لاخيه بغضب شديد وهو يحاول أن يسيطر عليه ..

كانت زينة تبكي من ألم يدها وقسوة كلماته، يذكرها بأخيه الذي مات والذي حاولت طوال عمرها ألا تصدق حديثهم أن تذكر نفسها بأنهم وضعوها في خانة 'الشخصية الشريرة' لانها ابنة.

وليست الابن المنتظر .. وليست الابن الذي غرق!

وكم تمنت كل لحظة، بأنها هي من غرقت بدلا من أخيها ..

حتى لاترى هجر والدتها لها ..

حتى لا ترى الشفقة تلمع بين عيناى الجميع ..

حتى لا ترى الرجل الوحيد الذي أحبته، يراها عبء لا يرغب بتحملهُ.

عانقها وليد مقبلا مقدمة رأسها أمام أخيه الذي يحاول ألا يجذبها من بين يدى أخيه ..

سرعان ما غادر كلا منهما إلى المنزل وتبقى عاصي في المشفى غير مبالي بنظرات العاملين .. والذين لايفهمون كيف له أن يتحدث مع ابنة عمه بتلك الطريقة، فهو شخص وقور الجميع يحترمه .. وايضا فهو طبيب مجتهد ..

كانت الساعة الثانية صباحا ..حين عاد إلى المنزل، ورأها تجلس بالفرنداالخاصة بالمنزل .. شاردة ودموعها لازالت تلمع بين مقلتيها ..

نظر إلى ما بين يديه، جلب معه بعض الفطائر حين وجد لازال المخبز مفتوحا .. وجلب بعض الحلويات التي يعلم بأنها تعشقها .. لاحظته، فتجاهلت النظر إليهِ..

وضع الفطائر أمامها بالمنضدة .. نظرت إلى تلك الحقيبة بفضول والرائحة جرت ريقها .. ولكنها لن تتحدث معه يكفي ما قاله .. وفجأة قال:

- أنا آسف...

رفعت نظرها إليه ..أخذ المقعد الذي بقبالتها وجلس :

- مكنش لازم تستفزيني!

- انا ما استفزتش حد... انت كلامك كله كان إهانة ليا انا ووليد... مستحيل تفهم إنك كلامك كان مؤذي لغاية ما تفقد أخوك وتحس بمشاعري، ولا انت مش مهتم بوليد!

زفر الهواء بعصبية: حتى لو سبتها يا زينة .. مش هترضى بيه. وليد لازم يتغير علشان نفسه مش علشانها حتى!

مالت إليها بعصبية:

- انت عايز تفهمني .. انك ما تغيرتش لما الزفتة شذى دي سيبتك.. انت تغيرت زي ما كلنا ليلتها أتغيرنا!

يتذكر تلك الليلة، كلا منهم تغير، ولكنها هي من تغيَّرت بعد ما قاله لها...

-       ليه عايزة تفهميني إن تغيري وحش؟

-       علشان مكنتش كده، مكنتش قاسي ولا حتى مش بتهتم بغيرك، أنتَ و وليد مكنتوش بتفارقوا بعض .. ليه؟ علشان واحدة؟

شعر بحرارة جسدهُ وقد شعر بالغضب يسري بعروقه، فصاح بوجهها:

-       أنتِ ما تعرفيش علشانه عملت إيه .. بس ماكنش يستاهل أي حاجة..

قبضت على كفها بعصبية وقالت وهي تنظر للجهة الأخُرى:

-       عمري ما ندمت على عملته معكَ ..

قطب حاجبيهِ .. وشعر وكأن حديثها غريب، ماذا تقصد؟

سأل بخشونة : أنتِ بتقولي إيه؟

أزداد وجهها شحوبًا، وأستوعبت ما قالته الآن، عضت على شفتيها بخشونة وهي ترى وجهه أمامها يقف لا يفقه ما قالته وعقلها لا يرغب بأن يعطيها حلولاً أخُرى لتقول .. فنهضت وهي تاخذ ما جلبه:

-       بقول عمري ما هلاقي سبب يخليني ما أكرهكش!

أمسك بذراعها بقوة قربها نحوه وهو ينظر إلى عينيها :

-       أنطقي يا زينة .. أنا سمعت كويس كل حرف قولتيهِ، إيه اللي عمرك ما ندمتِ على اللي عملتيهِ؟

أبتلعت ريقها من قُربه الكبير نحوها، وجهها الذي أحمر من حرارة أنفاسه التي تلهب وجهها ..وقلبها الذي يكاد أن ينخلع من صدرها من قوة خفقاتهُ..

-       عاصي.

صوت أفاقه من النظر إلى الهرة التي أمامه، فنظر خلف كتفه ليجدها زهرة، فلتَّ زينة من قبضته .. والتي استغلت الأمر وفرت سريعاً للأعلى ..

-       محتاجين نتكلم.

هز رأسه وهو ينظر بعيدًا ... محل سراب زينة.

يُتبع ...





Continue Reading

You'll Also Like

337K 7.8K 34
لو إلتقينا في عالم آخر لوقعت.. لغرقت وتهت في حبك ولكن ولدنا هنا في عالم انتِ القاتلة وانا السجان واه من حرقة الإنتقام ولهيبها تهنا معًا في هذا الظلام...
499K 23.8K 35
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...
1.9M 49.1K 55
رومانسيه هو: هى عشقه من الطفوله.. أقسم أنها لن تكون لغيرهُ، حتى لو كان أخر من تريد أن تبقى معه، وحتى أن ظلت معه بمساومه منه لها. هى: عصفوره عاشت فى...
3.7M 125K 58
عِش العراب. روايه صعيديه... من الصعيد الچوانى فتاه تحمل على عاتقها خطيئة أختها تؤخذ بذنب لديها يقين أن أختها لم ترتكبه عنوه تُغصب أن تكون الزوجه ا...