الحلقة التاسعة🦋

572 33 14
                                    

الحلقة التاسعة، زوجة العُمدة#٢
( بارت٢).
____
» ممشوقًا ... فوق حصان تترىّ... جئتك، أشهر قلبي، ولقـاؤك درع- يمنحني- مواجهة الموت، فتشيحين!
#إسماعيل العقباوي.
____
_ إطلعي برا.
صراخه عليّها ذلك اليوم لازال صدى داخل عقلها، لقد ظنت بأنها حين تأتي إليها وتعتذر سينتهيّ ذلك البُعد ولكنه جعلها تشعر بأنها اخطات ... لم يكن من المفترض أن تذهب وهو لا يستحق أعتذارها .. ولكن هناك أمرا أخر يثُقل كاهليها،خالتها ميرال تعرضت لحادث ... ولكنها لن تستطيع أن تذهب بمفردها، خاصة بأنها تشعر بالاضطراب حين تكون مع عائلة زينة... فجميعهم من طينة تشبه بعضهم البعض، خاصة بأنهم كانوا يكرهون والدتها ... هذا ما قالتهُ زينات في مرة حين كانت صغيرة ...
ما أعرفش ازاي فهم أو هاشم موافقين إنكم تيجُوا معاهم في كل حتة“.
كان لسانها حاد حتى مع هبة، ولكنها كانت تحُب زياد بشدة ولم تشعر يوما بكرهِ بل تتذكر وجهها حين أُعلن غرقه بالبحر، تتذكر بكاءها الصامت. لذلك تكرهه أن تذهب لمنزل عائلة خالتها وحدها، تشعر وكأن تلك الذكريات تصطادها.. هي تعلم بأنها لن تكون منهم، حتى وإن كان الجميع بالماضي ترجّم أهتمام زياد بها كأنه حُبًا أو إعجابًا، ولكن كل ذلك أصبح من الماضي...
رّن هاتفها من جديد كان عدنان... قضمت شفتيها بعنف، لن تستسلم مما فعلهُ بها، بعد صراخه كانت تشعر بحجر يجثو على جسدها... وجههُ الغاضب .. زاد من توترها، لا تعلم لماذا شعر بّكم من الغضب والحزن لأنها لم تعطيه شيء ثمين يخصها ... ولكنها لم تستطع أنهما حين ينفصلا ... سيكون دوما هناك شيء يخصها داخل منزلهُ.
أغلقت هاتفها تماما وتسطحت بالفراش تأخذ نفسًا عميقًا..
ولكنها بكّت. جسدها أصبح يرتعش، ضمت ركبتيها داخل حضنها كالطفل الصغير ... حياتها تغيرت منذ أن دخلها عدنان، وحتى سرّها بأنها رأته قبلا في أحلامها لا تعلم تفسيرهُ، هي لم تراه من قبل وهذا ما هي واثقة منهُ، ولكنهُ بنظرات عينيه تلكِ يذكرانها بـ زياد. والذي تعلم بأنه إن كان حيًا لم يكن ليشعرها بكل ذلك الضيق والخُوف.
***
بعد مرور يومين.
كانت سيلا من ستقّل والدتها من المطار، وطوال الطريق كانت ترغب بأن تحادث والدتها بخصوص عدنان وتلك الصورو خاصة بأنها الآن فهمت ما حدث بالماضي بين والدتها وجدتها يسرية.
لذلك أخذتها سيلا أولا لمنزلها قبل منزلهم، قطبت هبة حاجبها تقول:
- المفروض نروح البيت علشان آسية؟
هزّت سيلا رأسها بنعم، ولكنها فكّت الحزام تقول:
- في موضوع أهم من ده.
هتفت هبة بغير فهم:
_ الموضوع المهم ده ممكن يتأجل بعد ما نطمن على خالتكِ يا سيلا.
ضمت سيلا شفتيها بغضب:
_ الموضوع ده يخص خالتو يا ماما.
وهبطت دون أن تزيد من قولها، ودقائق وتبعتهت هبة، وحين طلبت سيلا منها أن تجلس قالت وهي تجعل والدتها تشاهد صورة زياد:
_ مين ده؟
عقدت هبة حاجبيها تضيق عينيها حتى ترى الصورة فأجابت:
_ زياد ابن ميرال.
ثم أخرجت سيلا صورة لعائلة الهواري بعد سنة من تبنيّ عدنان وقالت وهي تري والدتها الصورة:
_ ومين ده؟
أخذت هبة الصورة من بين يدى ابنتها، وبلعت ريقها بصعوبة، كان نفس الهيئة ولكن بعمُر أكبر.. ويقف بين رجلين وهو بجوار فتاة وصبي.
_ده .. ده زياد.
هزت سيلا رأسها بغصة، نعـم .. تأكدت حين ارسل إليها طاهر تلك الصورة، ولكنها كذبت عينيها حاولت مرات عديدة بألا تقطع اجازة والدتها وتخبرها بما جمعته خاصة بأن زينة هاتفتها بأن تجعل والدتها تأتي حين تصبح ميرال بخير، أردفت هبة في حيرة:
_ أزاي؟
قالت سيلا بألم: انت عارفة أزاي!!!
هزت هبة رأسها بـ لا، ولكن سيلا قالت فورا: انت عارفة إن تيتة حاولت تقتله زمان صح!
رفعت هبة رأسها وتلك المرة تشعر بحرارة تقتل خلاياها، وعينيها تقول كيف عرفت!
ضحكت سيلا بسخُرية تقول: انا كنت صغيرة بس ما كنتش عبيطة، وقت ما تيتة جالها المرض اللي خلى كل جلدها يدوب فهمت هي ليه كانت بتردد وتقول إنها ما قتلتهوش في البحر .. وفهمت أنت طول الوقت كنت ساكتة وقت ما خالتو كانت لسه بتحس بالندم إنها سبب إنه يروح البحر..
قالت هبة بندم:
_مكنتش هقدر أتكلم.
صرخت بها سيلا: كان لازم! زينة دفعت تمن سكوتكِ كل السنين دِي!. ليه بدل ما تبقي مامتها، كنتِ قولتي الحقيقة..
_ محدش كان هيصدقني... وحتى لو هيصدقني، محدش في المنطقة قال إنهم لقوا جثتهُ. كان هيبقى كلام فاضي...
ألقت سيلا الصورة بالمقعد المُجاور لوالدتهت تقول:
_ والصور دي؟ أكبر دليل إن كلامك كان هيفرق...
_سيلا
قالتها بأنين من الوجع الذي ينخز جسدها .. كانت دموع هبة قد سقطت على وجنتيها حتى بللتهما... لم تكن تصدق والدتهت ظننته تخرف بعد ما فعلته بها وبوالدها، ولكنها كانت بالفعا تعلم بأنها من الممكن جرأت وقتلتهُ.
= تعرفي هو مين؟ ده عدنان الهواري، اللي هو وآسية هيتجوزوا.
وتلك المرة شهقت بعنف من الصدمة، أكان قريبا طوال تلك السنوات ولم تكن هناك فرصة حتى تراه ميرال ..ولكنها أنتحبت وهي تتذكر أختها التي كانت تهذي بأنها رأت صبب يشبهُ... طوال تلك السنوات ظنت بأنها كانت تُصاب بالجنون لبعُده عنها، ولكنها كانت بالفعا تراه، ولكن الحقيقة بأنه مات .. كانت تجعلها تنتكس.
_ سيلا ممكن ماتقوليش أي حاجة عنه.
قالتها هبة وهي تمسح دموعها الحارقة ... قطبت سيلا حاجبيها تعترض قائلة:
_ لأ لازم خالتو تعرف.. لازم تعرف كل حاجة، تعرف إن زياد حد حاول يقتله وإنه ملهوش عِلاقة بروحته للبحر، وإنه عايش.
هزت هبة بـلا بجنون قائلة:
_ ميرال لو عرفت هتكرهني...
اقتربت منها سيلا تضع يدها على كتف والدتها تقول بغصة بحلقها: خالتو محتاجة تحِسّ إن زياد كان فعلا عايش وإن كل ده مكنش تهيؤات.
شهقت هبة من البكاء الذي عصف على صدرها، سيلا لن تفهم لماذا هي خجلة وخائفة من رد فعل ميرال، لم يكونا أختين شقيقتين، سنوات مرّت حتى أستطاعت أن تجعل ميرال كليت تحُبها كأختا لها، ولذلك خائفة، أن تعود من جديد تلك المرأة الوحيدة التي دوما تخاف أن تعيش داخل قوقعتها السوداء ...
ضمت هبة يد ابنتها وعانقتهما بقبلة خافتة تترجاه داخل صدرها تقول: بلاش ... سيبيني أنا اللي أكلمها ... أرجوكِ يا سيلا، سيبيني أنا اللي أتكلم.
كان مظهر هبة قد زاد ألم سيلا بقلبها، والدتها كانت دائما تبتسم وترى وجهها المشرق الجميل، ولكنها الآن تراها خائرة القوى لا تستطيع حتى أن تفرض رأيها، مسحت سيلا دموع والدتها في حنان: أنا اسفة لو كلامي جرحكِ يا ماما.. بس..
قاطعتها هبة وهي تضم يدى سيلا إلى يديها بحُب وحنان:
_ السنين عدت وكنت بقول هقولها يا سيلا بس أنا كنت بخاف تتقهر .. تتقهر إن عداوة زمان سببت إن ابنها يتقتل. بس عندك حق، كان لازم أقولها على الأقل كان ذنب موته وقع من عليها...
*******
كان الطريق طُويل، هذا ما لاحظته آسية، وقد كانت الغصون تزداد طولا والمحاصيل بدأت تترأى من بعيد، لطالما أحّبت أجواء الريف وأهل زينة، ولكن مع بُعد زينة عنهم لأسبابها الشخصية وحُبها الذي كان من طرف واحد-ماضيًا- من عاصي، كانت تتألم هي أيضًا لرؤية المنزل صامتا عن خالتها ميرال ... والتي تتذكر صمُوتها الشديد أثناء نضجها وكبرها، ونظراتها الغريبة لـ زينة والتي كانت تعلم بأن جُزء منه كان ذنب بأنها لا تستطيع أن تسير قدماً دون أن تتذكر طفلها الذي مات... زياد.
حتى آسية رغم أنها لا تتذكر سوى ملامحهُ الجميلة إلا أنها تشعر بنفس شعُور ميرال، كيف لها أن تحُب وتُربيّ وتبنيّ أحلامها مع طفل وفجأة يصبح سراباً... خاصة بأن زياد كان يشبهها، بملامحها الفاتنة، وشعرها الناعم المائل للأحمرار... ولكن زينة لم تكن تشبهها كشبه زياد...لذلك تتفّهم كل مشاعرها.
ولكنها أيضًا لا تتفهم ... بُعدها المتواصل عن حياة زينة، وغربتها عنها طول تلك السنوات، لم يكن أحد يعلم بُحب زينة لعاصي سواها هي وأختها و وليد ... وكلهم كانوا يرون كيف تعاني في بعده وسفره الذي كان الغصة التي لم تزول.
تنهدت آسية عدة مرات، وشعرت باهتزاز هاتفها بيديها لتجد رسالة الالف من عدنان، جرح كبريائها بكلامه ويظن بأن بضعة رسائل ستجعلها تنسى ما فعلهُ، ولكنها تعلم بأنهُ لديه العديد من الأختيارات في حياته، فهو بالتأكيد حين يتركها وشأنها سيكون مع تلك الصهباء...
صكت على قواطعها وتلك المرة أعترفت بين نفسها بأنها تشعر بالغيرة، فعدنان مميز .. ملامحه الرجولية وكل ما فعله لأجلها، سهرتهم سويا هما و والدته في ذلك المطعم، نظراتهُ لها ويديه التي كانت تداعب باطن يدها بنعومة وحميمة... جعلتها تشعر بمشاعر وحرقة بصدرها... وهي تظن بأن كل ذلك كان غير حقيقي، وأنه كان ممتاز في تمثيله بأنهما واقعين بالغرام أمام والدتهُ.
ولكنها من ناحية، ترى بأن كل ما حدث بينهما... كان واقعيا ... وأنه بالفعل يشعر بالاعجاب.. زفرت الهواء بضيق شديد، وأرسلت له رسالة واحدة بأنها غير متفرغة وأنها ليست بالقاهرة.
وأغلقت عينيها تتذكر عينيه التي حلمت بها العديد والعديد من المرات، عضت على شفتيها وهي تتذكر لقاؤهم الأول أمام شركة الجبالي، وعينيه التي فحصتها... سرت الحمرة بوجهها حتى شعرت بحرارة جسدها...
كانت سيلا تجلس بجوارها غير مبالية بأي ما تفعله آسية، بل ترى أعمالها التي تركتها في القاهرة، فقد قبّلت سيلا العودة إلى العمل في شركة وهدان بعد أن عرض عليها هيثم منصب أكبر و أزاح شيري من منصبها الذي لم تكن تستحقه من الأساس.
وصلوا إلى المنزل، وأخذ الغفير الحقائب وهو يُنادي على كل العائلة، وجدت آسية زينة تركض باتجاهما وفجأة ضمتها إلى صدرها تقول بأشتياق: وحشتيني.
ابتسمت آسية بحنان وحُب، وقد لاحظت خروُج أغلب عائلة زينة وخاصة زوجها والذي كان منزعجا على ما يبدو من شيء ما...
مسحت آسية على ظهر زينة تقول: أنا آسفة إني ما أقدرتش أحضر جوازك يا زينة بس وعد مني هعوضكِ.
قالت زينة وهي تمسح بأصابعها على وجنة آسية:
_ أنا نسيت زعلي منكِ أول ما شوفتكِ..مش مهم أي حاجة غير إنك هنا.
وضمتها لصدرها من جديد، ولكنها أبتعدت حين كان عاصي خلفها، ابتسم لاسية ولكنه لم يصافحها بل أكتفى بهزة رأسه وهي الأخُرى، ولكنه ضم جسد زينة إليه يهمس بأذنها على أمر ما .. فتحت فاهها بخجل تقول : انا آسفة..
ورأت ما كان بيديه كان شالاً. فهم لازالوا في الفناء الخارجي حيث أغلب المارين يمكنهم رؤية ما بالداخل، أرتدت حجابها سريعًا ... لترى ابتسامة الرضا ثُم لثم جبهتها بقبلة هادئة قائلا بأنه ذاهبا للمشفى وإذا حدث شيؤ يمكنها أن تهاتفهُ...
هزت رأسها ... وأنطلق هُو سيرًا، كانت آسية تشعر بالراحة من رؤية زينة وعاصي .. وتتذكر ما كانت تخشاه، بأنه يكون لأخُرى.. قالت آسية لـ زينة وهي تضم جانبها:
_ أنا فرحانا ليكِ يا زينة. كنت عارفة إنكِ هتلاقي طريقك معه.
ابتسمت زينة بخجل شديد، لتأخذ بيديها إلى الداخل بعد أن أخذت جُلنار هبة وسيلا دلفت من البداية حتى تُبدل ملابسها وترتاح من الطريق، قالت آسية بتسائل:
_ هي خالتو نايمة؟
هزت زينة رأسها، تقول في هدوء:
_ بس ماما ساعة وهتصحى علشان تكلم خالتو هبة...
ثم نطقت بعد أن جلسا بإحدى الشرفات البعيدة عن الضوضاء:
_ تعرفي إن زياد مامتش مغروق؟
قطبت آسية حاجبيها، لتتنهد زينة وهي تنظر للسماء الصافية:
_ عرفنا أنا وعاصي من أبن الحارس، إنه أتقتل.
ولكن زينة لم تستطع أن تقول بأن جدة آسية من أرتكبت ذلك الجُرم. لم تستطع أن تراها تعيش ألما أخر في حياتها، حيث بأن آسية هي من أخبرت زينة عن تفكيرها بأمرها هي وزياد، فقدت كانت بالفعل تظن بأنه قدرها الذي مات ولن تجد سوى يكملها لعُمرها، ورغم رؤيتها لشادي وعلاقتهم التي أمدت لأربع سنوات... لم تشعر معه كما شعرت مع. عدنان
هزت آسية رأسها تحاول أن تنفض شعورها الذي راودها عن زياد وعدنان وتشابهُما الزائد ... خاصة عينيه الزرقاء التي غرقت بها العديد من المرات..
أقتربت سيدة كبيرة من العُمر ذات ملامح هادئة تقول:
_ الست ميرال صحيت يا زينة.
قالت زينة بابتسامة: جايين يا حاجة ثُرية.
نهضت زينة من مكانها، وترددت آسية في أن تتبعها، ولأنها لا تعلم ما الحاجة للجميع بأن يحضر حديث والدتها مع خالتها، ولكنها نهضت بقلب قلق، عكس أختها الصامتة وجامدة الملامحَ.
كانت ميرال قد أستيقظت وجلس بجوارها هاشم يعطيها دواء ما، ويجعلها تشرب قدح الماء بأكملهُ، أما هبة فكانت تُراقبها بأعين هادئة وقلقة في آن، كأنها تعلم ما الأمر الهام بجوار الأطمئنان على صحتها وحادثها القاسيِّ.
وضعت ميرال يدها على كف زوجها تطُلب منه ألا يكون بنفس الغرفة، ورغم تردده الذي زاد توتر هبة، لكنه رحَّل وجلس بالخارج أمام سلم الغرفة.
كان الجميع يقف بالخارج.. وليد وزوجتهُ التي تضم ذراعهُ إليها، وتنام على كتفهُ وجُلنار كان وجهها يقول بأنها تشعر بالتوتر الشديد.. ولكن سيلا رحلت إلى غرفتها لتنام
تنهدت ميرال وهي تنظُر إلى أختها وتقول:
_ وحشتيني يا هبة.
قالتها بصوت مبحوح من المرض، لمعت عيناى هبة لتأخذ يد أختها وتقبلها قائلة بقلق: قلقتيني عليكِ يا ميرال، ليه تعملي كده؟ إيه اللي حصل علشان تعملي الحادثة.
لم تذكر شيء ميرال بل قالت: الحمدلله يا هبة.. الحمدلله إنها كانت بس حادثة.
كانت تشعر بالذنب يأكلها لما فعلته بزينة ... وكانت تعلم بأنها ترغب بأن تنهي حياتها فقط ليتوقف جسدها من الصراخ بالذنب الغائر الذي يجسّم حجرًا على صدرها.
= زياد مامتش مغروق صح؟
قالتها ميرال بصوت منكسر، تسأل هبة .. والتي عقدت حاجبيها ثم قالت : أنتِ قولتلي إنهُ...
قاطعتها ميرال وتلك النبرة التي تُدل على قهر كثلج لازال يذوب آثرهُ عليها:
_ أنتِ عارفة إنه مامتش مغروق بس مش علشان أنتِ خمنتي، علشان أنتِ عارفة هو أزاي مات..
أخفضت هبة رأسها، ونظرت آسية إلى زينة بغير فهم، والأخرى صامتة تكتم ما بصدرها بعينين باكتين، وهُنا جاء عاصي والذي لم يستطع أن يغادر وعاد من المشفى، نظر إلى والدتهُ وهو يأخذ أنفاسهُ المتلعثمة وحين وقع عينيه على زوجتهُ، وقف جوارها يضمها إليه...
_ هبة ... كُنتِ عارفة؟
قالتها بوجع.. يتقطر منه دماء..
فهزت هبة باستسلام، ولم تستطع ميرال أن تكتم تلك الغصة وشهقت بألم تبكي ...
قالت : ليه؟ ليه مقولتليش ليه خبيتي؟ ليه دمرتي كل اللي بينا بكدبكِ...
أمسكتها هبة من يدها تضمها إليه تقول: ابدا يا ميرال، بس انا كنت عارفة إنه مش هيفرق...
صاحت بها بوجع: كان هيفرق إنِ مش انا السبب... كان هيفرق إن ابني كان مستنيني أجيله وأشيله من الموج... كان هيفرق يا هبة... ليه!
هزت رأسها بشدة تقول:
_ مكنتش هقدر أقولك، عايزاني أقولكِ إيه يا ميرال، عايزاني أقولك عيطي يا ميرال أو ماتعيطيش، ابنك ما متش بسبب الغرق، ابنكِ أمُي من غلها وحقدها، مكنتش عايزاه يعيش فعلشان كده قتلتهُ؟ أزاي كنت عايزاني أقول كده...
كان الكلام صعقة على جسد آسية...
والتي بُهتت ملامحها، والجميع ينظرون إلى والدتها بغضب مما فعلته، ولكنها شعرت بذلك القهر الذي كانت تهرب منه، كانت تشعر بتلك النظرات من والدتها إلى خالتها وكأنها تضع ذنبه بين عنقها دون أن تجعل أحد يراهَا.
_ زياد مكنش ابنكِ بس يا ميرال، أنتِ ناسية إني ربيته وقت ما كنتش قادرة أبقى أم، وفراقه كان صعب عليا، مكنتش مصدقة إنَها تعمل حاجة زي كده، مكنتذ قادرة أفكر ازاي تعمل كده ... بس هيّ كانت بتموت وأفتكرت كل دي تخاريف..
قالت زينة بعصبية: أفتكرتي ولا كنتِ. عايزة تصدقي إن امك مستحيل تأذي ابن اختكِ!
عضت هبة على شفتيها بقسوة ولكنها شهقت باكية تقول: غصب عني يا زينة، أمي كانت وحشة مش بس على غيري وعليا، وقت ما جسمها بدأ إنهُ جلدها يدوب، كان صعب عليا أشوفها كده ... وكانت بتقول إنه ماغرقش، وفضلت تقول كده وانا أقول، ليه بتفكر وبتصر إنه ما غرقش، لحد ليلة وفاتها ... وقالت إنها أخدت من هناك لارض زراعية بس ما غرقش، ومكنتش قادرة أصدقها، مكنتش قادرة أصدق أنها فعلا قتلتهُ، كنت فاكرة إنها هتشوفني سعيدة بجوازي وخلفتي ل سيلا وآسية هينسوها حقدها، بس كل ده مكنش كفاية عليها، كانت عايزة تحرم ميرال من خلف الولد...
أكملت هبة وهي تنظر إلى اختها:
_ أنا غلطت غلطة عمري يوما ما خبيت الحقيقة، بس كنت فاكراها مش هتفرق يا ميرال، كنت فاكرة وجعكِ عليه هيقهركِ إنه أتقتل بالقصد وإن...
هزت ميرال رأسها تقول: وجعي أشد يوم ما عرفت إنكِ مفكرتيش إزاي حياتي عايشة وأنا كل يوم ببكي إني فاكراها نسيته... وإنه غرق جوا البحر ..وإني مكنتش موجودة...
تابعت ميرال وهي تنظُر إلى زينة:
_ انا حياتي أدمرت يا هبة، مقدرتش أبص في عيون بنتي، لاني مكنتش معها في السنين اللي احتاجتني، لاني كنت بدالهاقاعدة بلوم فيّها نفسي وحياتي إني مقدرتش أحميه، ومقدرتش أودعه... ومقدرتش أشوفه وأودعه وأقوله إنه هيوحشني .. أبني اللي حياتي أتغيرت بوجوده، ضاعت تاني لما مشيّ. وبتقوليلي مكنش هيفرق.
نظرت ميرال إلى هبة وعينيها منكسرتين:
_ مش هقدر أسامحكِ... مش هقدر.
_ميرال...
صرحت ميرال لـ زينة:
_  انا عايزة أنام.
ولكن بل أن تتقدم زينة، قال آسية وهي تنظُر إلى خالتها:
= ليه ياخالتو مفكرتيش في شعور ماما وهي عارفة إن أمها قاتلة ومقدرتش إنها تقول لحد...
رفعت ميرال نظرها إلى آسية، والتي تابعت بصوت هادي وحزين: مش لوحدكِ اللي خِسر يا خالتو، ماما خسرت كتير زمان ووقت ما افتكرت كل حاجة أتغيرت، لقت إنها زي ماهيَّ. مش شايفة بنتها، مش شايفة إنها عانت سنين تخلف ... ويوم ما ربنا رزقها بطفلتين ... مكنتش بتشيلهم أو تلاعبهم... ليه فِكركِ إنها مقالتش، لأنها كانت خايفة ترجع وحيدة تاني... ومنبوذة، انا عارفة إنكِ زمان عانيتي ... وهي كمان. بس انت رغم تعبكِ، كان جوزك جمبك وأهله، بس أنتِ أهلها يا خالتو ... مكنتش هتقدر تستحمل فراقكِ بعد كل اللي حصا مابينكم... أنا مش بطُلب منكِ إنك تسامحيها أكتر ما تفهمي إنها ماحبتش في حياتها قدكِ، لدرجة إنها تكون كاتمة وجعها لسنين خوفًا إنه سبب في خراب هي مش قادرة تستوعبهُ.
وخرجت من الغرفة وهي تحاول ألا تبكي، ما الذي حدث كليا بالداخل جعلها تحزن على والدتها، وخالتها، كلاهما تأذى في قصته سواء خالتها التي تأذت بالماضي و مقتل ابنها، وأنها لم تأخذ حقه... و والدتها التي عانت من التفرقة لأنها فتاة ولأن جدتها لم تراها تستحق حُبها قبلاً...
*****
كان النهار عصيبا عليهم جميعهم ولكن رغم ذلكِ، قرروا أن يجهزوا المائدة بكل الأطعمة ...وقرر وليد أن يذهب رفقة زهرة للقاهرة حتى يأخذ الزهور لأجل خالته ولأهل البيت، وبقيت آسية بغرفة زينة القديمة تنظر للشرفة بأعُين ضائعة.. نظرات والدتها وبكائها حين أختلت بها، تعلم بأنها ستظل تجاهد حتى ترضى عنها ميرال، ولكنها تعلم أيضًا بأن حديثها فرّق بشيء ما داخل قلبك خالتها.
أغمضت عينيها لثوانٍ قبل أن تسمع صراخ زينة باسم
زيـــاد !
****
نـظر عدنان إلى الفتاة التي سقطت أرضًا بتوتر شديد، خاصة بأنها من الممكن أن تتأذى من القطع المتناثرة أرضًا، وقبل أن يقترب منها يحاول أن يساعدها، وجد شابا يهرع إليها ... لتتمسك بهِ وهو ينهضها قائلا:
_ إيه اللي حصل؟
فجعلته ينظر إلى عدنان والذي هو الأخر نظرات الصدمة أعتلت على ملامحهُ... عدنان يعلم من يكون هذا الرجل، لقد رأه مرة واحدة في إحدى الحفلات الخيرية، عاصي الجبالي.
وقبل أن يتحدث إيا منهما لبعض، ظهرت آسية تركض، لتراه أمامها ... وبدون أن تنتظر، أخذته للخارج أمام أنظار عاصي وزينة ...

زوجة العُمدة- الجزء الثاني.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن