10

1.2K 111 18
                                    


استيقظت بعيون أهلكها السهد وعظام فككها سريرها غير الممهد .. نهضت بصعوبة لتبدأ يوماً تتمنى له نهاية أفضل .. خمسة أيام مضت على عرض فردوس دون أن تجرؤ وتخبرها برفضها علانية .. من المفترض أن الأخيرة قد فهمت رفضها دون الحاجة للتفوه به .. أليس فى تهربها الدائم منها ما يكفى لتفهم ؟

لماذا عادت تسألها أمس عن رأيها فى الصفقة .. ولماذا تهربت هى من الرد ؟

 يبدو أن الصمت لا جدوى منه .. عليها أن تعلن رفضها صراحة وليكن ما يكون .. سوف تنتظرها حتى تعود من عملها اليوم وتخبرها بأنها لن تبيع طفلها .. بل وستطلب منها عدم الحديث فى هذا الأمر مجدداً .. حتى ولو طردتها من منزلها ومن هذه الغرفة الحقيرة التى أحسنت بها إليها

بدلت ملابسها وغادرت غرفتها إلى شقة فردوس .. استخدمت المفتاح الذى أعطته لها ودخلت بهدوء وأغلقت الباب .. عجباً .. لماذا لم تفتح فردوس النافذة كعادتها لتدخل الشمس وتطهر المكان ..؟

همت بفتح النافذة عندما سمعت أصوات داخل غرفة النوم .. تطلعت إلى ساعة الحائط فوجدتها لا زالت السابعة .. يبدو أنها قد بكرت عن المعتاد فى المجئ .. لم تكن تمتلك ساعة بل تعتمد على حدسها وتقديرها للوقت .. اليوم مشمس وقد خدعتها الأشعة التى ملأت الأفق ..

همت بالمغادرة ولكنها توقفت عندما بلغ اسمها مسامعها فأدركت أن فردوس وأبناؤها يتحدثون عنها

- سبيل باين عليها مش موافقة .. هتضيع علينا السبوبة

- وانتى عايزة رأيها في أيه يا امه ؟

- يوه يا محروس .. مش العيل دا ابنها

- مش ابنها دا اللى كانت عايزة تموته مية مرة ..؟  خلاص .. تعتبره مات

- محروس معاه حق يا امه .. ان شالله معنها وافقت

- حتى أنت كمان يا سيد .. أنتوا قصدكم ايه بالظبط ؟

- قصدنا تاخدى الواد أول ما ينزل وتديه للهانم .. وحلال عليكى الفلوس كلها .. بدل المية ألف يبقوا ميتين

- طب وسبيل ؟

- تخبط دماغها فى أتخن حيطة .. هى اللى جابته لنفسها

وضعت سبيل كفيها فوق فمها لتمنع شهقة الرعب التى كادت تفر منه وتحركت مأخوذة لتغادر الشقة .. أسرعت الخطى وهى تتخيل أن وحوشاً تطاردها حتى بلغت السطح فوقفت تلتقط أنفاسها فى عدم تصديق .. إلى ذلك الحد بلغت خيانتهم لها .. حتى فردوس التى ظنتها ترأف بحالتها فتفانت فى خدمتها بلا مقابل .. تآمرت مع أبنائها ضد بائسة مثلها .. وضد طفل أكثر بؤساً منها

انتفضت عندما داهمها صوت بسبوسة فجأة :

- سبيل .. ايه اللى موقفك كده ؟!

ابتلعت ريقها بصعوبة وغمغت بصوت مختنق :

- كنت هانزل عشان أنضف شقة ست فردوس .. بس مش عارفة الساعة كام دلوقت ؟

- يا اختى لسه بدرى .. تلاقيهم لسه نايمين .. روحى نامى لك انتى كمان شوية .. شكلك تعبانة وهتقعى من طولك

هزت رأسها موافقة .. توجهت لغرفتها وتركتها تبدأ وصلتها اليومية بحديثها فى الهاتف .. واتتها فجأة فكرة مجنونة قاومتها طويلاً فاستدارت عائدة إلى بسبوسة

*****

دفن حسن رأسه بين الوسائد محاولاً الحصول على غفوة ولو قصيرة لعل عقله يهدأ ويكف عن مصارعته واتهامه بالعجز والفشل .. طرق كل السبل للوصول إليها بلا جدوى .. سبيلها لا يزال مغلقاً .. كلما عرف عنها أكثر كلما ازداد عذابه وحيرته أين اختفت هذه اللعينة .. ؟

الوحيد الذى تبقى ليسأله عنها هو عمه .. هل سرقت خزانته بالفعل ؟

 كان على يقين مسبق بأنها لم تسرقها وأنها حيلة دبرها عمه ليتخلص منها .. ولكن هناك شيء ما يخفيه .. كلما نظر إليه أدرك أن جبالاً من هموم تقبع فوق كاهله ويريد أن يطرحها عنه ولكنه أكثر عجزاً منه .. بالكاد أصبح يدرك وجودهم حوله

رن هاتفه فزفر متذمراً وهو يسب ذلك المزعج الذى يتصل به فى هذا الوقت المبكر .. ربما كان أحد أصدقائه فى النادى ممن يلحون عليه للعودة كسابق عهده معهم .. تجاهله ساخطاً حتى توقف عن الرنين .. ولكنه عاد يلح مجدداً ..

تنبه هذه المرة إلى أن هاتف سعيد هو الذى يرن وليس هاتفه فتناوله فى فضول .. ربما يكون أحد أصدقاء شقيقه الراحل قد توصل لمعلومات جديدة تفيده فى الوصول إليها .. ألم يسخرهم جميعاً فى البحث عنها ؟

همس وهو يتثاءب :

- ألو ...

- أنا سبيل .. لو عايز ابنك قبل ما ابيعه تعالى حالاً

اتسعت عيناه ذعراً ونهض جالساً .. همس بصوت مختنق :

- هاتى العنوان

أعطته العنوان بصوت بارد وأغلقت الخط .. أمسك بمفاتيح السيارة وغادر غرفته بملابس النوم قبل أن يتنبه للأمر ويعود ليبدلها .. قاد السيارة بسرعة تسبقها نبضاته التى كادت أن تتوقف هلعاً ..

هربت هذه الحية تحمل طفلاً من عائلته .. والآن تنوى بيعه بدم بارد .. أى لعنة وأى نوع من السحر الأسود ذاك الذى أصاب شقيقه ليعشق مجنونة سادية مثلها .. أتراه كان يعلم بأمر هذا الطفل قبل وفاته .. ؟

ربما لهذا انتحر .. عشقاً للطفل وليس عشقاً لها .. لكنه لم يذكر عنه شيئاً فى كل رسائله التى أرسلها إليها .. ألهذا كان يرجوها أن تعود .. من أجل ابنه ؟

وماذا عن عمه .. أتراه كان يعلم عن الطفل هو أيضاً ؟

 ولكن .. مستحيل .. لو كان يعلم عمه بهذا الأمر ما كان طردها من المنزل أبداً بهذا الطفل .. ولكن من قال بأنه طردها .. ؟ ربما هى من غادرته بإرادتها .. ربما تكون قد سرقت الخزانة بالفعل وهربت .. والآن بعد أن نفدت النقود بدأت تبحث عن بديل .. ولم تجد سوى بيع طفلها .. !

هذه الحقيرة .. سوف يقتلها ما إن تقع عيناه عليها

بيلاَّ  ( قريبًا)Where stories live. Discover now