القسم الأول

1.1K 48 7
                                    

رواية : حلم لم يكتمل
تأليف: Mayam

.................
دخل إلى غرفته و اليأس والحزن والقهر كله مجتمع في وجهه. اختفت ابتسامته وحيويته ونشاطه المعتاد. فتح الدفتر الذي بقي ممسكاً به بكلتا يديه وبدأ يذرف الدموع قبل أن يقرأ ما كتبته بقلمها له. كتبت مذكراتها بشكل سريع باللغة الكورية وكأنها كانت تريده أن يقرأها هو وحده لا أحد سواه.
لطالما حلمت بأن أبني مستقبلي بيدي بعيداً عن كلام الناس و آرائهم و توقعاتهم من أجلي، فلا يوجد سقف لطموحاتي وأحلامي لأن حدها الفضاء الذي لم يصلوا لحدوده بعد. بعد استشهاد والدي قامت والدتي بتربيتنا، وعلمتنا بأن نمتلك شخصية قوية تجابه أكبر التحديات حتى لا نحتاج لأحد ولا نضعف أمام أي شيء في هذه الحياة القاسية. ظروف الاحتلال والقتل الذي أصبح أسهل من شرب الماء جعلت طموحاتي وأحلامي مختلفة، فقد أصبح أكبر همي أن أتعلم كل شيء مفيد لنا في هذه الحياة وهذا الواقع المتهالك. بذلت جهدي لتعلم كل شيء أياً كان وفي مختلف المجالات، ولكن الشيء الوحيد الذي لم يكن ضمن أحلامي وخططي هو الحب والزواج، ولطالما تشاجرت مع أمي لهذا السبب .لا أحب التشاجر معها فهي أغلى شخص على قلبي، ولكنها تجبرني على ذلك حتى لا أدعها تتطرق لهذا الأمر مجدداً.
مضت السنوات وحصلت على منحة في اليابان لإكمال دراستي الأمر الذي عارضته والدتي في البداية لا لشيء سوى قلقها علي، ولكنها اقتنعت في النهاية وبالفعل ذهبت، وهناك بذلت أقصى جهدي لتعلم كل ما هو جديد حتى لو لم يكن في مجالي وكنت محظوظة في التعرف على أشخاص رائعين ومن ضمنهم فتاة كورية أصبحت أقرب صديقة لي في الغربة. عرفت لاحقاً أنها فتاة ثرية رغم أنها لا يبدو عليها ذلك.  لقد كانت فتاة بسيطة ولطيفة جداً،  ولكنها كانت تحب الاعتماد على نفسها فهكذا تعلمت منذ صغرها حتى أنها كانت تعمل بدوام جزئي لتوفر دخلاً إضافياً. كانت فتاة نشيطة ومثابرة وتلهمني وتشجعني كثيراً. مع اقتراب موعد انتهاء المنحة وعودة كل منا لبلده اقترحت علي شين مي أن أعمل في شركة والدها في كوريا، وقالت أنها تحدثت معه وأرسلت له المعلومات الخاصة بي، ومدحتني كثيراً أمامه لدرجة أنها جعلته يتحمس للقائي. لا أنكر أنني تحمست لهذه الفكرة كثيراً، ولكن ماذا عن أمي و أخي، فهي بالكاد وافقت على قدومي للدراسة أما العيش والعمل في الخارج ووحدي أيضاً فهذا صعب جداً. طلبت من شين مي أن تعطيني مهلة لأقنع والدتي بالأمر بعد عودتي إلى فلسطين فوافقت واقترحت أن تأتي معي أيضاً، ففرحت بذلك كثيراً.
انتهت الدراسة بتفوق لكلتينا وحان وقت مغادرتنا وأتت شين مي معي كما اتفقنا، ولكننا اضطررنا للانفصال بعد وصولنا الأردن فلكل منا طريقه في الدخول إلى فلسطين وبالنسبة لها فهي إسرائيل. اتفقنا على مكان للقاء وطلبت من أحد معارفي أن يذهب ويأخذها من المطار بعد وصولها، وأوصلها لبيتنا وفرحت أمي بقدومها كثيراً ربما أكثر من عودتي فليس كل من نعرفهم يزورهم ضيف آسيوي خاصة إن كان لطيفاً مثل شين مي وعلى هذا القدر من الجمال، وأول جملة قالتها لي أمي بعد أن تفردت بي عقب وصول شين مي أنها تتمنى لو كانت أصغر في العمر لتزوجها لأخي. هذا هو كل ما يدور في عقل أمي.  لقد أضحكتني حقاً فهي لا تعلم أن شين مي أتت لتساعدني في إقناعها على ذهابي للعمل في كوريا.
أحمد الله أن شين مي كانت قد اعتادت أن تأكل طعاماً عربياً لأنها كانت تأكله عندما كنت أقوم بإعداده وأحياناً نذهب سوياً لمطعم عربي و نتناول الطعام، فلولا هذا لما استطاعت هضم كل الطعام الذي أعدته أمي. لقد أشفقت على شين مي ذلك اليوم حقاً. كان أخي يشعر بالخجل من الجلوس معنا وفضل المبيت في شقته التي ما زالت قيد الإنشاء في الطابق العلوي فظنت شين مي أنه منزعج من وجودها، فضحكت ووضحت لها الأمر فأعجبها لطفه وخجله.
في المساء بعد انهمار الاتصالات من الأقارب والجيران لتهنئة أمي بعودتي جلسنا ثلاثتنا لنتسامر قليلاً قبيل النوم ونحن نتناول كل الحلويات والوجبات الخفيفة والمقبلات التي أعدتها أمي.  كل هذا جميل، ولكن المشكلة تكمن في أن معدة شين مي توشك على الانفجار بسبب إصرار والدتي عليها مما تطلبني أن أوقف والدتي قبل أن يحدث شيء لضيفتنا، وبالكاد كنت أستطيع كتم ضحكي . بعد قليل رأينا أن الوقت مناسب لفتح الموضوع، وحاولت شين مي بلغتها العربية البسيطة التي حاولت تعلمها مني خلال أيام الدراسة أن تشرح الأمر لوالدتي وكنت أوضح لأمي ما يصعب على شين مي قوله، ففهمت والدتي مغزى هذه الزيارة ورفضت الأمر مباشرة وقالت عندما تتزوجين اذهبي أينما شئت مع زوجك. هذه الجملة كفيلة بإيصال صعقة كهربائية لدماغي الذي لا يرى هذه الكلمة في قاموسه. لماذا علي أن أتزوج و أسافر مع زوجي لكي أدرس أو أعمل الذي غالباً لن يقبل بكل طلباتي وسينفذ ما يكون على هواه دون أن يكترث لأحلامي و طموحاتي. أتتني نوبة الغضب التي حاولت كتمها قدر الإمكان لعل أمي تقتنع بعد محاولاتي المستمرة أنا وشين مي ولكن بلا فائدة.
في اليوم التالي بدأت الزيارات تتوالى للتهنئة بعودتي وانتهاء دراستي، وبدأت التلميحات المقيتة بأنه آن الأوان للزواج وأكتفي بابتسامة باردة رداً على كلامهم رغم علمهم أنني لا أحب الحديث في هذا الموضوع. سئمت من الزيارات ومن بقائي في البيت لأجل هذا، وكان يجب أن أصطحب شين مي في جولة في المدينة على الأقل حتى لا تشعر بالملل أكثر، فأخبرت أمي بذلك ومع أنها تذمرت في البداية إلا أنها قبلت من أجل شين مي،  فسارعنا لتبديل ملابسنا وخرجنا وبقيت أمي في البيت في حال حضر ضيوف آخرون. أنا وشين مي استمتعنا كثيراً بجولتنا في المدينة التي غبت عنها مدة طويلة. بالطبع هي ليست كاليابان من ناحية التطور والحداثة، ولكن فيها من الدفء والعبق الذي في نسيم هوائها ما لا أجده في أي بلد آخر. 

عدنا لنقاش موضوع سفري وقالت شين مي أنها ستحاول مجدداً وتحاول إقناعها، وطمأنتها بأنني سأكون في أمان هناك، فحاولت أن أدع الأمل يدخل إلى قلبي ورغم ذلك خشيت من ألم الخيبة إن رفضت مجدداً.
عدنا إلى البيت وأتانا بعض الزائرون وبعد ذهابهم تناولنا العشاء وحاولنا فتح الموضوع مجدداً، وأخبرت أمي أن شين مي ستسافر بعد غد وأن هذه آخر فرصة لي حتى أستعد للذهاب معها.  حاولت شرح الأمور الإيجابية لها من هذا العمل وأن راتبي سيكون جيداً للغاية بحيث أننا سنجهز شقة أخي بسرعة وبذلك ستتمكن أمي من أن تجد فتاة ليتزوجها، وستفرح به وتنعم بأحفاد يملئون حياتها، وأنا أعلم بأن هذا حلمها الأكبر في الحياة، ثم أكملت شين مي بأنها ستساعدني وتعتني بي وستوفر لي تذاكر سفر مرتين في العام وأن بإمكان أمي وأخي زيارتي أيضا بعد أن أستقر وأحصل على شقة من الشركة هناك بعد أن أصبح موظفة دائمة، ومغريات أخرى كثيرة جعلت أمي تعيد حساباتها، ولكن فكرة ابتعادي مرة أخرى بهذه السرعة لم تكن تروق لها، ولكن هذه المرة قالت أنها ستفكر بالأمر وهذا يعني أن هناك أمل، فهتفت شين مي بعد ذهاب أمي للنوم من شدة سعادتها وأنا أيضاً لم أستطع إخفاء سعادتي.

......................................

لا تنسوا التصويت ^^

برومو الرواية على يوتيوب

حلم لم يكتمل  🇵🇸حيث تعيش القصص. اكتشف الآن