الفصل العاشر

463 5 2
                                    

كم هو لموقف صعب على الانسان يعجز فيه عن المواجهة أو الكلام حينما يشعر ان كل ما خطط لفعله يسير بطرق عكس ارادته وكأن الحظ السئ ترك الجميع ليطارده وحده لنكتشف بالنهاية انه مهما خططنا ونظمنا سيحدث كل شئ بالطريقة التى رسمها القدر لنا ونحن لسنا قادرين على تغيير شئ فيه فها هى حاولت وحاولت ان تؤجل اخبار خالها والذى يكون فى مقام والدها ولم تنجح واضطرت ان تواجهه وكانت النتيجة ضدها فى النهاية فماذا سيحدث ان واجهت والدتها المعروفة بقوة شخصيتها وسيطرتها وبالاخص عليها هى فى الحقيقة ليست والدتها الفعلية بل زوجة خالها ولكنها ابدا لا تعتبرها غير هذا فهى تضعها فى نفس مكانة والدتها التى فقدتها من سنوات ولم يرعاها فى هذا الوقت غيرها غير هذه الملاك فهى وإن كانت قوية وصارمة بل ومخيفة احيانا تكون معها اية من الرقة والحنان معها نعم ان لوالدتها هذه التركيبة الغريبة والاغرب انها تشبهها ولاتقصد بالشبه التصرفات فقط بل الشكل ايضا نعم هى تشبهها تشبه ديالا هانم الشخصية الارستقراطية حفيدة الأمراء والباشاوات ولكنها دائما ما تبعد هذا التساؤل عن رأسها فمن ضمن ما اكتشفته فيما بعد كونها ليست فقط زوجة خالها وانما هى تقرب والدتها ايضا فهى ابنة خالة والدتها لربما كان هذا هو سبب الشبه الكبير بينهم .كان هذا ما جال من وقت خروجها من الشركة وطوال طريقها الى المنزل لا بل القصر نعم الى قصر عائلتها مع والدتها فهى بمجرد ان دخلت المكتب لم تنتظر تعليقها بأى شئ بل امرتها وبدون مقدمات بالقيام وان تأتى معها وهى بالطبع لم تستطع سوى الانصياع لأمرها فإن اعترضت لن تنال الا التعجيل بتأنيبها وتوبيخها وامام الجميع ولن تهتم ابدا والدتها بهيبتها التى ستضيع امام الموظفين فهى فى حالات غضبها وبالاخص ان تعلق الامر بها لا تهتم بغيرها وهى بالاساس قد انتبهت الى علامات وجهها التى تدل على انفجار وشيك مما يؤكد انها قد علمت بتصرفاتها وما تريد فعله وهى التى كانت تريد ان تكون والدتها اخر من يعلم ولكن كان للقدر رأى اخر فى هذا الامر وها هى الان تنتظر مصيرها المحتوم عند هذه النقطة ابتلعت ريقها خوفا والتفتت برأسها نصف التفاتة لترى الجالسة بجوارها بدون ان تنطق بحرف منذ ركوبهم تهز قدميها بعصبية مفرطة ولابد وانها الان تحاول كبح غضبها منها قدر ما تستطيع حتى لا تتكلم امام السائق وبعد رؤيتها لها على هذه الحالة ظلت تدعو فى نفسها ان تطول بأكبر قدر ممكن ولكن للاسف ليس كل ما يأمله المرء يدركه فقد وصلوا الى القصر ولأول مره تنزل ديالا هانم بدون ان يفتح لها السائق الباب بل نزلت بغضب صافقة الباب خلفها بعنف مما فاجأ الجميع وزاد رعب بيرلا اكثر فهى مخيفة ولكن نادرا ما تتخلى عن قناع الجمود والصلابة وهى تعلم تمام العلم ان هذه الطاقة الغاضبة ستفرغ بها الان ولكنها نزلت من السيارة وحاولت ان تحافظ على ثباتها الانفعالى باكبر قد ممكن واتجهت الى باب القصر بهدوء لتجد الخادمة التى فتحت الباب لوالدتها لازالت واقفة ولم تغلقه ويعلو وجهها علامات القلق ففهمت سبب ذعر المسكينة فابتسمت لها ورحبت بها ودخلت وسألتها بلغة اجنبية"اين امى"
الخادمة بقلق"صعدت للاعلى فور ان دخلت وتبدو غاضبة "
ابتسمت وقالت "اعلم واعتقد انها ستقتلنى الان"
عقدت الخادمة حاجبيها فى شك ثم قالت بخوف"مؤكد انت من اغضبها وهى بالفعل ستقتلك الان "
بيرلا بخبث"لا تقلقى سأحلها كالعادة كما يقولون داوها بالتى هى الداء"
الخادمة بقلق "ولكنها ليست ككل مرة"
تنهدت فهى تعلم انها على حق فهى بالفعل ليست ككل مرة ولكنها فقط كانت تحاول ان تقلل من توترهم فجميع الخادمات هنا اصدقائها
بيرلا بابتسامة حزينة "لا تقلقى سيكون كل شئ بخير"
ثم تركتها لتصعد للقاء المحتوم بمجرد صعودها توجهت بخطوات مرتبكة للغرفة ثم تنفست بعمق لضبط انفعالاتها وبدأت بطرق الباب فلم تسمع ردا فوضعت يدها على المقبض وفتحته بهدوء فوجدتها تقف بالشباك تنظر للبحر امامها فتقدمت منها لتقف بجانبها بدون كلام ليظلا لفترة هكذا قبل أن تبدأ بيرلا بالكلام
بيرلا بهدوء " هتفضلى كده كتير انا عارفة انك غاضبة اوى دلوقتى فاتكلمى اسألينى ناقشينى زعقيلى اضربينى حتى بس متسكتيش كده"انهت كلامها بنبرة حزينة يشوبها التوسل
ديالا بحزن وقد اوشكت على البكاءوقد اسقطت قناع الجمود والصلابة الذى لا تسقطه الا امام ابنتها "اتكلم اقول ايه وانا واثقة انى مهما اقول مش هتغيرى رأيك انتى بقالك فترة بتنظمى امورك هنا كلها وطبعا كنتى عايزانى انا اخر من يعلم باللى ناوية عليه انا عمرى ما تخيلت كده انا كنت فكرت انك بتعبرينى مامتك "انهت كلامها غير قادرة على المتابعة فهى تكاد تموت حزنا فاندفعت بيرلا ناحيتها بقوة
بيرلا بقوة وغضب"انا اصلا مش بعتبرك غير امى فازاى تقولى الكلام ده انتى اكتر واحدة عارفانى حتى اكتر من نفسى فازاى تفكرى حتى ولو بمجرد تفكير فى حاجة غير كده انا صح كنت عايزة مقلكيش دلوقتى بس مش عدم اهتمام انا عملت عشان كنت بحاول تأجيل مواجهتى معاكى لأنى عارفة انك مؤكد هترفضى انى ارجع البلد دى وعلى فكرة انا مقلتش لبابا حاجة وهو اللى عرف وكلمنى النهاردة وكلكم كنت هقلكم قريب اصلا"توقفت عن الكلام لتنظر الى امها التى اختفت ملامح الحزن من على وجهها لتظهر ملامح الغضب والتجهم لتستشعر هى انها تسير على الطريق الصحيح .
قامت ديالا بامساك أذن بيرلا كالاطفال وقالت بغضب"طالما عارفة وجهة نظرى فى الموضوع بتعملى كده ليه"
بيرلا بألم وهى تضحك"اللى يشوفك بتعاملينى كده زى الاطفال ميشوفش ديالا هانم سيدة المجتعات الراقية ومن اغنى اغنياء إيطاليا "
ديالا تاركة لأذن بيرلا تفركهابيدهافى غضب مصطنع لتقول بلهجة آمرة "هى كلمة ومش هعيدها مفيش رجوع هناك وان كان على تدميرهم فدى بسيطة انا اقدر اعملها بمكالمة تليفون واحنا هنا وساعتها هيخسروا كل اللى بيملكوه"
بيرلا وقد استعادت ثباتها وبنبرة اكثر صلابة وقوة "انا انتقامى مش بخسارتهم فلوسهم وبس لأن دى ابسط حاجة هعملها انا هدمرهم وفلوسهم دى اول الحاجات اللى هيخسروها فى قائمة طويلة بقالى سنين بجهزها "
ديالا بخوف واضح على صغيرتها التى لم تنجبها ولكن احبتها نعم قد احبتها بصدق واعتبرتها مثل ابنتها التى لم تر النور "بس انتى هتكونى بتأذى نفسك رجوعك للمكان ده هيرجعك خطوات كتيرة ورا"
بيرلا بابتسامة خبيثة"ماما انا مخدتش الخطوة دى غير وانا متأكدة انى بقيت أدها ومفيش داعى لتأجيلها اكتر"
ديالا "انتى ليه مصممة ترجعى تدفنى نفسك فى الماضى اللى ما صدقنا انك نسيتيه"
بيرلا بنفى "انا عمرى ما نسيته وانتى اكتر واحدة عارفة بده انا بس بحاول اتناساه وللاسف مبقدرش مفيش مرة بضحك او ببتسم الا وبحس ان فرحتى مش كاملة او بمعنى انا بكدب على نفسى وعاملة نفسى ناسية مفيش مرة ببقى لوحدى الا وبفتكر كل حاجة مفيش مرة عرفت انام مرتاحة على طول الذكريات دى بتزور احلامى مش سايبانى انا كل دقيقة بتعدى عليا وانا لوحدى وبتزورنى فكرة انهم عايشين حياتهم دلوقتى بموت فيها مليون مرة ماما انا خلاص تعبت نفسى فى مرة انام مرتاحة ومصحاش على كابوس يدمرنى اكتر نفسى اوصل للراحة بقى اللى افتقدتها من سنين وانا عارفة هوصلها ازاى لما ادمرهم على ايدى ساعتها ابدأ حياتى بجد براحة وسط ناس بحبها بدون كوابيس وتفكير كتير وماضى ايوة بدون ماضى بيطاردنى ويعذبنى بدو ..بدون.."لم تستطع اكمال كلامها بسبب دموعها التى كانت تسقط بدون وعيها وشهقاتها التى بدأت تتعالى لتضمها ديالا الى حضنها وتمسكها ليجلسوا عالاريكة وأمسكت رأسها وأسندتها الى كتفها و ظلت تربت على ظهرها بهدوء حتى هدأت واستكانت تماما وصمتوا قليلا الى ان قالت بيرلا بشرود "فاكرة يوم ما جيت هنا يا ماما انتى اللى قدرتى تخرجينى من اللى انا فيه وقوتينى عايزانى ازاى اضعف تانى دلوقتى"
شردت ديالا بذاكرتها الى البعيد الى اليوم الذى اتت به هذه الطفلة وفوجئت بها قادمة مع زوجها لتفهم فيما بعد انها تكون ابنة اخته والتى تكون بنفس الوقت ابنة خالتها وقد فاجأها حقا الشبه الكبير بينهم وتتذكر كلام زوجها عنها وانها عليها ان تعتبرها ابنتها لأن هذه هى هويتها من الان فصاعدا وقد حزنت كثيرا عندما اخبرها بالظروف التى مرت بها تلك الفتاة بهذا الوقت بقدر ما أسعدها ان هذه الفتاة ستكون ابنتها فهى التى حرمت من نعمة الاطفال ستجد ما يعوضها هذا الحرمان ولكن لم تدم فرحتها كثيرا فقد كانت بيرلا منطوية على نفسها ولم تكن تتكلم ابدا بل حتى امتنعت عن الاكل حتى احست ديالا بأن حلمها يتسرب من ايديها فصعدت لها يوما وقالت لها"انتى فاكرة باللى بتعمليه بنفسك عيلتك هتفرح بيكى لما تقتلى نفسك وراهم بالبطئ هيسامحوكى على اللى عملتيه فى نفسك ده بالعكس "واقتربت منها يومها ونظرت فى عينيها والتى حقا تشبهان عينيها كثيرا وقالت"انتى بتأذى نفسك واللى اذوكى كل واحد فيهم عايش حياته"رفعت بيرلا عينيها لها لتشعر هى بدنو املها لتقوم بأخذها من يدها وايقافها امام المرآة لتقول وهى تشير لصورتها بالمرآة"شايفة شكلك شايفة بتقتلى نفسك ازاى ده بدل ما تاخدى حقك وحق اهلك وتنتقمى منهم من اللى دمروكى "لترى هى فى عينى بيرلا لمعان خطير يدل على ان ما نريده قد اوشك على التحقق لتتركها وتقترب من باب الغرفة وتقول"انتى بالشكل ده لا هتنتقمى لأهلك وساعتها اقدر اساعدك ولا حتى تقدرى تحمى نفسك عموما انتى لسه قدامك فرصة انك تختارى الحياة وساعتها تبقى اختارتى انتقامك او تختارى الموت وساعتها تبقى خسرتى كل حاجة حياتك عيلتك حقك وسبتيهم هما عايشين بسعادة الغدا ساعة وهيجهز ادامك فرصة انك تختارى فى الوقت ده تنزلى او لأ"لتتركها وتنزل وكلها امل انها ستلحق بها ليأتى موعد الغداء وتجلس تنتظر ويمر الوقت ببطئ وكأن الساعة لا تريد التحرك ليأتى جهاد ليجلس وهو يائس من نزولها كالعادة ولكن ديالا كانت ترفض ان تبدأ بالاكل فقد كانت واثقة من نزولها ولكن لا توجد اى اشارة ليبدأ اليأس بالتسلل اليها حتى تسمع صوت خطوات تقترب لتقف الخادمة مذهولة فتنظر هى وجهاد لما تنظر له الخادمة لتتسع ابتسامتها لرؤيتها بيرلا تقترب منهم بهدوء وتجلس بجوارها وتقول "اتمنى مكونش ازعجتكم "ليقول جهاد بحبور "ابدا يا حبيبتى "وينظر لديالا نظرة ذات مغزى فقد فهم الان سبب تأخرها فى بدء الطعام وقد اسعده حقا استجابتها لها ومرت الايام واستطاعت ديالا ان تجعل بيرلا تخلع الاسود بل وتجعلها احدى سيدات المجتمع الراقى وجعلتها تكمل دراستها فى احسن الجامعات وكان افضل يوم فى حياتها هو اليوم الذى بدأت بيرلا به بمناداتها امى فهم كانوا حقا مثل الام وابنتها متشابهات بكل شئ فى التصرفات والشكل واصبحا امام الجميع اما وابنتها التى كانت تعيش خارج البلاد افاقت ديالا من شرودها فى الذكريات على قول بيرلا"ماما ارجوكى قوينى متضعفينيش انتى مصدر قوتى الوحيد"
ديالا محاولة التماسك"انا عمرى ما عايزاكى ضعيفة انا معاكى وهفضل معاكى على طول بس عندى طلب"
بيرلا بسعادة وقد رفعت رأسها اليها"اؤمرى"
ديالا"اجى معاكى انتى عارفة انى اكتر واحدة هساعدك "
بيرلا ولم تفقد ابتسامتها "انتى فعلا هتيجى لأنى محتاجاكى بس مش هتيجى معايا انتى هتيجى بعدى"
ديالا"تقصدى انك كنتى ناوية انى اجى اصلا "
اومأت بيرلا فقالت ديالا"ادخلى طيب اوضتك خدى شاور كده واستعدى عشان الغدا "
بيرلا وهى تضع يدها على رأسها فى تحية كالعساكر"علم وينفذ "وذهبت تركض باتجاه الباب لتذهب لغرفتها بالقصر تطلعت ديالا للباب الذى خرجت منه وهى تقول لنفسها بوعد"مش هسمح لحد ابدا انه يأذيكى ابدا"
قبل خمس سنوات:
وصل الفتيات للفندق واخذت كل فتاتين غرفة مشتركة وانجه الجميع لغرفه وكانت ملاك وديما بغرفة واحدة فعند دخولهن الغرفة قالت ملاك"والله قريبك ده جدع جايبلنا اوضة حلوة وسوا "
ديما بغرور"عشان تعرفى "
ملاك"طب اهدى شوية بصى احنا اولا كده عايزين ناخد شاور عشان منظرنا المقرف ده وكل واحده ترتب هدومها فى مكان"
ديما "عندك حق "قالتها وهى تخرج ثيابا لها من حقيبتها بهدوء وتسير باتجاه الحمام لتقول ملاك فجأة "انا الاول "
ديما وهى تجرى وتدخل الحمام "خلاص سبقتك"ثم تغلقه بوجه ملاك التى تنفخ بغضب ثم تتجه لتخرج ملابس لها وتنتظر ديما لتخرج وبعدها تدخل ليمر بعض الوقت وتخرج لتجد ديما قد انهت توضيب اشيائها فتبدأ هى وكل هذا وديما ممسكة لرواية تقرأها واخيرا تنتهى ملاك وتذهب لتجلس بجوار ديما وتقول "اخيرا"ثم تنظر لها وتتابع "انتى بتقرى ايه شاغلك من الصبح كده"ولا تنتظر رد ديما لتسحبها من يديها وتراها وتقول"رواية(...)قريتها قبل كده حلوة بس مش واقعية والبطلة غبية جدا"
ديما وهى تسحبها من يدها"وليه بقى ان شاء الله" ملاك"بسيطة مفيش حاجة اسمها حب  دى خدعة كبيرة ووهم "
ديما "بصراحة مش عارفة اقولك ايه وانا المفروض اكتر واحدة تأيد كلامك"
ملاك "بالظبط لان انا الصح"
ديما"بس بطلى لا احسن شكلك اول واحدة هتطب "
ملاك بثقة زائده بالنفس"انا مستحيل دى اكبر كدبه وخدعة فى الدنيا ومستحيل يا بنتى مستحيل اقع فيها"....................................................................................................................

 رحلة الحب و الانتقامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن