33

1.8K 172 99
                                    


لن تعلم أبدًا أنه بات ليلته ساهرًا بجوارها حتى انتظمت أنفاسها .. دقت الساعة معلنة الثامنة صباحًا فغادر الغرفة وتصنع الخشونة وهو يهتف بصوت جهور ليدعوهما للنهوض .. فتحت عينيها بصعوبة .. أمسكت برأسها وضغطته بين كفيها لتخرس الطنين المزعج الذي يداهمها بلا توقف منذ أمس ..

عاد صوته يناديها فاستجمعت قواها قائلة :

- أيوه أنا صحيت .. هاصحي شادي وجايين حالًا

تنحنح ودلف إلى الغرفة في تردد وكأنه لم يمض بها الليل كله .. نفضت الغطاء عنها ونهضت مُسرعة بينما اقترب من شادي وظل يداعبه حتى استيقظ هو أيضًا ..

قال متصنعًا المرح :

- حضري لنا فطار بسرعة علشان ألحق المكتب

هزت رأسها وذهبت للمطبخ .. بالكاد أشعلت الموقد وهمت بإعداد الفطور فوجدته بجوارها يحمل صينية العشاء الذي لم يمسه أمس .. حملتها عنه وقالت في توتر :

- خمس دقايق بس .. يا ريتك صحيتني بدري شوية

تفحصها قائلًا :

- حسيت انك تعبانة ومحبتش ازعجك .. أنتي كويسة دلوقت ؟

- الحمد لله

وضعت الفطور فوق السفرة وجلست بجواره قبل أن يطلب منها .. راقبها خلسة وهي تتناول طعامها .. كانت جائعة بالفعل فلم تجد حاجة لتصنع الشراهة.. الطفل وحده هو ما كسر حدة الملل والتوتر وجمعهما في ابتسامة .. حتى ولو كانت مفتعلة منه وباهتة منها اطمئن عليها فنهض قائلًا :

- يا دوب ألحق المكتب .. شكرًا على الفطار

همت بالنهوض هي أيضًا فأشار لها بالجلوس قائلًا :

- أنا عارف طريق الباب

 أخرج بعض النقود ووضعها فوق السفرة قائلًا :

- لو حبيتي تخرجي وتغيري جو مفيش مانع .. بس اتصلي بيا وعرفيني قبلها .. علشان ماقلقش عليكم

بقيت ساكنة كالصنم.. لم تفكر حتى في شكره على حسنته.. رغم كونه قدمها بطريقة أفضل هذه المرة .. آخر ما كانت تريده منه هي شفقته.

*****

بدا كالسكارى وهو يدخل إلى الفيلا بخطوات متعثرة .. توجه إلى غرفته مكتفيًا بهز رأسه استجابة لتحية جمعة التي استقبله بها .. هتف جمعة وهو يتفحصه في تمعن :

- أحضر لك الفطار يا ابني ؟

أشار بيده نفيًا وتابع طريقه تتبعه نظرات الخادم العجوز القلقة ..

خلع ملابسه وألقى بها حوله في إهمال .. استلقى في فراشه شاردًا .. اختفت رنة السعادة من صوتها .. خبا بريق عينيها بعد أن كان شمسًا تضيء أعماقه كلما نظر إليها .. تحولت إلى كتلة من العذاب أكبر من أن يداويه أو يحتمله .. أتراها حقًا قد تكره الحياة بسبب بعده عنها كما كرهها سعيد بسبب بعدها عنه ؟

بيلاَّ  ( قريبًا)Where stories live. Discover now