القسم 29

152 9 2
                                    

بعد قليل خرج بعض الجنود يحملون جثته وجروه على الأرض جراً كأنه قطعة من جماد وليس بشراً من لحم ودم، ودمه النازف بدأ يسيل في الشارع إلى أن أحضروا كيساً بلاستيكياً ليضعوه فيه، وخرج أهله يصرخون ويبكون والجنود يمنعونهم من الاقتراب. نعم لقد قتلوه أثناء محاولته الهرب من البيت. لا أعرف عدد الرصاصات التي اخترقت جسده، ولكنهم قاموا بتشويه ملامحه. لم أستطع تقبل فكرة بأنه أصبح جثة. لقد رأيته كما رأيت والدي يوم أحضروه شهيداً إلى البيت. ما زلت لا أستوعب ذلك. كان هناك حالة من الارتباك والجنود يوجهون البنادق نحو البيوت لا يريدون لأحد أن يرى ما يحدث وتبين الأمر بأن هناك قتيلاً من بينهم واثنان مصابان، فأمسكت هاتفي وبدأت بتصوير ما يحدث. نعم لقد قاومهم حتى الرمق الأخير. قاومهم حتى ارتقت روحه إلى السماء.

حاول كيم شين منعي وأراد أن يبعدني عن النافذة، فرفضت ويبدو أن أحد الجنود شعر بصوت ما، فأشار للبقية وتقدم بعضهم باتجاه أرضنا نحو الغرفة، فابتعدت عن النافذة وأشرت له أن ننزل بهدوء إلى النفق وفعلنا ذلك بحذر شديد قبل أن يصلوا. هناك جعلني كيم شين أتراجع للخلف وبقي هو بقرب باب النفق في حالة إيجادهم للباب. عارضته وطلبت منه الرجوع للخلف، فرفض وكان هناك عصا، فأمسك بها وبقيت عينيه تحدق في الباب. سمعنا صوت خطاهم وقد كسروا باب الغرفة ودخلوا يبعثرون ما فيها، ثم خرجوا عندما لم يجدوا شيئاً عندها تنفس كيم شين الصعداء. بينما كنت جالسة أبكي بصمت على ما حل بعلي. بعد دقائق سمعنا أصوات مركباتهم وهم ينسحبون، فنظر لي كيم شين وقال بصوت منخفض: يبدو بأنهم قد ذهبوا.

وعندما رآني أبكي اقترب قائلاً: أعلم أن الأمر مؤلم جداً وحتى أنا ما زلت لا أستوعبه، ولكن كوني قوية كما عهدتك ولا تبكي.

فنظرت له وقلت والدموع على وجنتي: لم يرى ابنه سوى مرة واحدة، فقط مرة واحدة، أردت مساعدته ليراه مجدداً ولم أستطع. لم أحفظ وعدي لزوجته. قلت لها بأنني سأساعده، ولكنني فشلت.

فقال والدموع في عينيه: أنت لم تفشلي. لقد ساعدته بقدر ما تستطيعين وخاطرت بحياتك، كما أنك ساعدته ليرى ابنه فربما بدونك لما تمكن من رؤيته على الإطلاق. كان من الممكن أن يقتلونك اليوم. ألم تقولي بأنك تؤمنين بأن لكل شخص أجل وأنه عندما ينتهي ويحين موعد موته لن يوقفه شيء، فأين ذهب إيمانك بهذا الكلام؟

صمت قليلاً ثم نظرت له وقلت: نعم أنت محق. إنا لله وإنا إليه راجعون، " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون". لقد استشهد وهو يقاومهم حتى آخر لحظة فهنيئاً له الشهادة.

فتح كيم شين باب النفق ونظر من حوله ودعاني للخروج وسمعنا أصوات الناس تتعالى وسط الهتاف والتكبير وترك الناس الحفلة حتى ذلك الشاب الذي كان منذ دقائق فرحاً بزواجه كان أول من ركض لبيت أبو عَلِي. نسي الناس أمر الفرح والزواج وشرعوا بتهنئة أهل الشهيد على نيله الشهادة وذهبت مسرعة إلى زوجة عَلِي التي وجدتها منهارة من شدة البكاء، فاقتربت وعانقتها وبدأت أبكي معها وأهمس في أذنها قائلة: أنا آسفة، ذهبت لأعطيه القناع الجديد، ولكنني تأخرت وكان قد أتى إليكم. أنا آسفة.

حلم لم يكتمل  🇵🇸Where stories live. Discover now