22) وهل أُصدّق سواكِ أحد ؟

297 37 2
                                    



--
نسيت الهوى إلا هواك فإنه
تغلغل في الأعماق و انسـاب فـي دمـي
--

صمتٌ مريبٌ حلّ على مكالمتهم ، لا يُسمع شيء سوى انفاسهم الهادئة وصوت السّيّارات والشّوارع من طرف إيـثان .. كُـلّ منهما ينتظر الآخر بأن ينطقَ شيئاً ، فقالت أخيرًا برجاء :

" أوَصدّقتها ؟ " .

إيثان
" بالطّبع لا " .

تنفّست الصعداء وهي تقول :
" ولمَ لا ؟ لـمَ لم تصدّقها " .

لقد ظَنّت أنّ ردّه سيكون متوتّراً ، حائراً عقبى ما حدث والأجواء المشحونه بينهما ولكنّه على العكس ، أجابها بثقة تتلحّفها وتحتضنها المحبّة :
" لأَنِّي أثــقُ بكِ " .

ابتسمت برضى ، تعلم أنّه لا يراها وأنّ شاشة تفصل بينهما ولكن على الأقل قد يشعر برضاها وطمأنينتها ، فالقُلوب تشعر ببعضها كما يقولون وكما تؤمن هي في أعماقها وخُلدها .

عاد الصمت يزور مكالمتهما البسيطة ، حاولوا مجدّداً كسر الصّمت ولكن لا شيء ليُقال .

هي مصدومة من فيونا وحديثها بهذا الشّكل تُشعر بجرح دامي بات يكتسح قلبّها ، يتّسع .. ويتّسع أكثر حتى ينفجر ، كفقّاعة صابون او بالون  !

يا أسفاه ..
لا بُكَاء ولا دموع لتذرف تشعر بأنها لا تستطيع إطلاق العنان للبكاء فقد استنزفت دموعها حتى أمست غير قادرة على ذرفها أنّى ومتى شائت  ، تودّ لو أنّ دموعاً طفيفة ، ولو دمعة بإمكانها تفريغ ما بجعبتها .. ولكن ؟ بلا جدوى .

وهو ؟ مُـتعجّب من عدم قدرته على تصديق كذبة فيونا ! ما هذه الثّقة العمياء الّتي تخيّم عليه ..!

قال بهدوء :  
" بضع دقائق وسأصل ، الى اللّقاء " .

هايلي
" الى الّلقاء " .

وأغلقا الخط ولكن التّفكير مازال يجتاح ذهن كلّ منهما ، اقتربت آنابيلا من هايلي وهي تنشّف شعرها بعد ان استحمّت ، جلست قُربها وحاولت فتحَ أيّ موضوع .

آنابيلا
" أكُـلّ شيء على ما يُرام ؟ " .

فأجابت هايلي بخفوت :
" كُل شيء بخير ، على ما يُرام " .

أحسّت آنابيلا بأنّ هايلي تُخْفِي شيئاً ، تكبته وتكتمه في أعماقها وتأبى البوح به ، ففضّلت أن تترك لها الخيار في أن تخبرها به إن شائت أو تظلّ صامتة .
_

عدّة طرقات صدرت من الباب ، وقفت هايلي وتوجّهت نحوه لتفتحه ، وكما توقّعت ؛ إيثان الطّارق .

قال مبتسماً :
" أهلاً " .

اشتمّت رائحة الدّماء فبدأت طبيعتها ، بدأ النّهم والجوع يزداد مع اقتراب الرّائحة .

بادلته الابتسامة مجيبة وهي تبتعد عن الباب :
" أهلاً بك ، تفضّل " .

دَخَل وفتح معطفه الملويّ لتتجلّى أكياس الدِّمَاء وهو ينظر لهايلي بابتسامة .

شعرت بإحراج شديد ، احمّر وجهها بشدّة وهي تُبعِد شعرها الى خلف أُذنها ، لا تعلم لمَ هي مُحرجة ، ولكن ما تعلمه أنّها لا تستحسن أن يرى إيثان هذا الجانب منها ، على الرّغم من أنّه يعرفه ، هي تكره هذا .. تريده ان يرى جُزئها الطبيعيّ لا شُرهها وماهيتها : - مصاصة دماء - فيعتاد على رسم صورة لها بأنياب حادّة ودماء تسيل ، بل هذه الجُزئية يجب ان تتوارى .. نعم لا تفخر ولا تعتزّ ولكن ما باليدِ حيلة !

جائت آنابيلا تتمتم بتذمّر لتقطع الصّمت المعتاد :
" متى سيأتي صديقكِ .." .

ثم صمتت متفاجئة من الأكياس أمامها ، فابتسمت قائلة وهي ترفع بصرها نحو إيثان :
" شكرًا " .

أومأ لها بمعنى \ على الرّحب والسّعةً \

فاقتربت هايلي من ايثان وهي تهمس بخفوت :
" أيـُمكننا التحدّث ؟ " .

إيثان
" بالطّبع ، سأنتظركِ في الأسفل ريثما تنتهين " .

أومئت له وخرج تاركاً إيّاها مع آنابيلا المتشوّقة لتروي عطشها وتُـشبع جوعها ، كما هي حالة هايلي .

_____________
_____________
-
عقدت يديها على صدرها بتملل ، التفّت لتجد كين يبتسم ببلاهة لما حوله مُمسكاً بكأسه الَّذي كاد يجاوز الخامس !

نظرت اليه بازدراء على غير عادتها وتنهّدت بضجر قائلة وسط الصّرخات والصّخب الموسيقي :
" ما المُمتع في هذا كين ؟ فلنعُد للمنزل ، انتَ ثمل ، ثملٌ جـدًّا " .

" ماذا ؟ لا أسمعُكِ " .
صرخ لها بالمقابل وهو يحاول فهم ما تقول .

قلّبت عينيها بغيظ ، امسكت بيده وحاولت جعله ينهض ، ولكنّه أبى وأبعد يده عنها بعنف صارخاً :
" ما شأنُـكِ ؟ ابتعدي أيّتها السّاذجة البلخاء " .

ابتلعت ريقها وكأنّها صحراء جافّة وهي تكبت قهرها ، سحبها من قميصها لتجلس مرّة أُخرى ، أغمض عينيه ووضع الكأس قُرب السّاقي ليعود ملأه ولكنّ فيونا أمسكت بالكأس تُبعده أكثر وتصرخ :
" لن تشرب المزيد ! وكفاك حماقة " .

نظر اليها بعينين تتطاير الشرر منهما وهو يقول ضاغطاً على أسنانه بحقد :
" قلتُ لكِ بألّا تتدخّلي ، لا عليكِ سوى إنجاز عملك ، خرقاء " .

تمتمت لنفسها :
" عملي ؟ لقد علمت هذا .. " .

أردفت تفكّر في نفسها بحنق وغصّة عالقة في حنجرتها :

" لا تُرِيد منّي سوى ثمار تجنيها وفوائد تأخُذها ثم تلقيني في الحاوية وكأنّني مُجرّد قذارة او أداة مللت استعمالها وانتهت فائدتها   " .

ألقت عليه نظرة أخيرة وبالتّحديد الى عينيه الّتي تنظر الى العاهرات المُقزّزات ، اثار اشمئزازها ... وشعرت بدنائته
على غير عادتها المُخلصة الوفيّة له .

________________

تناثـُر الأحمـَر Where stories live. Discover now