اقتربت منهُ .. وهو يقف يرتدي معطفهُ .. وقالت بدون أدنى شفقة:

-       للمرة الكام عاصي بيبقى المفضل في العيلة يا وليد ..

عقد حاجبيهِ، ابتلع ريقهُ حين رأى ملامحها الجامدة والتي لم يراها هكذا قبلاً، وكأنها بدون قلب!

ولأنه اخيها بالفطام ودوما لديه حِس الفُكاهة معها لانه وحده من يستطيع أن يكون معها دون أن يشعر أحد بالضيق ..

تلمست كتفهُ وهي تضربهُ قائلة:

-       العُقبة ليكَ بقى!

وتركتهُ .. مشدوهًا ..

وتلك المرة الأخيرة التي يراها الجميع، بهيئتها الملائكية الهادئة ..

والتي تحولت مع مرور السنين، لأخُرى قبيحة من الخارج والداخل ..

أصبحت لاتُبالي بما يجُول الجميع بخاطرهم عنها، لاتبالي، اهي ابنة ابيها البارة التي جاءت لتكون لأخيها عونا ولكنه مات قبل أن تعيش معه علاقة الأخوة ..

***

بعد مرور سبع سنوات

كانت ميرال لازالت جالسة منذ الصباح بمكانها، تنتظر أتصالا من هاشم يخبرها بأنه عثر عليها .. لم تجب على هاتفها منذ أيام .. وتخشى أن تفعل بنفسها شيءِ ..

سمعت صوت رنين جرس المنزل، لتُسرع بخطواتها نحو الباب .. لتجد هاشم من جاء خالي الوفاض ..

-       قالو إنها معهَ!

قبضت على كفها بقسوة .. كم ترغب بأن تشق وجهها الآن، ابنتها التي تحولت من ليلة وضحاها لاخُرى غريبة باردة، قبيحة تفعل مايجول بخاطرها دون أن تفكر بنفسها ودينها ..

-       وأهله عارفين هما فين؟

هز رأسه نافيًا .. صكت على قواطعها قائلة بقهر:

-       أنتَ ليه بارد! دي بنتك يا هاشم ..

-       أعملها إيه ياميرال ..

جلس باحدى المقاعد، فمالت نحوهُ:

-       تجبها وتربيَّها من تاني ...

رفع بصرهُ نحوها صارحًا:

-       ميرال .. زينة شايفة إننا مربنهاش .. شايفة إن بعد موت زياد ...

توقف حين رأى عيونها الدامعة قائلة بألم يقتل قلبها:

-       آآه ابني ..

وضعت كفيها على شفتيها تمنع نفسها من الصراخ، مرت أحداث موته بقلبها قبل عقلها، لتجلس وهي تكفكف دموعها بحرقة وغصة بحلقها تمنعها من الصراخ عاليًا ..

سمعا صوت فتح الباب .. فكانت هيِّ، بملابسها القبيحة وشعرها القصير وتبُرجها المخُلِ.. لم تتمهل ميرال .. ونهضت فورًا وقد لطمت وجهها بقوة ..

وعكس توقعهم أن تصرخ .. أن تقول شيءِ .. ولكنها لم ترمشِّ..

أمسك هاشم ميرال وحاوطها بصدرهُ، حين رأى زينة ابنتهُ .. واقفة تنظر إليهم بجمود مفاجيءِ ...

لم تبكي .. لم تصرخ بوجههم كعاداتها، كانت جامدة ..

قال هاشم بقلق:

-       زينة !

تنهدت زينة قائلة بثباتِ وصوتٍ جامدٍا:

-       مش لازم أفكرك باسمي يابابا .. أسمي كيلارا ..

قبض هاشم على يدهُ يمنع نفسه بألا يأتيها من خصلاتها السمراء .. فقال بثبات :

-       في البطاقة مدام إسمكِ زينة .. هفضل لأخر يوم في حياتي، أقولك زينة ..

اقتربت من والديها، وهي تضم شفتيها بشفقة على حالهم .. فقالت :

-       اللي أنتَ عايزهُ ..

قالتها واتجهت صوب غرفتها، ولكن ميرال .. لم ترغب بتركها وشأنها، فقالت بعصبية:

-       كنت بتعملي إيه مع الك*ب اللي اسمه هيثم!

-       هيثم يبقى خطيبي وأعمل اللي أنا عايزاه .. أنا مبقتش صغيرة، انا عندي خمسة وعشرين سنة ..

سمعت زينة صوت بكاء والدتها، ولم تعد تتأثر بها، قالت ميرال:

-       أنتِ مكنتيش كده .. عُمرك ما كُنتِ وحشة بالشكل ده!

استدارت تقول بعدم اهتمام:

-       أنا كنت كده طول عمري، بس زياد هو اللي كان معاكي طول الوقت مش أنا ..

ثم ضمت شفتيها قائلة:

-       بس ياخسارة مبقاش موجود علشان تبعدي عني وتنسي وجودي!

ابتعدت عن المكان وأغلقت خلفها الباب .. وهي تسمع صوت بكاء والدتها الشديد .. ووالدها الذي كان يحبها حبا جمًا، لم يعد يراها صغيرتهُ ..

أصبح الجميع يراها شيطان ..

بملابسها العارية .. حياتها التي تدهور منذ دخولها الجامعة وحتى تخرجها وأرتباطها بالكثير .. جعلت الجميع يكره رؤيتها معهم في المناسبات ...

جعلت الجميع يقتلونها ألف مرة بالكلمة ..

وهي سعيدة بذلك ..

ابتسمت برفاهية حين رأت أنعكاس وجهها بالمرآة ..

شعرها الاسود القصير .. وملامحها الشرسة ... جعلتها تشعر بالرضى التام لتحولها .. من ملاك يتجنبها الجميع لبراءتها، إلى شيطانة يراها الجميع بفضول.

حتى هو .. أصبح يراها ..

 

****

 تم نشر مقدما بسبب ممكن تحصل ظروف تعجزني انشر في معاد العيد❤️

زوجة العُمدة- الجزء الثاني.Where stories live. Discover now