البارت التاسع

73 9 0
                                    

أنت هنا لأن العالم بالخارج لا يُريدك
_. _. _. _. _. _. _. _. _. _.

كان الجميع ينظر إليه بدهشة، و كأنه مومياء خرج من تابوته، لم يكن يعيرهم أي اهتمام، لم ينظر إليهم حتى، لكنه كان منشغلاً بالحديث معي، لا ادري حتى ما الذي كان يتحدث عنه، تركيزي كله كان على تلك اللمعة في عينيه وهو يتحدث، تلك الابتسامة التي لم أتخيل انني سأرها يوماً على وجهه، أتمنى ان يكون ما يشعر به هو الراحة و الثقة تجاهي، حقاً أتمنى ان يكون ذلك كل ما في الأمر، حاجته إلى شخص يتحدث معه، يخبره بمشاعره بكل راحة.
فُتح الباب أمامنا ، استطيع رؤية الجليد يغطي الأرض من هنا، الجو بارد لذلك ارتدينا معاطف ثقيلة لتقينا ذلك الطقس، ابتسمت و نظرت إليه قائلة
  - هيا.
  ابتلع ريقه و نظر بشرود،تراجع خطوة للخلف، تبدلت ملامحه، بدا عليه الخوف، اقرب ما يكون إلى الهلع، حرك رأسه نافياً، تسارعت وتيرة أنفاسه، اتسع بؤبؤ عينه و كأنه يرى وحشاً أمامه.
  - اسحاق، ما الأمر؟
  - لا.. لا اريد
  - لا تريد ماذا؟
  - الكثير من الجثث، الكثير من الضحايا، تصبغ الجليد باللون الاحمر، لونه احمر، رائحة الدماء تفوح في الهواء، لم اقتلهم صدقيني لم أفعل لا اريد ان افعل.
  اقتربت منه و قُلت بهدوء لأجذب انتباهه
  - اسحاق انظر إلي.. انظر إلي.. انا بيان ،لا شيء ،لا شيء بالخارج، لا يوجد حرب، لا يوجد جثث.
  - اريد العودة إلى الغرفة.
  أخذت نفساً عميقاً، نظرت إلى الخارج و عدت لأنظر إليه.
سيخرج، سيخرج من المبنى، سيخرج من تلك الحالة، سيحياة حياة طبيعية كمراهق طبيعي "انا اكذب" ولكن على الأقل ليخرج من تلك الحالة، خرجت بسرعة، إن كان يرفض تلك الذكريات و يرفض انتماءها إليه، لنستبدلها إذاً بذكريات جميلة تجعله يرغب في امتلاكها.
صنعت كورة جليد، نظرت إليه كان لازال في ذلك الركن المخيف داخل عقله، ناديته بصوت مرتفع لألفت إنتباهه
  - إسحـــاق.
  ما إن نظر إلي حتى ألقيت عليه الكورة، ارتمطت بصدره، نظر إليها ثم عاد لينظر إلي و قال باستنكار
  - بيان ، الم تكبري على تلك الأمور؟
  ذلك الوغد، ابتسمت و حركت رأسي نافية،صنعت كورة أخرى و القيتها عليه، ضحكت على تعبيرات وجهه الحانقة
  - توقفي.
  - لن افعل
  القيت عليه الكورة الثالثة، هيا ايها الجامح، لاتحارب رغبتك في اللعب.
  - بيان
  قالها محذراً فحركت رأسي نافية و انا أجهز الكورة الرابعة، ألقيت عليه نظرة فوجدته متردداً في الخروج.
القيتها عليه بقوة ، ها هو ذا، خطى خطوته الأولى خارجاً
وغدي الشجاع قام بها، اتسعت ابتسامتي إلى ان وجدته ينحني و يقوم بصنع كورة ثلجية كبيرة، تراجعت للخلف قائلة بسرعة
  - لا.. لا اسحاق انتظر.. انتظر يدك كبيرة هذا غير عادل
  ضحك وقال وهو يرفعها و يستعد لرميها
  - اخبرتك بأن تتوقفي
  - حسناً. اسمعني دعني اخبرك امراً
  كان يقترب بهدوء و الكورة في يده، هذا مخيف
  - دعني اخبرك امراً، إسحاق هذه بحجم الاربع كورات التي القيتها عليك.
  - اجل، اعرف
  - ان القيتها علي قد تكسر لي عظامي، اترغب في كسر عظامي؟
  - إن كان هذا سيجعلني اضحك.
  الوغد ، لم ادري ماذا اقول ولكنني حاولت استعطافه، و قبلما افتح فمي في محاولة لرشوته بأي شيء وجدت ما يصدم بي ليسقطني ارضاً، الحقير ماهر في التصويب، ارتطمت مباشرة بوجهي فأسطقتني ارضاً.
السماء تبدو جميلة، النجوم ساطعة، لامعة، الكثير منها في السماء، صوت خطوات اقدام تقترب مني، اعتدلت بسرعة و نظرت إليه، كان يضحك، كان مستمتعاً بسقوطي، ضيقت عيناي فمد يده لي قائلاً
  - هيا.
  نهضت وحدي من دون لمسه قائلة
  - لا تمزح معي مجدداً، كدت تتسبب لي بإرتجاج.
  - انتي من بدأ.
  - حسناً ، حتى و إن بدأت هذا لا يعني بأنه عليك الرد في المقابل.
  ابتسم و لم يعقب، نظر حولنا، بدأ يدرك انه بالخارج، لم يكن هناك الكثير من الأشخاص هنا، بخاصة في ذلك الطقس، عاد لينظر إلي و قال
  - استطعت إخراجي.
  - انت من اردت الخروج، انت من قمت بذلك، انا فقط اعطيتك الدفعة.
  ابتسم و تمتم
  - أجل، انتي اعطيتيني الدفعة.
  ابتلعت ريقي و ساد الصمت للحظات قبل ان اقطعه بسؤالي
  - إذاً... ماذا تريد ان تفعل؟
  نظر إلي، لازالت الابتسامة على ثغره تظهر غمازته حين سأل
  - تحبين اللعب اليس كذلك؟
- لماذا؟
  - اتبعيني.
  بدأ يمشي أمامي ،كان يتجه نحو البناء رقم (٧) البناء المخصص لذوي القدرات
.....
  - أرجوحة؟ حقاً!
  - الا تعجبك؟
  ابتسمت وانا أنظر إلى تلك الحديقة أمامي، كانت معظم الالعاب مغطاه بالثلج، لم أعلم بوجود ذلك المكان هنا!
ضحكت و قُلت
  - بلى ، تعجبني كثيراً.. حقاً.
  - هيا إذاً
  ذهب و جلس على الأرجوحة فجلست على الأرجوحة المجاورة له، كانت باردة، كانت متجمدة، نظرت إلى الحلقة التي تصل السلاسل بالمعدن كانت متجمدة
  - تأرجحي و الثلج سينكسر.
  بدأ يتأرجح بجانبي، بدأ الثلج ينكسر، بدأت حركته تصبح أسرع، ابتسامته طفولية، ضحكت و بدأت اقلده، بدأت ادفع بأقدامي، شيئاً فشيئاً بدأت تتحرك، بدأت تصبح أسرع، ارتفع إلى الأعلى، ثم أنخفض، أرى النجوم في السماء، ثم أرى أقدامي تقترب من الأرض، أغلقت عيناي، لم أجرب ذلك الشعور منذ زمن ، أظنني أضحك بشكل هستيري، أضحك بسعادة، ربما انا من احتاج تلك النزهة أكثر منه، نظرت إليه، كانت عينيه مغلقة، رأسه إلى الخلف، شعره يتطاير، كان مبتسماً،. أتمنى ان يكون عقله يصنع له ذكرى سعيدة الآن، ذكرى يحارب ليجعلها تنتمي إليه، تعوضه عن ذلك الذي رآه.
فتح عينيه و نظر إلي، كنا نتأرجح بنفس الوقت، نرتفع معاً، ننخفض معاً
  - تعجبك؟
  ابتسمت و أجبته
  - اجل، ماذا عنك؟
  - تعجبني كثيراً.
لم نتحدث بعد ذلك الحوار الصغير، ما كان يُسمع سوى صوت الأرجوحة، صوت الرياح، عدا ذلك كان الهدوء ، الظلام الذي تقطعه الاضواء المنبعثة من بعض نوافذ البناء أمامنا، النجوم متوهجة في السماء، كلما ارتفعت، كلما تمنيت لو أصل لها، لو أقوم بلمسها.
لا ادري كم مر من الوقت على تأرجحنا، ولكننا أردنا أن نلعب، أن نحيا تلك الطفولة التي حُرمنا منها،حتى حين انتهينا قررنا بناء رجل جليد أجمل من ذلك المعاق الذي بنيته مع ميرا، على الأرجح المشكلة كانت بها.
قام اسحاق بتثبيت رأسه و قال
  - ها هو ذا.. ماذا نطلق عليه؟
  نظرت إلى اسحاق، ثم عدت لأنظر إلى رجل الجليد، بدا لي هذا صعباً، ماذا أُطلق عليه؟
  - الوغد .
  ضيق اسحاق عينيه
  - عفواً!
  -  اسم رائع، انا احبه
  الاسم الذي أطلقته عليك في مخيلتي.
  - حسناً ،إن كان يعجبك.
  - يعجبني، كثيراً .
  أستلقى أرضاً أمامي ، كانت أنظاره معلقة على النجوم في السماء حين سألني
  - أيمكننا البقاء هنا حتى شروق الشمس؟
  جلست و أجبته
  - أجل، بالتأكيد.
  ابتسم، صمت للحظات ثم قال
  - لم أشعر بذلك الشعور سابقاً.
  قضبت حاجباي و سألته
  - أي شعور؟
  - السعادة.
  نظر إلي، لوهلة اعتقدت بأن عينيه متوهجة حين تابع
  - لم أتخيل بأنني قد أشعر بالسعادة يوماً في ظل ذلك الجحيم الذي نحيا به.
  ابتسمت ساخرة و أجبته مؤيدة
  - بات العثور عليها صعباً في هذه الأيام.
  صمت لوهلة ثم تابعت بمرح
  - ولكننا عثرنا عليها اليس كذلك؟ قمنا بشيء يجعلنا نشعر بالسعادة، مهما كان بسيطاً يكفي الأثر الذي يتركه داخلنا.
  همهم ثم سألني مغيراً مجرى الحوار
  - إذاً، كيف تبلين في الطابق الرابع؟
  -اهخ، لا تذكرني، حقاً أكره ذلك الطابق من كل قلبي.
ضحك ولم يعقب ،صمت للحظات ثم سألته ما إن تذكرت
  - هل هم اخبروك عن ذلك الطابق و تلك الأمور التي أخبرتني عنها؟
  - انا ابن راكان عبد العزيز.
  -  اجل صحيح .
ابتلعت ريقي بتوتر ثم تابعت
  - احم.
  نظر إلي و سأل
  - ماذا بك؟
  كنت مترددة كثيراً ، ابتلعت ريقي، لا اريد اقحامه في حماقتي
  - بيان، ما الأمر؟
  اعتدل و سألني
  - هل انتي بخير؟
  - هناك شيء ما عُدي يخفيه عني و أرغب في معرفة ما هيته.
  ضيق عينيه و نظر إلي منتظراً التكملة فتابعت
  - أتذكر حين اخبرتني عن روبيرت؟
  - اجل، كان ذلك البارحة انا لست سمكة.
  - حسناً ايها الحذق فهمت
  أخذت نفساً و أكملت
  - أرغب في معرفة الدواء الذي يعطيه له عُدي، ولكنه لا يثق بي كفاية ليجعلني أتولى امر دواءه،  انا فقط بحاجة لفتح تلك الخزانة.
  رفع حاجبيه فراقبت تعبيرات وجهه، ربما ما أقوم به أسخف ما قد يقوم به أي شخص، ربما كل ذلك يبدو غير منطقياً، انا اثق بالمريض الذي يفترض بي علاجه.. ولكن هل ما نعيشه في ذلك العالم بأكمله منطقي!
عاد ليستلقي مجدداً و قال بهدوء
  - حسناً،. دعي ذلك الأمر لي.
  - ما هذه الثقة!
  -ما كنت لتطلبي مساعدتي لو كان لديك حل آخر، اليس كذلك؟
لم أعقب فتمتم
  - هذا ما توقعته، فتاتي الحمقاء.
  ضيقت عيناي و سألته مستنكرة
  - هل انت مدرك لفارق العمر بيننا؟
  نظر إلي و لوهلة شعرت بأن سؤاله كان يعني له الكثير
  - أهذا حقاً يهم؟
  لا ادري ، لا ادري بما اجيبه، هل حقاً ذلك يهم؟ يهم في ماذا؟ ماذا يقصد بذلك؟ أخشى التعمق معه في الحديث.
ابتلعت ريقي و لم أعقب، لمحت تلك الابتسامة على محياه قبل ان يعود و ينظر إلى السماء مجدداً، فيما يفكر؟ كيف يشعر؟ هل هذا يهمني كطبيبته، أم كبيان؟
.....
ذلك الهدوء الذي شعرت به يجتاح قلبي، الشمس تُشرق، تصبغت السماء باللون البرتقالي، و الأصفر ،و الأزرق.
كانت الوانها ساحرة، ربما يكمن سحرها في عدم استمراريتها.
عدت إلى اسحاق بعدما صليت فوجدته على الارجوحة كما تركته، ينظر إلى السماء بشرود، طقطقت أصابعي أمامه سائلة
  - اتريد ان تدخل؟
  أخذ نفساً عميقاً، نظر إلي و أجاب
  - حسناً.
  نهض عن مكانه بتكاسل، نفض الجليد عن ثيابه، ابتسم و قال
  - شكراً
  شكراً! اسحاق شكرني؟!
  - على ماذا؟
  - على كل شيء، على تحملك لي، لوقاحتي و مرضي.
  رفعت حاجباي بدهشة،كان هذا آخر ما توقعته منه، بادلته الابتسامة و أجبته
  - هذا واجبي
  لم يعقب و مشي أمامي بخطى مترنحة، كان يرغب في النوم بشدة، بدا لي مضحكاً بخطواته المتعثرة.
.....
أغلقت الباب بعدما اطمئنيت من أن كل شيء على ما يرام، ذهبت لتفقد البقية فوجدتهم في ثبات عميق، أتمنى ان يحظوا باحلام سعيدة.
أغلقت باب غرفة مارتينا و حين ألتفت تفاجئت بفيروز تتحدث مع أحد الممرضات أمامي، شعرت بالتوتر بعض الشيء، خشيت أن تلومني على ما حدث.
اقتربت منها و ناديتها بحذر
  - فيروز.
  نظرت إلي لوهلة، عادت لتنظر إلى الممرضة أمامها و أخبرتها بشيء قبل أن تأتي تجاهي
  - بيان، مرحباً.
  ابتسمت لي بهدوء، حمحمت و قُلت
  - لم أرك البارحة فشعرت بالقلق عليك
  - انا بخير، شكراً... ماذا عنك؟
  لامست الهدوء في نبرتها، تفرست ملامحها، حركات يديها و نظراتها،. لم تبد منزعجة من الحديث معي.
  - حمداً لله، انا ايضاً بخير.
  تنهدت و ساد الصمت بينا قبل ان تقطعه بقولها
  - إذاً، ان لم ترغبي بشيء يج.. يجب ان ارحل
  - اوه،. اجل،. اجل بالتأكيد ، آسفة على تعطيلك.
  تركتني و رحلت ، على الأقل أشعر بالاطمئنان لكونها بخير.
توجهت إلى المصعد و حين دخلت فتحت هاتف عُدي، ضغط على التطبيق الخاص بالكاميرا و حين فتحتها لوهلة ظننته نائماً، قمت بتقريب الكاميرا على وجهه فتفاجئت به مستيقظاً،. ينظر إلى السقيفة بشرود
فيما يفكر؟ ماذا يرى؟
اصدر المصعد صوتاً و فُتح الباب امامي، خرجت و توجهت إلى غرفته، طرقت الباب و حين دخلت كان لازال على وضعه، ابتسمت قائلة
  - مرحباً، ظننتك نائماً
  لم يعلق، بالتأكيد لن يفعل، سحبت مقعدي و جلست بالقرب من السرير و قبلما افتح فهمي تفاجئت بسؤاله
  - اين كنتي؟
  قضبت حاجباي ، نظرت إلى الكاميرا بسرعة، لم تكن مضيئة، عدت لأنظر إليه و سألته
  - ماذا؟
  لم يُعقب،. حسناً فهمت، جازف مرة، لن يجازف الثانية،ضيقت عيناي للحظات، حقاً لا ادري ما سبب سؤاله، ربما ظن بأنهم قد قاموا بقتلي لذلك تفاجئ من وجودي على قيد الحياة! ابتسمت و أجبته
  - اتعلم ماذا حدث اليوم؟ اسحاق و لأول مرة يخرج من غرفته منذ فترة طويلة ، كان يرغب في التنزه، أظن بأن هذا كان مفيداً له، حقاً، لم اره يبتسم هكذا من قبل.
  اقتربت قليلاً وتابعت
  - سأقوم  بنفس الشيء معك، ليوفقني الله لكي اخرجك من هنا.
  نظر إليّ ثم عاد ينظر إلى اللاشيء، كانت تعبيراته باردة، يصعب قراءته.
أعتدلت في جسلتي و بدأت احكي له قصة كما أفعل كل يوم، في بعض الأحيان احكي له قصة حياتي، في أحيان أخرى اختلق له قصة و أخبره بها، حتى بعدما علمت بعودته إلى وعيه لا يجب ان يتغير أسلوبي معه، كي لا يشك عدي في شيء.
......
نظرت في ساعتي فكانت تشير إلى السابعة صباحاً.
نهضت عن مكاني بتكاسل و ما إن فتحت الباب حتى انتفضت حين وجدت عُدي أمامي، تسارعت ضربات قلبي ولكن حاولت السيطرة على انفاسي.
ضحك قائلاً
  - لم أقصد إخافتك، سامحيني
  ابتسمت و أجبت
  - لا عليك، انا بخير.
  - كيف حالك؟
  - حمداً لله.
  اماء لي، القى نظرة سريعة على روبيرت ثم عاد لينظر إلي و سألني
  -هل تناولت إفطارك؟
نسيت انني وعدته بتناول الإفطار معه اليوم، ابتلعت ريقي و على الرغم من عدم استصاغتي للفكرة الا انها فرصة جيدة لأطلب منه ما كنت أفكر به طوال اليوم.
حركت رأسي نافية فابتسم مجدداً و قال
  - لنتناوله معاً  و أخبريني بتفاصيل اليوم.
  - حسناً
.....
  - انا سعيد لسماع ذلك... لا اصدق بأن اسحاق قد وافق على الخروج.
  - ارأيت؟ و انا ايضاً، خاصة حين رأيته متردداً في البداية.
  - لا ادري ماذا فعلتي به.
  قضبت حاجباي و سألته بحذر
  - عفواً؟ ماذا تقصد؟
ارتشف من كوب القهوة خاصته ثم تابع موضحاً
  - وثق بك، اراد التنزه معك، حالته تتحسن.
  ابتسم و تابع مشجعاً
- كل من في المستشفى أحبك، انا سعيد بقدومك.
لم استطع إخفاء تلك الابتسامة التي ارتسمت على محياي، و مع ذلك، فشكي فيه لم يقل ولو بمقدار ذرة.
حمحمت و سألته بحذر
  - ماذا عن روبيرت؟
  سرعان ما تبدلت ملامحه و سألني باهتمام
  - ماذا عنه؟
  - الن يكون من الجيد إخراجه من الغرفة؟
  - لا،لا يمكن.
  قالها بنبرة غير قابلة للنقاش، استطعت استخدام ذلك في صالحي فسألته
  - لماذا؟ كيف تتوقع من حالته ان تتحسن وهو طوال الوقت ينظر إلى أربعة جدران؟ لا يوجد أي مؤثرات خارجية لتجذب انتباهه او تلامس مشاعره، يجب أن يخرج
  - لا يُسمح له يا بيان، هذا بلاغ من إدارة المستشفى و خارج نطاق مسؤليتي.
  - لماذا؟
  لم يُعقب، لم يعلم بما يُجيبني، حاول الحفاظ على هدوءه فسألته مجدداً
  - لماذا لا يُسمح له بالخروج؟ اليس الهدف من وجوده هنا هو ان يتعافى؟ كيف سيحدث هذا إن كنتم تعاملونه كأنه سجين!
  مسح وجهه و بعد ثوان من الصمت نظر إلي و قال مبرراً
  - حياته في خطر.
  رفعت حاجباي بدهشة ، هل سيخبرني بالحقيقة؟! ضيقت عيناي بعدها و اصطنعت عدم الفهم فسألته
  - ماذا! كيف؟
  - الم أخبرك بأنه جندي سابق؟ كان من أمهر جنودنا، إنجازاته عظيمة، قدم الكثير لهذه البلاد، لديه الكثير من الاعداء، لذا إن ظهر وهو بذلك الحال، لا ندري من و متى قد يؤذيه.
  حاولت تصديقه ولكنني لم أفعل، لم أصدقه ولو بنسبة بسيطة، امأت بتفهم ولكنني لم ايأس، تابعت في محاولة لاستمالته
  - اجل، اتفهم ذلك ولكن، الا ترى كم الجنود بالخارج؟ نحن لا نساعده على التحسن هكذا.
  اشاح بوجهه فتابعت
  - صدقني أشعر بأن حالته ستتحسن، قد يساعد ذلك في الاسراع من شفاءه، ربما هذا هو السبب في ان حالته لا تتحسن.
  هيا عُدي، الم تقل بأن الوقت ينفذ منك؟ لا تملك خياراً سوى الموافقة، يجب أن توافق
  - ارجوك، عدي.. دعني أجرب، ثق بي.
  ابتسم ابتسامة في غير موضعها و سأل باستنكار
  - عُدي؟
  تباً،. حتماً ليس هذا ما قصدت،. تداركت الموقف بسرعة بقولي
  - اقصد دكتور عُدي،. أعذرني
  -لا، لا حقاً عُدي جيد.
ابتسمت بمجاملة و عقبت
  - و مع ذلك لنبقي الألقاب في مكانها.
  ثم تابعت بسرعة
  - إذاً.. هل توافق؟
  كان متردداً، أقرب إلى الموافقة.. هيا عدي وافق، لا تملك حلاً آخر، تنهد و حين نظر إلي قال
  - حسناً،. لكن لا يجب أن يراك احد، لا يجب ان يصل الأمر للإدارة.
  - كيف سأقوم بذلك؟ الكاميرات في كل مكان.
  - هناك مكان لا توجد به كاميرات
  قضبت حاجباي و سألته بفضول
  - حقاً؟ أين؟
  - الطابق السادس ، لم يكتمل بناءه بعد.
  همهمت ، لم أعلم بوجود ذلك الطابق على الرغم من وجود زر له في المصعد، ظننته السطح. سألته مجدداً
  - ماذا عن الكاميرا بالمصعد؟
  - لا يوجد
  - و الطابق الرابع؟
  - معطلة، لا يوجد سوى كاميرا واحدة لمراقبة روبيرت وهي الموصلة على هاتفي.
  اجل بالتأكيد ، خشية من أن يعثر عليه أي شخص!
امأت له و ابتسمت قائلة
  - لا مشكلة إذاً، ساعة كل يوم ستساعد.
  - ساعة ؟!
  - قليل؟
  - كثير، نصف ساعة تكفي.
  - حسناً، نصف ساعة.

خارج نطاق الخدمة | Out Of Order Where stories live. Discover now