البارت الرابع و العشرون

44 10 0
                                    

لماذا لم يدركوا بعد مدى إكتئابي؟ كيف لم ينتبهوا!
_. _. _. _. _. _. _. _.

صمت، صمت، صمت ، صافرة، اقدام، صوت ، صوت،صوت
  - أين هو؟
  - لا أدري.
  - أين هو؟
  - قُلت لك، لا ادري.
  - لآخر مرة ، أين هو؟
  - لآخر مرة ،لا ادري.
  - حسناً إذاً ، لك هذا.
  الاولى، أخترقت ظهري ، و كأن خط كهرباء يسري على طوله
الثانية ، كانت مثلها، ولكن بدت ولو أنها عشر أضعافها.
الثالثة ، لا أصدق هذا، انتهينا!.

                                    O. O. O

فتحت عيناي بهدوء، انا اتنفس، انا اتنفس، انا على قيد الحياة! الرؤية ضبابية، عدت لأغمض عيناي من جديد
  <<<<دعيه يتلاشى، دعيه يطفو، لا تحاربي، لا تعانديه ، دعيه يحدث، دعيه، دعيه.
شعرت بجسدي يطفو فوق الماء، لن تنتهي قصتي هكذا، لا اريد ،لا اريد ،لا اريد ، حاولت دفع نفسي، يجب ان ادفع نفسي، ان اخرج من هنا، ان اخرج، ان اخرج، أخترق الأكسجين رئتاي، أهذا أكسجين؟
هل حقاً اتنفس ام مت! >>>>
فتحت عيناي من جديد، الإضاءة خافتة، الجدران رمادية، كئيبة، لا استطيع التحرك، أشعر و كأن جسدي تخدر، أغمضت عيناي من جديد
  <<<<ألقيت جسدي على الأرض، أشعر بملمس العشب تحتي، انا انزف، انا انزف، لا ادري اين، انا اتجمد برداً، أغمضت عيناي ، لازلت اتنفس، لازلت على قيد الحياة، احدهم يقترب مني، يقترب، يقترب، اعجز عن رؤيته، ولكنه يقترب  >>>>
مجدداً فتحت عيناي، ظهري يؤلمني كثيراً، لا استطيع تحريك كتفي الأيسر، أخذت نفساً عميقاً، حاولت الجلوس في مكاني علي أستوعب ما يحدث.
غرفة تشبه الزنزانة، بها سرير انا اجلس عليه، بها حوض و مرحاض، بها ارض، اربع جدران، سقيفة، باب معدني به نافذة صغيرة من الأعلى و أخرى مستطيلة من الأسفل.
انا على قيد الحياة؟ حقاً! بعد كل ما حدث لازلت على قيد الحياة؟!
نهضت عن مكاني و لكن سرعان ما استندت على الجدار بجانبي، أشعر بالدوار، أشعر بالغثيان، سحقاً.
إتجهت إلى المرحاض بسرعة، تجاهلت التنميلة التي أشعر بها في قدماي، تلك الكهرباء التي تخترق ظهري، انا بحاجة إلى إخراج ما في جوفي.
ظننتني سأرتاح بعدما اتقيأ ولكن تباً، معدتي تؤلمني بشكل أكبر، إتجهت إلى الحوض، غسلت يداي، غسلت وجهي بماء بارد عدة مرات، رفعت رأسي و تسمرت في مكاني، يضعون لي مرآة، أهم يمزحون معي؟ ، لامست المرآة بأناملي، لا أصدق ان هذا انا، ماذا فعلوا بي! بشرتي شاحبة، عيناي تحولت إلى كؤس من الدماء، شفتاي زرقاء اللون و شعري، قاموا بقص شعري!  قصوه بالكامل، حاولت رفع ذراعي للمسه ولكنه يؤلمني كثيراً، رفعت الهودي الأبيض الذي ارتديه فتفاجئت بالشاش الملفوف حول كتفي، هل أصابت كتفي؟ ابتسمت ساخرة وانا لا أصدق، تلك الحقيرة أصابت كتفي؟! لقد كنت أقف أمامها مباشرة! أظنني عثرت على شخص أسوأ مني في التصويب.
إلتفت و جعلت ظهري للمرآة، رفعت الهودي مجدداً، أحاول رؤية مصدر تلك الكهرباء في ظهري، ذلك الاحتراق الذي أشعر به، و حين رفعته تسمرت من تلك الخطوط الحمراء المتفرقة على طول ظهري، حاولت لمسها ولكن سحقاً إنها تحرقني بشدة، ماذا حدث؟
لمحت تجمع الدموع في عيناي، أنزلت الهودي و تراجعت إلى الخلف، لا أريد النظر إلى نفسي، لا أريد رؤيتي وانا كالأموات هكذا، أشعر و كأنني ميتة، بقايا جسد بلا روح، ماذا حدث؟ ماذا فعلت؟
تراجعت إلى الخلف، هذا لا يحدث، هذا لا يحدث، اين انا؟ اين انا؟ اين انا؟ اصطدم ظهري بالجدار خلفي، هويت أرضاً و ضممت ركبتاي إلى صدري، اتفحص الغرفة بعيناي ، أغمضت عيناي ، تذكري، تذكري، تذكري، أتذكر عثور شخص ما علي بعدما خرجت من الماء، أتذكر محادثتي لشخص ما، ولكن أين؟ متى! ابتلعت ريقي و حاولت السيطرة على وتيرة أنفاسي، احاول و احاول ولكن لا استطيع، لا استطيع.
فتح احدهم الباب ، غطيت "بقايا شعري" بالقلنسوة و نظرت تجاه الباب ، كان رجلاً ضخماً،ملامحه حادة، مخيفة، لا مشاعر على وجهه و كأنه رجل آلي، ثيابه سوداء، شارة المدينة الطبية على كتفه، حاولت الزحف للخلف فما إن لامس ظهري الجدار من جديد حتى تألمت، تسارعت ضربات قلبي ، و مع كل خطوة يخطوها تجاهي كانت الرجفة داخلي تزداد كزلزال يُحرك جسدي.
  - ماذا تريد؟
  لم يُعقب، لم يُجبني ، سحبني من ذراعي الأيسر لأقف فلم أشعر بنفسي إلا و انا أصفعه بكفي الأيمن على وجهه من شدة الألم الذي شعرت به، حاولت التملص منه ،حاولت الفرار
  - اترك ذراعي أيها الحقير.
  ضربته على صدره بقوة، فدفعني تجاه الجدار و قام بتكبيل يداي خلف ظهري، ذراعي يؤلمني بشدة، لا استطيع تحمل ذلك الألم، قام بوضع عصبة العين و ربطها جيداً.
  - دعني و شأني.
  شعرت به يقترب مني و همس بفحيح الأفعى
  - لن يحب القائد سلوكك السيء.
  - اذهب انت و قائدك إلى الجحيم.
  ضحك و ضغط على ذراعي أكثر هامساً
  - ماذا إن جلبنا الجحيم إليك؟
  صررت على اسناني، بدأت دموعي تنهمر من شدة الألم، أشعر و كأن الأربطة في كتفي تتمزق، و أنه يُكسر آلاف المرات.
......
لا أرى، لا اسمع، فقط أشعر بملمس الأرض الباردة تحت اقدامي أثناء سيرنا، كان الحيوان البري خلفي يدفعني من وقت لآخر، كان يتعمد الضغط على كتفي، كان يتلذذ برؤيتي اتألم، لا ادري حتى بما أشعر، لازلت لا استطيع إستيعاب ما يحدث، لا أستطيع حتى أن أدرك أنني ما زلت على قيد الحياة ، لا أعرف ماذا أفعل ، كيف يجب أن أتفاعل حيال هذا ، ما زلت أحاول إقناع نفسي كيف أتنفس.
  - توقفي.
  سحبني من ذراعي بضع خطوات إلى الخلف، شعرت به يتقدمني ، صوت باب يُفتح ، دفعني إلى الداخل فسقطت على وجهي، على ذراعي، صوت إغلاق الباب، هل انا وحدي؟ حاولت الاعتدال، حاولت ان انهض فشعرت بتلك القدم تدفعني لتسقطني أرضاً من جديد.
شخص يقترب مني ، نزع عصبة العين، ابتلعت ريقي و انا انظر إلى قدميه أمامي، رفعت أنظاري و لم أتعجب من رؤية الوغد راكان عبدالعزيز، ابتسم و دفعني بقدمه مجدداً مسقطاً إياي على ظهري.
  - بيان، لا تتخيلي كم يسعدني لقاؤنا من جديد.
  زحفت إلى الخلف مبتعدة قدر الإمكان عنه، احاول السيطرة على انفاسي المتسارعة، على ضربات قلبي التي لا تتوقف، لماذا لا تتوقف؟ لماذا لا تتوقف.
إقترب مني، جلس القرفصاء أمامي، نكز كتفي الأيسر و سأل
  - كيف حال كتفك؟ حاولنا إيقاف النزيف كما تري، يجب ان نعتني به جيداً.
  ابعدت كتفي عنه و قُلت
  - ابعد يدك ايها الوغد.
  ابتسم و سأل ساخراً
  - اتساءل من أين لك بالطاقة لهذا؟
  نظرت إليه، لا أملك ما أقول، لا ادري حتى ماذا حدث، هل انا هنا لتتم معاقبتي؟ هل امسكوا بعمر؟ هل ذهب كل ما قمنا به عرض الحائط!
أخذ نفساً و قال
  - لم يكن حديثنا في المرة السابقة جيداً، لم تكوني بحال جيد لنتحدث.
  - الهذا قُمت بجلدي؟
  سألته ساخرة فحرك رأسه بالإيجاب و أجاب
  - أجل، و بما انك اليوم تبدين لي في كامل وعيك، بكامل قواك العقلية، لا يجب ان يكون الحديث بهذه الصعوبة أليس كذلك؟
  مجدداً لم أجبه، لم أعقب، أمسك فكي بعنف و كرر سؤاله بحدة
  - أليس كذلك؟؟
  - انت وغد.
  ابتسم ، مسح شفته السفلى بإبهامه، ثانية، اثنين، تخدر خدي من الصفعة التي تلقيتها، أشعر بصافرة قوية تخترق اذني، نظرت إليه بصدمة، لا أستطيع حتى فك يدي، لا استطيع الدفاع عن نفسي! بصقت في وجهه و هدرت به
  - ايها الجبان، لأنك بلا عقل فتلجأ دائماً إلى قوتك الجسدية،  إلى سلطتك.
  نهض عن مكانه ، بدأ يأخذ الغرفة ذهاباً و اياباً، كنت أراقبه بحذر، انتظر حركته القادمة، انتظر رد فعله، انا خائفة ، انا أشعر بالهلع ، ما أشعر به الآن قد يكون أشد رعباً من تصويب تمارا للمسدس علي!
  - اتعلمين امراً؟ حتى و إن كان ما تقولينه صحيحاً فعلى الأقل أملك ما يمدني بالقوة، أملك ما يجعلني أقف على اقدامي.
  ابتسم ثم اقترب مني و سألني
  - ما الذي تملكينه انت يجعلك هكذا؟ يجعل لسانك أطول منك؟ يجعلك تتفوهين بكلمات بلا معنى؟
  نظرت إليه، إلى الظلام في عينيه، إلى روحه المعتمة و أجبته
  - لا أملك شيئاً ، لا أملك شيئاً لخسارته.
  ابتسمت و تابعت
  - انا خرقاء، لا ادرك عواقب تراهاتي، و لا املك ما أخسره، ألم تكن تلك نصيحتك؟ ها انا أعمل بها.
  أطلق ضحكة شيطانية و قال
  - انا معجب بك، حقاً.
  اقترب مني أكثر، نزل إلى مستواي، تفرس ملامحي و أكمل
  - تثيرين إعجابي.
  تلاشت ابتسامته و تابع
  - ولكنك مع الأسف في الجانب الخاطئ.
  - يكفيني انني لست في جانبك.
  - ليس لفترة طويلة.
  قضبت حاجباي، إن كان يقصد انه سيقلتني فهذا لا يزعجني، إن كان يفكر في شيء آخر فسحقاً، أظنني سأتبول على نفسي من الرعب.
  - و الآن أيتها الشجاعة، كفانا مماطلة، اين هو؟
  - من؟
  - عمر، مريض الطابق الرابع.
  جانب مني أرتاح لأنهم لم يصلوا إليه، لأنه استطاع الهرب ، ارجو ان يكون بخير.
  - لا ادري.
  - مجدداً ، اين عمر.
  - لا ادري.
  مسح وجهه، كان يحاول السيطرة على اعصابه
  - لا أنكر تلذذي برؤيتك تتألمين ولكن حقاً لست في مزاج جيد لهذا، لن يتضرر غيرك على أية حال، تعرفين هذا أليس كذلك؟
  إبتلعت ريقي، التزمت الصمت، بدأ جسدي يرتجف مجدداً، عدت لأنظر إليه و أجبته
  - لا اعلم أين هو، و حتى و إن كنت أعلم ما كنت لأخبرك.
  ربت على كتفي الأيسر قائلاً
  - انا حقاً أشفق عليك، أشفق عليك مني، عادة ما أُخير الشخص أمامي أي نوع من الضغط يفضل، هل الضغط النفسي، أم الجسدي، ولكن معك؟ لن أضعك في هذه الحيرة.
  اقترب مني كثيراً و همس بجانب أذني
  - انا شخصية دموية بالمناسبة.
  نظرت إليه ،عجزت عن الكلام، عن التفكير، أشعر و كأن روحي منفصلة عن جسدي، و كأن كل ما يحدث الآن من وحي خيالي، و كأنني لست هنا ، راقبت راكان يبتعد عني، يذهب إلى زاوية الغرفة، يحضر شيئاً ما، أظنه سوط! عاد لي و قال وهو يتباهى به في يده
  - لنرى كم ضربة يستطيع جسدك تحملها.
  لازلت أشعر و كأنني كيان منفصل عن جسدي إلى أن هوى السوط لأول مرة على جسدي، كان كسلك كهرباء يخترق جلدي، صرخت بألم و حاولت الابتعاد، لازالت يدي مكبلة، لازلت لا استطيع التحرك
  - يمكن لكل هذا ان ينتهي، ستعودي إلى حياتك من جديد، الخيار في يدك.
  أغمضت عيناي، دموعي تنهمر على وجهي، نسيت كيف اتنفس فبدأت أشهق ، انا احترق، انا احترق.
  - هيا بيان، لا تستحقي هذا صدقيني.
  - اذهب إلى الجحيم.
  - لك هذا.
  الضربة الثانية، الثالثة، الرابعة، بدا لي كسكين حاد يخترق جلدي، لا ادري متى سيصل إلى عظامي، احبالي الصوتية كادت تتمزق، انا افقد العد، لا استطيع التنفس ،لا استطيع البقاء اكثر من هذا، أصبحت الرؤية ضبابية، بدأت الرؤية تتلاشى، أنا افقد الرؤية ولكن لازلت أشعر بالألم، لماذا أشعر بالألم! ليتوقف ،ليجعله أحد يتوقف، او لأتوقف انا ،لأتوقف عن التنفس، عن الاحساس، عن الحياة، انا اطفو، انا اتلاشى.
.......

خارج نطاق الخدمة | Out Of Order Where stories live. Discover now