البارت الرابع عشر

57 8 0
                                    

وجودك معي هو الشيء الوحيد الذي يُبقي عقلي في محله
_. _. _. _. _. _. _. _. _

أنا خائفة، هذا ما أشعر به الآن، هذا ما شعرت به سابقاً، هذا ما سأشعر به مستقبلاً، هذا ما أشعر به دائماً.
و كلما ازداد خوفي، كلما ازداد تمسكي بشجاعتي الزائفة.
كنت أنظر إليه وهو يتحدث مع عدي بشأن إجتماع سيتم عقده صباح الغد، كان حاجباه معقودان ،ملامحه متناسقة، فكه عريض، لولا أن المثالية غير موجودة لقلت عن ملامحه بأنها مثالية، خسارة تلك الملامح الرجولية الجذابة على ذلك الوغد، حمداً لله إسحاق وسيم و ليس مثله، هو أيضاً وغد، ولكن وغد صغير يمكن إصلاحه.
كان يقف بإستقامة ، دائماً تكون عيناه مصوبة على عين من يتحدث معه، لا يحني رأسه أبداً، يعرف بالضبط من هو،. يعرف بالضبط ما هو قادراً على فعله، يعرف بالضبط كيف يجعل جميع من تحت رحمته عبيداً، أتساءل ماذا أحبت لونا فيه، أتساءل كيف كان معها، كيف لم يصلحه حبها، هل حقاً تزوجا عن حب أم قام بفرض نفسه عليها؟ يبدو لي كهذا النوع الحقير من الرجال.
إلتفت لينظر إلي ، تباً هل فكرت بصوت مرتفع؟! ابتلعت ريقي و حاولت الثبات، حاولت و حاولت.
- ماذا عنك؟
قضبت حاجباي و سألته
- عفواً.. ماذا؟
- بت إسمع اسمك كثيراً مؤخراً.
استطيع الشعور بضربات قلبي السريعة، ابتسمت و أجبته
- يسعدني سماع ذلك.
- لم تسألي إن كان بالخير أم بالشر.
- يكفي أنه وصلك.
قُلتها بثقة ، بشجاعة ، انا لا آهبه. انا لا إفعل ، ضحك ساخراً، نظر إلى عدي ثم عاد لينظر إلي، استطيع الشعور بتلك الركلة التي ركلني إياها عدي، لازلت على إبتسامتي، لا زلت ثابتة.
- ردودك تثير إعجابي.
أقترب مني خطوة ، لم أتراجع للخلف، لأنني إن فعلت، لن أتراجع خطوة، بل سأهرب!
- ولكن أتعرفين ما هي مشكلتك؟
- لا، أخبرني
إنحنى إلى مستواي و قال بهدوء
- إنها تأتي مع الشخص الخاطئ، في الوقت الخاطئ.
كنت أراقب حركة عينيه، كان يتفرس ملامح وجهي، يحاول حفظ ملامحي كي يأتي لقتلي! إلتزمت الصمت فاعتدل في وقفته و قال مغيراً مجرى الحوار.
- على كل، كيف هو إسحاق؟
- بخير، طالما لا يتعرض للاستفزاز و التوتر و العنف.
ركلني عدي مجدداً ،ذلك الحقير لماذا يركلني؟ ليضع يده على فمي كي يخرسني، ليقم بحملي و إخراجي من هنا!
رفع راكان حاجبيه لثانية، ابتسم ساخراً و أجاب
- أي انه لازال معتوهاً،. أليس كذلك ايتها الطبيبة؟
معتوهاً!! أشعر بفوران الدماء في عروقي، أشعر بالغضب.
- إسحاق ليس معتوهاً.
ضيقت عيناي ثم تابعت بحدة
- و انت تعلم هذا جيداً، أنت أكثر من يعلم مدى قدراته الجسمانية و الذهنية، ولكنك تصر على جعله مريضاً.
أظنني أغضبته عن طريق الخطأ، استطعت رؤية تحرك فكه حين ضغط على أسنانه ، مسح عدي وجهه بجانبي، أظنه فقد الأمل مني، أظنني لن أخرج على قيد الحياة اليوم، إقترب مني راكان خطوة أخرى قائلاً.
-نحن لا نحكم على السباح بالمهارة من وقوفه على الشط، يجب أن يُلقى بين الأمواج ليثبت كفاءته.
-سيثبتها بمدرب ماهر يعلمه كيف يسبح، وليس بربط قدميه بالأثقال و مشاهدته يغرق!
- تحبين التفلسف إذاً.
- بل أحب المنطقية.
إبتسم، مسح شفته السفلى بإبهامه و قال
- أجل ، بالتأكيد ، لم يدفع زوج أختك الكثير من الأموال على تعليمك لتصبحي عاطفية أليس كذلك؟ ما كان اسمه؟ أظن رسلان.
لوهلة شعرت و كأن قلبي توقف، و كأن معدتي تقلصت ، أشعر بالبرد في أطرافي، تسمرت في مكاني فتابع
- دعيني أنصحك نصيحة و لتبقى بيننا.
بقيت في مكاني، أقترب مجدداً، أقترب و همس لي
- لا أحد يتحدى شخص أقوى منه إلا في حالتين، الأولى أنه شخص أخرق يجهل عواقب تراهاته، الثانية انه لا يملك ما يخسره.
كل حرف خرج من فمه، كان مؤلم، مؤلم كسوط يُضرب به قلبي مراراً و تكراراً، إبتعد قليلاً لينظر إلى عيناي، ليتأكد من أن كلماته أخترقت روحي، ابتسم و تابع
- لديك الكثير لخسارته، أليس كذلك؟
لازلت على صمتي، لازلت لا أقوى على التحرك، على التنفس، على الرمش.
- هذا ما ظننته.
ابتعد ، أشار لي قائلاً وهو يرحل
- القاك في الجوار ايتها الطبيبة.
قام بتهديدي بعائلتي ، هددني لأنني تحديته بالكلام، ماذا سيحدث إن علم بشأن عمر! ابتلعت ريقي و ظللت أراقبه يرحل.
-كنتي شجاعة.
إلتفت إلى عُدي ، رفعت حاجباي بدهشة فتابع
- لم أرى شخصاً يمتلك تلك الشجاعة من قبل.
حاولت السيطرة على مشاعري التي تم إتلافها، حاولت السيطرة على وتيرة أنفاسي
- لقد هددني بعائلتي، هل حقاً قد يؤذيهم؟!
قضب عدي حاجبيه و قال مستنكراً.
- ماذا؟ بالتأكيد لا لن يفعل.
- ما أدراه بتلك التفاصيل إذاً؟
- بيان ، لا أحد يدخل إلى ذلك المكان بسهولة، يتم فحص ملفات المتقدمين للعمل بدقة.
- ولكنه لا يفحص الملفات بنفسه، اليس كذلك؟
- أجل ، ولكنك المسؤولة عن ابنه.
ابتلعت ريقي ،لازلت أشعر بضربات قلبي السريعة، انا متعبة ، يجب ان ارحل، أشعر بالاختناق، حقاً أشعر بالاختناق
- سأذهب.
اقترب مني و سألني بقلق.
- هل انتي بخير؟
امأت عدة مرات و تابعت
- أرغب في النوم،
- يمكنك آخذ اليوم إجازة إن اردتي.
-لا لا، سآتي و لنترك إجازتي لنهاية الاسبوع.
اماء لي و بعدما ودعته و وقف يراقبني أرحل، لا ادري كيف حملتني اقدامي ولكن ما إن صعدت إلى الحافلة و جلست حتى إسندت رأسي على الزجاج و الكثير من الأفكار بدأت تراودني ، لقد ظننت بأنني أخاطر بحياتي فقط ليس و كأن الأمر سهل، ولكنه أهون من أن أُهدد بعائلتي، بالشيء الوحيد الذي أملكه في هذا العالم.
أكان تهديده فقط لأنني تطاولت معه؟ أم يقصد شيئاً عن عمر؟ ولكن ما ادراه بشأن عمر؟ أم ان عدي أخبره بأن حالته تتحسن؟ ولكن لو فعل ذلك لما كان تركني راكان أتابع معه، أظنهم سمحوا لعدي بإحضار شخصاً لمساعدته ظناً منهم أن عمر في الحالة النباتية، رأسي يؤلمني،. لا استطيع التوقف عن التفكير، عن الشعور، عن الخوف ، ما الذي ألقي بنفسي فيه!
نظرت من النافذة فكانت الحافلة بالفعل تحركت، كنا على وشك الخروج من البوابة، زفرت بضيق و تمتمت
- ربما الهرب هو الحل.
أهتزت الحافلة بقوة جراء ذلك المطب الذي صعدنا عليه فانسكبت القهوة على ثيابي
- سحقاً!
نظرت إليها بصدمة متفاجئة من انها لازالت في يدي بعد كل ما حدث، لقد نسيت أمرها، لازالت دافئة، تعجبني نوعية الاكواب المستخدمة في المستشفى.
أعدت رأسي إلى الخلف بيأس، لا طاقة لي حتى على تنظيف ثيابي ، انا بخير، انا هادئة

خارج نطاق الخدمة | Out Of Order Where stories live. Discover now