الفصل السادس والثلاثون

118 6 0
                                    

الفصل السادس والثلاثون .......
(بداخلي ثورة!)

تهاوى واصف على الاريكة عاقدا حاجبيه عندما خرج جاسر من منزله بخطوات ثابتة ومعتدة تاركا الباب مفتوح خلفه وبعيون صقرية وقلب ممتلئ بالغل
اشاح واصف ببصره بتجهم وصدر ضيق واشتدت قبضة يده صلابة حتى ان أنفاسه بدت مسموعة من شدة انفعاله رغم انه من صنف الرجال الهادئ المتمالك لأعصابه لكن ما يحصل له الان فوق طاقته انه بالكاد يمسك يده من ضرب ذلك الرجل وتهشيم اسنانه ....

اسدلت اهدابها متظاهرة بعدم الاكتراث به عندما ازاح ستارة المدخل الضيق ودخل ورمقها بنظرة ثاقبة ليقول بنبرة مبطنة: "جار ظريف وجنتل مان .... رأيت من الواجب ان ارد له مما يفعله لبيتي بغيابي"

اتسعت عينيها وهي تتطلع به بصدمة
وسرعان ما انكمش قلبها من كمية الغضب بعينيه!
والهدوء الظاهري الذي اقبل به هو بعينه ذلك الهدوء الذي يسبق العاصفة!

شعرت بجفاف ريقها عندما خطى نحوها ثم استدار واستقر خلف الاريكة التي تجلس عليها لتقول بصوت جاهدت ان يكون طبيعي ولا يظهر له ارتباكها: "عمن تتحدث؟ لا افهم"
لم يجيبها وساد صمت مريب ودعت الله الا يكون أزعج واصف بكلمة سخيفة او فعل غير لائق لأنه لا يستحق ابدا وليس له ذنب سوى انسانيته التي جعلت جاسر يبغضه ويذهب الى بيته ليزعجه ويعكر صفوه
ثم جفلت عندما ضرب بقبضتيه على مسند الاريكة قرب رأسها وقال بنبرة استجواب مخيفة: "بدوت امام نفسي كمغفل أحمق وانا اترك بابي مفتوح لتطأ الاغراب عتبتي وتقتحم حرمة بيتي .... كم مرة قابلته؟"
ارادت ان تنهض لكنه امسك كتفها وجذبها بخشونة لتجلس بقوة وهتف بلهجة آمرة: "الى اين؟ اجلسي مكانك .... لا تتهربي فأنا عرفت الكثير ومن لسانك اريد ان اسمع مبرراتك .... الصدق فقط يشفع لك الليلة يا هتان.... قولي كل شيء وبالتفصيل ....... ما الذي بينك وبينه؟ ولماذا هو محترق الفؤاد على وضعك؟ تشتكي له مني ومن حظك العاثر؟ وصلت معه للمرحلة التي يعرف بها كل شيء عن حياتنا؟ .... هتان اعترفي وبصدق لتنجو الليلة من يدي فبالكاد امسك يدي عنك الان وحتى الطفل لم يشفع لك اقسم بالله"
دمعت عينيها واسدلت اهدابها عندما دفع رأسها بقوة وبنبرة تحقير: "هيا تكلمي"
استنكرت معاملته السيئة لها وحز بنفسها موقفها الضعيف واستصغاره لها وشعرت ان الصبر نفد منها وعليها مواجهته بكل ما تفكر به مهما بلغت العواقب لأنها وصلت الى مرحلة الاستعداد لأي سلبية تبدر منه وبدت متوطنة لطغيانه وأصبح قرار الفراق هو الحلم الذي تنتظره بعد ان كان سابقا كابوس وكل دمعة ذرفتها سابقا على طلاقهما ندمت عليها وستستبدلها بضحكة عميقة لو حصل الانفصال لأنها بصراحة كبيرة فاض بها ووصلت الى اخرها معه
ارتجفت شفتها من شدة قهرها وهمست وهي محدقة بحجرها: "حسنا .... سأكون صادقة الى ابعد الحدود ما دمت تطلب الصراحة .... ان الذي بداخلي اليوم ثورة على الذلة والمهانة التي اعيشها معك واجد نفسي لست ملزمة ان ابرر لك على الدوام وأخشى منك على الدوام .... ليس من حقك ان تضعني بقفص الاتهام .... وعيب ان تظهر لي شكك المريض .... حاسب نفسك قبل ان تتبع وتتجسس وتستدرج الاخرين باحثا عن ثغراتهم لتتوغل من حيث مواطن ضعفهم بكل جرأة وشراسة معتقدا ان ذلك من حقك"
تحركت اهدابه ببطء وتطلع بجانب وجهها بنظرة عميقة وبدى صاغيا لنبرتها الجادة!
واصلت بحرقة قلب ونبرة تأنيب: "متضايق من تدخل ذلك الرجل بحياتنا دون ان تفكر مع نفسك ما الذي جعله يتدخل؟ .... ليس لديك اتجاهه ذرة من عرفان الجميل كونه أنقذ حياتي في الوقت الذي انت غائب وأدى واجبه الشريف على اتم وجه دون ان يضع نفسه بموضع شبهة وسخر لي ام عابد لتساعدني وتقوم بخدمتي في وقت أزمتي مما فسر لي ان لا قيمة لحياتي لديك وصحتي اخر همك ولم يعد ذلك يصدمني اليوم لأني فهمت وأصبحت لدي قناعة تامة وايمان انني خارج قلبك .... من البديهي الا تفهم معنى كل ما أقوله الان وربما مستغرب كعادتك .... لا تفهم لأنك لم تعش الظروف التي مررت بها لم تكن معي بأزمتي كالمعتاد منك عندما تتخلى عني بأحلك الظروف واقساها .... بمرض والدي أظهرت لي انانية منقطعة النظير حتى انك منعتني من زيارته ولأني كنت احبك وقتها كنت ارضيك على حساب رغبتي برؤيته وندمت على تضحيتي وقتها لأنني لم أرى منك عرفان او حتى اعتراف بأنني كنت احترم رغبتك"
ضاقت عيناه وبدت عليه تعابير الاستياء وقبل ان يقول شيئا واصلت مما جعله يغمض عينيه ويستمع بكل حواسه وكأنه يسمع منها هذا الكلام اول مرة وكأنه لم يكن سابقا ينتبه لها كفاية وكان يتخذ عبارتها المكررة باتهامه بظلمها وغبنها حقوقها باستخفاف وتجاهل وسأم وكأن عقله كان مغيب ومشغول لكن هذه المرة يشعر ان الكلام يمسه في الصميم: "عند موت والدي كان موقفك غير مشرف بتاتا .... ادرت لي ظهرك وطلقتني بكل برود بمجرد كلمة نطقتها بلحظة غضب ولم أكن أتوقع ان يأتني الرد مباشرا ليصفعني على فمي ويصغرني امام عمتي وامام نفسي وصغرك أيضا بعيني .... طلاقك لي جرح مشاعري بسكين اعمى واضعفني لأني كنت احبك ومتعلقة بك وكنت منتظرة نوبة غضبي تهدأ وصدمتي بفقد والدي لأعود اليك واتناسى كل شيء لكن للأسف قطعت علي سبيل ذلك بالطلاق ووجهت اول طعنة لحبي لتجرحه لكنك لم تقتله تماما .... بأزمتي المالية تخليت عني واظهرت لي وجه قبيح لا اعرفه منك عندما لجأت اليك لأطلب مالي الذي اودعته عندك وبوقتها تهجمت علي وحاولت الاعتداء علي ومازلت لا افهم لماذا فعلت ذلك؟.... سذاجتي وقلة حيلتي وحاجتني وعوزي والطفل جعلني استجيب لرغبة ديم بالعودة الى بيتك .... بيت الاحزان بيت الظلم والعذاب وتركت ديم واخوها يعبثان بأعصابي ووقفت مكتوف الايدي وتتطلع الي من بعيد دون ان تحرك ساكن فقط كلام فقط وعود بالحماية كنت تصبرني بها فقط ندم كاذب مزيف كنت تظهره لي عندما اكتشفت امر حملي لتستدرجني للزواج مجددا وبدون ضمانات أيضا لغاية انانية بنفسك وليس محبة ابدا .... ولولا فعلتك الوحيدة التي تحسب لك بتسليمي وصولات الأمانة لكنت أيست منك تماما وهربت منك الى ابعد مكان في الأرض لكن تجملت صورتك امامي من جديد وشفع ذلك لك لأتقبل ان اتزوجك من جديد لأني بالحقيقة كنت متعطشة للحماية ومحتاجة الى شخص اشعر انه يحمي ظهري بعد وفاة والدي وظننتك الصدر الذي سألجأ اليه كلما ضاقت بي الدنيا لكن تبين لي انني كنت واهمة وكل ما حلمت به كان سراب واحلام يقظة لا تغني ....
وكللت كل ذلك بأزمتي الصحية الأخيرة عندما خاطرت بحياتي وأيضا من سذاجة قلبي حاولت ان اسامحك لكن .... ابتعادك .... انشغالك اهمالك جعل الفجوة تتسع بيننا وبقوة .... كنت مشغول .... كنت منغمس بأزمة ديم وتنسى امري بالأيام وتتذكر بعد فوات الأوان لتطل علي كأسقاط فرض لا أكثر وتجري مرة أخرى الى حياتك .... لو كنت تربي قطة او كلب او أي دابة لتحملت مسؤولية أكبر مما تحملتها نحوي .... لا اعرف .... لا اعرف لماذا تفعل معي كل ذلك؟ .... كنت .... كنت احبك .... كنت اعذرك .... كنت اسامحك لكن ليس الان .... الان وصل قلبي الى طريق مسدود معك وذلك الزواج كان غلطة كبيرة ارتكبتها بحق نفسي وبحق طفلي الذي اشعر به ينمو مع الحزن ويتغذى من الوجع بداخلي .... لو كانت بيلسان اخبرتني حقيقتك قبل يوم واحد فقط لأنقذتني من تلك الزيجة لكنها تأخرت وفات الأوان .... جاسر.... لو انك رجل بالفعل ولديك ذرة من الكرامة والرجولة ........ طلقني"

رواية الحلم الرمادى لكاتبة هند صابرWhere stories live. Discover now