البارت الخامس و عشرون

52 11 2
                                    

لنتركه هكذا
_. _. _. _. _.

ربما بقائي وحدي لم يكن بهذا السوء، فكنت أقضي وقتي في أحلام اليقظة، الكثير منها، ذهبت إلى كل مكان رغبت الذهاب إليه، رأيت والداي و تحدثناً كثيراً ، تحدثنا و تحدثنا
أخبرتهم بمدى إشتياقي لهم، مدى حبي لهم، كانوا يأتون لزيارتي كل يوم، جزء مني متيقن من أنني أتوهم و الجزء الآخر كان يقول "دعيه يحدث، لا بأس" لذا تركته.
......
كنت أنظر إلى سقيفة الغرفة بشرود ، ماذا ينتظر؟ لماذا تركني كل هذه الفترة؟ ماذا يريد؟ هل عثر عليهم؟ تباً... هل عثر عليهم؟
أغمضت عيناي، أنا اتنفس، انا بالكاد على قيد الحياة.
صوت صافرة قفل الباب، أحدهم بالخارج.
اعتدلت و وضعت القلنسوة على رأسي، نهضت عن مكاني وانا أنظر إلى الباب بخوف شديد، ماذا سيفعل هذه المرة؟ كيف سيعاقبني؟
و مع كل حركة بالخارج كان قلبي يُصارع بين ضلوعي، يضرب بقوة، يضرب، يضرب، يضرب و ما إن فُتح الباب، أقسم أنني لوهلة ظننته توقف، توقف، توقف.
تراجعت للخلف بخطى متعثرة حتى إصطدم ظهري بالجدار، ضاق صدري و نفذ الأكسجين مني، معدتي تؤلمني، تؤلمني كثيراً، أشعر بإرتخاء في عضلات جسدي، أعجز عن البكاء، عن الضحك، عن التصديق، إنه هنا، إنه حقاً هنا!
  - إسحاق.
  ظننتني قُلتها بصوت مرتفع ولكن حقيقة الأمر انها لم تخرج إلا على شكل همسات،  كدت اقترب منه، كدت اخبره بما حدث، اشكو له ما أصابني من راكان، كدت أخبره بالكثير ، ولكن شيء ما أوقفني، ربما هدوءه الغريب؟ ربما نظراته؟ هيئته؟ ماذا فعل به راكان؟! يبدو لي كشخص ميت، يبدو لي كشخص بلا روح!
جلس على السرير امامي بهدوء وهو ينظر إلي ، يتفحصني من رأسي إلى قدمي.
  - إسحاق؟
  تقابلت نظراتنا أخيراً، ولكن أشعر كمن اصابته صاعقة كهربائية، هذا اسحاق، هذا جسده، ولكن هذه ليست روحه، هذه ليست نظراته، هذا ليس هو!!
  - إذاً بيان ، أين هو؟
  قالها ببرود ، برود اخترق قلبي، برود قتلني ألف مرة، قضبت حاجباي، ضيقت عيناي و ضحكت بعدم استيعاب.
  - عفواً؟
  - اين هو؟ أين عمر؟
  حركت رأسي نافية، اقتربت منه بحذر، انظر إلى رماديتها، أبحث عن اسحاق، ابحث عن شخصي المفضل فيهما، اقتربت منه أكثر، ادمعت عيني و ضحكت قائلة
  - اسحاق ، انا بيان ما بك؟
  - أعرف
قالها ببرود، بجفاء فسألته
  - من انت إذاً؟
  نهض عن مكانه، اقترب مني و سأل مجدداً
  - اين من تخليتي عني لأجله؟
  - انا لم أتخلى عنك، طلبت منك مرافقتي.
  ابتسم و اقترب خطوة أخرى قائلاً
  - كلانا يعلم أنك تخليت عني، هربت مني.
  حركت رأسي نافية وانا لازلت أنظر إلى عينيه، ابحث عنه، عن روحه.
  - لا ، لم أفعل.
  - بلى، و ها هو قد تخلى عنك و هرب.
  - من انت!
  - أين كنتم طوال الفترة الماضية؟ أين مخبأهم؟ كيف كان؟
  - لا تفعل بي هذا ، ليس انت أيضاً.
  - أين هو؟
  - اسحاق انا اتأذى هنا ، راكان يؤذيني، يعذبني بشكل سيء، انا أتألم، أنظر إلى الدماء على ثيابي، هذه دماءي انا.
  - لآخر مرة سأسألك، أين ذلك الحقير؟ ما الذي تعرفينه عنه؟ كيف كان مخبأهم؟
  نظرت إليه، شيء ما كسر بداخلي، أهي مشاعري تجاهه؟ أم قلبي؟ أظنها روحي، هل هذا كابوس؟ هل راكان يحاول التلاعب بعقلي؟
  - انت لست اسحاق، اسحاق ما كان ليفعل بي هذا.
  - أجيبي على سؤالي.
  - انت لست هو، لست اسحاق.
  دفعني إلى الخلف بقوة فسقطت على ظهري، تراجعت إلى الخلف و نهضت عن مكاني، احاول النظر إليه جيداً، ربما انا أتوهم ،انا أعرف إسحاق، ما كان ليضرني قط، ما كان ليسمح لأحد بأذيتي، ما كان ليفعل بي هذا.
  - انت لست اسحاق.
  اقترب مني ، ضرب الجدار خلفي بقبضته و هدر
  - توقفي عن قول هذا و أخبريني أين ذلك اللعيـــن!!
  - ماذا فعل بك راكان؟
  - أين عمر؟
  صررت على أسناني، اردت صفعه على وجهه، اردت سحبه من شعره، اردت الصراخ في وجهه، اردت إفراغ كامل غضبي عليه و عليّ، انا حمقاء، انا حمقاء، حمقاء لأنني اشتقت إليه، حمقاء لأنني لم أتوقف لحظة عن التفكير به ، حمقاء لأنني لا أعرف ماذا أفعل في حياتي، بماذا أُلقي نفسي، حاولت دفعه بكل ما أوتيت من قوة و هدرت به
  - لا ادري ،لا ادري اين هو.
  أمسك ذراعاي و اعتصرهما في قبضته هادراً بحدة مماثلة
  - توقفي عن الدفاع عنه، توقفي عن التضحية لأجله، توقفي عن إختياره.
  - انا لا أضحي بحياتي لأجله، ولكن العالم يستحق معرفة حقيقتكم، حقيقة أفكاركم و معتقداتكم المتخلفة، حقيقة مؤامراتكم لإبادة ثلاث أرباع البشر، حقيقة الجحيم الذي توهمونهم به.
  رفع حاجبيه بدهشة ، ضحك ساخراً، و قال.
  - كان هذا خطاباً مؤثراً، لكن.... دعيني أخبرك أمراً.
اقترب مني ، احتدت نبرته و تابع
  - نحن نعيش في عالم فظيع ، هل تعتقدين حقا أن شخصاً ما سيقدر تضحياتك؟ أو يتذكرك؟  أو يعرف حتى أنك كنت موجودة يوماً ؟
اقترب مني أكثر، نظراته لم تكن موجهة إلى عيناي، بل كانت تخترق روحي، و لسبب ما ، لم أمانع هذا، و كم كرهت هذا.
- الأمر لا يستحق ، لا تضيعي حياتك على شيء ليس له معنى ، لا تحاولي جاهدة إصلاح عالم لن يتم إصلاحه.
ابتسمت وانا أنظر إليه.
  - يبدو هذا ككلاماً قد يقوله راكان.
  بادلني الابتسامة و أجاب
  - انا ابنه.
  - حقاً؟ تغير الكثير منذ آخر مرة رأيتك بها. 
  - أجل، الكثير
  ترك يدي بعنف، تراجع للخلف و قال ببرود
  - سأتركك الآن لتفكري فيما قُلت، ريثما نتقابل مجدداً.
  تركني و خرج من الغرفة، تركني و رحل، بعدما كسرني، كسر آخر أمل كان موجوداً في داخلي، تركني ببرود، كان بارداً ، كان حقيراً و وغداً تماماً كراكان، تركني و كأننا لم نتقابل قط ، و كأن كل ذكرياتنا، كل شيء خُضناه معاً كان من وحي خيالي، أحقاً من الممكن أن يتغير المرء هكذا؟
جلست على الأرض في مكاني، ضممت ركبتاي إلى صدري، اسندت رأسي بين ركبتاي ، هذا ليس هو، إسحاق ما كان ليفعل بي هذا، ما كان يضرني، ما كان ليسمح لهم بأذيتي، أغمضت عيناي ، لن أفكر، لن أفعل، لن أشعر ، لن أفعل.
......
لا ادري كم مر من الوقت ولكن ما يكفي لأعيش في ذكرياتي من جديد متجاهلة ذلك الواقع، ما يكفي لأخلق عالماً كاملاً داخل رأسي بعيداً عن الكابوس الذي أحياه،
ترى هل يبحثون عني؟ هل سيخرجني عمر من هنا؟ هل يعلم حتى انني على قيد الحياة؟ ماذا عن ميرا؟ هل غادرت و تركتني؟ هل هربوا جميعهم و تركوني وحدي اصارع لأبقى على قيد الحياة؟ لماذا صارعت لأبقى على قيد الحياة؟ لماذا فقط لم أغرق؟ لم أترك الماء يعانقني، يخبئني في أعماقه؟
زفرت بضيق و عانقت نفسي حتى نمت، و ككل مرة دعوت الا استيقظ،   لأنني ما عدت ادري ماذا يوجد كي أحارب لأجله، لازالت كلمات اسحاق تخترق أذناي، لا يجب أن يكون محقاً، هو مخطئ، يمكن إصلاح العالم، حتى و إن كان محقاً ،لا اريد تصديق هذا، لا اريد ان احيا مع حقيقة كتلك، مع واقع كهذا!
......
  - انتي ، استيقظي.
  فتحت عيناي ،لازلت على قيد الحياة! نظرت إلى الحيوان البري يقف فوق رأسي، ينظر إلي باحتقار.
  - لم تتناولي طعامك.
  قضبت حاجباي و نظرت إلى الصينية الموضوعة جانباً في الغرفة، عدت لأنظر إليه و أجبته
  - تركته لك.
  ابتسم و قال وهو ينحني لمستواي
  - تملكين روح دعابة.
  أهو يمزح؟ لم أعقب، إلتزمت الصمت، حقاً ما عاد لكلامي معنى، ما عاد لأي شيء معنى، سحبني من ذراعي كالمرة السابقة، كبل يداي خلف ظهري ، وضع عصبة العين، دفعني لأتحرك، الأرض باردة، الأصوات منعدمة، أشعر بالبرد، بالغثيان، بالوهن ، لا طاقة لي على التحرك حتى.
بعد فترة وجيزة، فتح الباب،  دفعني إلى الغرفة، حمداً لله لم أسقط هذه المرة، باب الغرفة يُغلق.
  - انزعه عنها.
  كان هذا صوت راكان يتحدث مع شخص ما، شعرت بإقتراب احدهم مني، و كان اسحاق ، انا أشعر به، استطيع تميز خطواته، رائحته، حتى الطريقة التي يتنفس بها، انا فقط أعرف ان هذا هو، نزع عصبة العين عني، ملامحه لازالت جامدة ، رماديتها خالية من الروح، عدت لأنظر إلى راكان بتوتر فانتبهت إلى الشخص المكبل على المقعد، ثيابه ممزقة، ملطخة باللون الأحمر القاتم، قدميه مكبلة أيضاً ، يضعون شيئاً ما على رأسه فلا استطيع رؤيته، تسارعت ضربات قلبي ،من هذا! من هذا! تراجعت خطوة للخلف بتوتر.
  - كيف حالك اليوم؟
  سألني راكان باستفزاز وهو يقترب مني
  - أفضل من حالك.
  ضحك و أجاب
  - أراهن على ان عضلة لسانك هي العضلة الوحيدة التي تعمل في جسدك.
  - ماذا ستفعل حيال هذا؟ هل ستقطع لساني؟
  - لا لا بالطبع لا، انا بحاجة إليه.
  إلتزمت الصمت وانا أنظر إليه فتابع
  - إذاً؟ هل عدت إلى رشدك اليوم؟ هل قررت أي جانب يستحق المحاربة لأجله؟
  - لا تجهد لسانك، اجابتي لن تتغير.
  همهم و ابتسم قائلاً
  - حسناً ، ربما لم تفهمي بعد حقيقة الأمر.
  اقترب من الشخص المكبل على المقعد، نزع غطاء الرأس عنه بعنف، شهقت بصدمة و تراجعت إلى الخلف فاصطدمت باسحاق، نظرت إليه، عدت لأنظر إلى عُدي! ماذا فعلوا به؟! شعرت بنغز في قلبي، لم استطع تمالك الدموع في عيني، نظر عدي إلي، كان بالكاد يتنفس، بالكاد على قيد الحياة.
  - ذلك الخائن كان يعلم كل شيء منذ البداية، أنظري ما النتيجة؟
  تسمرت في مكاني، تسارعت وتيرة أنفاسي، نظرت إلى عدي، أكان حقاً يساعدنا كل تلك الفترة؟!
  - ولكن لا يذهب تفكيرك بعيداً.
  ضحك راكان و أكمل وهو يستند على كتف عدي
  - ليس هذا حباً في الخير، بل لأنه أراد الإستئثار بكل شيء وحده، اراد تتبعكم و الحصول الكتاب ليقرر إلى من ينوي بيعه فيما بعد، أرأيت؟ لا خير على هذا الكوكب، جميعها مصالح.
  أخذ نفساً عميقاً و أكمل
  - حسناً، دعك من عدي، لنتحدث عن عمر، البطل الخارق الذي ضحيت لأجله.
  اقترب مني و سألني
  - هل تعرفين حتى كيف حصل على هذا الكتاب؟
  ضيقت عيناي، نظرت إليه بعدم فهم، لا اريد مزيداً من الصدمات، لا أريد سماع أي شيء.
  - لم يخبرك أليس كذلك؟ لم يخبرك أنه كان من أفضل رجالي؟ كان عميلاً سرياً لدي.
  تسمرت في مكاني، حركت رأسي نافية ، راكان يكذب، هذا ما يقوم به
  - انت كاذب.
  - ليتني، ليت هناك خير، ليت هناك أبطال خارقين ولكن صدقيني هذه هي الحقيقة، عمر قام بأعمال فظيعة ليستطيع جمع هذا الكتاب، ذلك الجسد الضخم الذي ترينه بُنيَ على الكثير من الجثث و الضحايا، الكثير من الأبرياء، جنود كل خطأهم  أنهم كانوا يحاولون القيام بعملهم ،
يحاولون حماية بلدانهم وعائلاتهم والأشخاص الذين يحبونهم ، خمني ماذا ، قتلهم عمر دون أن يفكر مرتين ، كان بارداً جداً ، منذ ان كان في العشرين من عمره وهو معي، يعمل لدي، ضحى بالكثير ليجمع النظريات في كتاب واحد، قتل و عذب الكثير لأجل هذا، و في النهاية قرر الهرب.
  - حتى و إن كنت تقول الحقيقة، عمر قام بهذا ليخفي الكتاب عنك و عن أمثالك.
  - قام بهذا ليستفيد منه، تماماً كعدي، لن يملك أحد كل ذلك القدر من القوة و يتخلى عنه.
  - ليس الجميع حثالة مثلك.
  - لماذا لم يحرق الكتاب إذاً؟ لماذا يُخفيه؟ أليس الهدف هو حماية العالم؟ هذا الكتاب عبارة عن الخطة التفصيلية للسيطرة على الأرض، الدولة التي تصل إلى هذا الكتاب ستحكم الأرض بمن عليها.
  توقف الزمن عن التحرك لوهلة، اتذكر الخريطة التي اراني إياها عمر.
<<<<خريطة العالم تحتوي على دولة واحدة فحسب، دولة كبيرة، ولكنها واحدة في العالم بأكمله، نهضت عن مكاني و اقتربت من الشاشة، لامستها بأناملي، عدت لأنظر إلى عمر و سألته
  - ما تلك الدولة؟
  - لازلنا لا ندري، ولكن كل ما حدث، كل ما سيحدث مخطط له بشكل تفصيلي، الكوارث، الأمراض، الحروب، حتى الحرب النووية.>>>>
  نظرت إلى راكان، فكان يتفرس ملامحي، يحاول قراءة أفكاري ولكن سحقاً أي افكار؟ اي عقل بقي لدي؟!
  - إذاً بيان ، الازلت تُصرّين على الدفاع عنه؟ الازال هو بطلك الخارق الذي سينقذ العالم من الهلاك؟
  إلتزمت الصمت، فسألني
  - أين عمر؟
  - أقسم انني لا ادري.
  اماء لي بهدوء.
  - حسناً ، لنغير صيغة السؤال، أين كنتم طوال الفترة الماضية؟ ما شكل مخبأهم؟
  إبتلعت ريقي، نظرت إليه، إلى عينيه
  - لا ادري.
  ابتسمت ساخرة و تابعت سائلة
  - لماذا لا تقم بتنويمي مغناطيسياً فحسب؟ أليس هذا ما تبرعون به؟ التلاعب بالعقول؟
  بادلني الابتسامة، التفت لينظر إلى عدي ثم عاد لينظر إلي و قال
  - و من قال بأنني لن أفعل؟ ولكن كما أخبرتك، أنا أميل إلى الدموية أكثر.
  صفق بيده فجأة و قال
  - على كل حال.
  وجه كلامه إلى اسحاق الذي يقف كالصنم خلفي و تابع بينما يخرج المسدس من الحزام المعلق على خصره
  - هيا
  مد يده بالمسدس إلى اسحاق و تابع
  - دورك.
  تراجع راكان للخلف و استند على ذلك المكتب الخشبي المهترئ في نهاية الغرفة، ضم يديه إلى صدره و هو يراقبنا، تسمرت في مكاني للحظات، نظرت إلى اسحاق بصدمة فوجدته يصوب المسدس على عدي بهدوء.
  - اسحاق ، اسحاق لا تفعل، لا تفعل شيء ستندم عليه.
  لم ينظر إلي حتى ، لم يعلق، لم يرف له جفن! فقال راكان بهدوء
  -اسحاق، لا اريد منك انت قتله.
إلتفتُ إلى راكان بصدمة، أعجز عن فهم مقصده، و قبلما ابد أي رد فعل كان إسحاق قد فك قيدي، مد يده بالمسدس لي بهدوء و كأنه يُعطيني شوكولاتة!
  - هيا بيان خذيه لا تكوني خجولة.
  قالها راكان باستفزاز
  - انت مختل، انت حقاً مختل.
  ابتسم و لم يعقب، عدت لأنظر إلى اسحاق، إلى المسدس في يده، حاولت التراجع للخلف ولكنه أمسك ذراعي، سحبني تجاهه و وضع المسدس في يدي عنوة، بدأت يدي ترتجف وانا أحاول التملص منه، أحاول ابعاده ولكنه كالحائط لا يتحرك، لا يبد أي رد فعل سوى انه يحكم المسدس في قبضتي.
  - اسحاق لا تفعل بي هذا.
  حاولت النظر إلى عينيه، استطيع الشعور بالدموع تتجمع  في عيناي، حاولت سحب يدي منه و ترجيته
  - لا تجعلني أحيا بذنب كهذا.
  لم يتحرك ، التفت لأنظر إلى راكان و هدرت به
  - اقتلني انا، اجعل ابنك يقتلني ولكن لا تفعل بي هذا، انا لست قاتلة.
  سحبني إسحاق ناحيته، وقف خلفي، احكم قبضته على قبضتي الممسكة بالمسدس، أشحت بوجهي بعيداً و حاولت الهرب منه ،حاولت الإفلات منه ، اعتصر فكي في قبضته ليجبرني على النظر.
  - اسحاق لا تفعل.
  هدرت به
  - لا تفعل بي هذا ، لن اسامحك ما حييت، لن اسامحك ابداً.
  نظرت إلى عدي أمامي، كان ينظر إلي بهدوء ، بالكاد يتنفس، هو بالكاد على قيد الحياة، انزل اسحاق مطرقة المسدس فصرخت به
  - لا ارجوك، انا لست قاتلة.
طلقتان أُطلقتا من المسدس  ، واحدة في قلبه، واحدة في رأسه، و تركني.
رمشت عدة مرات اراقب تدفق الدم بعد صوت إطلاق النار، أظنني فقدت القدرة على السمع، و من صدمتي، لم أشعر حتى بضغط إصبعي على الزناد، من صدمتي فقدت الإحساس بحواسي ، انا فقط أراقب ما حدث أمامي الآن، أراقب ما قُمت به تواً، لقد قتلت نفساً، لقد قتلت نفساً، بهذه السرعة؟ هل حقاً الأمر بهذه البساطة! إبتلعت ريقي ، اظنني اضحك، انا حقاً اضحك، لا استطيع التوقف عن الضحك، لقد قتلت شخصاً ، لقد مات ، روحه خرجت من جسده!
هويت على ركبتاي وانا لازلت أنظر إليه و اضحك، اضحك بهستيرية، اضحك و كأنني لم أضحك في حياتي قط!
نظرت إلى راكان و قُلت
  - قتلته! لقد مات!
  ابتسم ، اعتدل في وقفته، اقترب مني و قال
  - ارأيت؟ كان الأمر بسيطاً، نستطيع القيام بهذا كل يوم إلى ان تخبريني بما لديك.
  مد يده لي، ليساعدني على النهوض، إلتفت لأنظر إلى اسحاق و قُلت
  - لقد جعلتني اقتله، جعلت مني قاتلة، انا قاتلة ، هل يسعدك هذا؟
  - أجل.
  كان بارداً، بروده أبكاني ، أبكاني كثيراً ، أبكاني لدرجة انني ما عدت ارى امامي، أصبحت الرؤية ضبابية بسبب دموعي، اقترب مني راكان فدفعته بغضب، نهضت عن مكاني و كل ما اردته هو تمزيق وجهه في يدي، كل ما اردته هو رؤيته يعاني أمامي الآن، كدت اهجم عليه، كدت اصفعه بكل ما أوتيت من قوة ولكن الوغد الآخر دفعني تجاه الحائط و قام بتكبيل يداي خلف ظهري قائلاً
  - سأعيدها إلى غرفتها.
  اقترب مني راكان، رمقني بإحتقار و همس
  - لازلت متهاوناً معك ولكن اقسم ان صبري بدأ ينفذ.
  فقدت القدرة على الشعور، فقدت القدرة على الشعور، هذا ليس واقعي، انا لا احيا في عالم كهذا، انا لا اعيش حياة كتلك، متى سأستيقظ؟
........

أشعر و كأنني أطفو ، لا تحكم لي على جسدي، لا استطيع إدراك ما يدور حولي، حلقي جاف، الرؤية مشوشة، ما عدت أميز بين ما هو واقع و ما هو من خيالي، كان يستطيع إستخراج ما يريده من معلومات مني، هذا إن لم يكن قد اخرجها بالفعل، يُبقيني هنا لأنه مريض، لأنه يحب رؤيتي أتألم، يحب إذلالي.
كلما نمت شعرت و كأن شخص ما يراقبني، كلما نمت سمعت همسات و همهات في أذني
        "بيان ، بيان ، بيان ، بيان ، انا معك ، انا هنا"
فتحت عيناي ، سمعت صوت الباب يُغلق، كان هناك أحد هنا، كان هناك أحد معي، ولكني متعبة بما فيه الكفاية لأنهض، لا أريد ان انهض، لا اريد ان أستيقظ، اريد ان انام حتى تتلاشى أفكاري، حتى يتوقف قلبي، حتى تفنى روحي، اريد الإختباء، هل حقاً سأستسلم؟
..........
البرد، انا اتجمد، أشعر بالثلج يسري في دمي، عروقي، عظامي، حتى قلبي، أشعر بالفراغ، لا ارى، لا استطيع رؤية شيء سوى الظلام الحالك، لا استطيع الشعور بشيء سوى البرد القارص، و حين فتحت عيناي رأيته يقف على الحافة أمامي، شعره مبعثر،. ثيابه ملطخة باللون الأحمر القاتم، بالكاد يتنفس، بالكاد على قيد الحياة، و كلما اقتربت لأنقذه كلما تراجع للخلف، أنا اصرخ بصوت مكتوم فلا يسمع  مني سوى فحيح، حاولت الركض تجاهه فوجدت السلاسل تلتف حول أقدامي كالأفاعي السامة فسقطت على وجهي أرضاً، و بسبب سقوطي ، حدث شرخ بيننا، كلما حاولت النهوض كلما ازداد الشرخ، كلما حاولت النهوض كلما ساء الوضع، كلما ازدادت السلاسل حولي لتقيدني، نظرت إليه فوجدت الحافة تنهار أمامي، تسقط إلى أعماق اللا شيء، كان يجب أن يكون انا من يسقط، مات بسببي، مات بسببي، انا قتلته، انا قاتلة! >>>>
فتحت عيناي، أشعر بالبرد ولكني أتصبب عرقاً، اتنفس بصعوبة ولكن صوت أنفاسي القوي يُزعجني، أغمضت عيناي و مسحت وجهي، أشعر بدموعي، انا لست قاتلة ، انا لست قاتلة.
نهضت عن مكاني بتعب، ذهبت لأغسل وجهي بالماء البارد، غسلته مراراً و تكرارا، و كلما أغمضت عيناي ، كلما مر أمامي ما حدث، نظراته لي، نظراته لي تقتلني ألف مرة، تعمد جعلي أنظر إليه، تعمد جعلي أراقب كل هذا، يريد اصابتي بالجنون، يريد جعلي مريضة مثله، يريدني قاتلة.
رفعت رأسي لأنظر إلى انعكاسي في المرآة، كنت أشبه بجثة متنقلة، ماذا يحدث؟ ماذا يحدث؟ لا لست قاتلة، لست قاتلة ، راقبت تجمع الدموع في عيناي، لست قاتلة ،انا لست قاتلة ،انا لست قاتلة ، ولكن ان تطلب الأمر؟ سأكون مقاتلة، مسحت الدموع عن وجهي، ابتلعت ريقي، أخذت نفساً، يدي ترتجف، يدي ترتجف بشكل يثير أعصابي، بحثت عن شيء ما حولي، لا شيء، لا أجد ما أريد، نزعت الهودي خاصتي و أحكمت لفه حول قبضتي.
نظرت إلى انعكاسي في المرآة مجدداً، الكدوم تزداد في جسدي يوماً بعد آخر، الخطوط ترتسم على ظهري كحمم بركانية، انا غاضبة ، قام بإذلالي ، قام بأذيتي ، بتعذيبي ، كان يتلذذ بهذا، كان يتلذذ بمشاهدتي اتألم كل يوم بلا رحمة، جعل إسحاق نسخة منه، لا ينظر إلي حتى! أشعر بالغضب ، انا احترق غضباً،. استطيع الشعور بذلك في عظامي،في عروقي، في نبضات قلبي السريعة، ضربت المرآة، ضربتها بكل ما أوتيت من قوة، ضربتها كي لا تعكس لي صورة تلك الفتاة الضعيفة، ضربتها كرهاً في نفسي، في استسلامي كل تلك الفترة، كرهاً في راكان، ضربتها و تمنيت لو كان هو الواقف أمامي، لو كان ذلك الوغد تحت يدي، ضربتها وانا ابكي و أصرخ، ضربتها حتى تهشمت أمامي إلى أشلاء، هذا ما اريده، هذا ما انا بحاجة إليه.
ارتديت الهودي مجدداً بعدما نفضته من قطع الزجاج الصغيرة التي علقت به، نظرت إلى بقايا المرآة و أخرجت قطعة زجاجية كبيرة و حادة منها، كانت على شكل مثلث، ابتسمت وانا أنظر إليها ، حوّلت أنظاري تجاه باب الغرفة، سأخرج من هنا، سأخرج من هذا الجحيم و إن كان في هذا موتي.

يتبع....

خارج نطاق الخدمة | Out Of Order Tahanan ng mga kuwento. Tumuklas ngayon