الفصل الثالث عشر

130 16 0
                                    

عدت إلى النزل متعبة من أحداث اليوم، لقد تورطت في عمل إضافي وليس لي حق الرفض، هذا مزعج جدًا، يا لهذا الثيودور وعجرفته!
-مرحبًا بعودتك.
استقبلتني السيدة نورا بابتسامتها الدافئة، اختفى الضيق الذي كنت اشعر به قبل لحظات، ذهبت إليها لاعانقها، أكثر ما أنا ممتنة لإيان عليه هو أنه كان سبب تعرفي علي المرأة التي جعلتني أشعر بحنان الأم الذي لم امتلك حتى حق الحلم به من قبل، ها أنا أذوق بعضًا منه بين ذراعي هذه المرأة التي لا تربطني بها قطرة دم واحدة، لكن هذا لا يحدد أي شيء،
-يبدو أن يومكِ كان طويلًا؟
=أجل.
تنهدتُ لأخرج ما بداخلي من ثقل يكاد يخنق رئتي،
-لقد كدت انسى، لقد جاء الأستاذ سفيان اليوم عند الظهيرة، وسأل عن حالك.
=وماذا أخبرته؟
-وماذا أخبره؟ حالكِ سيء يا صغيرتي، حتى وإن كنتِ لا تظهرين مشاعركِ، ألمك يرتسم على وجهك حينما تفكرين في البعيد.
كانت تنظر إلى وجهي بعينين يفيض منهما الحنان، نظراتها أيقظت مشاعري أردت أن أخبرها بكل ما أشعر به، كيف أعاني من حيرة قلبي يميل لعدة اتجاهات متعاكسة وجميعها تؤدي لخراب، وعقلي بين هذا وذاك عاجز، يشاهدني انهار وأتألم ولا يتدخل،
-يريد أن يراكِ، طلب أن أخبركِ أن تمرّي على المكتبة لبعض الوقت متى استطعتِ.
=حسنًا سأذهب إليه غدًا بعد أن أنهي عملي.
**********************

ذهبت إلى القصر في الصباح كما أفعل ‏كل يوم وأديت عملي ‏في المكتبة ‏وعند الظهيرة جاء أحد الحرس بطلب رسمي لكي أعمل في البرج كمترجمة حيث ينقسم العمل ما بين المكتبة والبرج، هكذا ودّعت ريان ووجهتي البرج، قابلت الأمير زين في الطريق،
=تحياتي لصاحب السمو الأمير السادس.
انحنيت باحترام عندما رأيته،
-إلى أين تذهبين؟ لازال الوقت مبكرًا.
قال بنبرة متعجبة،
=إلى البرج.
أجبت في هدوء،
-البرج! لم؟
كانت الدهشة واضحة على وجهه، رد فعل طبيعي،
=بدأً من اليوم سأعمل هناك، في الصباح سأكون في المكتبة وما بعد الظهيرة في البرج، لا أدري كيف ستسير الأمور تحديدًا.
-وما علاقتكِ بالعمل في البرج؟
رفع حاجبه مندهشًا،
=السيد ثيودور يرى أنني مناسبة للعمل كمترجمة خاصة للبرج.
قطب حاجبيه، يبدو أن علاقته مع ثيودور ليست جيدة،
-إن كان هذا قرار ثيودور سيكون من الصعب تغييره ولكن يمكنني التدخل و——
قاطعته قبل أن يكمل عرضه، رغم أنني أريد بشدة الموافقة عليه،
= لا لا داعي لتدخل سموك، هو يريدني أن اترجم كتاب فقط لن يكون عملًا دائمًا على كل حال، لا بأس ببعض العمل الجديد.
لانت ملامحه بعض الشيء، وابتسم برقة،
-إن كان ذلك ما تريدينه.
=شكرًا.
ابتسمت له بلطف كي يطمئن أن كل شيء على ما يرام،
-سأترككِ الآن تتجهي إلى عملك، إلى اللقاء.
ودعني بهدوء،
=إلى اللقاء.
كانت تلك الكلمات اللطيفة من زين وابتسامته كافيين لتحسين مزاجي السيء،

وصلت إلى البرج وأخيرًا، مبنى عالي وعتيق، يختلف عن جميع مباني القصر الملكي وكأنه عالم منفصل قائم بذاته، بدخولي له تأكد شعوري، جميع من يعملون هناك مختلفون عن الأشخاص العاديين، يرتدون ملابس مريحة في زي شبه موحد، يتحركون في خطوات ثابتة دون الالتفات لمن حولهم عقولهم منعزلة عن العالم الخارجي حتى عندما يتخطون أعتاب البرج نحو الخارج، لا يتغير شيء، يفكرون دومًا في كل شيء وفي أي شيء، آلات تعمل بانتظام جميعهم منسجمون سويًا وكأنهم تروس آلة عملاقة هي البرج،
-مرحبًا، لابد أنكِ الآنسة نجمة.
قطع حبل أفكاري صوت شاب يبدو أصغر منّي سنًا، يرتدي نظارات ويمتلك نظرة خجولة، وابتسامة طفولية،
=أجل هذه أنا، يمكنك مناداتي نجمة فقط، لا أحب استخدام الألقاب.
أجبته بلطف،
-كما تشائين، أنا أنس مساعد الأستاذ ثيودور تفضلي من هنا إنه ينتظرك.
اتبعته صعودًا إلى القمة، بالرغم من أن ثيودور يبدو كشخص منظم ومتعجرف من بعيد إلا أن رؤيته جالسًا على الأرض بين العديد من الكتب جعلته يبدو كشخص آخر تمامًا، بيده قلم يدون به ملاحظاته على ورقة يسندها إلى ساقه، كامل تركيزه منصب على كتبه، يتنقل بين صفحاتها جميعًا بحثًا عن كنز مفقود ليسرع ويدونه في ورقته الفوضوية، مكتبه بأكمله ملئ بالكتب في كل أركانه كتب فوق كتب وكأنه أحال مكتبه إلى حصن منيع يرتقي به ويبعده عنه الآخرين، أخذ من البشر خير ما قدموه، علمهم، وترك شرورهم بتركهم، ذلك العالم المتباهي تحول إلى طالب أمام الكتب، العلم وحده كفيل بتحويل عملاق إلى قزم عندما يرى مقدار جهله الذي لا يقل مهما تعلم وتعلم،
سعل أنس محاولًا لفت انتباهه لحضورنا،
-أستاذ ثيودور، لقد حضرت المترجمة.
عندما قطع أنس خلوته مع كتبه، كان كالطفل الشارد لا يعلم أين هو عندما رآني بدا أنه استوعب أخيرًا ما يحدث حوله،
-لقد جئتِ بالفعل، يمكنك الانصراف أنس.
بدا مشدوهًا من حضوري،
=لقد تم إرسال أمر رسمي لتحويل عملي إلى هنا، هل يمكنني الرفض؟
-صحيح، صحيح.
نبرته تدل على أنه لازال حائر العقل، نهض من موضعه، وضع أوراقه بحذر فوق المكتب، الله وحده يعلم كيف سيجدهم مجددًا وسط تلك الأكوام من الورق المبعثر، أعاد ترتيب ملابسه ليستعيد وقاره وهيئته التي يظهرها للآخرين، بحث بين الكتب الموجودة في أحد الأركان وسحب كتاب ما، ثم اتجه إلى مجموعة أخرى من الكتب موضوعة على أحد الأرفف بعناية شديدة، فسحب أحد الكتب بمنتهى الرفق، قدم لي الكتابين، أشار للكتاب الثاني أولًا،
-هذا هو الكتاب الذي عليك البدء بترجمته، أما هذا هنا فهو كتاب عن اللغات القديمة ليساعدكِ.
=هل سأترجم الكتاب بينما اتعلم اللغة؟
اندهشت من اقتراحه،
-أجل هكذا سنختصر الوقت، يمكنك الجلوس على هذه الأريكة، يوجد أوراق وحبر ستكتبين نسخة مترجمة من الكتاب، كوني حذرة في التعامل معه إنه كتاب قديم جدًا.
أجاب بثبات وكأن كل هذا العمل أمر عادي،
أدركت وجود أريكة يتكوم فوقها أوراق فارغة ترافقها محبرة، مكان مُعد لاستضافتي،
=أشكرك.

نجمة الصباح ✨Where stories live. Discover now