رواية الحلم الرمادى لكاتبة هن...

By AyaMostaffa

7.7K 272 8

خيوط القدر نسجت شباكها لتحبسها في بيئة ومكان مغاير لواقعها ومختلف عما كانت تتخيل ولم تجد امامها سوى امرين لا... More

الفصل الاول
الفصل الثانى
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادى عشر
الفصل الثانى عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون والحادى والعشرون
الفصل الثانى والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادى والثلاثون
الفصل الثانى والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الاربعون
الفصل الحادى والاربعون
الفصل الثانى والاربعون
الفصل الثالث والاربعون
الفصل الرابع والاربعون
الفصل الخامس والاربعون

الفصل الاخير

353 11 3
By AyaMostaffa

الفصل السادس والاربعون والأخير ....
(دموع نقية)

صرخت بيلسان ولطمت رأسها بيديها وهي تهتف باكية: "امي .... امي"
ثم تهاوت على جثة والدتها عندما دخلت ووجدتها ميتة بفراشها وتوالت صرخاتها لتشق ذلك الصمت الكئيب الموحش في اركان دارها.
.................................................. ............................
وضعت هتان يدها على بطنها وهمست بوجه متعرق: "أه .... آه"
حتى صاحت ليهرع اليها كل من في المنزل وأدركت ام جاسر انها تعاني الآم المخاض!

شعرت هتان بألم حاد فوق احتمالها وتملكها حزن ومخاوف اخترقت قلبها واضعفته وكأنها ترى اشباح الموت تلوح لها وتحيطها وكل شيء صغر بعينيها وبدى بلا قيمة ولا أهمية بقدر حياتها وحياة طفلها لا تريد ان تموت لا تريد ان تغادر الحياة وتترك صغيرها وحيدا بهذه الدنيا القاسية ولا تعرف ماذا أصابها اذ شعرت بحاجتها الى وجود جاسر جدا وعيونها كانت تترقب الطريق رغما عنها كأن قلبها متعلق بعودته وكأن وجوده مهم بلحظات عصيبة كهذه
كانت امه تتصل على هاتفه دون جدوى ويوسف اتصل بالإسعاف لأنهم غير قادرين على فعل شيء لها ومساعدتها خاصة انه ليس الموعد المقرر لها وكأنها ولادة مبكرة!
.... اول مرة تحصل عندهم حالة ولادة وبدوا مرتبكين للغاية وام جاسر بغاية القلق والاضطراب لأن هتان تتدهور بمرور الدقائق وحالتها تسوء وككل مرة جاسر غير موجود كالعادة يا جاسر .... بعيد
عندما وصلت سيارة الإسعاف واخرجوها كانت قد وصلت الى اخرها بسبب ما قاسته ولأن جسدها كان غير متأهب ومؤهل لساعة الولادة المفاجئة المبكرة ولكونها منهكة جسديا ونفسيا فقد فقدت وعيها بالتدريج ولم تشعر بشيء بعد ذلك!
اما عن سولاف فقد بقيت واقفة عند الباب الخارجي حافية القدمين وشاحبة وكانت تراقب ما حصل بفزع وصمت وصدمة حتى ابتعدت السيارة وتوارت عن الأنظار لتتدفق دموعها بغزارة
ان ما حصل مع هتان أرعب قلبها وفاقم مخاوفها خاصة بعد ان صرح أحد الرجال المسعفين انها ليست بخير ولديها هبوط في الدورة الدموية!
المنظر والصراخ والاغماء وحالة الهلع كل ذلك كان له أثر سلبي عليها مما جعلها ترتعش كسعفة نخيل!
تفاقمت الهواجس بداخلها بان حالة مماثلة بانتظارها وفضيحة كبرى وتخيلت العواقب الوخيمة التي ستحصل وتكالبت عليها المخاوف حتى وجدت نفسها تهرول على غير هدى الى الشارع وتترك البيت!
.................................................. .........................

سقط المسدس من يد ديم المرتعشة وكانت فاغرة فاها وتتطلع بعيون شديدة الاتساع كالممسوسة ثم هزت برأسها غير مستوعبة! قتلته؟
الرصاصة في صدره! الدم! لا .... لا .... لا ذلك مستحيل .... لم افعل لم اقتل .... لم اقصد .... سامحني .... سامحني .... اغفر لي حبيبي .... أجبني لا تموت وتتركني!
ثم حبت على ركبتيها باتجاههما وبلهفة وشهقات احتضنت رأسه ووضعته بحجرها ومسحت يديها على صدره تمسد الدم الغزير برفق وتمسح به على صدرها ووجهها وتهمس: "حبيبي .... حبيبي؟ أجبني؟"
وفجأة أطلقت صرخات متتالية دون توقف وكأن صوتها يشق عنان السماء وتهتز له القلوب وكانت خطوات جاسر بطيئة ومتخاذلة وهو يخطو في الرواق خارج الغرفة
وبدى بلا ملامح بلا تركيز بلا صواب بلا مشاعر!
كالضال الذي ضيع الطريق بل ضيع العالم كله ولم يعد يسمع شيء حتى صرخات ديم بدأت تتلاشى وكأن العالم كله توقف عن الحياة والرؤية اختفت ولم يعد يرى سوى اسوداد وظلام
كان هاتفه يرن بجيبه ولم يسمعه وديم تستنجد ولم يسمعها! الى اين ذاهب يا جاسر؟ الى أين تريد ان تهرب؟ توقف .... واجه .... قف وجه لوجه امام عواقب افعالك وتصدى .... تصدى بصدر عاري بلا دروع لكل السهام فقد تجرحك بقوة لكنها لا تميتك.

.................................................. ............................

كانت سولاف تهرول في الشارع الترابي المظلم كالهاربة دون ان تلتفت خلفها وكأن أحدا يلاحقها واوهام وظنون مسيطرة على عقلها حتى انها لم تدرك ما جرى لها الى ان بدأت خطواتها تتباطأ بسبب تشنج حاد أصاب ظهرها وأسفل بطنها مما جعلها تحيط جسدها بذراعيها وتنزل الى الأرض لتجد الدماء قد اغرقتها!
هزت رأسها بذعر وركعت وغمرت اصابعها بالتراب وهتفت: "يا الله .... يا رب"
.................................................. ................................

لفت بيلسان حول نفسها في الشقة وبدت تتضح امامها الرؤية وكأنها كانت عمياء! بدأت ترى الأمور على حقيقتها كما لم ترها من قبل كأنه رفع الحجاب عنها وزالت الغشاوة عن عينيها لتقبل على عالم غريب! .... تطلعت باركان وزوايا الشقة التي انتزعت منها الرحمة فجأة وخليت من الدفأ ومن صوت الدعاء الذي كان يطمئن قلبها رغم معاصيه.... البيت أصبح خاليا عليها وبارد كالجليد على مشاعرها التي كانت معطلة لسنوات وعاجزة عن الشعور بما يحيطها من نعمة المحبة الخالصة النابعة من ذلك القلب المليء بالحنان والعيون الساهرة على حراستها واللسان الذي يلهج بالدعاء لها بظهر الغيب .... تبين لها انها كانت تعيش نفسها بكذبة ووهم العذاب والحرمان والتخبط في متاهات الانتقام دون ان تعلم ان العذاب والحرمان الحقيقي هو ما حل بها اليوم .... ان غياب أمها عن عالمها هو الضياع واليتم والحرمان بعينه .... غادرها عالم بأكمله لم تكن تشعر بأهميته لم تستمتع يوما برفقته وحمايته عالم من الاطمئنان والسلام والوفاء والتسامح.... عالم من الحب والصدق والهناء .... الوحدة! .... اليوم عرفت إحساس الوحدة القارص .... اليوم شعرت نفسها كصغير الطير الذي غادر عش ابويه الى الحياة مرغما لا مخيرا ليخوض فيها ويتجرع من خشونتها واجنحته ما زالت حمراء.
تهاوت على الاريكة وهمست بدموع: "اريد يوم واحد .... واحد فقط من عالمك يا امي لأخبرك انك كنت اماني وملجأي هل لي ذلك؟ .... يوم واحد فقط لأفصح لك عن ندمي واسفي لعدم تقديري لوجودك بحياتي فقد كنت اجري وراء سراب لذة الانتقام وفاتني العمر وفاتتني الأشياء الجميلة وفاتني الوقت"
.................................................. ..........................
كأن جاسر وقف بمفترق طرق عندما رفع هاتفه الى اذنه وسمع امه تقول بلهفة وقلق واستنجاد: "جاسر اين انت؟ هتان في المستشفى وبحالة خطرة وقد لا تلحقها .... تعال يا جاسر ان زوجتك ليست بخير"
انزل الهاتف ببطء وهز برأسه وتعبير الحزن العميق اكتسى ملامحه وبسرعة التفت نحو الغرفة حيث استغاثة ديم وانفعالها ورجائها وعبراتها: "بركات مات يا جاسر اخي مات بيدي قتلته .... جاسر لا تتركني .... جاسر عود الي انا خائفة .... خائفة"

شعر ان شلل أصاب قدميه ولا يعرف وجهته كالذي بين نارين حتى وجد نفسه يسرع الى الشارع بلا تفكير ولما وصل الى سيارته وفتح الباب سرعان ما اغلقه بعنف وعاد الى الداخل راكضا!

.................................................. .......................

ام عابد وبنبرة اقناع صادقة بمستوى فهمها البسيط عن الحياة: "قد نجد بالأسواق أشياء جميلة ومثيرة وقد تؤثر فينا وتجذبنا وتعجبنا لكن بداخلنا نضع قناعة ثابتة ان ليس بالضرورة ان نحصل عليها ونتردد عن تملكها لعدة أسباب فقد تكون غالية ولا نملك ثمنها او ربما نجدها محجوزة لغيرنا او لأنها لا تناسبنا ولا تتماشى مع اذواقنا ومحيطنا فبكل الأحوال نسلم انها ليست ملكنا ونكتفي بمتعة النظر فقط ونمضي الى محطة أخرى ومحل اخر لنجد أشياء أخرى قد تكون اجمل واكثر جاذبية ورونقا وسرعان ما ننسى الأولى وننشغل ونفرح بالجديدة كحال الحياة بالضبط قد نصادف اشخاص ونتعلق بهم لكن"
قاطعها واصف وبجدية وقناعة: "اعرف الى ما ترمين اليه لا داعي لكل ذلك اللف والدوران حول ما تريدين اقناعي به .... اسمعي يا ام عابد قد لا تعرفيني جيدا لذلك سأخبرك وبمنتهى المصداقية من انا وكيف أفكر.... انا رجل لا أحب ان احشر نفسي بزاوية ضيقة تشل حركتي وتحجم حريتي ولا تمكنني من النفاذ واميل على الدوام لأن أبقى حر طليق لا يعيقني عائق .... عودت نفسي على كيفية التحكم بمشاعري واعرف كيف اضبطها وامنعها عن الخروج عن مداها وقد حددت حجم ومدى احلامي وآمالي منذ زمن بعيد وبسبب ظروف واجهتني بطفولتي خلقت مني انسان قادر على التحكم بأعصابه واجيد الصبر والقيادة واستسهال الصعاب ولا يمكن ان اسمح لطموحي وامنياتي ان تخرج عن ذلك النطاق مهما حاولت النفاذ فالجمها واصقلها من جديد ولأني أدرك الحلال والحرام والممنوع والمباح واعرف الذي لي والذي علي لذلك لا يمكنني ان اتورط بعشق يحبسني بزاوية ضيقة ويضعفني امام نفسي .... وأدركت متأخرا ان مشاعري اتجاه هتان قد تحشرني بتلك الزاوية وتحبسني وتجعلني لست ملك نفسي وأدركت أيضا انها كالنار ان اقتربت منها سخنت وان لمستها احترقت لذلك كبحت جماحي كما نصحتني سابقا اطمئني .... هتان ليست لي ولن تكون لي لكن قلبي لي وبإمكاني امتلاكه وقيادته"
ابتسمت ام عابد بحزن واومأت له قائلة بنظرة تقدير ورضا: "باركك الله يا ولدي انا فخورة بك .... وأتمنى ان تجد بنت الحلال التي تلهمك وتسعدك لأنك صالح ونادر الوجود وبحياتي لم اصادف كشخصك المحترم"
.................................................. ............................
عندما وصل جاسر الى المستشفى كان يلهث وقلبه مخلوع وخائف ويعلم جيدا انه تأخر عنها كعادته وربما الأوان قد فات على وجوده لكن لديه امل كبير بلله ان لا يخذله هذه المرة ايضا!
أسرع بخطاه وهو يتمتم بكلمات مع نفسه ولما وصل الى القسم الخاص بهتت تعابيره وهو يتجول ببصره بوجوههم وصوت أنفاسه مسموع وريقه ناشف تماما وقال بصوت متقطع الانفاس: "ما الامر؟"
تطلع به سعيد بتجهم فالتفت الى يوسف ليسدل اهدابه ويشيح ببصره عنه ثم استقرت عيونه بوجه والدته لتهز برأسها بأسف!
.................................................. .................................
بعد مرور عام تقريبا ............

سارت بيلسان بخطى بطيئة متجه نحو الباب إثر رنين الجرس الذي شق الصمت المطبق وفتحت الباب ببرود وسرعان ما خفقت اهدابها واضطربت شفتيها هامسة باستغراب وانفعال: "انت!"
تأمل جاسر ثيابها الغامقة المحتشمة ووجهها الباهت والحجاب الطويل الذي تستر به شعرها وقال بصوت خافت: "اعانك الله على وحدتك"
قالت بتجهم وحدة: "ما الذي جاء بك وبأي صفة تقف امامي؟ جئت لتشمت بي؟ .... جئت لتسخر من ظروفي ووحدتي وحزني؟ .... جئت لترى بعينك مدى تعاستي ووحشتي؟ لست مستعدة ل"
قاطعها قائلا بنبرة صادقة: "جئت بصفتي ابن عمك .... لا عدو ولا شامت بل مواسي .... جئت لأطمئن عليك واجبر بخاطرك"
استدارت ودخلت وتركت الباب مفتوح لتدعه يدخل خلفها وقالت مقاومة الدموع ومتجنبة التطلع به: "ابنة عمك! منذ متى؟ نسيت اننا أعداء؟ لست بحاجة الى مواساة عدوي"
تأمل قفاها وقال بجدية وتأثر: "لسنا أعداء لقد ولى ذلك العهد وتغيرت دواخلنا وبقيت حقيقة واحدة واضحة كالشمس اننا أقارب ورابطة الدم تجمعنا ولا يمكن نكران ذلك .... بيلسان لم آت لأخبرك انني نسيت اخطائي ونزهت نفسي بل جئت نادم على ما فعلته معك بالماضي واقر امامك بذنبي الكبير والتمس منك الغفران"
التفتت وبنبرة عميقة مستنكرة: "غفران؟"
أجاب بسرعة: "نعم الغفران يا بيلسان لأنني بحاجة اليوم الى سماحك وعفوك كي انام ليلي بسلام .... اطلب العفو منك .... اصفحي عني ارجوك"
هزت رأسها غير متقبلة واشاحت عنه ببصرها وانهمرت دموعها واكتفت بالصمت ثم اغمضت عينيها عندما قال بمواساة: "انت مسؤولة مني اليوم وخصصت لك مبلغ شهري لتواصلي به حياتك وتقفي على قدميك ولا تفكري يوما إنك وحيدة .... موقفك مع سعيد قد جعلك بعيني كبيرة وأدركت ان شيء من الخير مازال بأعماقك .... شكرا لأنك لم تدعي سعيد يكرهني ويفقد احترامه لي وانسحبت من حياته بدون خسائر واذى وبقي ذلك السر كما هو مطمور لا أحد من اخوتي يعرفه لتبقي بنظر سعيد ويوسف ابنة عمنا المحترمة وبقيت انا الأخ الأكبر القدوة .... تأكدي اننا .... انا وسعيد ويوسف أهلك وسندك وبيت عمك مفتوح لك بأي وقت .... يمكن ان نطوي صفحة الماضي يا بيلسان رغم اننا سحقنا بطريقنا قلوب بريئة لكن لعل الله يعفو عنا؟ ان الماضي مظلم ومؤلم وان بقينا نستدعيه بكل مناسبة وبكل لحظة سنحطم أنفسنا وسيحرق الحقد ما تبقى من الخير بداخلنا وتبقى قلوبنا سوداء ونقرض عمرنا ونخسر القادم ولم نستفد شيء سوى ان نفاقم حجم الحقد ليستفحل ويقتل كل ما هو جميل بطريقنا.... ان شاء الله القادم أفضل والحظ يطرق بابك من جديد وتعثرين على احلامك الضائعة مع شخص أكثر إنسانية وضمير من الذي ظلمك .... بلغني إنك بعد وفاة والدتك تغيرت واقتربت من الله وذلك عشمني ان اطمع بعفوك واحفل برضاك لعل الله يصفح عني ويكفر عن ذنوبي وانا بدوري سأنسى الماضي بما فيه وامحيه من سجل حياتي الى الابد ....اعدك"

وبقي ينتظر ردها لدقائق وبتجهم وعندما بقيت صامتة وتدير له ظهرها أسدل اهدابه ثم وضع مبلغ من المال على المنضدة وقال بنبرة خافتة: "سأعتبر صمتك مفترق طرق بين الرضا وعدمه وسأقنع بذلك .... الى اللقاء"
أغلقت الباب خلفه ببطء وملامحها جامدة ثم عادت الى غرفتها وجلست على الأرض حيث سجادة صلاتها ورفعت يدها بالدعاء قائلة برجاء: "ألهى .... أعني على الغفران ومكن قلبي على الصفح .... واغفر لي ذنوبي الجسيمة .... ما ذقت لذة أكبر من لذتي هذه بلقائك والتقرب اليك اللهم لا تحرمني رضاك فأجعل قلبي نظيفا من الأحقاد والسموم وطهر جسدي من دنس الشياطين وتقبل توبتي"

.................................................. .........................

عندما فتح ابن ريتاج الباب اشرقت ملامحه وهتف بحماس: "العم واصف اقبل يا أولاد"
ابتسمت ريتاج بسرها وتنفست بعمق واسدلت اهدابها وهي تستمع الى مرح اطفالها الذين هبوا اليه وبدورها تركت ما بيدها واسرعت ملهوفة وما ان التقت عيونهما حتى ابتسم ابتسامة جذابة جدا ثم اشاح ببصره عنها وربت على كتف ابنها الكبير قائلا: "والان أكملت كورس التمرينات أيها البطل؟"
أومأ له بارتياح وتعلق الصغير بساقيه ليحمله ويقترب منها قائلا: "حان الوقت لتنتقلون الى مكانكم الجديد .... طوال عمري وانا احتاج لعائلة ووجدت سعادتي بينكم .... ريتاج اريد ان اتزوجك"
أطرقت برأسها بشيء من الحزن الذي غطى الفرح وفهم هو سبب ترددها والتفت الى ابنها الذي أسدل اهدابه بشيء من الضيق واقترب منه ووضع يده على رأسه قائلا: "اعدك انني سأصنع منك بطلا .... انا بحاجتك وانت بحاجتي ما رأيك ان نتعاضد لنحقق نجاحات مبهرة؟"
ابتسم الصبي وارتسمت البسمة على وجه ريتاج ورقص قلبها فرحا ولم تندم ابدا على تلميحاتها السابقة له بأنه اخترق مشاعرها رغما عنها ووجدت به ضالتها وامانها .... كم انت وسيم وجميل ورائع يا واصف انا محظوظة بك.
أسدل واصف اهدابه وتنفس بارتياح وعمق عندما تذكر بسره اهله واخوته الصغار وكيف فقدهم كلهم بحادثة حريق بشعة .... أصواتهم ضحكاتهم نظراتهم مازالت حية بذاكرته وكلما تطلع بصغار ريتاج وجد بهم احبته الذين فقدهم وكأن الله أراد ان يعوضها ويعوضه.... انه بحاجة ماسة الى العائلة الذي حرم منها.
...............................
دخلت ريتاج الى الغرفة حيث والدتها التي كانت جالسة مكتئبة وقالت لها بمنتهى القناعة: "سنغادر تلك الشقة انا واطفالي لأنني وجدت الانسان الرائع الذي وهبه الله لي ليعوضني وبذلك ستطمئنين علي وسيزاح همك وانت بدورك عليك ان تتركين المكان .... هذا المكان يجب ان يبقى لا صحابه"
اومأت والدتها قائلة: "نعم انت محقة كنت أفكر بذلك وبمعاشي سأستأجر مكان صغير مناسب فأصبح كل شيء يكفيني ما دمت ستعيشين بكنف رجل محل ثقة كواصف .... الحمد لله على كل حال .... فعلا يجب ان يبقى الحق لأصحابه"
.................................................. ...................
ارتدى جاسر سترته وتطلع بساعة يده وقال لسعيد وهو يهم بالانصراف: "سأذهب الان الى البيت وبعدها الى المصحة فاليوم موعد الزيارة كما تعلم .... بإمكانك عقد الاجتماع بدوني"

سعيد وبسرعة: "اه تذكرت قبل ان تذهب اريد ان اخبرك ان هناك عميلة قدمت طلب لتدخل شريكة معنا في مشروع الصابون"
جاسر وهو يتناول هاتفه ومفتاح السيارة وعلى عجاله: "مع انني أتشاءم من مشاركة النساء لكن لا بأس ان كنت تراها جيدة اقرأ ملفها الخاص وتحرى عنها"
واتجه الى الباب لكن سرعان ما توقف والتفت بسرعة عندما قال سعيد: "اظنها تعرفك .... أتذكر ان اسمها منى"
ومضت عيون جاسر ببريق غامض وقاس وبانفعال أشار بيده قائلا بنبرة باتة لا تقبل النقاش: "لا وألف لا .... واية مخلوقة اسمها منى لا .... الا منى .... اياك ان تدعها تخطو خطوة واحدة في هذه الشركة انها امرأة سيئة السمعة"

عندما خرج جاسر منفعلا وضع سعيد يده على شاربه ودعكه مستغربا ردة فعل جاسر وفهم ان لتلك المرأة قصة ما مع جاسر!
ثم جلس خلف المكتب الذي تسلم إدارته في شركة الزيوت الصغيرة التي فتحها جاسر مع اخوته بثمن المنزل الذي ابتاعه العام الماضي وتيسرت اموره المادية ووقف على قدميه مستفيدا من الخبرة التي حصل عليها من عمله السابق لتنجح شركته وتزدهر ولوى شفتيه محدثا نفسه
"كلما وضعت عيني على فتاة اجدك تعرفها وتعرفك ولك ماض معها .... يالحظي العاثر مع النساء .... لولا إنك رفضتني يا بيلسان لما تطلعت لواحدة غيرك .... يبدو ان القسمة والنصيب حقيقة"
.................................................. .............................
فتح باب الغرفة المظلمة وأشعل المصباح ورمقها بنظرة جامدة لتنكمش في سريرها وعندما خطا نحوها تزحزحت وابتعدت ونظرة الضعف والخوف بعينيها وعندما رفع يده وقربها منها قطب جبينه لأنها رفعت ذراعها لتحمي رأسها ووجهها منه وذلك المنظر اعتصر قلبه ليجلس على السرير قربها ويضع يده على رأسها قائلا بنبرة هادئة مطمئنة: "كل مرة تستقبلينني بذلك الخوف ؟.... ارفعي رأسك .... تطلعي بي .... لا تخافي"
اضطربت اهدابها ورفعت رأسها بتردد ثم تطلعت به بضعف .... قال بنبرة قوية: "لأني لست معصوم من الخطأ ولأني غرفت من كأس الندم كفاية ولأني تعلمت من اخطائي ومن دروس الحياة القاسية فأصبحت انسان وليس وحش لأوذيك كالسابق .... متى تفهمين انني تغيرت يا سولاف ولم انوي تعذيبك كما كنت افعل وأدركت ان ليس لي الحق بذلك .... انت مظلومة وضحية وليس لي ان امد يدي عليك والكم جراحك كما فعلت بجهلي .... انا اخوك وعزوتك وشرفك انهضي وامشي بطولك ولم يعرف أحد ما حصل لك سواي وأمك وكلانا بئر عميقة .... لا أحد سيجرؤ على تجريحك ومعايرتك وبالنسبة لي الماضي الوسخ رميته بالقمامة ولم يعد له اثر .... هيا يا سولاف أشعلي الانوار وارفعي الستائر وافتحي النوافذ وتنفسي بارتياح دعي نور الشمس يخترق الظلمة والهواء العذب يتخلل بأعماقك .... ابتسمي واطمئني وسأكون معك خطوة بخطوة حتى انتشلك من احزانك واقوي ضعفك بي .... ستكملين دراستك هنا وليس برقابتي بل بعنايتي وحمايتي .... نقلت اوراقك وكل شيء على ما يرام والعام الدراسي ببدايته وكثير من الاحلام منتظرتك لتحققيها"
ابتسمت سولاف عبر دموع غزيرة وارادت الاقتراب ورمي نفسها في حضنه لكنها ترددت بسبب الحاجز الذي خلقه بينهما بقسوته السابقة معها ويبدو ان جاسر فهم ما تفكر به فجذبها اليه وضمها بقوة وهمس: "انسي كل شيء واحلمي من جديد .... الله اخذ لك حقك كما اخذه من كل ظالم ولغة التسامح يجب ان تسود بحياتنا لنحصل على الرحمة من السماء فكيف لا نسامح ونعفو ونتضرع الى الله ان يسامحنا؟"
فرحت ام جاسر عندما دخلت ووجدت ذلك المنظر وشكرت الله لأزالة الغمة عنها وعن أولادها وبيتها فقد كان قلبها ينزف بسبب ما كان يفعله جاسر بأخته من تعنيف وتعذيب وحبس والحمد لله الذي هداه واوجد الرحمة بقلبه.
.................................................. .................................
دخل الى المصحة وسار بالرواق المؤدي الى الغرفة المعنية وبيده يحمل ابنته الجميلة الناعمة ذات الشعر الأسود والعيون البريئة وبداخله كمية من الشفقة والرأفة التي لم تتغير دائما وابدا اتجاه ديم.
فتحت له الممرضة باب الغرفة وابتسم قائلا وهو يقترب ويتطلع بديم التي تجلس على سريرها وتتطلع نحو النافذة بصمت: "لقد جئنا يا ديم ولم نتأخر"
لم يبدر من ديم أي ردة فعل او حركة كعادتها واستدار قبالتها ووضع الصغيرة بحجرها قائلا بنبرة ودية: "ابنتك جاءت لرؤيتك تطلعي بها انظري كيف هي جميلة"
انزلت ديم بصرها الى الطفلة ومسدت على رأسها وشعرها برفق وبقيت هكذا دون ان تنطق ولا بهمسة كحالها طوال العام وجاسر يتأمل بها بقلب فيه صدع لا يمكن للزمن ان يجبره ولم يشعر كم من الوقت مضى حتى اخبرته الممرضة ان وقت الزيارة انتهى ليتناول الطفلة التي كانت تعبث بإيشارب ديم وسحبها من يديها برفق وهمس بتأثر: "الى اللقاء"
ستبقين نقطة الضعف بداخلي يا ديم .... ستبقين ماضي حلو ومر ستبقين حب كبير يتبعه نفور وصدمة ستبقين اول موضوع بكتابي وحدث كبير بتاريخي وجرح وخيبة .... ستبقين ذنبي وجريرتي .... كلما أتطلع بك سأتذكر انني كنت ظالم ومظلوم.
حالما خرج من الغرفة واغلقوا الباب دست ديم يدها تحت الوسادة واخرجت من تحتها منحوتة لطفل بجناحين ببطء شديد ثم ضمتها الى صدرها بقوة.
عندما ابتعد جاسر عن الغرفة وهو منشغل بابنته ظهر وائل الذي كان يخفي نفسه بزاوية قرب الباب وتطلع بجاسر وهو يبتعد حتى توارى ليدخل الى الغرفة وبيده باقة حمراء من الورود واقترب بخطوات بطيئة من ديم ودمعت عيونه وهو يقول بهمس: "اشتقت اليك"
.................................................. ..............
لما دخل جاسر سيارته تلقفت هتان ابنتها من يده بلهفة وضمتها الى صدرها بقوة وكانت كل مرة يذهب بابنتها الى ديم ينتابها ذلك الخوف والقلق على صغيرتها لكنها كانت تضحي كعادتها وتؤثر غيرها على نفسها وتريد ان تسعد جاسر لأنه يستحق ان تقف الى جانبه ليتخطى جراحه ويواصل حياته الجديدة كزوج مثالي ليس للأنانية وجود بداخله .... يستحق لأنه اثبت لها حسن نيته وعوضها عن الماضي بحب كبير لا يوصف واستطاع ان يمحي من ذاكرتها ليال سوداء وذكريات سيئة حتى وجدت نفسها ملزمة باحترام ماضيه وخصوصياته.
كان يتطلع بها وهي تحضن طفلتها بنظرة مختلفة عما ينظر بها الى الاخرين انها نظرة عشق ومحبة خالصة وكلما تطلع بوجهها وابنته شعر ان كل همومه تزاح الواحد تلو الاخر عن كاهله وامل كبير يزدهر بقلبه ويملأ صدره اطمئنانا وغبطة
وضع يده على يدها قائلا بتأمل: "اعلم انك تقومين بذلك من اجلي وأقدر لك ذلك يا هتان ولست مستغرب مواقفك النبيلة لأني اعرف قلبك وانسانيتك وتسامحك وكل يوم اشكر الله لأنه وهبني عائلة بجمالكما .... ان ديم مجرد مريضة وبقايا انسان وإذا خففنا عنها كربها وأدخلنا الفرحة الى قلبها سنحصل على مثوبة من الله نحن بحاجة اليها"

اومأت له وقالت: "انها مسكينة وأتمنى لها الشفاء من كل قلبي"

قال بسرعة وحماس: "اليوم لدينا مشوار صغير قبل العودة الى البيت .... مفاجئة صغيرة هيأتها لك"

تمكن منها الفضول وبقيت تترقب المفاجأة حتى أوقف السيارة امام منزل اثار دهشتها وأشار لها لتنزل!

فتح لها الباب واخذ منها الطفلة لتتطلع بالمنزل باستغراب ونظرت اليه بسرعة قائلة: "لا افهم؟ لماذا جئت بي الى هنا؟ من هنا؟ من في ذلك المنزل؟"
وضع يده في جيبه واخرج مفتاح وقدمه لها قائلا بارتياح: "في ذلك المنزل حب كبير ومشاعر راقية ودفأ وعرفان بالجميل تشهد لك كل زاوية من زواياه.... انه دين كان في رقبتي ووعد كان مع نفسي .... انه بيتك يا هتان .... بيتنا .... بنيته بأشواقي واحلامي وجمعت به كل طموحاتي وآمالي باسعادك لأنك حبيبتي ومستقر روحي وذخر السنين القادمة وأجمل حب عرفته بحياتي .... الحب الحقيقي انت يا هتان لذلك اسميت هذا البيت جنة قلبي .... تعالي تعالي لأريك ماذا اعددت لك في الداخل"
تراقصت دموع الفرحة بعينيها وهي تتبعه ببطء وأدركت فعلا ان مع العسر يسر واخر الصبر طيب وان الله يجبر قلوب المظلومين ولو بعد حين
ثم اسرعت بخطاها لتدخل جنة جاسر بصدر تملأوه الغبطة والامال والحماس لما ينتظرها من سعادة مخبئة في الداخل.

تمت



Continue Reading

You'll Also Like

351K 16.7K 23
مًنِ قُآلَ أنِهّآ لَيَسِتٌ بًآلَأمًآکْنِ کْمً آشُتٌآقُ لذالك المكان الذي ضم ذكريات لن تعود
7.4K 275 26
قالت بجفاف: "هيا اذهب و اخبره.......... الموضوع كله مسليا لي و لبقية الخدم و لوالدتك" تلاشى غضبه او ربما كبت غضبه و مرر يده على عنقها و قال بصوت خافت...
4.1M 61.9K 66
تتشابك أقدارنا ... سواء قبلنا بها أم رفضناها .. فهي حق وعلينا التسليم ‏هل أسلمك حصوني وقلاعي وأنت من فرضت عليا الخضوع والإذلال فلتكن حر...
16.3M 346K 57
باردة حياتها معه ....لا تعلم سبباً واحداً يبرر بروده معها أو عدم اهتمامه بها...فقد تزوجها و لا تدرى لما اختارها هى تحديداً..؟! سارت كالعمياء فى طريقه...