البارت الثاني عشر

57 11 0
                                    

لو أخترت نفسي ولو لمرة واحدة لما وصل بي الأمر إلى هنا!
_. _. _. _. _. _. _.

انا لا أقوم بهذا، لا لا من المستحيل أن أفعل شيء كهذا، انا لست ذلك النوع من البشر، ولكنني أقوم بها على أي حال.
لا ادري كيف أقنعني بشيء كهذا، لا ادري كيف وافقت.
ولكن حيث اقف الآن.. لا رجعة.
كانت الساعة الثانية ظهراً، ارتدي ثياب مسؤولين التنظيف في المستشفى، وضعت القناع الطبي على وجهي.
في يدي بخاخ سرقته من غرفة ادوات النظافة كما سرقت تلك الثياب التي ارتديها، ضربات قلبي تقرع كالطبول.
ماذا إن اكتشفوا امري!
انا الآن في أحد الممرات الموجودة بالطابق الأول، تحديداً أقف أمام مكتب المدير العام، أتظاهر بتنظيف زجاج الخزانة الموجودة بجانب باب المكتب، كانت ضخمة الحجم من الخشب، الزجاج كان لامعاً بالفعل حين أتيت ولكن تباً لا أدري ماذا أفعل غير ذلك!
هناك الكثير من الصور، الجوائز، الشهادات، أظن أن كل ذلك كان قبل الحرب النووية.
تمتمت بصوت منخفض
- هذه فكرة سيئة.
نكزني بعصا المكنسة و قال.
- ششش.. نظفي في صمت.
التفت لأنظر إليه ، كان يرتدي نفس الثياب التي ارتديها مع اختلاف الحجم ، وضع القناع الطبي على وجهه، قام بتغطئة شعره بما يشبه الغطاء الذي يستخدمه أطباء الجراحة. ارتدى نظارة لا ادري من أي جحيم سرقها أثناء سيرنا ولكنه فعل!
كان يقوم بكنس الممر وهو يدندن لحن ما، لم ادري أنه يمتلك صوتاً جميلا كهذا، ما هذا المزاج الجيد الذي هو به؟ هدوء الأعصاب و كأننا نلعب لعبة ما ولسنا نخاطر بحياتنا.
وضعت يداي على خصري و سألته باستنكار
- هل انت في وعيك؟
توقف مكانه، استند على عصى المكنسة، نظر إلي و غمز قائلاً
- كما لم أكن من قبل.
قلبت عيناي و عدت لأكمل ما أفعل، لا أصدق انني اقوم بهذا، انا شخص سيء، أنا أخون الأمانة، انا استغل احد مرضاي!
فُتح باب المكتب و كم جاهدت حتى أبقى ثابتة في مكاني، خرج رجل يبدو في الخمسين من عمره، امتزج شعره بين الأبيض و الأسود، ملامحه حادة، أعين بُنية، لحية إلى حد ما طويلة، بالنظر إلى هيئته، بدا لي عسكرياً أكثر من كونه طبيباً، ولكنه لا يشبه عُدي نهائياً، لا أصدق أن هذا قد يكون والده! بدا لي من نفس صلابة راكان عبد العزيز "القائد الأعلى".
تابعت ما أقوم به متحاشية النظر إليه فمر هو من جانبنا من دون حتى أن يعيرنا أي نوع من الاهتمام و ما إن تأكدنا من رحيله و خلو الممر من أي شخص حتى دخلنا بسرعة.
....
كانت غرفة المكتب إلى حد ما كبيرة
في الواجهة المكتب من أجود أنواع الخشب، لونه داكناً فأعطاه مظهراً فخماً، خلفه أرفف كتب على طول و عرض الحائط، الكثير و الكثير من الكتب، من جهة اليسار صور و شهادات معلقة على الحائط، بينما من جهة اليمين فهناك باب بُني من الخشب ولكنه مغلق.
دخلنا فأغلقت الباب بحذر و حين إلتفت وجدت إسحاق يعبث بشيء ما على جهاز الحاسب على المكتب.
- ماذا تفعل؟!
-أُلغي وضعية التسجيل في الكاميرا، ستراقب ولكنها لن تسجل.
اقتربت منه و ألقيت نظرة على الشاشة أمامه، كانت تصور كل مكان في المبنى، تمعنت النظر بحثاً عن الطابق الرابع أو السادس، بحثاً عن غرفة روبير...عمر ولكن لا شيء، إلى حد ما شعرت بالارتياح، ما إن انتهى إسحاق مما يقوم به حتى سألته
- أين يضع المفاتيح؟
ابتعد عن الحاسب، نظر إلي و قال
- هنا في أحد ادراج المكتب.
بدأنا نبحث سريعاً عنها ولكن لا شيء، بدأنا نبحث في أرفف الكتب، بين الكتب، بحثنا في كل مكان في تلك الغرفة، كلما سمعت صوتاً بالخارج شعرت بالهلع ولكن تباً المفاتيح غير موجودة!
- لا شيء ،حقاً لا شيء
مسحت وجهي بضيق وانا أنظر إلى تلك الأرفف امامي بخيبة أمل، عدت لأنظر إلى إسحاق فوجدته يبحث في ادراج المكتب مجدداً.
- لقد بحثنا هنا.
- متأكد من انه يضعها في مكتبه.
- الا يوجد احتمال أن يكون يحملها معه كما يفعل عُدي؟
-لا، المفاتيح الرئيسية لا يُخاطر بحملها معه.
زفرت بضيق و شعرت بخيبة أمل ولكن إسحاق؟ لم اره في قمة حماسه هكذا يوماً، نزل تحت المكتب كالقطط و ظل يتحسس المكتب بيده.
- إسحاق ، نحن نضيع الوقت، أظن بــ
ضحك فجأة و قال
- ألم أخبرك؟
قضبت حاجباي و اقتربت منه سريعاً، كان هناك دُرجاً سرياً صغيراً بالأسفل! أخرج إسحاق ثلاثة مفاتيح قائلاً
- بهؤلاء الثلاثة، يمكنك فتح أي شيء هنا.
ابتسمت بسعادة، هذا بالضبط ما احتاج إليه، قمت بإخراج جهاز ناسخ المفاتيح الصغير من جيبي.
- هذا رائع.
قالها إسحاق وهو ينظر إلى الجهاز يقوم بنسخ شكل المفتاح و حساب المقاسات بدقة و تابع
- من أين أتيت به؟
- صانع المفاتيح.
- هل أعارك إياه بتلك السهولة؟!
- فقط حين رآى بطاقة المدينة الطبية.
قمت بوضع الثلاثة مفاتيح و لحسن الحظ لم يكلفنا الأمر مزيداً من الوقت، لذا ما إن انتهيت حتى أعادهم إسحاق إلى مكانهم كما كانوا و أغلق الدرج كأن شيئاً لم يكن.
سمعنا صوت بالخارج، تباً لقد عاد!
نظرت إلى إسحاق فنهض بسرعة و أعاد الكُرسي إلى مكانه، سحبت المكنسة و المنظف سريعاً فسحبني هو تجاه ذلك الباب الموجود في المكتب.
كانت غرفة اجتماعات، بها طاولة طويلة تحيط بها المقاعد على كلا الجانبين، هناك المزيد من أرفف الكتب في تلك الغرفة، هناك نافذة، ربما يمكننا القفز منها.
- تباً يا بيان ما هذا؟
قالها بهمس، ولكن نبرته حادة، التفت إليه متساءلة عما يقصد فكان ينظر إلى المكنسة و المنظف في يداي.
همست بنفس حدته
- ماذا؟
- ما الذي تفعله تلك المكنسة في يدك؟
رفعت حاجباي و أجبته
- اووه.. ألن يشك حين يجد المكنسة تقف وحدها في منتصف الطريق؟
قلب عينيه و لم يُعقب، سمعنا صوتاً بالخارج، كان الدكتور موسى عاد و يتحدث مع شخص ما، إقتربت بحذر من الباب في محاولة للتنصت.
- أجل غرفة الاجتماعات جاهزة، سنبدأ ما إن يأتي البقية.
تبادلت النظرات مع اسحاق بصدمة! إلى اين سنذهب؟
أتجه إلى أرفف الكتب فهمست له
- إسحاق، يجب أن نقفز من النافذة!
لم يعرني أي اهتمام، اقتربت منه بسرعة فوجدته يتحسس شيء ما بجانب أرفف الكتب، بدأت الأرفف تتحرك ببطء، أهذا باب سري؟!!
فتحت عيناي على وسعيهما مندهشة من ذلك الممر الذي ظهر من العدم امامي!
- هيا ادخلي بسرعة
تحركت و بينما انا احاول المرور من جانبه لأدخل ارتطمت عصى المكنسة بوجهه فتمتم في سره
- اللعنة على تلك المكنسة
-انا اسفة. انت بخير؟
اماء لي و ما إن دخلت حتى دخل خلفي و أغلق الباب.
المكان معتم، لا استطيع رؤية يدي حتى، كنت أشعر بإسحاق يقف بالقرب مني، استطيع سماع أنفاسه الهادئة ولكنني لا اراه نهائياً، رائحة الرطوبة و العطن في ذلك المكان تثير الغثيان، همست بصوت منخفض
- ما هذا المكان؟
- ممر سري.
- اعرف أيها الحذق، أقصد إلى أين يؤدي؟
صمت لوهلة، هل تركني و رحل؟ كدت اسأل مجدداً الا انني احكمت غلق فمي حين شعرت به يهمس
- لا أدري ولا رغبة لي في ذلك.
إنه يكذب ، ما كان ليصل إلى ذلك الباب و يتوقف عند هذه النقطة، حتماً هو يعلم نهاية ذلك الطريق، حتماً إسحاق يعرف كل شيء في هذا المكان، كل غرفة، كل طابق، كل زاوية و مخبأ و حتى كل إنش.

خارج نطاق الخدمة | Out Of Order Nơi câu chuyện tồn tại. Hãy khám phá bây giờ