7

1.3K 113 15
                                    


دخلت فردوس شقتها تحمل أكياس الفاكهة والخضار .. تساعدها " فراولة " أبنة سعد الفكهانى .. كانت سبيل قد انتهت من تنظيف المنزل وتجهيز الطعام وصعدت إلى غرفتها كعادتها قبل أن تصل فردوس وأبناءها لتناول الغداء .. ملأت كيس كبير من شتى الأصناف التى أحضرتها وأعطته للفتاة قائلة :

- خدى يا فراولة .. طلعى دا لـ سبيل فى أوضتها عـ السطوح

- يوه يا خالتى .. لسه هاطلع لحد الخامس

- وماله يا مقصوفة الرقبة .. أنتى لحقتى تتعبى من دلوقت .. اسمعى الكلام يا بت بدل ما أقول لـ سعد واخليه يكسر دماغك

حملت الفتاة كيس الفاكهة وصعدت السلم على مضض وهى تتمتم فى تذمر ..

استيقظت سبيل من غفوتها على صوت فراولة وطرقاتها العنيفة فوق بابها .. فتحت لها وسألتها فى قلق :

- فراولة .. حصل ايه .. الست فردوس عايزة حاجة ؟

ألقت الفتاة الكيس بين يديها فى غيظ قائلة :

- الست فردوس باعته لك ده

همت سبيل باستجوابها مجدداً ولكن الفتاة أسرعت عائدة من حيث أتت .. فتحت الكيس وتطلعت إلى محتوياته فى دهشة ثم تنهدت قائلة :

- كله دا علشانى .. فيكى الخير يا ست فردوس

*****

انتفض حسن عندما رن هاتف سعيد فجأة .. أسرع يلتقطه ليستعلم عن محدثه .. أتراها فتحت هاتفها أخيراً ..؟!

شعر بخيبة أمل عندما وجده أحد أصدقاء شقيقه يسأل عنه كما حدث الأسبوع الماضى مع صديق آخر .. شعر بالصدمة هو أيضاً عندما علم بوفاته غير المتوقعة .. لم يخبر أحداً بأمر انتحاره وأكتفى بالقول أن شقيقه تعرض لأزمة قلبية حادة أدت لوفاته

أنهى حديثه معه وتنهد بعمق قبل أن يطلب رقمها .. أعتاد أن يفعل ذلك عشرات المرات يومياً أملاً فى أن تصادف إحداها وتستجيب للهاتف .. سرعان ما ألقاه فى إحباط قبل أن يستمع للرسالة كاملة .. هذا الرقم غير متاح حالياً ....

أخبروه فى شركة الاتصالات بأن هذا الرقم لا يزال ملكاً لها وبأنه ليس هناك أى أرقام أخرى باسمها .. كل شركات الاتصالات التى بحث فيها أكدت له بأنها لا تمتلك رقماً للهاتف عدا هذا الرقم .. ولكن لا شك فى كونها اشترت خطاً آخر باسم مستعار .. أيعقل كونها لم تستخدم الهاتف مطلقاً كل هذه المدة الطويلة ؟

ضغط رأسه بين كفيه بقوة .. كاد الصداع أن يفتك به وكأنه لم يستيقظ من النوم للتو .. غادر الغرفة صائحاً فى طريقه إلى حجرة المعيشة :

- القهوة يا عم جمعة

  - صباح الخير يا حسن يا ابنى

- صباح النور .. عايز فنجان قهوة كبير

- طب مش لما تفطر الأول ؟

- ماليش نفس دلوقت .. هات لى بس أنت القهوة .. ويا ريت تشوف لى أى مسكن للصداع .. دماغى هتنفجر

- أرحم نفسك يا ابنى .. سلمها لله وادعى له بالرحمة

- مش هاستريح ولا يهدى لى بال غير لما ألاقيها واخد له بتاره منها

- منها لله .. سيبها للزمن وهو كفيل بيها

- مش قادر .. هاتجنن يا عم جمعة .. سعيد مكنش يستاهل اللى حصله دا أبداً .. وكل دا عشان .....

قطع حسن عبارته استنكاراً فرفع جمعة يديه للسماء قائلاً :

- منك لله يا سبيل .. مين كان يصدق ان كل دا يطلع منك .. بقى سى سعيد يستاهل منك كده ..؟!

التفت إليه حسن فى حدة قائلاً :

- أنت تعرفها ؟

تلعثم جمعة فى ارتباك فأردف حسن فى عصبية :

- أنطق يا عم جمعة .. شفتها فين ؟

- ماهى .. ماهى ....

- ماهى أيه ..؟ أتكلم

- ماهى كانت بتشتغل هنا

هز حسن رأسه فى حيرة بينما تابع جمعة فى غضب :

- بت قليلة الأصل .. بعد كل العز اللى كانت عايشه فيه .. وبعد كرم سى سعيد معاها .. تقوم تشاغله .. وكمان تسرق البيت وتطفش ..؟!اتسعت عينا حسن فى ذهول وهو يتمتم :

- أنت بتقول ايه ؟

- طب دا كل اللى فى البيت كانوا بيحبوها .. حتى سى كامل بذات نفسه .. كنا بنعطف عليها وحاطينها فى عينينا .. خصوصا لما قالت لنا انها بتساعد ابوها فى مصاريف اخواتها البنات وتعليمهم ..

هز جمعة رأسه فى حسرة وضرب كفاً بأخرى مردفاً :

- هى اتعلمت يعنى أيه خدمة فى بيوت الأكابر إلا على إيدينا ..!

دفن حسن رأسه بين كفيه عاجزًا عن النطق .. ما يكتشفه عن هذه الفتاة يومًا بعد آخر أكثر من أن يستوعبه .. خادمة .. ؟!!

شقيقه الشاب الثري الوسيم .. الذي تعلم في أرقى المدارس والجامعات .. يعشق خادمة ..؟ والخادمة تهجره ..؟  فينتحر من أجلها؟!

إنه يحلم بالتأكيد .. كابوس رهيب استقطب حواسه كاملة ولا يريد أن يحررها .. لعلها تلك الرحلة الأخيرة في عرض البحر هي ما سببت له كل هذه الهواجس .. دوار البحر .. ضربة شمس عاتية .. دوامة ابتلعت سفينته وجذبته لبقعة سوداء لا نهاية لها.

جحيم .. هو الآن في الجحيم .. لا تفسير آخر .. جحيم لم يعد يرى فيه سوى تلك الشيطانة التي بات يصطلي بلهيبها طوال الوقت .. كتنين رهيب تبثه نارها أينما ذهب .. تطل عليه من كل الوجوه لتخرج له لسانها وتضحك شماتة .. قتلت أخيه وسوف تصيبه هو بالجنون .. حتى عمه الذي لطالما ظنه عاتيًا مستبدًا لم يسلم من لدغتها.

تنهد متشنجاً وسأل جمعة :

- مين كان أقرب صديق للمرحوم سعيد ؟

- سى بدر .. دا أكتر واحد كان ملازمه فى الرايحة والجاية .. وساعات كان يبات معاه هنا ويقعدوا يتودودا مع بعض لحد الصبح

- بدر مختار ؟

- أيوه .. هو بعينه

- طب روح هات لى القهوة

*****

بيلاَّ  ( قريبًا)Where stories live. Discover now