الفصل الأول

1.2K 44 10
                                    

شمس هذا النهار متخفية لا يستدل على وجودها إلا بتلك الأشعة البرتقالية المنسلة بين سحب الشتاء الذي بدأ يعلن اقترابه و تدل الرياح الباردة على أنه سيكون عاصفًا و طويلًا، كالعادة أجلس على حافة النافذة أضم ساقيي إلى صدري واستند عليهما علهما يمداني بشيء من الدفء، اتطلع نحو السماء و أراقب الطيور المحلقة في عالمها الخاص عالم من الحرية و في بعض الأحيان استرق النظرات تجاه الأسفل لأرى الخدم و الفرسان يتجولون حول القلعة يعملون بكل طاقتهم ليس حبًا لعملهم الشاق و لكن لأنه لا سبيل للعيش إلا بالعمل، و قد ألمح في إحدى المرات أحد الذين اتشارك معهم الدم و لكن بالتأكيد ليس النسب و المكانة، تتجه الشمس نحو الغرب و قبل أن يبتلعها الأفق البعيد يدق باب غرفتي و تنسل إلى داخلها خادمتي الوحيدة لتضع طعام العشاء على الطاولة الوحيدة في غرفتي و تغادر دون أن نتبادل و لو كلمة واحدة بالرغم من أنها الشخص الوحيد الذي أراه عن قرب كافي لتبادل بضع كلمات و لكن كيف لها أن تتحدث معي و قد خسرت لسانها يوم خسرتُ حريتي و كيف لي أن انطق بحرف في حضورها و قد كان تهوري سبب تلك الخسارة، لا يمكنني أن أنسى ذلك اليوم كنت قد تسللت كالعادة للعب مع الفرسان و قد كنت في رفقة أحدهم على صهوة حصانه نتجول في الغابة كنت أشعر بسعادة فائقة و الهواء يصطدم بوجهي مع انطلاقة الحصان و بعد انتهاء الجولة و بينما كان يساعدني للنزول من فوق الحصان رأيت وجه أبي يندفع نحوي يملأه الغيظ و الغضب و ذراعها بين يديه يجرها جرًا بينما تصرخ و تتوسل أن يعفو عنها و لكن صراخها لم يكن ليوقفه و هكذا نزلت يده على وجهي في صفعة أسقطتني أرضًا و عندها انقطعت كل الأصوات لم أعد أسمع سوى صفير، و بينما أحاول استيعاب ما يحدث قام بسحبي أنا الأخرى وراءه حتى تلك الغرفة التي أصبحت حبيستها لمدة خمسة أعوام لم استطع خلالها أن افهم ما الخطأ الذي ارتكبته لكن الذي فهمته جيدًا هو أنني خسرت صديقتي الوحيدة في تلك القلعة عندما دخلت إلى غرفتي في صباح اليوم التالي لإحضار الطعام و أدركت من نظرك عينيها و صمتها و دموعها الجافة أنها حكم عليها بالصمت الأبدي فحكمتُ على نفسي بالصمت في حضورها و لأنه لم يكن هنالك حضور لغيرها فقد كان الصمت، هكذا مضت تلك الأعوام في صمت مطبق حتى اليوم على الأقل، عندما أظلمت السماء تكامًا و أشرقت النجوم اتجهت إلى الفراش لأقتل ليلة أخرى في ذلك الحبس لم أكن أعلم بعد أنها ستكون الأخيرة.

استقيظت على صوت خطوات حذرة فتحت عيني لأجد الظلام يحيطني لا ينير الغرفة سوى ضوء البدر في منتصف السماء أدرت رأسي لأري من يوجد في الغرفة و لكني توقفت حين شعرت بنصل بارد يلامس عنقي و رأيت تلك العينين لم اتخيل من قبل أني قد استيقظ من نومي في إحدى المرات لأجد رجلًا متشحًا بالأسود من رأسه حتى أخمص قدميه جاثمًا فوقي و يثبت خنجرًا فوق عنقي يهدد بإنهاء حياتي مع أقل حركة منّي،
_بما أنك لم تحاولي الصراخ إذا أنتِ تدركين ماذا سيحدث لو فعلتي، صحيح؟
شعرت بأن أذناي بدأتا يستعيدان القادرة على السمع مرة أخرى لقد مضت سنوات منذ أخر مرة سمعت فيها صوتًا بشريًا بهذا الوضوح، كان لديه صوت بارد لكني شعرت بالسعادة و أنا اسمعه، _حاكم القلعة ليس له سوى ابن لم يتزوج حتى الآن و ابنة تقاربكِ العمر لكنها شقراء، و الخدم لا ينامون في غرف فردية في أعلى برج في القلعة، ذلك يترك اما تفسيرًا واحدًا لحقيقة من أنتِ.
أبعد الخنجر عن عنقي مع ابتسامة على وجهه و كأنه وجد كنزًا،
= أنا .. أنا ابنة أحد الخادمات.
_هه و بالطبع لا معنى لسؤالي عن من هو والدكِ....... حسنًا إذًا هل تحبين حياتك هنا؟
= لا
_جيد إذن ما رأيكِ أن أعطيكِ حريتكِ لاختيار الحياة التي تريدين، لكن سيكون عليكِ مساعدتي أولًا.
= مساعدتك ؟
_أجل، لا تقلقي لن أطلب منكِ الكثير فقط بعض المعلومات عن ممرات القلعة و أماكن تجمع الفرسان و الأسلحة.
=......
_ آه لا تخافي أنا لست لصًا أنا أنفذ أوامر ملكية.
= ستحررني حقًا ؟
_ أعدك بذلك.
=موافقة.
_هيا إذًا أرتدي شيئًا مناسبًا أكثر فليس من اللائق تجولك بملابس النوم و لننطلق ليس لدينا الكثير من الوقت.
نهض من فوق الفراش و أعاد خنجره إلى غمده،و نظر إليّ يلحقني على التحرك فنهضت و لكني توقف دون أن أفعل أي شيء فنظر لي بتعجب،
_ما الأمر ؟ هيا !!
= لا يمكنني ارتداء ملابسي في وجودك؟
_هذه هي المشكلة ؟ حسنًا سأنظر بعيدًا لو أردتُ فعل شيء لكنت فعلته بالفعل.
هكذا استدار بالفعل فارتديتُ ملابسي على عجل و عندما انتهيت غادرنا الغرفة و للأبد ، أمسك بيدي و سحبني خلفه و عندما وصلنا لنهاية الممر يأتني عن الطريق و هكذا أخبرته بتفاصيل القلعة و ممراتها كما أراد أثار دهشتي كيف لازلت اتذكر كل تلك الأشياء رغم عدم تجولي في القلعة منذ سنوات، عند الممر الذي يؤدي لغرفة الحاكم أفلت يدي و أخبرني أن انتظر هنا، اتجه نحو اقرب نافذة و أصدر صفيرًا كصوت الطير فلم تمضي دقائق حتى ظهر عدد من الرجال مرتدين للأسود مثله عبروا من أمامي دون النظر إليّ و اتبعوا إشارته و انقسموا إلى مجموعات كل منهم له هدف و وجهة مختلفة بينما اتجه هو و من تبقى معه نحو غرفة الحاكم و قد استلوا سيوفهم، أدركت ما سيحدث منذ البداية فنظرت نحو قدمي لكي اتجاهل ما قد يشعر به ضميري، تعجبت كيف لم أدرك حتى الآن أن قدماي عاريتان و كيف لم أشعر ببرودة الأرض تنساب إليهما؟! مضت ساعة طويلة و أنا انظر نحو قدمي غير مهتمة بأصوات السيوف و الصراخ الذي تعالى في القلعة لم أعبأ بتلك اليد التي عادت لتمسك بيدي و قادتني حتى الساحة حيث تم اقتياد جميع من كانوا في القلعة، رأيت هناك وجوه الجميع أبي زوجته أخوي الخدم و الفرسان، ترك يدي و ابتعد ليصدر الأوامر و التعليمات لم استمع لما قاله و لم يكن ليشكل أي فارق بالنسبة لي أدركت أنه يعمل لحساب الملك و أنه جاء لإلقاء القبض على الحاكم و عائلته، بعد أن انهى عمله عاد إلىّ و وقف أمامي،
_أنتِ لستِ أحد المطلوبين لذلك لكي حرية الذهاب إلى حيث تشائين لكني افترض أنه ليس لكي أي مكان تذهبين إليه لذلك ما رأيك بالمجيء معي ؟
=إلى أين ؟
_العاصمة ، سأجد لكي مكان مناسب، عمل و مسكّن و كل ما تحتاجين إليه.
=لماذا ؟
_ لا أعلم، تبدين مفيدة و قد وعدتك بالفعل أني سأعطيك حريتك.
أحضر له أحد رجاله حصانه فأمسك بعنانه و مد يده الأخرى لي،
_ستأتين؟
مددت يدي فأمسك بها و ساعدني للصعود على متن الحصان، ثم صعد فوقه و أمسك بالعنان جيدًا ثم التفت لي،
_تشبثي جيدًا لدينا رحلة طويلة و أنا أحب الانطلاق بسرعة.
هكذا مندا ذراعي حوله لاتمسك به، فاندفع بحصانه أدركت أننا سننطلق وحدنا دون بقية الفرسان،
= ألن يأتي معنا أي من الآخرين؟
_لا ، لازال عليهم إكمال العمل و اقتياد الحاكم و عائلته نحو سجنهم قبل أن يقابلوا الملك ليصدر حكمه.
= من تكون ؟
_ههههههه هذا سؤال متأخر جدًا و له إجابات كثيرة و لكن أعتقد أن أدقها هو أني ابن أحد الخادمات أيضًا مثلك تمامًا و لو أني لم يتم حبس في أحد الأبراج.
=كيف عرفت أني كنت محبوسة هناك؟
_لقد كان ذلك واضحًا في رغبتكِ الشديدة في الحرية.
=.......
_إذن ما هو اسمكِ؟
=سؤال متأخر جدًا.
_ أوه لديكي حس فكاهي جيد.
= نجمة.
_نجمة !! اسم جميل ، هل لي أن أسأل عن السر وراءه؟
= لقد ولدتُ أثناء الليل و لم يكن هنالك قمر في السماء ليلتها و كانت النجوم تلمع بقوة و هكذا سُميتُ نجمة.
رفع رأسه نحو الأعلى فاتبعت فعله و نظرت نحو النجوم،
_النجوم جميلة الليلة، و لكن يبدو أن الفجر قد اقترب.
(نهاية الفصل الأول )

نجمة الصباح ✨Where stories live. Discover now