الفصل الثانى والعشرون

115 6 0
                                    

الفصل الثاني والعشرون ......
(قضبان وهمية)

وضعت هتان يدها على يد بيلسان لتجدها باردة جدا وقالت لها بمواساة: "غدا سينتقم الله منه انتظري وسترين ان الله بالمرصاد"
ضحكت بيلسان حتى سعلت وقالت بتسلية: "لم انتظر بل تصرفت .... تصرفت"
تجهمت هتان وبقيت تتطلع بها بحزن وقلق وبعد ان استمرت بيلسان بالضحك الغريب وكأنها تضحك على نفسها اوقفتها هتان قائلة بتنبيه: "بصراحة انا قلقة من حزن عيونك ومن هذه الضحكة المرة .... لماذا الضحك؟ تضحكين على صنيعك؟ ما قصدك ب تصرفت؟"
تلاشت ابتسامة بيلسان وتجهمت وركزت بوجه هتان بنظرات ثاقبة لتواصل هتان بكل صدق وعفوية: "أخشى ان تكوني قد أوقعت نفسك بمشاكل او بأمور جارفة الى الهاوية وربما تضرين نفسك دون ان تشعري؟"
ضاقت عيني بيلسان وصررت على اسنانها ثم ما لبثت ان اشعلت سيجارة جديدة ورددت بحرقة: "انت لا تفهمين شيء عما حصل معي لذلك لا تحكمي على ذوقك ولا تنصحي فأنت ابعد واحدة على تقديم النصح والوعظ لأنك مضطهدة من رأسك الى أخمص قدميك ولم تعرفي كيفية فك اغلالك"
خفقت اهداب هتان وهتفت بانفعال: "ليست هناك اغلال .... عقلنا من يوحي الينا بذلك .... عليك ان تنسى وتتجاهلي وتعيشي والا تحبسين نفسك خلف قضبان الماضي الوهمية .... تظنين انها قضبان قاسية مستحيل ان تكسرينها وتنفذين بينما هي في الحقيقة لا وجود لها أصلا .... وانما عقلك السقيم خيل لك وجودها وعقلي أيضا هو من اوحى الي بالعبودية لهم .... انها قيود كاذبة وإنك حرة وبإمكانك النفاذ الى شمس الحرية والسعادة وان الدنيا لم تتوقف عند حبيبك السابق وزوجته! اخرجي منهما اخرجي من عتمة الماضي وتطلعي امامك فهناك افاق امام عينيك لكنك لم تفكري بالتطلع اليها .... هناك حياة جديدة بانتظارك هناك نصيب قد هيأه الله لك هناك امل وحلم وردي"
انزلت بيلسان السيجارة من شفتيها ببطء وتطلعت بعيني هتان بعمق وكأنها باحثة عن ذلك الامل لكن دون جدوى وسرعان ما تملكها اليأس وقالت بنبرة احباط: "عمن تتكلمين؟ ما تقولينه لا يخصني انه كلام روايات .... الواقع شيء اخر .... ولم يعد هناك حلم ......كلامك لا يناسبني لأن الأوان قد فات .... فات الأوان هتان لا يهم ان أكون انا من سجنت نفسي خلف القضبان او القدر هو الذي زجني هناك .... المهم انني اضعت المفتاح .... بل كسرت المفتاح ولم يعد هناك امل للنفاذ وليس هناك حلم وردي بل حلم اسود او بالأحرى اضعت اللون أيضا .... حلم بلا معالم"

.................................................. .........

في طريق عودتها كانت قد شغلتها قصة بيلسان وشدهت بالها وادخلتها بمتاهات جديدة مع عقلها وعاطفتها وضغطت على اعصابها حتى اعتصرت منها شعور بالمقت من شيء اسمه الظلم والخيانة
لكم كرهت الظلم وتبعاته الوخيمة ربما لأنها عرفت معناه حرفيا وشعرت بمرارته وما يولده في النفس من مشاعر سلبية تجرف صاحبها الى التفكير الدائم بأهمية الانتقام والثأر للنفس المعذبة؟
سبق وشعرت بذلك الشعور المضن عندما تعرضت لظلم جاسر وظلم الناس بعد موت والدها ولا زال قلبها مجروح ومخذول من أقرب الناس لكنها تحاول ان تقاوم وتتناسى من اجل طفلها ومصلحته
وأيضا لأنها مغلوب على امرها وضعيفة ووحيدة بهذه الدنيا فأصبحت تميل الى الخنوع والاستسلام بغية الخروج بمنفعة ولو كانت بمذلة.... مضطرة ان تتناسى مواقف جاسر وكلماته اللاذعة وعدم اكتراثه بمشاعرها واعترافاته القاسية حتى تخيل انها صدقته عندما أخبرها بحبه وانه قال ذاك الكلام الجارح بلحظة غضب ووخز كرامة وتحت تأثير الغيرة المزعومة .... لا ابد لم تصدقه فقد عودها الا تصدقه من توالي كذبه ولأنها واثقة انه يعشق ديم ويهيم بها حبا رغم اعاقتها وشعور الذنب يلهب قلبه على الدوام ومدركة ان تصرفه الأخير ومطالبته لها بالرجوع اليه من اجل الطفل فقط خاصة وان ديم غير قادرة على منحه الولد مدى الحياة فأراد الا تضيع منه الفرصة لأنه متأكد وواثق ان الطفل ابنه وان بركات حقير وكاذب فهو بحياته لم يثق به وبكلامه

رواية الحلم الرمادى لكاتبة هند صابرWhere stories live. Discover now