الفصل الاربعون

126 5 0
                                    

الفصل الاربعون ....
(ارجوك اتركيني)

ارتجفت قدمي والدته على اول سلمة ولم تعد قادرة على المتابعة وعرفت ان جاسر علم ولطمت وجهها هامسة: "ارفق بها يا جاسر انه اختك .... يا الله .... استرنا يا رب واجعل لنا مخرجا"
انكمشت سولاف بسريرها وشدت الغطاء على جسدها واخفت وجهها بيديها عند سماع صوته وكاد ان يتوقف قلبها عندما ركل الباب أكثر من مرة وهو يصرخ: "افتحي الباب"
واخفت رأسها عندما انكسر الباب ودخل عليها!

انزلت الشرشف عن وجهها ببطء عندما ساد الصمت لتجد جاسر محملق بها بعيون نارية كلها ريبة وتفحص حتى قال بنبرة منخفضة: "الان تغيرين ملابسك وتأتين معي"
فتحت فمها لتقول شيئا الا انه كرر مقاطعا وبنبرة باتة والشرر يتطاير من عينيه: "الان تغيرين ملابسك وتأتين معي"
ثم بدأ يقترب منها وهو يشد على قبضتيه وهي تراقبه بقلق شديد والخوف يفضحها وكأنها تؤكد له صحة معلوماته حتى جفلت عندما صرخ فجأة: "ماذا تعلمت من بلاد الغرب؟"
هزت رأسها وهي موقنة انه سيضربها بأي لحظة وهو هكذا قريب جدا ويغلق قبضتيه بقوة وكأنه بالكاد يتمالك اعصابه
قالت فجأة وبتلعثم: "ما .... مابك؟ لماذا .... لماذا تدخل علي هكذا؟ لا افهم لماذا تتحدث معي هكذا"
وأطلقت آهة الم عندما قبض على ذراعها وبسرعة فائقة وجدت نفسها واقفة على الأرض ودفعها نحو الخزانة قائلا وهو يصك اسنانه: "هيا ارتدي شيئا مستورا"
هي وعبر دموع: "الى اين تريد ان تأخذني؟"
وامام نظرته المخيفة فتحت الخزانة بسرعة وتناولت فستان بيد مرتجفة جدا وهي متيقنة بأن الليلة نهايتها على يد جاسر .... لكنها مظلومة .... الله لن يتخلى عنها لن يتركها تقع ضحية العقول المغلقة والدم الساخن والأعراف المقيتة التي تطالب بقتل البنت عندما تفقد شرفها بغض النظر عن الظروف والأسباب .... جاسر لا يريد ان يعرف كيف ولماذا جاسر يريد ان يغسل عاره بالتخلص منها وفقط.
جعلها تهبط السلم امامه كالمتهمة المقادة الى حبل المشنقة وهي واثقة انها ذاهبة الى حتفها وما أصعب شعور كهذا وكأن الحياة حليت بعينيها بهذه اللحظات وتريد ان تتشبث بها بكلتا يديها وكأن كل شيء جميل لم تكن تشعر بقيمته وبوجوده بحياتها تماثل امام عينيها الان برونقه .... بيتها .... أمها .... عزها في بيت ابوها .... شبابها .... جمالها .... صحتها .... ستخسر كل ذلك؟ ستترك كل ذلك وتقاد الى الموت الى القبر؟ تترك جاسر يأخذها الى طريق مجهول ومنعزل ويذبحها هناك كزمن الجاهلية ويرميها للكلاب؟
كيف تنجو ماذا تقول؟ كيف تبرر؟ انها مغتصبة وحامل وهل هناك وصمة عار أصعب من ذلك؟ وهل هناك خزي أكبر من ذلك؟
تأملت أمها جالسة على اول سلمة ومحنية الرأس وكأنها انكسرت وقصم ظهرها وحز بنفسها ذلك الشعور وذلك الموقف والتفتت خلفها حيث جاسر يهبط ببطء وبوجه صارم وعيون حادة ثم خفضت بصرها وصرخت بأعماقها "وهل انت منزه من العيوب؟ تقودني بكل تلك القسوة والقوة والجبروت وكأنك بلا ذنب ولا ماضي وسخ .... كأن يدك لم تتلطخ بدم الغدر والرذيلة .... ان كان الذي حصل معي بغير ارادتي فالذي فعلته يا جاسر بملأ ارادتك .... ان كان الذي حصل لي وانا فاقدة الوعي لا املك لنفسي حماية فأنت كنت بكامل وعيك .... من العدل ان احاسب انا وتنجو انت؟ .... من العدل ان يقتص الظالم من المظلوم!"
وخفقت اهدابها بضعف عندما دفع ظهرها بيده وهو يقول بزجر: "تحركي"
نهضت والدته ببطء وفسحت لهما المجال ورمقها جاسر بنظرة جانبية ثم مضى امام سولاف التي ابطأت خطاها لتهتف امه: "سآتي معكم .... انتظر جاسر"
التفت جاسر وقال بنبرة باتة: "لا .... ابقي يا امي"
وخرج بخطى سريعة الى السيارة لتلتفت سولاف الى أمها وتقول بصوت متقطع: "ماذا .... ماذا افعل؟"
اقتربت منها وشدت على كتفها وقالت بعيون مرتبكة: "سلمي امرك الى الله .... اتركي نفسك لعدالته"
اومأت سولاف وبهذه اللحظة دخل يوسف وبيده مجموعة بحوث واوراق وتطلع بدهشة نحو سولاف ثم والدته وقال بقلق: "ماذا يجري؟ ما به جاسر لا يرد حتى على السلام؟ ما بها سولاف لا قطرة دم بوجهها؟ مابك يا امي تنظرين الي وكل ذلك الرعب بعينيك؟ ماذا فعل جاسر؟ ماذا حصل؟"
اسرعت سولاف وخرجت وتركت لدموعها العنان وأسرع يوسف الى امه التي امسكت صدرها وكادت ان تسقط لولا انه تلقفها وهو يهتف وقد تساقطت كل أوراقه تحت قدميه: "امي .... امي!"
.................................................. .................................
تطلعت ديم بالساعة بحقد وكانت جالسة امام طاولة الطعام وقد اعددت بنفسها الأصناف التي يحبها وبقيت تراقب اميال الساعة بجمود .... لم تأتي يا جاسر! تأخرت كثيرا .... كنت واثقة انك ستخلف بوعدك .... كنت واثقة انك ستتجاهلني.
.................................................. ..........................
انزلت منى هاتفها ببطء وقالت بخذلان: "لا يرد علي .... مازال على نفس غروره وكبره .... انه يحاول احتقاري وتجاهلي .... اقسم بالله انني سأندمه"
.................................................. ..........................
تطلعت هتان بزوايا الدار الباردة وبكل انحائه بعيون متسعة وكأنها وصلت الى حافة الجنون حتى انها وضعت يديها على اذنيها من صوت اميال الساعة الذي يخترق رأسها ويدفعها للانهيار ثم نهضت وهي تخطو على غير هدى حتى بدأت تدور حول نفسها وكأن المكان يضيق بها واشباح غير مرئية تلاحقها! وكأن اصوت كثيرة مبهمة تتعالى برأسها حتى صرخت: "لا .... لا .... لم اعد قادرة .... لا .... لن احتمل"
ووجدت نفسها تفتح الباب وتهرب!
.................................................. ................................
جاسر وبأهداب خافقة ونبرة منخفضة: "متأكدة؟ .... متأكدة؟"
الطبيبة وبنبرة واثقة: "اختك سليمة مئة بالمئة .... أتمنى ان تتخذ الأمور بتعقل يا أستاذ ولا تتسرع او تتهور .... عيب فالأخت امانة بالأعناق ووجب عليك ان تكون والد وسند لا عدو منتقم"

رواية الحلم الرمادى لكاتبة هند صابرWhere stories live. Discover now