اقتباسات

3.8K 96 48
                                    

تُشير عقارب الساعة للثانية صباحًا بتوقيت القاهرة؛ ذلك التوقت الذي يجمع بين أُناسٍ يقيمون الليل تعبُّدًا لخالقهم، وآخرين يغطون في سبات عميق غير مدركين شيئًا عن الحياة من حولهم؛ فهم في موتهم المؤقت، وآخرين يبكون إشتياقًا، وربما ألمًا، أو حرمانًا .
تتعدد الأسباب ولكن النتيجة واحدة " البكاء "، ومنهم من يقف مودعًا، وآخر مُستقبلًا، منهم من يفكر بعمق، ومنهم من يفكر بألم ...

بينما هنا في منزل يتسم بالبساطة والأناقة في ذات الوقت، رغم ثراء أهل بيته، الا أنه متواضع بهم، ذاك الشئ الذي يُثير حفيظة ذاك الجالس فوق سور البلكون الخاص بغرفة الجلوس، بصدر نصف عاري؛ نتيجة فتحه لأول أزرار قميصه الأسود الذي يشبه خصلاته المرفوعة الغرة دائمًا، والمصففة بعناية للخلف، يستند بظهره الي الحائط، رافعًا إحدي قدميه الي البلكون، والأخرى تتدلي منها الي الدخل، يستند برأسه -الصلبة العنيدة- الي الحائط مغمض الجفنين، يُخفي بهما بنيتيه، ويمسك بين اصبعي يده اليسري إحدي السجائر المشتعلة، والتي كانت ولا تزال سببًا أساسيًا في شجاراته الدائمة مع والده ووالدته دون أن يستثني العائلة الكريمة .

اخرج زفيرًا قويًا معبء بدخان سيجارته اللعينة قبل أن يُلقي بها إلى الطريق .. رفع كوب الشاي الذي برد بفعل الهواء، وبسبب تركه إياه منذ فترة طويلة .
ارتشف منه رشفتين قبل أن يلقى بالكوب بما يحويه الي الطريق غير عابئ لكون أحدهم قد يُجرح بسبب الزجاج الذي تهشم فوق الرصيف، خاصة أن ساكني المنازل من حولهم بها أطفال يعبرون هذا الطريق من أجل الذهاب إلى الجهة الأخرى التي يصطف بها محلات السوبر ماركت وغيرها .

أخرجه من شروده بالطريق صوت يعلم صاحبته جيدًا، كما يعلم أن هذا الصوت سيحتد قريبًا حتى تنشب بينهما مشكلة جديدة، فيترك لها المكان مغادرًا؛ إما إلي النادي او إلي غرفته .

" سيادتك هتفضل ترميلي في كوبايات المطبخ لحد امته ؟ "

كان هذا صوت سبأ، والدة عمار الماثل أمامها في البلكون الآن .

خرج صوته المبحوح أثر حشرجة صدره بسبب الدخان الذي يدلف الي رئتيه بغزارة دون رحمة :
" هبقي اشتري كوبايات بلاستيك أشرب فيها بعد كده، عشان أحافظ على كوبايات المطبخ ."

سبأ وتكاد تجذب خصلاتها من منابتها  :
" انت بتستفزني يا عمار ؟ "

عمار دون أن ينظر لها :
" واستفزك ليه يا ماما ؟ قلت حاجه غلط ؟! "

سبأ بتنهيدة :
" عمار، لما ابقى بكلمك تبصلي . "

استدار برأسه إليها يناظرها بانزعاج منتظرًا حديثها، لكن الصمت طال ليهتف بضيق :
" اي ؟ الكلام خلص بدون خناق ولا ايه ؟  ".

جذبت سبأ أحد المقاعد وجلست إليه تحاول أن تهدئ من انفعالاتها، فقط لو تستطيع فهم ما يدور بداخله، لو بإمكانها وضع يدها فوق جرحه لتداويه، لو بإمكانها أن تسكن روحه كي تعطيه من بهجتها ما يكفيه ليصبح طبيعيًا في التعامل مع من حوله، لو يعود بها الزمن فتعيد تربيته وتعطيه أكبر قدر من الإهتمام والرعاية وتنفض فكرة الإنجاب من بعده حتى يبلغ الصبية، جميعها أمنيات تتمنى لو تتحقق، لكنها تبقي امنيات .

وللأقدار أسباب  " ماذا لو ... " Where stories live. Discover now