البارت الاثنين و عشرون

52 9 0
                                    

ادري انني لست مثالية، ولكني أحاول اقسم"
_. _. _. _. _. _. _.. __.

لا ادري هل حظي سيئ أم ان الأمر صعب، ولكن لا نستطيع الوصول إلى أي اشارة، أي شيء، كان هذا يومنا الخامس، هذه محاولتنا الخامسة، لازالت الحرب قائمة، المدن التي يتم قطع الشبكات عنها تزداد، كان مسلم يبذل قصارى جهده، حتى تمارا كانت تساعد في هذا، و بالتأكيد الدافع خلف مساعدتها تلك واضح وضوح الشمس، تمارا لا تحب وجودي هنا، و هي محقة في ذلك.
كنت أتمشى بلا هدف بين الممرات ، ذهبت ميرا كالعادة إلى الجناح الطبي و تركتني وحدي، لمحت عمر يتحدث مع جماعة من الرجال، كان الجميع يوليه كامل الاهتمام، ذلك الرجل به كل مقومات القيادة، لازلت لا أستطيع استيعاب ان روبيرت هو عمر، عقلي يرفض استيعاب هذا، يرفض استيعاب انهما نفس الشخص، و ما قام بترسيخ ذلك المعتقد المعاق في رأسي هو حلاقته لشعره، الآن هو شخص آخر، روبيرت ليس عمر، عمر ليس روبيرت.
إنتبه إلى وجودي فترك من كان يتحدث معهم و اقترب مني، سائلاً
  - إذاً ، حالفكم الحظ؟
  حركت رأسي نافية و أجبته بضيق
  - الحرب مستمرة، من المتوقع ان يتم قطع الشبكات عن الدولة بأكملها.
  - هذا سيء.
  - اجل ، كثيراً.
  ساد الصمت للحظات قبل أن يسأل
  - أهناك شيء تقومين به الآن؟
  ضحكت ساخرة و أجبته
  - لا ، انا احيا بلا هدف.
  - تعالي معي، هناك شيء أريد ان اريك إياه.
  قضبت حاجباي و سألته بفضول
  - ما هو؟
  - فقط تعالي.
  - آخر مرة قُلت بها هذا أُصبت بإكتئاب لعدة أيام و لم أتعافى بعد.
  ابتسم و قال وهو يهم بالرحيل
  - لا، هذه المرة شيء جيد.
........
صعدنا درج حتى وقفنا أمام باب كبير، وضع عمر بصمته في المكان المخصص له فأضاء الجهاز باللون الاخضر، أمسك مقبض الباب و فتحه  و بعدما دخل تبعته بفضول.
كاد فكي يُلامس الأرض وانا انظر إلى تلك الصالة الشاسعة أمامي، كل انواع الأسلحة تقريباً متراصة على الطاولات على طول الصالة، حتى الأسلحة البيضاء كانت معلقة على الجدران، مشيت بحذر وانا أتفحص المكان بعيناي ، كان في الجهة المقابلة مجسمات التصويب، لم أرى في حياتي شيء كهذا من قبل، نظرت له و سألته
  - ما هذا المكان؟!
  - الا تريدين التعلم؟
  نظرت إليه و أجبته
  - انا طبيبة، انا لست قاتلة.
  اتجه إلى احدى الطاولات و قام بسحب مسدس ما قائلاً
  - ليس في ذلك العالم، ليس في هذا الزمان.
إلتزمت الصمت فتابع وهو يملأ الخزانة
  - لكي تنجي يجب أن تتعلمي كيف تقاتلي لأجل حياتك، كيف تحاربي لأجل نفسك.
نظر لي و قال
  - اقتربي.
  - انا لا احب تلك الأشياء.
  - هيا بيان، هذا مجرد تدريب ليس أكثر، لن تقتلي أحد اليوم هذا وعد.
  ابتسمت و ذهبت له، ربما أرغب في قتل احد اليوم من يدري؟
اقترب مني و بدأ يشرح لي اجزاء المسدس، أخبرني كيف أفتح الخزنة، كيف أعبئها بالرصاصات ، كيف اغلقها، كيف أمسك المسدس، كيف أصوب ، كيف أقف، و كم بدى هذا سهلاً نظرياً، حفظت ما قاله بسرعة، ولكن لو أتينا للجزء العملي؟ تباً.
  كنت أقف على بعد عدة امتار من مكان التصويب، رفعت يدي اليمنى بالمسدس، حاولت التظاهر بأنني متمرسة في الأمر و استطيع إطلاق النار بيد واحدة، أغمضت عيني اليمنى و حاولت التركيز، هناك شيء خاطئ في وضعيتي ولا أستطيع تحديده.
  - كيف؟ كيف سيحدث هذا؟
  انزلت المسدس و سألته بضجر
  - ماذا هناك؟
  - لماذا أغمضت عينك؟
  - لأركز.
  أخذ نفساً عميقاً ، ما به؟ لا حق... مهلاً، لقد أغلقت العين في الاتجاه الذي سأصوب به، وضعت يدي على فمي و نظرت إليه بحرج.
نظر إلي فابتسمت و أجبته
  - أخبرتك لا أحب تلك الأشياء.
  - لا علاقة لمشاعرك بمستوى الذكاء الذي أظهرته الآن.
  زفرت بضيق و عدت إلى وضعيتي من دون أن أغلق عيني هذه المرة.
  - ارفعي يديك قليلاً.
  رفعت يدي، حاولت التركيز، حاولت الثبات، أخذت نفساً عميقاً.
  - واحد ، اثنان، ثلاثة، اطلقي.
  اطلقت اول طلقة من المسدس، لم تُصب المجسم لا من قريب ولا من بعيد، هذا محبط، نظرت له و قُلت
  - انا لم احب هذا المسدس، اعطني شيئاً آخر.
  نظرت إلى الطاولة، كان هناك رشاش كبير الحجم، احببت شكله كثيراً ، أشرت إليه و قُلت
  - هذا يعجبني.
  - بيان ،تعلمي امساك ذلك الشيء في يدك أولاً و بعد ذلك نتحدث.
  صوبت المسدس تجاهه و قُلت.
  - قُلت لك، أعطني، الرشاش.
  ابتسم فسألته
  - ما المضحك؟
  ضرب معصمي بيده اليسرى و  المسدس بيده اليمنى في الجهة المعاكسة و في أقل من ثوان كان المسدس في يده، مصوباً نحو رأسي، تراجعت للخلف خطوة، لا ادري كيف قام بهذا، ولكن تباً احببت تلك الحركة
  - هذا رائع!
  - اعجبتك؟
  - كثيراً، ربما تعلمني تلك الحركات عوضاً عن التصويب، ما رأيك؟
  - لا، لن يحدث.
  أعاد المسدس لي و قال
  - هيا لنبدأ من جديد.
  أخذت المسدس منه، عدت إلى وضعية الوقوف التي علمني إياها، كان صبوراً معي، تماماً كما كنت معه، و كأنه يرد لي جميل ما حدث ولكن بطريقته، لا أنكر انني احببت هذا، القوة التي شعرت بها حين أمسكت السلاح للمرة الثانية، احببت كيف لهذا الشيء القدرة على إخراج الغضب مني، و في نفس الوقت كرهت هذا كثيراً، ماذا إن كان في يدي و انا غاضبة؟ ماذا إن أذيت به شخصاً ما، انا طبيبة، انا لست بقاتلة ، انا لست بقاتلة ، انا لست بقاتلة "رحيلك من هنا سيقتلني أيضاً" أهذا يعني أنني قاتلة؟
........
حاولت تدليك ذراعي الذي تيبس و قُلت
  - ولكن اتعلم أمراً؟ أظنني بدأت أجيد الأمر.
  - اجل اجل صحيح.
  - اتسخر مني؟
  - بالطبع انا أفعل. آمن مكان من رصاصاتك هو الوقوف مباشرة أمامك.
  قد يكون محقاً، لا بل هو محق، انا سيئة في هذا الأمر كثيراً، أنظر في جهة و أطلق النار في الاخرى، نظرت إلى الجدران الصخرية، لامستها بأناملي و سألته أثناء سيرنا
  - كيف عثرتم على هذا المكان؟
  - هذا المكان إرث.
  قضبت حاجباي و نظرت إليه سائلة
  - ماذا تقصد؟
  -كان أبي هو المهندس الذي صممه.
  - حقاً!! كيف؟
  - كانت الحرب على مشارف البدء، أعلنت الدولة عن حالة طوارئ قسوة، عن التجنيد الإجباري بدءاً من السادسة عشر، كانت البلدة هنا تقع داخل مربع الخطر، فباتوا محاصرين من كل الجهات، إما الذهاب إلى التجنيد و الموت بسبب قلة الخبرة لدى البعض في القتال، و إما البقاء و الموت بسبب الغارات و الحرب.
  ابتلعت ريقي ، لامست ذلك الحزن في نبرته، في نظراته، سألته
  - لهذا بحثوا عن مخبأ ليأويهم؟
  - تعمير هذا المكان و جعله صالحاً للحياة كلف الكثير من التضحيات، لقد باعوا كل ما لديهم ليشاركوا في بناءه قبل ان يذهبوا الى التجنيد فقط ليحموا عائلاتهم، ليكون بالهم مطمئناً عليهم.
  - هل أخذوا جميع الرجال؟
  - ليس جميعهم، اتفقوا فيما بينهم على ان يذهب جزء في مقابل ان يعتني الجزء الآخر بعائلاتهم.
  - و الحكومة لم تكتشف؟
  - لا، ما عادت الحكومة تكترث بمن على قيد الحياة و من قد فارقها، كانوا يبحثون عن الرجال بعشوائية، في البيوت و الشوارع و يتم سحبهم إلى ساحة المعركة، و لتجنب عثورهم على المخبأ كان هناك رجال ضحوا بحياتهم و تطوعوا فقط لتبتعد الحكومة عن هذه البلدة ولا تبحث أكثر، كان أبي من ضمن الأشخاص الذي تطوعوا و كذلك والد تمارا.
  - ولكنك تطوعت فيما بعد أليس كذلك؟
  - ليس تماماً.
  وقف في مكانه، نظر لي و سألني بهدوء
  - هل تؤمنين بأن الشخص قد يقوم بأشياء سيئة لأهداف جيدة؟
  حركت كتفاي و أجبته
  - على حسب مدى سوء تلك الأشياء.
  - إن كانت سيئة ، سيئة للغاية، أهذا يجعل منه شخصاً سيئاً؟
  ابتلعت ريقي و بدأت أشعر بالارتباك ، كان ينظر إلي و كأن حياته تعتمد على إجابتي.
  - لا ادري ، لم أفكر في شيء كهذا من قبل، الأمر أشبه بأن تقتل مريضاً لتنقذ مريضاً آخر .
  - عمر.
  إلتفت كلينا إلى مصدر الصوت فكانت تمارا ، اقتربت منا بسرعة و قالت
  - كنت ابحث عنك في كل مكان، أين كنت؟
  -  مع بيان.
  قالها بهدوء ، لماذا يتعامل معها هكذا؟
نظرت إلي تمارا بطرف عينها ثم عادت لتنظر إلى عمر، حاولت الحفاظ على ثباتها و قالت
  - هناك قوات عسكرية على الطريق بالقرب من البلدة، لا ندري إلى أين تتجه ولكن ربما عليك الذهاب و إلقاء نظرة
  - سحقاً.
  تمتم بها ، مسح وجهه ثم سألها
  - متى تم رصدها؟
  - قبل ١٠ دقائق.
  اماء لها وقبلما يتحرك سألته بسرعة
  - أيمكنني القدوم؟
  نظرت لي تمارا باستخفاف و قالت
  - هذه ليست رحلة.
  تجاهل عمر ما قالت، تجاهل وقوفها بجانبه بشكل مهين و أجابني
  - أجل ، تعالي.
  نظرت له تمارا بصدمة، حسناً الوضع ليس جيداً، العلاقة بينهما سيئة، تباً بيان و ما شأنك؟ دعي الناس و شأنها، حمحمت و تراجعت خطوة للخلف قائلة
  - اتعلم، نسيت اخبار ميرا بشيء مهم.
  كاد يوقفني الا ان تمارا امسكت ذراعه و حثته على التحرك قائلة
  - هيا.
  نظر لي لمرة أخيرة قبل ان يتركاني و يرحلا ، لم أقصد التطفل، لم أقصد مضايقة تمارا انا فقط شعرت بالفضول، ربما يجب أن احذر في تعاملي مع عمر، هو لم يعد مريض، لقد عاد إلى وعيه، وقف على اقدامه، عاد إلى حياته، يجب ان اعيد النظر في تعاملي معاه بناء على تلك المتغيرات، يجب ان أضع حدوداً لتعاملنا.
.......
توجهت إلى الجناح الطبي بحثاً عن ميرا فلمحتها تقف في إحدى الغرف، تنظر إلى شابة جميلة بجانبها و تشرح لها كيف توقف النزيف، استندت على الباب وانا أنظر إليها، قوية ، صديقتي القوية، ليتني بمثل قوتها، ليتني أستطيع أن أكون مثلها، انتبهت إلى وقوفي فابتسمت و نادتني
  - بيان، اقتربي.
  اقتربت منها فعرفتني على الشابة بجانبها قائلة
  - هذه ميس، و ميس هذه بيان، معالجة نفسية و.. طبيبة مخ و اعصاب.
  ثم همست لها بصوت وصلني
  - ولكنها مجنونة، كل من وقع تحت يدها فقد عقله
  قامت بحركة بيدها بمعنى " فقدان العقل"، ضربتها على كتفها و قُلت
  - سمعتك ايتها الــ..
  كدت أكمل الا انها قاطعتني و قالت
  - لا ألفاظ سيئة.
رفعت حاجباي بدهشة و قُلت
  - ما كُنت سأقول لفظاً سيئاً... انا لا أقول بالأساس!
  ضحكت ميس على سماجتنا فقالت لها ميرا
  - على كل حال، هذا يكفي لليوم، أعلمك شيئاً جديداً بالغد إن شاء الله.
  - حسناً
  ودعتنا و خرجت من الغرفة، جلست على السرير الطبي فسألت ميرا وهي تعيد الأغراض إلى مكانها
  - ما بك؟
  - لا شيء ، انا بخير.
  - كاذبة.
  - صدقيني انا بخير.
  اقتربت مني، نزلت إلى مستواي و نظرت مباشرة إلى عيناي
  - ما هذه الدموع؟
  قلبت عيناي و قُلت
  - انا لا ابكي توقفي عن هذا
  همهمت بعدم إقتناع فسألتها بصوت منخفض
  - هل سمعت بما حدث؟
  ولتني كامل إهتمامها و سألت
  - ما الأمر؟
  - رصدوا قوات عسكرية بالقرب من هنا، أيعقل أن يكون راكان؟ هل استطاع تعقبنا؟
  اتسعت حدقتيها و سألت
  - اتمزحين؟؟
  - اقسم.
  - متى حدث هذا؟
  -ربما يكون هذا من ١٥ دقيقة للآن.
  - أين عمر؟
  - ذهب ليتفقد الأمر، اردت الذهاب معه ولكن تمارا لم تتقبل الفكرة.
  ضحكت ميرا ساخرة و قالت
  - تلك المرأة تشعر بالغيرة منك، الجميع لاحظ هذا.
  زفرت بضيق و أجبت
  - و هي محقة، اي انظري كيف يتعامل معها عمر! الرجل يعاملها ببرود، اقسم انني إن تزوجت و عاملني زوجي المستقبلي هكذا سأنفصل عنه.
  - المشكلة ليست في كيف يتعامل معها هي.
  نظرت لها بعدم فهم فقالت بسرعة
  - لا عليك، ليس هذا مهماً.
  مسحت وجهها ثم أكملت
  - ما يهم الآن هو تلك القوات، بدأت أشعر بالقلق الآن.
  - وانا أيضاً.
  نهضت عن مكاني و قُلت
- لن استطيع الجلوس هكذا، الفضول يأكلني.
تركتها و خرجت من الغرفة فسمعتها تسأل
  - إلى أيــن؟
  - إلى شخص يشبع فضولي.
........
كنت أبحث عن أي شخص أعرفه، شخص من دائرة عمر ولكن لا أحد منهم متواجد، جميعهم اختفوا، فحصت الساحة في الطابق الأول بعيناي، ربما يكونوا في نفس الغرفة حيث تصنت ع... اقصد سمعتهم بالخطأ المرة السابقة، توجهت إلى هناك، حاولت تذكر الطريق في تلك المتاهة تحت الأرض، نظرت إلى الممر الذي انا فيه، أظنني في الطريق الصحيح.
وقفت أمام الباب، استطيع سماعهم يتحدثون، كدت اطرق ولكن توقفت يدي في منتصف الطريق، ربما هذه فكرة سيئة، قدومي إلى هنا كان قراراً سيئاً ، إلتفت و ما كدت أرحل الا و تسمرت حين فُتح الباب خلفي، أغمضت عيناي، تباً، تباً.
  - بيان؟
  كان هذا صوت مسلم، تنفسي، تنفسي، التفت و ابتسمت قائلة
  - مرحباً، كيف حالك؟
  نظر إلى باستغراب، و أجاب بشك
  - بخير، ما الذي تفعلينه هنا؟
  إن شكوا في امري و قرروا قتلي لن أغضب، انا استحق هذا بسبب قراراتي السيئة، القيت نظرة خاطفة خلفه
كان عمر ينظر إلى شيء ما على الشاشة أمامه و تمارا بجانبه و كذلك غسان، جوزيف، مالك ، نظرت إلى مسلم و أجبته
  - في الواقع ساورني الفضول تجاه تلك القوات، خشيت ان تكون تابعة لراكان.
  - كيف علمت بذلك الأمر؟
  - كنت مع عمر حين أخبرته تمارا بذلك.
  اماء بتفهم و قبلما يتحدث ناداني عمر قائلاً
  - بيان ، تعالي.
  نظرت إلى تمارا ثم عدت لأنظر إليه و قُلت
  - فقط اريد ان اعرف إن كانت تابعة لراكان ام لا،صدقني لا اكترث لمعرفة شيء آخر.
  كذب، انا دائماً أرغب في معرفة المزيد.
  - حسناً تعالي ، ما بك؟
  نظرت إلى مسلم بجانبي، ضحك و قال
  - لن نأكلك لا تخافي هكذا.
  إن كنت لن تفعل هذا لا يعني ان تمارا لن تفعل، مجيئي إلى هنا ككل قرار إتخذته في حياتي كان فكرة سيئة، دخلت إلى الغرفة و نظرت إلى الشاشات المعلقة في كل مكان، كانت غرفة مراقبة، اشار عمر إلى إحدى الشاشات و قال
  - ستمر من هنا خلال خمس دقائق من الآن.
  نظرت له ثم عدت لأنظر إلى الشاشة، قال مالك
  - الا يجب ان نتجهز تحسباً لأي هجوم؟
  نظر عمر إلى جوزيف و قال
  - تواصل مع الرجال في المزرعة و اطلب منهم العودة.
  اماء له جوزيف و قبل ان يخرج حذره عمر
  - لا تنشر إعلاناً بهذا، لا نريد إقلاق أحد.
  ابتسم جوزيف و قال
  - حسناً.
  خرج فأعاد عمر شعره إلى الخلف و عاد لمراقبة الكاميرات من جديد، ظهرت القوات على الطريق، دبابتان  و خمس مضرعات،  تقريباً سبعة سيارات مصفحة، قضبت حاجباي و تمعنت النظر فيها.
  - هذه ليست تابعة للمدينة الطبية، ولا للدولة!
  قضب عمر حاجبيه و سألني
  - ما ادراك؟
  أشرت إلى الشاشة و قُلت
  - أنظر إلى زي هؤلاء العساكر، هذا ليس لون زينا العسكري.
  قلبت تمارا عينيها و قالت
  - لا تهذي ، هذا هو اللون.
  حركت رأسي نافية و قُلت بإصرار
  - لا ، اقسم ليس هو، هناك شيء مختلف بشأنه ، هناك شيء مختلف بشأن هذه القوات، ليست تابعة للدولة.
  نظرت إلى عمر و قُلت
  - ليسوا جنوداً، هؤلاء ليسوا جنوداً صدقني.
  نظر إلي عمر ، عاد لينظر إلى الشاشة و تمعن بها، طلب من غسان أن يوقف الصورة، و حين فعل قام بتقريبها أكثر، الرمز الخاص بالدولة المطبوع على المضرعة به شيء خاطئ، الجنود ثيابهم مختلفة، الألوان متقاربة ولكن ليست هي، تمتم عمر في سره
  - الناسخون!
  بدأوا جميعهم يتمعنون في الصورة، أدركوا أخيراً ما اتحدث عنه، قال مسلم
  - سحقاً لهم
  نظر غسان إلى عمر و سأله
  - ماذا نفعل؟ هل نجهز المدافع؟
  - إياك.
  نظر الجميع إلى عمر بصدمة فسأله مالك
  - ماذا إن هاجمونا؟ لن تستغرق إبادتنا أكثر من دقائق!
  -لا يجب أن نكشف عن مكاننا.
تدخلت تمارا
  - عمر، اتسمع اذناك ما يخرج من فمك؟ يجب أن ندافع عن أنفسنا، يجب أن نجهز مدافعنا.
  ضرب عمر الطاولة و قال بحدة
  - سيتم تنفيذ ما أقوله، أهذا واضح؟
  وجه كلامه إلى مالك و غسان و قال
  - قوما بإيقاف الحركة أغلقا جميع الأضواء و الاجهزة، أطلبا من الجميع العودة إلى غرفهم و عدم الخروج منها مهما حدث.
  نظرا له بتردد قبل ان يخرجا، ألقت تمارا القلم الذي كان في يدها و قالت
  - ما كان هذا الآن؟ هل انت مدرك لما تقوم به؟
  لم يكلف نفسه بالنظر إليها حتى، لقد فهمت مقصده، فهمت خطته، الناسخون هم جماعات متنقلة لا يُعرف مصدرها، تدخل إلى الدولة كالجراد، تقضي على كل شيء، تدمر و تُفسد ما تلقاه أمامها دون هدف حتى، تتنكر تلك الجماعات على حسب الزي الرسمي لقوات الدولة التي تدخل إليها ولكن دوماً يكون هناك شيئاً مختلفاً بهم، هناك دائماً رمز مفقود من زيهم، لا ادري اهذه صدفة ام هذا قصد منهم لإضافة التشويق إلى لعبتهم الدموية، ولكن هذا ما أخبرني به رسلان، اسلحتهم متقدمة و مختلفة هم من يصنعونها.
دخلت القوات إلى البلدة و ما إن توقفوا حتى تم فصل التيار عن المكان بأكمله.
  - هذا رائع
  قالتها تمارا بتذمر، المكان معتم، لا يُسمع سوى صوت أنفاسنا، لحظات و بدأت الشاشة أمامنا تعمل من جديد فأضاءت البقعة حولنا، وقف مسلم بجانبي يراقب بحذر ما يحدث، بدأوا يترجلوا من سياراتهم و من المضرعات، بدأوا يتفحصوا المكان بأعينهم ، أشار لهم قائدهم بأن ينتشروا فبدأوا بالانتشار ،دخلوا إلى المباني القديمة، المحلات، البيوت، كانوا يكسرون الأشياء، طريقة بحثهم مخيفة، و كأنهم يعلمون بوجودنا هنا، و كأنهم يشعرون بهذا و بعد ما يقارب العشر دقائق من البحث عادوا من جديد و ركبوا المضرعات خاصتهم، بدأوا يرحلوا.
  - اهذا فقط؟
  سأل مسلم بهدوء فأجبته
  - لا ، لم ينتهي الأمر بعد.
  نظر لي و سأل.
  - إنهم يرحــ..
  بتر جملته على صوت ذلك الإنفجار القوي بالأعلى، المضرعات رحلت ولكن الدبابة لازلت واقفة، تطلق بشكل عشوائي، من قوة تلك الإنفجارات بدأنا نشعر بها هنا، نشعر باهتزاز الأرض، السقيفة بدت ولو كأنها ستسقط فوق رؤوسنا، تشبثت بالطاولة و كأنها ستنقذني إن حدث شيء، لم ينزل أي منا عينه عن الشاشة، ننتظرها ترحل، يجب ان ترحل قبل ان ينهار المكان، ولكنهم لا يرحلوا قبل ان يُشعلوا النار في المكان الذي هم فيه، لا يرحلوا قبل أن يتأكدوا من دمار كل شيء، و ما إن نشبت النار في إحدى المباني حتى بدأت الدبابة تتحرك، و كم بدت تلك الدقائق كدهر!
تنهد عمر و أغلق عينيه، جاءه صوت مالك من اللاسلكي يسأله
  - لقد رحلوا، هل نعيد التشغيل؟
  راقب عمر رحيلهم من جميع الشاشات، قضب حاجبيه ثم قال
- لا، لا تفعل، ليس الآن.
  نظر له مسلم و سأله
  - لماذا؟
  -  السيارات المصفحة، لقد جاءوا سبعة و غادروا ستة، هناك سيارة لم تغادر بعد.
  بدأنا نتفقد الكاميرات كلها بحذر، انهم ماكرون، لو تركوا مضرعة او دبابة لتم ملاحظتها ولكنم تركوا سيارة!
  - ها هي
  قُلتها وانا أشير إلى الشاشة امامي، كانت السيارة تتحرك بسرعة في شوارع البلدة و بعد ما يقارب العشر دقائق من البحث غادرت، أخيراً.
......
عاد التيار الكهربائي من جديد، أخذت نفساً عميقاً، و اغمضت عيناي ، كم بدى هذا ككابوساً مزعجاً! الناسخون و جنود راكان، لا ادري أيهما أشد سوءاً!
  - احسنتِ صنعاً.
  فتحت عيناي و نظرت إلى مصدر الصوت، كان عمر ينظر  إلي ، ابتسمت و لم أجد إجابة مناسبة لا تزيد من غضب تمارا تجاهي، حمحمت و قُلت
  - إذاً.. عادت المياه إلى مجاريها، سأذهب.
خرجت من الغرفة و أغلقت الباب متجنبة النظر إلى تمارا، و حقاً اكثر ما بخيف بتلك المرأة هو هدوءها و صمتها.
                                    O. O. O

  <<<< شيء سيء،. انا أشعر بشيء سيء، الظلام حالك، انا اختنق >>>>
فتحت عيناي فجأة احاول استيعاب ما يدور حولي، انا في الغرفة، ميرا نائمة بجانبي، إبتلعت ريقي و اعتدلت في جلستي، اشعر بثقل الأكسجين على رئتاي، قلبي يؤلمني، قلبي يؤلمني كثيراً، هناك غصة في حلقي، نهضت و التقط كاسة الماء من على الطاولة  و شربتها كلها، هناك شيء يُضايقني و أعجز عن تحديده، شيء يجعلني أرغب في البكاء، انا اختنق ، التفت إلى ميرا فكانت لازالت نائمة، رفعت شعري بربطة الشعر و أخذت حجابي من على الكرسي، لا استطيع البقاء هنا.
......
المكان هادئ للغاية، الأضواء خافتة، لا ادري كم الوقت بالضبط ولكن أظنها تخطت الثانية عشر مساء، أحب هذا الهدوء كثيراً، ولكن لا احبه حين يكون هناك الكثير داخل عقلي فأكون بحاجة إلى ما يشتتني عن التفكير.
اتجهت إلى مكاني السري عل وجودي هناك يخفف ذلك الثقل عن قلبي، و حين وصلت إلى نهاية الممر المؤدي إلى المكان سمعت صوت حركة هناك، تباً أيعقل ان يكون احد الناسخون؟ ابتلعت ريقي و اقتربت بحذر، لمحت شخصاً يقف، ولكن لا استطيع تميزه من ذلك الظلام بالكاد رأيت هيئته، انحنيت و التقط صخرة كبيرة من على الأرض و اقتربت بحذر، و ما إن اقتربت كفاية حتى إلتف ذلك الشخص و صوب مسدسه على رأسي فجأة.
  -  بيان؟ ، كدت اقتلك ما الذي تفعلينه!
  القيت الصخرة أرضاً و مسحت وجهي، حاولت أخذ نفساً عميقاً لاستيعاب ما يحدث، عمر، و بعد لحظات أجبته
  - ظننتك متسلل.
  - متسلل؟
  امأت عدة مرات ثم أجبته
  - لم أتوقع رؤية أحد هنا لذا، لا ادري انا لا ادري كيف أفكر الآن.
  - ما ادراك بهذا المكان؟
  - كنت استكشف الكهف فعثرت عليه صدفة.
  - حقاً ؟
ابتسم ثم تابع
  - ظننتني الوحيد الذي يأتي إلى هنا.
  - لا ، انا آتي كلما شعرت بالاختناق  و...
  انتبهت إلى نفسي، لا بيان، قُلنا سنضع حدوداً ، ارحلي
  - ولكن.. اتعلم ؟ انا بخير، سأرحل.
  تركته و ما كدت أرحل الا و تسمرت حين أمسك رسغي بيده الصناعية، و قال
  - انتظري، ما بك؟
  حاولت سحب يدي منه ولكن تباً ما هذا! رجل آلي؟! انتبه عمر إلى محاولاتي فابعد يده بسرعة و قال
  - انا اسف.
  ابتسمت و قُلت بعدها
  - انا بخير، حقاً، تصبح على خير.
  تركته و رحلت، أو هربت، كنت اهرب منه، اهرب قبل ان يكون هناك شيء، هربت قبل أن أشعر بهذا مجدداً، قبل أن  يراودني ذلك السؤال الذي بت امقته و امقت التفكير فيه
"لماذا هو" و من كل قلبي ليتني أعرف إجابته، ليتني أفهم.
لماذا هو؟
يتبع....

خارج نطاق الخدمة | Out Of Order Where stories live. Discover now