الفصل الثامن والعشرون

95 4 0
                                    

الفصل الثامن والعشرون.........
(تتمنى الموت ولا تطاله)

فتحت ديم عينيها عندما اغلق الباب بهمس بعدما مسح يديه وجوانب وجهه بالعطر وابتسمت بحقد ومرار "لم تجدها"

قطب جاسر جبينه عندما فتح الباب ووجد المكان فارغ!
مرر يده على جبينه ثم دفع الكرسي بعنف وكأنه فقد التحكم بأعصابه!
والاكثر ايلاما لديم انه بدل من ان يرجع الى فراشه ويستقر انه عاد وغير ملابسه على عجل ثم غادر!
قاد سيارته بسرعة فائقة متجاوز كل المحاذير وكان الغضب قد تمكن منه وأفقده التعقل.

.................................................. ...................
اعتدلت ديم على إثر صفقة الباب الخارجي لكن هذه المرة لم تكن جريحة ومغلوب على امرها بل كانت شديدة ومسيطرة على مشاعرها وعواطفها لا ينبغي لها ان تبقى تذرف بالدموع وتندب حظها على جاسر .... الذي امامها أكبر واهم بكثير من الذي يحصل الان .... افعل كما تشاء وكما يحلو لك يا جاسر واخلف الوعود وتغير وتخبط وتبعثر لكنك ستبقى خائف وحريص .... ستبقى تلك مجرد نزوة وغدا سيرجع لك صوابك .... لن امنحك فرصة المواجهة ولا افسح لك مجال التفوه امامي بما لا يرضيني وانت تحت تأثير جموح مؤقت
فقد ولى زمن دلعي وغنجي عليك لأني كنت واثقة بوقتها من حبك واهتمامك الان جاء دور التدبر وتغليب العقل على العواطف جاء دور الحكمة والجهاد من اجل استرداد الحق.
سأتركك تعبث على مهلك ومرجوعك الي بالنهاية وولائك سيبقى لبيتك وانا واثقة من مقدرتي على ذلك.
.................................................. ...............
استيقظ كل من في الشقة على إثر الطرق المتواصل وجه الفجر وهرعت العمة الى الباب وهي تهمس: "بسم الله الرحمن الرحيم .... من القادم بهكذا ساعة؟"
وشهقت بعد ان فتحت الباب لما اقتحم جاسر المكان وقال بانفعال: "اين هي؟ .... اين هتان؟"
وضعت هتان يدها على فمها وهي متوارية خلف باب الغرفة التي تشاركتها مع الأطفال وشعرت بالحرج الشديد والقلق من الموقف.
بينما ضممت ريتاج طفلها وبقيت قرب السلم تراقب ما يحصل بدهشة!

عمتها وبنبرة مطمئنة: "موجودة موجودة .... ماذا حصل؟ فعلت بكم شيء؟"
هو وبسرعة: "اندهي عليها بسرعة اريد ان اراها"
قالت مستغلة الموقف: "اسمع يا أستاذ جاسر الأمور لم تحل هكذا .... ابنة اخي بعهدتي الان وان كان لديك ما تريد قوله لها فأخبرني انا لأنني"
وشهقت عندما تجاوزها وخطا نحو الداخل وهو يهتف: "هتان .... هتان"
حتى ان ريتاج قالت وهي تشير الى الغرفة من قلقها منه: "هناك .... هناك"
وعضت عمتها على شفتها عندما اقتحم الغرفة
تراجعت هتان الى الوراء وبهتت عندما قال بملامح حادة: "لماذا تركت البيت؟ كيف خرجت بدون اذني؟ زواج بيننا ام عبث؟ الست زوجك؟ الم يجدر بك اخباري عن رحيلك؟ لماذا تركت البيت؟"

التفتت هتان الى الأطفال خلفها وهم منكمشين في اسرتهم والخوف بعينيهم واعادت بصرها اليه قائلة باستنكار: "تركت البيت لأنه ليس بيتي وليس مكاني ومن فضلك لا تتكلم امام الصغار فقد ارعبتهم"
اتقدت عيناه وقال بغيظ: "لم تجيبي على سؤالي؟ لقد استفززتني يا هتان بفعلتك"
هي وبانفعال: "لقد اجبتك ....من فضلك لا ترفع صوتك .... واذهب من هنا ....انتهى كل شيء بيننا منذ اللحظة التي عرفت بها حقيقتك المخجلة"
الذي أفزعها وصدمها انه امسكها من معصمها واخرجها من الغرفة وهي بالكاد تجاري سرعته وهو يهتف: "تعالي معي .... تعالي"
وعندما تمردت قبض على كوعها بعنف جعل عمتها تهتف: "اتركها .... لا تنسى انها حامل على مهلك"
تدفقت دموع هتان وانتزعت ذراعها قائلة بنفور: "طلقني ارجوك .... طلقني"
وضعت عمتها يدها على فمها عندما اخذها بالقوة وبدى همجيا بتعامله مع الجميع وكأنه لم يحسب لهم أي حساب وكأن هتان جاريته ومملوكة لديه وليست زوجة
خرجت الى الشارع بملابس نومها الخفيفة واستغربت منه ومن افعاله الغريبة حتى شكت انه مخمور او متعاطي شيء لأنه قد تخلى عن طابعه المتزن الهادئ وأول مرة تراه هكذا طائش يبدو انه ليس معتاد منها سوى على الخنوع وأول ما حاولت التمرد واجهها بحقيقة شخصيته المتحكمة
بالفعل الزواج هو اسوء ما اقترفته لأن جاسر بالزواج يتحول الى رجل اخر متحكم ودكتاتور!
كانت ترتجف من الانفعال والبرد القارص عندما انطلقت السيارة بسرعة متهورة وخافت على نفسها قائلة: "الى اين تأخذني لا اريد العودة الى بيتك .... انه كالسجن .... اريد حريتي"
تجاهلها وتركها تهتف وتتكلم كما يحلو لها حتى تعبت من التنديد والتمرد واستسلمت لمصيرها!
.................................................. ............................

أبعدت سولاف الستارة ببطء وهمست بهاتفها بحزن وهي تتطلع الى الأسفل الى الشارع الفارغ وصوت الرعد ينبأ بقدوم عاصفة وامطار: "تعقل بركات وغادر ارجوك .... الطقس بارد والصباح طلع ارجوك اذهب"
رفع بصره الى الأعلى حيث غرفتها وقال بنبرة تبدو صادقة: "لن ابارح المكان ولو تجمدت هنا .... لن اتحرك وسأجعل الامطار تغرقني لا تهمني صحتي .... لو كنت خائفة علي اعطني وعد باللقاء .... اخبريني انك راضية عني ولست مستاءة وقد نسيت حماقتي .... احبك يا سولاف ومستعد ان ابقى هنا حتى اليوم التالي .... الا تعرفي انني مجنون بك يا بنت"
عضت على شفتها وقد غزى قلبها العطف والخوف عليه وقالت باستسلام: "حسنا حسنا .... اعدك"
هو وبارتياح والحاح: "الليلة سنلتقي عند الثامنة في المكان نفسه ان كنت تثقين بي اتفقنا؟"
خفقت اهدابها وقالت بخفوت: "حسنا"
.................................................. .............................

عندما أوقف جاسر السيارة امام الكوخ ذاته انتبهت من غفوتها التي سرقتها رغما عنها وتطلعت به بنظرات العتاب والحزن عندما فتح الباب لها وقال بجفاف: "انزلي"

دخلت معه الى المنزل مستسلمة لكنها ليست راضية وجفلت عندما صفق الباب وقال بنظرات صقرية: "هذا بيتك .... ولا يحق لك ان تهينينني بعد اليوم بتصرف أحمق مثل الذي فعلته .... لن اسمح لك بالغياب فجأة وبدون سابق انذار"
تلاحقت أنفاسها وهي محملقة به ليواصل وبأقل حدة: "لا تصدمينني برحيلك مجددا"
.................................................. ..............
قالت عمتها عبر الهاتف وبهدوء: "وبعدها اخذها وخرج"
اومأت ديم ببطء ثم أغلقت الخط وسرعان ما رمت بالهاتف بعنف عرض الجدار ليتهشم!
قالت بيلسان وهي تراقبها: "ماذا حصل؟"
ديم وبعيون محملقة بالأرض: "مثلما توقعت"

بيلسان وهي تشعل سيجارة: "لا بأس .... كل شيء يسير وفق المخطط .... سيخفيها حتى ولادتها .... جاسر لن يخذلك .... كعادته"

ديم وبنبرة مبحوحة: "بل خذلني .... قال شيء ويفعل اخر .... جاسر يحبها"
ابتسمت بيلسان وهي تتأمل تعابير ديم المنهارة دون ان تراها ثم قالت ببراءة: "لا يهم وان كان أحبها .... ففي النهاية مصيرها السجن وسرعان ما ينساها .... لا تجعلي بنت ساذجة ان تخرب حياتك .... اتركيهما الان ومنذ الساعة بل الدقيقة الأولى لولادة الطفل سيحرق قلبها عليه ويجعلها تتمنى الموت ولا تطاله"

ابتسمت ديم وتطلعت الى بيلسان التي نفثت الدخان ببطء

.................................................. ...............................

هتان وعبر دموع: "لما لم تخبرني انك كنت خطيب بيلسان؟ اخفيت عني ماضيك المخجل واستغليت عواطفي .... خنت بيلسان وخنت ديم وبأي لحظة ستخونني انا واثقة .... اتساءل ان كان في داخل صدرك قلب؟ .... انت عديم الإحساس يا جاسر وقد استغاث قلبي من افعالك وظلمك"




انتهى الفصل

رواية الحلم الرمادى لكاتبة هند صابرWhere stories live. Discover now