البارت السابع

74 10 0
                                    

لا يُعاير المرء بإضطراباته النفسية يا قبيحي الاخلاق!
؀؀؀؀؀؀
الذنب ذنبي، كان هذا خطأي، ما كان يجدر بي طلب وجوده معي، جسدي يرتجف، فقدت الأحساس بكل ما حولي، كنت في حالة صدمة، لم ابكي، لم تنزل دموعي، كنت أنظر إلى الغرفة أمامي حيث يتم تغسيله، أنفاسي هادئة، أنا السبب، لولاي لكان على قيد الحياة، أنا السبب، انا السبب،. هذا خطأي، ليتني لم أطلب منه المساعدة، ليتني لم اتركه وحده، انا السبب، ضربات قلبي سريعة، قوية، أشعر بتدفق الدم في عروقي،أنا السبب أشعر بتلك الضوضاء بداخلي، الكثير منها، ولكن من الخارج، استطعت الشعور بما يشعر به إسحاق، أشعر بإنفصالي عن جسدي
  - بيان
  رفعت أنظاري، كان عُدي ، جلس القرفصاء أمامي و قال بهدوء.
  - يجب أن تعودي لترتاحي.
  نظرت إليه ولم أعقب، لم أتحدث، حتى و إن اردت فلن استطيع، زفر و نظر إلي بحزن، ابتلع ريقه و استطعت رؤية الدموع في عينيه ولكنه تماسك
  - لم يكن هذا خطأك، توقفي عن التفكير.
  لم أتحدث ، لا اجد ما أقول، حتى و إن اردت فلن استطيع.
  - بيان ، يجب أن تعودي حقاً، وجودك هنا لن يساعد في شيء،. ما حدث قد حدث.
  صررت على أسناني ، فركت كفي، ابتلعت ريقي، نظرت حولي، الجميع يتحدث ولكن لا استطيع سماعهم ، لازالوا في الغرفة يقومون بتغسيله، كنت جالسة على المقعد المعدني مقابل غرفته، جاءت فيروز بسرعة، جلست بجانبي و عانقتني، كانت تبكي، استطعت الشعور بدموعها على كتفي، لماذا لا أبكي؟ هل لأنني السبب؟ نهض عُدي عن مكانه و قال
  - هيا بيان، سأعيدك إلى بيتك.
  حركت رأسي نافية ، ابتعدت فيروز عني و قالت وهي تمسح دموعها
  - أجل، لا فائدة من وجودك هنا.
  نظرت إليها ثم عدت لأنظر إلى عُدي، نهضت عن مكاني و اتبعته وانا أشعر بأنني كالأموات، لا استطيع التوقف عن التفكير، عن الشعور،. عن الخوف، عن الاحساس بالذنب، انا السبب، انا المذنبة.
.....
فتح لي باب سيارته، ركبت من دون أن أتحدث، كانت الساعة لازالت الخامسة فجراً، خمدت العاصفة قليلاً و لكن البرد لازال قارصاً، التفت و ركب هو الآخر، قام بتشغيل السيارة منطلقاً بها خارج البناء، كان هادئاً، استطيع الشعور به.
  - أنا آسفة
  لا ادري كيف لفظتها حتى ولكنها خرجت مني على أي حال
  - لا ذنب لك في شيء، توقفي عن ذلك.
  إلتزمت الصمت و اسندت رأسي على النافذة، نظرت إلى الثلج بالخارج، الرؤية صعبة، خرجنا من بوابة المدينة، سألني عن عنوان بيتي و بعد ذلك دام الصمت بيننا.
صمت مُميت لـ40 دقيقة، لا يُسمع سوى صوت أنفاسنا.
.....
توقف أمام بيتي و قبل أن اترجل قال
  - استطيع البقاء برفقتك لبعض الوقت إن اردت.
  ابتسمت بصعوبة ، و أجبته بصوت مبحوح
  - لا بأس، انا بخير.
  - متأكدة؟
  - أجل
  - حسناً، أرتاحي اليوم ولا تفكري في شيء
  - حسناً
  اماء بهدوء، فترجلت من السيارة بعدما شكرته على توصيله لي،. أغلقت الباب و توجهت إلى البيت بخطى متثاقلة، فتحت الباب فسمعت صوت انطلاق سيارته، دخلت و أغلقت الباب خلفي، توجهت لأستحم مباشرة، هذا كل ما اردت القيام به، و حين انتهيت و خرجت، حين استلقيت على السرير، و أغلقت عيناي في محاولة للنوم، كأنني ضغطت على زر التشغيل، بدأت دموعي تنهمر، الكثير و الكثير منها ، بدأت تنهمر كفيضان النهر، بدأ جسدي يرتجف، بدأ صوت نحيبي يتزايد و بدأت أشهق ، بكيت بقوة وانا أعانق نفسي، بكيت كأنني فقدت شخصاً كنت أعرفه منذ أعوام، سحقاً لي، انا السبب، انا السبب في كل شيء، عانقت نفسي بقوة وانا لازلت ابكي و أشهق، لا ادري كم مر من الوقت ولكن على الأرجح أكثر من ساعة، بكيت حتى شعرت بآلم مبرح في رأسي و لم أدرك حتى متى نمت، ولكنني فعلت، فعلت على أمل أن استيقظ و أجد أن كل ما حدث اليوم كان من  وحي خيالي، اتمنى ان تكون تهيؤات، و وقتها سأذهب إلي عُدي و أخبره بكل شيء، أخبره بأنني مريضة و بحاجة إلى العلاج، أخبره بأنني تخيلت بأن محمد قد مات، حقاً دعوت من كل قلبي ان استيقظ ولا يكون أي من هذا حقيقة.
                                    O. O. O
نظرت إلى نفسي بعدما غسلت وجهي في مرآة الحمام، بشرتي بيضاء ولكنها باهتة، أقرب إلى ان تكون ذابلة، شعري أسود، طويل و مموج فقمت برفعه إلى الأعلى، نظرت إلى عيناي، بدت لو كأنها سوداء معتمة، ذلك النمش على وجهي أشعر و كأنه يحرقني، أشعر بالحرارة في عروقي.
تقيأت قبل لحظات ولازالت معدتي تؤلمني، حين أستيقظت كانت الثالثة عصراً، لا ادري لماذا أستيقظت
عادت إلى كل ذكريات ليلة البارحة دفعة واحدة.
مات بسببي، انا السبب
أغلقت عيناي ، أخذت نفساً عميقاً، أغلقت صنبور الماء و خرجت من الحمام، ذهبت لأتفقد هاتفي و هاتف عُدي الذي نسيت إعطاءه له.
كان هاتفي قد أكتمل شحنه، وضعت هاتف عُدي و ذهبت لكي أعد ما اتناوله، لا أشعر بالجوع ولكن لا استطيع أخذ الدواء من دون طعام، معدتي لا تتحمله.
....
كنت في غرفة الجلوس على الاريكة أنظر إلى النافذة بشرود و هاتفي في يدي، ارسلت رسالة إلى نور أخبرها بأن كل شيء على ما يرام، و حين عدت لأنظر من النافذة تفاجئت بهاتف عُدي يُضيء، أقتربت منه و أخذته من على الطاولة، نزعت سلك الشاحن عنه، كان إشعاراً من الكاميرا.
ابتلعت ريقي و قُمت بتشغيله،. لا ادري إن كان ما أقوم به صحيحاً أم لا، ولكنني فعلتها على أي حال.
كان روبيرت جالساً على سريره، ينظر إلى اللاشيء، ابتسمت ساخرة، إنه حقاً بارع في ذلك، ولكن عُدي؟
كان يأخذ الغرفة ذهاباً و إياباً، ما به؟ بدا عليه القلق و التوتر، مسح وجهه، أعاد شعره إلى الخلف، توقف و نظر تجاه روبيرت قائلاً
  - لا يوجد أمامنا سوى شهران و أقل من اسبوع.
  صمت للحظات ثم هدر بحدة
  - اللعنــة، لماذا لا تنهض؟! ما الخطأ الذي أقوم به؟!!
  أول مرة أراه في تلك الحالة، ابتلعت ريقي و شعرت بالتوتر، ماذا يقصد؟
اقترب من روبيرت، نظر إليه و تابع بحدة
  - يجب أن تنهض، يجب أن تتذكر قبل فوات الأوان.
  لم يُبد روبيرت أي رد فعل، كيف يقوم بذلك؟ كيف استطاع خداع طبيبه الخاص؟!
ضغط عُدي قبضته بقوة ، كان يحاول تمالك أعصابه، ثانية، اثنان،. الثالثة أمسك فك روبريت بقبضته،. شهقت بصدمة، ما الذي يفعله؟!! غلت الدماء في عروقي، بدأت يدي ترتجف غضباً
  - أنظر إلي... أعلم بأنك تراني، يجب أن تنهض، افهمت؟!
  استطيع رؤية وتيرة انفاسه السريعة من هنا، كان روبيرت على وضعه، لم ينظر إليه،. كان كالصنم، ترك الآخر فكه  بحدة، زفر بضيق، أعاد شعره إلى الخلف و مسح وجهه، توجه إلى خزانة الادوية و قام بفتحها ، بدأ يخرج علاجه و كل ما جاء في بالي هو "الدواء يسبب لي شلل" فتحت هاتفي بسرعة ، قمت بإلتقاط بعض الصور للأدوية التي يضعها عُدي لروبيرت.
وضع عُدي الدواء في فم روبيرت و بعدما أعطاه الماء فتح فمه ليتأكد من أنه ابتلع كل شيء و حين انتهى، وضع علب الدواء في الخزانة و قام بإغلاقها بالمفتاح ، عاد ليساعد روبيرت على الاستلقاء و حين انتهى خرج مغلقاً الباب بعنف.
ولكن ، هناك شيء خاطئ، لماذا قد يفعل به ذلك؟
نهضت عن مكاني بسرعة، أحضرت ورقة و قلم و وضعت هاتفي بجانبي، قمت بتكبير الصورة التي التقطها و بدأت أنقل اسماء الأدوية، يجب أن اعرف ما هي، ما تركيبها!
  انتهيت و ذهبت لتبديل ثيابي، ارتديت شيئاً ثقيلاً ليقيني ذلك السقيع بالخارج، وضعت الهاتف في جيبي و كذلك الورقة و خرجت من البيت، لا ادري إن كنت سأجد صيدلية قريبة أم لا، من الصعب جداً العثور على واحدة، ولكنني رجوت الله أن أجد.
.....
ساعة كاملة أبحث عن صيدلية في ذلك البرد القارص، من الصعب إيجاد شخص ما خارج بيته ولكن لحسن الحظ كانت الصيدلية مفتوحة، توجهت إليها و ما إن فتحت الباب حتى دخلت رائحة العقاقير و الأدوية إلى انفي،. ألقيت نظرة سريعة على المكان،لا يوجد الكثير من الأشياء هنا، الأدوية المتاحة هي أدوية الحمى و نزلات البرد، المسكنات، خافضات الحرارة، ادوية السعال،و الكثير من مضادات الاكتئاب، لا شيء أكثر من ذلك.
كان يقف شاباً يبدو في منتصف الثلاثين من عمره، نظر إليّ حين دخلت ، ابتسم و سأل بتهذيب
  - كيف أساعدك؟
  ابتلعت ريقي، لا ادري حقاً ماذا أفعل في ذلك المكان.
أقتربت منه ببطء و سألته بينما أنا أخرج الورقة من جيبي
  - كنت أبحث عن تلك الأدوية.
  التقط مني الورقة، تمعن فيها، ارتسمت ملامح الدهشة على محياه، رفع حاجبيه، رمش عدة مرات، اجل استطيع قراءة ذلك بوضوح، الرجل في حالة من الدهشة و التعجب
  - ما الأمر؟
  حك ذقنه بخفة ثم رفع رأسه لينظر إليّ سائلاً
  - من أين أتيت بتلك الأدوية؟
  - لماذا؟ ما بها؟
  - غير مسموح بتداولها.
  - و السبب؟
  -موجودة فقط في المدينة الطبية، يتم تصنيعها و استخدامها هناك.
كالعادة، لم يخبرني عُدي بذلك، لم يُخبرني من أين تأتي الأدوية، أخذت نفساً عميقاً و سألته
- اتستطيع على الأقل إخباري فيما تستخدم؟
  - هل يمكنني سؤالك عن السبب؟
  - لا
  صمت للحظات، كان متردداً، هل يظن بأنني أتيت للكشف عما إذا كان هناك من يبيع تلك الادوية بالسر أم لا؟
  - اسمع، لا ادري ما يدور في بالك ولكنني حقاً بحاجة لمعرفة فيما تستخدم، لا اريد منك أي شيء آخر.
  - انا حقاً لدي عائلة لأهتم بها.
  حاولت استعطافه فقُلت
  - ارجوك انا لا أسعى لإيذائك، فقط اخبرني فيما تستخدم و أعدك بأنك لن ترى وجهي مجدداً، ارجوك.
  زفر ، نظر إلى اليمين، كان يُفكر، عاد لينظر إلي و أجاب بعد تردد
  - حسناً...لحظة واحدة.
  امأت له و راقبته يفتح الباب خلفه ، كان به درج يؤدي إلى الأسفل، نزل بسرعة حتى تلاشى عن أنظاري، تفحصت المكان بعيناي، كانت الجدران مهترئة و عتيقة، ارفف الادوية بالكاد تحمل ما عليها، هذا سيء.
....
انا السبب في موته، انا السبب، لولاي لبقي على قيد الحياة، ما كان يجدر بي طلب المساعدة، أشعر بدموعي تنهمر على وجنتاي، بدأت يدي ترتجف، نوبة بكاء آخرى على وشك القدوم، أشعر بالاختناق، انا اختنق، الأكسجين لا يسع رئتاي، لماذا تأخر ذلك الرجل؟ أين ذهب؟ هل هرب مني؟ أغلقت عيناي، توقفي عن التفكير، توقفي عن التفكير، توقفي عن التفكير
  - سيدتي
  انتبهت إلى عودته، فتحت عيناي، كان يقف امامي، الورقة في يده، مسحت دموعي فسأل
  - هل انتي بخير؟
  ابتسمت و أجبته
  - اجل اجل...
  حمحمت و تابعت
  - هل أحضرت ما تريد؟
اماء لي، قام بوضع الورقة على الفاترينة بيننا و قال وهو يشير على أسم الدواء الأول في الورقة
  - هذا مضاد للقلق و التوتر
  - حسناً...
  - و الثاني مضاد للتخثر
  نظر إلي ثم تابع
  - لمنع تجلطات الدم.
  أجل صحيح، يشبه الذي أُعطيه لعلي، امأت له فتابع
  - و ذلك مدر للبول.
  - ماذا عن الأخير؟
  أشرت له على الورقة فأكمل بحيرة
  - في الواقع لا ادري، على ما يبدو و أنه تركيبة خاصة، ولكن إن أحضرت لي حبة قد احاول فحصها لك.
  رطبت شفتاي وانا أنظر إليه بشرود، كيف سأحصل له على واحدة؟ زفرت بضيق و أغلقت عيناي للحظات، يجب أن يثق بي عُدي و يجعلني اتولى أمر علاج روبيرت.
نظرت إلى الواقف أمامي و قُلت
  - سأحاول
  اماء لي و قال مترجياً
  - ولكن ، ليبقى ذلك بيننا.
  - حسناً لا تقلق
  التزمت الصمت للحظات قبل أن اسأله
  - كيف علمت بتلك الادوية إن كانت في المدينة الطبية فحسب؟
  ابتسم و أجاب
  - لكل منا أسراره الخاصة.
  - اوه ، حسناً،. شكراً على أي حال.
  بادلني الابتسامة مجيباً
  - عفواً.
  خرجت من الصيدلية و قمت بدس الورقة في جيبي،ربما لم أحصل على الإجابة التي أريدها بالضبط، ولكنني سأحصل عليها، أجل، سأفعل.

خارج نطاق الخدمة | Out Of Order Where stories live. Discover now