القسم الثاني

488 31 3
                                    

في صباح اليوم التالي نزل أخي أوس لتناول طعام الفطور معنا، وحاولت سؤال أمي عن رأيها، فأبدت موافقتها، ولكنها لن تقبل بسفري بهذه السرعة وتريدني أن أمكث لوقت أطول، فأخبرت شين مي ما قالته وتقبلت الأمر قائلة أنه لا بأس إن أخذت وقتاً أطول حتى ألحق بها إلى كوريا وبهذا لم يعد لدى أمي حجة للرفض رغم أن موافقتها كانت على مضض ويبدو أن أخي كان كذلك أيضاً، ولكنني أخبرته بأن يهتم بتطوير مهاراته حتى أستطيع إيجاد وظيفة له هناك أيضاً، ولكن ...
سافرت شين مي لتجهز كل ما يلزم سفري و إقامتي في كوريا وفي تلك الأيام التي كنت أنتظر فيها رد شين مي بأن كل شيء جاهز ويمكنني القدوم كنت أخرج مع أمي وأخي في نزهات كثيرة هذا عدا الزيارات التي لا تروقني كثيراً، ولكن لا بأس بما أنها ستكون لمرات معدودة في العام.
مضت الأيام بسرعة وحان وقت الوداع ... وداعاً ملأته الدموع وآلام القلب وخشية الفراق الطويل، ولكنه يبقى في النهاية وداعاً ... أبشع إحساس يمكن أن يشعر به الإنسان عند فراق أحبته ... كم أكره لحظات الوداع! ولكن لا مفر منها.
بدأت رحلة السفر والمعاناة المعتادة إلى أن دخلت الحدود الأردنية وتوجهت مباشرة إلى المطار وانتظرت هناك بضع ساعات حتى حان موعد رحلتي، فقد خرجت مبكراً لأنني لا أعلم ماذا سأجد أمامي من عراقيل ربما تكون السبب بتفويتي للرحلة، ولكن الأمور مرت بسلام بفضل الله.
وصلت سيئول وكانت شين مي باستقبالي في المطار أثناء خروجي وفرحنا جداً بلقاء بعضنا البعض. اصطحبتني إلى شقتي كما وعدتني وطلبت أن أنال قسطاً من الراحة حتى نتحدث عن العمل لاحقاً. لقد جهزت الشقة بكل شيء حتى أنها ملأت الثلاجة بالأطعمة و الخضار ... إنها فتاة رائعة حقاً.
والد شين مي رجل ثري له عدة شركات وسلسلة مطاعم وفنادق في كوريا و اليابان ومنها وكالة ترفيهية للفنانين الكوريين . بعد انتهائي من الاستحمام كانت شين مي قد طلبت من سائقها إحضار طعاماً من أحد المطاعم العربية في إيتاوان، ثم جلسنا نتناول الطعام ونتبادل الحديث .
شين مي: إيمان، غدا سنذهب للتعرف على المدينة وسنزور الشركة التي ستعملين بها حتى تعرفين الطريق ومواقف الحافلات المؤدية لها .
إيمان: حسناً، هل سأبدأ العمل غداً؟ و ماذا سيكون عملي؟ فأنا متوترة ولا أدري إن كنت على قدر هذه المسؤولية أم أنك بالغت بثقتك بي.
ابتسمت شين مي بلطف و قالت: لا داعي للتوتر، غداً ستتعرفين على طبيعة العمل في الشركة وأقسامها لا أكثر ويمكنك البدء بعد غد. إيمان، لا تقللي من ثقتك بنفسك. لديك العديد من المواهب، وتجيدين عدة لغات عدا عن مجال تخصصك الدراسي وباقي خبراتك، فكيف تقللين من شأن نفسك هكذا؟
إيمان: حسناً، ولكن ما زلت لم أتقن الكورية كما أنني أخشى أن يكون واقع العمل أصعب مما تخيلت.
شين مي: لماذا دائماً تتوقعين الأسوأ يا فتاة؟ ألا يمكنك التفاؤل.
ضحكت إيمان و قالت: أنا متفائلة ومتحمسة، ولكن هذا التوتر هو ما يجعلني أطور نفسي باستمرار وحتى لا أصاب بخيبة أمل كبيرة إن فشلت بشيء ما.
شين مي: آه يا له من منطق أنت حقاً لديك فلسفة غريبة، ولكنها مقنعة أيضاً.
إيمان: هذا جيد، صحيح ستنامين هنا أليس كذلك؟
شين مي: أجل ليومين فقط، وعادة سآتي لأنام هنا في عطلة نهاية الأسبوع فقط.
إيمان: ولكن لمَ لا تبقين هنا و حسب؟ لا أريد البقاء وحدي.
شين مي: أعتذر عن هذا، ولكن هذا لن يروق لوالديّ، فأنا أعمل جاهدة في الشركة لأرقى لتوقعات والدي، فكما تعلمين ليس لدي أخوة ويريد أن يرى أنني أستحق كل ما سيتركه من أجلي.
إيمان: فهمت، بالطبع سيكون فخوراً بك فكل أب سيكون محظوظاً إن كان لديه فتاة مثلك.
شين مي: وأنت أيضاً.
في صباح اليوم التالي بدلت شين مي ثيابها وقد بدت مختلفة بملابسها الرسمية الأنيقة وفي طريقنا كانت تخبرني بكل المعلومات التي ستلزمني للتعرف على المدينة . وصلنا إلى الشركة وقد أخبرتني أنني سأعمل في الشركة الرئيسية كمساعدة لمدير أحد الأقسام في الشركة. كانت شركة ضخمة ومهيبة، وفيها عدد كبير من الموظفين كالتي كنت أراها في الدراما الكورية التي أشاهدها. 

تمت المقابلة و التعارف مع المدير والزملاء في القسم وخرجت مع شين مي لتناول الغداء . مضت أيام وبدأت أعتاد على الحياة والعمل هناك، فكل شيء جديد وممتع وكعادتي أحب معرفة وتعلم كل شيء من حولي. مضى قرابة أربعة شهور وبدأت أرسل المال لأمي لتبدأ بتجهيز شقة أخي ومساعدته على البدء بمشروعه الخاص هناك. في أحد الأيام طلبني مديري في مكتبه وهناك أخبرني أنه يرغب بنقلي للعمل في وكالة الترفيه لأن نائب مديرها استقال من منصبه وأن هذا المنصب سيكون أفضل من وظيفتي هنا نظراً لخبراتي ومهاراتي فلم أستطع الرفض وعندما أخبرت شين مي قالت أنها اقترحت ذلك على والدها ووافقها الرأي لأنني سأبلي جيداً هناك، ولكنني لا أدري إن كنت حقاً سأكون جديرة بهذا المنصب وفي هذا المجال الذي لا أعرف عنه الكثير. خلال بضعة أيام تمت أمور نقلي وذهبت لوكالة الترفيه وعندما وقفت على بابها نظرت إليها بحيرة وحاولت تشجيع نفسي، وأحكمت قبضتا يدي على الصندوق الذي كان يحوي أغراض مكتبي الجديد ودخلت، وتم إرشادي لمكتبي الجديد، وبدأت بترتيب أغراضي عليه. لم أكن أعلم أنها ستكون بداية جديدة وأن هذا العمل سيكون بداية انتقال حياتي لمنحى جديد لم أفكر به يوماً.
مضت أيام وبدأت ألتقي بالمشاهير الذين ترعاهم الوكالة جميعهم يبدون لطيفون ويتعاملون مع الجميع باحترام لا أدري إن كان هذا حقيقياً أم أنه مجرد غطاء لكسب قلوب الناس ولا يهمني في الحقيقة، فلم يكن لدي هذا الهوس بهم، ولكن كانت تعجبني فكرة أنني أتواجد مع أشخاص مشهورين كهؤلاء وكنت أعلم أن الكثير من الفتيات يحسدنني على هذا.
مضت شهور أخرى وكان على إحدى الفرق التحضير لانطلاقتهم الجديدة، وكان الجميع يعمل على كتابة الأغاني والتلحين وتصميم الرقصات وغيرها من الأمور، ويحاولون إيجاد مفهوم جديد للفرقة لتكون عودتهم قوية ومميزة لدى الجمهور. كنت أخشى التدخل وطرح أفكاري فمهما كان مدى قدراتي فأنا من بيئة وثقافة مختلفة تماماً ولا أعتقد بأنها ستنال إعجابهم، ولكن مع مرور الوقت ورؤيتهم حائرين حاولت استجماع أفكاري وكتابة بعض الأغاني والأفكار، فلطالما كانت الكتابة إحدى هواياتي وبالفعل استدعيت أحد المسؤولين عن التحضير لعودة الفرقة، وعرضت عليه ما كتبته، وأخبرته بأنني أحاول المساعدة لا غير ولا أدري إن كانت ستلقى إعجابكم. جلست مقابله وأنا أنتظر أن يقول هذا جيد، ولكنه ليس ما نريده من أجل عودة الفرقة. هذا ما كنت أتوقع سماعه، ولكن كلماته كانت مختلفة تماماً فقد قال: هذا رائع، يا لها من كلمات جميلة و معبرة! هذا ما كنا بحاجته تماماً.
قلت له: لا داعي لقول هذا فلا بأس إن لم يعجبك ما كتبته إنه مجرد اقتراح لا أكثر.
فرد قائلاً: ما الذي تقولينه آنسة إيمان؟ هذا رائع إنه مناسب تماماً، ولكن ربما نحتاج بعض التعديل البسيط من أجل الألحان وتناسبها مع الإيقاع. سأستدعي أعضاء الفرقة بأقرب وقت ممكن لتخبريهم عن مفهوم الأغاني الجديدة، وكذلك مصممي الرقصات والمخرج والملحنين.
تركني مذهولة وخرج مسرعاً والفرحة بادية على وجهه ... ما هذا ؟ هل كان هذا حقيقياً؟

............................................

يتبع

لا تنسوا التصويت ^^

حلم لم يكتمل  🇵🇸Where stories live. Discover now