البارت الثالث

84 12 1
                                    

"تجاهل أي صوت تسمعه في الظلام ".  
                         ؁؁؁؁؁؁؁

هذا المكان يبدو قبيحاً في المساء، لا، اقسم انه اقبح مما تخيلت، توقفت الحافلة امام البوابة و صعد اثنان للتفتيش،. كان مع احدهما كلباً بينما الآخر كان يقوم بتفتيش الهويات، اخرجت بطاقة الترشيح خاصتي و ما إن اقترب الجندي مني و اخذ البطاقة من يدي حتى ظل ينظر اليها تارة ثم اليّ أخرى، انه نفس الجندي الذي جاء في المرة السابقة، ابتسم و قال وهو يعطيني اياها
- تبدين أجمل من الصورة
بادلته الابتسامة و سألته
- شكرا ولكن.... اليس من المفترض انك تعمل في النوبة الصباحية؟
- كان ذلك اليوم استثناء، و هذا لحسن حظي.
- اوه، حسناً
اعطاني البطاقة ثم نظر اليّ لمرة أخيرة و ذهب ليتابع التفتيش و بعد ١٠ دقائق كانوا قد انتهوا فانطلقت الحافلة عابرة البوابة
.....
كنت اقف وحدي في المصعد، انظر الى انعكاسي في المرآة، كان الزي الطبي ازرق اللون يناسبني كثيراً، لقد احببته، يا الهي ابدو كطفلة في السابع من عمرها تجرب ثيابها الجديدة!
توقف المصعد في الطابق الرابع فخرجت منه متوجهة الى غرفة روبيرت، كنت أشعر بالحماس الشديد للبدء في العمل فهذا ما كنت أحلم به!
لم الحظ وجود أي شخص في ذلك الطابق طوال سيري في الممر و حاولت الا أركز في ذلك الأمر على الرغم من أنه كان يؤرقني بعض الشيء، كانت الاضواء خافتة، الابواب جميعها مغلقة! و حين اقتربت من قسم الاستقبال لم يكن هناك أي أحد!
اتجهت الى حيث غرفة روبيرت و طرقت على الباب و ما ان قمت بفتحه حتى دخلت بإندفاع قائلة
- مساء الخــ
لا اعلم ماذا حدث ولا كيف ولكنني انزلقت أرضاً، أنظاري معلقة على سقيفة الغرفة، افترشت على الارض كشطيرة جلس عليها احدهم، هذا مؤلم أشعر و كأن ظهري قد كُسر، الأرض شديدة البرودة
اغلقت عيناي داعية الله من كل قلبي ان يكون روربيت نائماً ، حتى و إن لم يكن مدركاً للواقع هذا لا يعني ان انزلق امامه بهذا الشكل
نهضت بجزعي و الأمل يتراقص في عيناي ان يكون نائماً ولكن،. سحقاً سحقاً سحقاً ، لقد كان مستيقظاً كما انه كان جالساً، في مقابلة الباب! كيف؟! كيف يعقل حتى ان يكون جالساً ؟!هذا غير منطقي؟! من اجلسه؟ و ليت هذا وحسب بل كانت انظاره معلقة عليّ،. كان ينظر اليً بطريقة ارعبتني كثيراً.
نهضت عن مكاني بسرعة قائلة
- كيف حالك؟ ارجو ان تكون بخير
ظلت انظاره معلقة تجاهي ولكنه لم يتحدث ولم يبد اي رد فعل، اقتربت منه قليلاً لأرى إن كان ينظر اليّ أنا أم ان انظاره كانت موجهة فقط في الجهة التي سقطت بها، تحركت امامه بحذر، كنت ادقق النظر في عيناه بحثاً عن أي حركة، اي تجاوب، ولكن عوضاً عن ذلك وجدت نفسي شاردة في لونها الغريب، على الارجح هذه طفرة جينية ولكنها حقاً أجمل طفرة جينية رأيتها يوماً!
حتى و إن كانت عيناه تخيفني فهناك شيء يجذبني في النظر اليها.
- مرحباً
انتفضت رعباً من ذلك الصوت الذي جاء من خلفي، التفت بسرعة فوجدته عُدي، وضعت يدي على قلبي الذي كاد يخرج من ضلوعه و حاولت ضبط انفاسي المتسارعة
ضحك و قال
- انا حقاً اسف، لم اقصد اخافتك
نظرت اليه و انا لازلت احاول ضبط انفاسي، ابتسمت قائلة
- ل.. لا عليك انا بخير
اخذت نفساً بعدما عدت الى وضعي و تابعت
-ظننتك رحلت
- لا استطيع الرحيل قبل قدومك لاتأكد من أن كل شيء على ما يرام
امأت له ثم نظرت الى روبيرت الذي لم يحرك ساكناً
- لقد أتيت لأري روبيرت اولاً قبل تفقد البقية
اقترب عُدي و اخرج من جيبه علبة صغيرة قائلاً
- حان موعد دواءه
- يمكنك تركه لي وانا سأعطيه له
- لا، لا حاجة لذلك انا اهتم بعلاجه
لم أعقب و انما راقبته بصمت وهو يعطي روبيرت الدواء و بعدما ابتلعه تفاجئت بعدي يفتح فم روبيرت ليتأكد من أنه قد ابتلعه.
- أهذا ضروري؟
- اجل.
التفت الي و تابع
- بعض الحالات بعدما تأخذ دواءها تقوم ببصقه ما ان يخرج الطبيب لذا، من الضروري التأكد من أن المريض قد ابتلع دواءه.
امأت له مجدداً فقام هو بمساعدة روبيرت في التمدد على سريره و ما ان انتهى و قام بتغطيته حتى اغلق المصباح و بعدما خرجنا التفت اليّ قائلاً
- لا يوجد ما يمكنك القيام به اليوم بخصوص روبيرت فقد تناول عشاءه و أخذ الدواء من المفترض ان ينام الآن حتى الصباح ولكن لا ضرر من تفقده بين حين و آخر
- حسناً
- صابرين حالتها مستقرة و كذلك علي، مارتينا لم تأخذ دواءها بعد اما اسحاق فلم يكن بخير، انتابته حالة من الهستيريا و فقد السيطرة على نفسه، اعطيناه المهدئ و مع ذلك فكوني حذرة في تعاملك معه.
- حسناً لا تقلق
ابتسم و قال
- ان حدث شيء قومي بمهاتفتي
.......
كنت اقف امام غرفة مارتينا، طرقت على الباب ثم فتحته بحذر و دخلت، وجدتها تجلس بهدوء امام النافذة،. تنظر الى تساقط الثلج بالخارج، في السبعون من عمرها، شعرها كساه الشيب،. لم تلحظ وجودي فحمحمت بصوت مرتفع تزامناً مع دخولي و اغلاقي للباب خلفي، التفتت الي اخيراً و قد ارتسمت ملامح التعجب على محياها
- من انتي؟
ابتسمت و أجبتها
- انا بيان مساعدة الدكتور عُدي
- من عُدي؟
اوه، لم اتعجب من سؤالها فقد اخبرني عدي بأنها لا تتذكر آخر عام من حياتها، جلست على المقعد المقابل للنافذة بجانبها و تابعت
- هو الطبيب المسؤول عن متابعة حالتك
قضبت حاجبيها و سألت مجدداً
- أين انا؟
- في المدينة الطبية
- هل ابنائي هنا؟
ابتلعت ريقي و اجبت بحذر
- في الواقع، احم... لا.
ابتسمت بسرعة و اكملت
- ولكن على الأرجح سيأتوا لزيارتك من حين لآخر.
انا كاذبة ولكن حقاً لم أعرف كيف أجيبها، ان كانت ستنسى في الكل الاحوال فعلى الأقل لا ضرورة من اخبارها بأن ابناءها قد تخلوا عنها، على الاقل لا اجعلها تشعر بالحزن بلا سبب.
- هل انتهت الحرب؟
- لا، ليس بعد.
نظرت الى النافذة، شردت للحظات و قالت
- افسدوا الارض و دمروا حياتنا
اعادت انظارها اليّ ثم تابعت
- كذبوا حين قالوا بأن التكنولوجيا ستسهل حياتنا، و الحقيقة ان التكنولوجيا سهلت السيطرة علينا!
تفاجئت من كلامها، لم اعلم بم اجيب فهي محقة، التزمت الصمت و راقبت ملامحها التي تبدلت مجدداً، بدت و كأنها تستعيد ذكرياتها، ابتسمت و قالت كأنها تحدث نفسها.
- الارض التي خلقها الله جميلة، النباتات، السماء، البحر، كل شيء خلقه الله جميل، حتى البشر حين يتعاملوا بفطرتهم، ولكن كل ذلك رحل، كل ذلك اصبح رماداً.
مجدداً التزمت الصمت فلا يوجد ما يُقال بعد الذي قالته.
فاقت من شرودها و نظرت اليّ قائلة
- انا كثيرة الكلام، سامحيني
- لا لا على العكس احببت ما قُلت لذا لم أجد ما أُضيفه، حقاً يسعدني سماعك
ابتسمت و اتسعت ابتسامتها أكثر مع حديثي، بدأت تحكي لي عن حياتها، عن ذكرياتها، كيف كانت الأرض قبل الحرب، الى أي مدى وصل التطور، اخبرتني بأنها لم تحب هذا التطور يوماً،. لم تحب عجرفة البشر و زعمهم بأنهم سيطروا على الأرض، فنحن جزءً لا يتجزأ من المنظومة الكونية التي خلقها الله، اجل فضلنا الله على كثير من خلقه و لكن هذا لا يعني ان يتعامل الانسان و كأنه سيد الأرض و المتحكم فيها، و كان هذا بالضبط سبب الدمار و الخراب.
طال الحديث بيننا كثيراً و لم يقطعه سوا صوت هاتفي يعلن عن موعد دواءها،. استأذنتها و نهضت لأحضر الدواء.
كانت هناك خزانة صغيرة للادوية فقط لحفظهم بدرجة حرارة و اضاءة معينة،. اخرجت سلسلة المفاتيح من جيبي و قمت بفتحها لأحضر لها الدواء، اخرجت المذكرة من جيبي و قمت بفتحها على الصفحة التي كتبت جدول ادويتها، كان ذلك مكتوباً بالفعل في ملفها الطبي ولكنني احببت كتابته بيدي كي يثبت في ذاكرتي، اخرجت حبوبها و وضعتها في العلبة المخصصة لذلك و بعدما اغلقت الخزانة و احضرت كأس الماء عدت اليها، كانت عادت لتنظر من النافذة فحمحمت لألفت انتباهها قائلة
- هيا لتأخذي الدواء
التفتت اليّ،. نظرت اليّ بتعجب وهي تتفحصني من رأسي لأخمص قدمي، قضبت حاجبيها و سألت
- من انتي؟
ابتسمت ثم اجبتها
- انا بيان، مساعدة الدكتور عُدي
- و من يكون عُدي؟
- الطبيب المسؤول عن متابعتك
- لماذا؟ الست في البيت؟
نظرت حولها بدهشة و تابعت
- هذه ليست غرفتي!
- لا،. انتي في المدينة الطبية
- من احضرني؟ هل ابنائي؟
- اجل و هم يأتون لزيارتك بين حين و آخر
مددت يدي لها بالدواء و تابعت
- هيا حان موعد الدواء
اماءت و أخذته مني ثم ناولتها كأس الماء و بعدما ابتلعته فعلتّ كما فعل عُدي، طلبت منها ان تفتح فمها،. أشعر بأن تلك وقاحة أو عدم ثقة بيني و بينها و لم أحب ذلك ولكن إن كان في ذلك مصلحتها فيجب أن اضع مشاعري جانباً.
- أريد ان انام
- اجل بالتأكيد
وضعت كأس الماء على الطاولة ثم مددت يدي لها كي اساعدها لتنهض، ما ان امسكت يدي و نظرت اليّ بعينيها بنية اللون حتى قالت
- انتي لطيفة ، ما اسمك؟
ضحكت و اجبتها
- انا بيان، شكراً لك
ابتسمت و سارت معي بحذر الى ان وصلنا الى سريرها، اجلستها و ساعدتها على التمدد و بعدما قُمت بتغطيتها سألتها
- اترغبين في شيء ما؟
- لا،. شكرا لك
- إن احتجت الى أي شيء سأكون بالجوار، سأمر عليك بعد قليل
اماءت و لم تعقب، انا متأكدة من أنها ستنسى ما قلت بعدما اخرج من الغرفة ولكنني فقط اردت قول ذلك.
اغلقت المصباح و بعدما خرجت من الغرفة اغلقت الباب خلفي بهدوء.
نظرت في ساعة هاتفي فكانت تشير الى 11:45.
اخرجت المذكرة من جيبي لأرى من التالي، كانت صابرين قد تناولت علاجها في نوبة عُدي و كذلك علي لذا كان علي تفقدهما فحسب.
ذهبت اولاً الى غرفة صابرين، طرقت الباب و تفاجئت حين اجابتني فقد ظننتها قد نامت.
فتحت الباب بهدوء و ما إن رأيتها جالسة على سريرها حتى ابتسمت قائلة
- مساء الخير
بادلتني الابتسامة و اجابت
- مساء الخير يا بيان،. كيف حالك؟
شعرت بالسعادة لانها تتذكرني و حقاً لا أعرف السبب، خطوت خطوة الى الداخل و اجبتها
- انا بخير حمداً لله.. ماذا عنك؟
- أفضل حالاً، نشكر الله
- جئت لأتفقدك إن كنت بحاجة الى شيء ما
حركت رأسها بالنفي مجيبة
- لا انا بخير
امأت و قبلما اخرج سألت
- كيف هو يومك الأول؟
ابتسمت و اجبتها
- جيد.. اشعر بالقليل من الخوف ولكنني بخير
قضبت حاجبيها و سألتني
- لماذا؟
- اخشى أن اقصر في شيء، الا اكون جيدة كفاية
- لا احد جيد كفاية، محاولتك تكفي
ابتسمت لها فقالت وهي تتمدد على سريرها
- سأرتاح قليلاً
- حسناً، هل اغلق المصباح؟
- لا
امأت لها ثم تركتها و خرجت، وضعت يدي في جيبي و أخرجت المذكرة، حان دور علي،. توجهت إلى غرفته و طرقت الباب ثم دخلت، كان مستيقظاً و ينادي على احدهم بصوت مرتفع، من تكون "سعاد"!
اقتربت منه سائلة
- هل انت بخير؟
- لا، لا، لا ، لا لست بخير.
- ماذا حدث؟ هل تشعر بالألم؟
- اجل،. كثيراً
بدأت اشعر بالتوتر، فهرعت تجاهه و سألته وانا امسك بيده
- ما الأمر؟ بم تشعر؟ ما الذي يؤلمك؟
نظر الي بعيناه بنية اللون و تقسميات وجهه الحزينة و قال بصدق نبع من قلبه
- انا جائع، لم يقوموا بإطعامي منذ عدة ايام
- يا الهي، حقاً؟! كيف؟
نظر اليّ بحزن ولم يعقب، شعرت بقلبي يتمزق حزناً لشكله وهو بهذه البراءة، فقلت
- لحظة واحدة و سأعود اليك
خرجت بسرعة من الغرفة و الغضب يعتريني، كيف لهم ان يفعلوا ذلك؟! ذهبت الى الاستقبال الموجود بذلك الطابق فوجدت الممرضة تتحدث في الهاتف، انتظرتها حين انتهت و ما ان اغلقت السماعة حتى سألتها
- المريض في الغرفة رقم ٣٥٠ متى تناول طعامه؟
نظرت الي للحظات قبل ان تبدأ بالضحك سائلة
- انتي جديدة اليس كذلك؟
لم افهم ما علاقة هذا بالأمر فقلت.
- اجل ، ما العلاقة؟ ما المضحك فيما اقول؟
- لا شيء لا اقصد استفزازك ولكن جميع المرضى تناولوا وجبة العشاء بالفعل.
- ولكنه جائع
- يعاني من خلل في مراكز الشبع، تتحدثين عن علي اليس كذلك؟
- اجل
ابتسمت ثم تابعت
- صدقيني لقد تناول وجبته ولكنه يشعر طوال الوقت بأنه لم يأكل لذا،. فقط لا يوجد ما نقوم به حيال ذلك.
شردت قليلاً شاعرة بمدى حماقتي،. لقد اخبرني عدي بهذا بالفعل
- هل تلاعب بي حين قال بأنه لم يأكل منذ عدة ايام؟
- اجل
- وانا صدقته.
- اجل
انفلتت مني ضحكة على سذاجتي، نظرت الى الشابة امامي مجدداً، بدت في مثل عمري، بشرتها بيضاء، عينيها بنية اللون و ملامحها هادئة، كانت ترتدي حجاباً و... لقد احببتها
- انا بيان
مددت يدي لها فسلمت عليّ و قالت
- انا فيروز، تشرفت بك
- الشرف لي
عم الصمت للحظات قليلة حتى قطع ذلك الاحراج صوت فيروز حين سألت
- إذاً... اتعملين في هذا الطابق؟
- اجل ، و الطابق الرابع ايضاً
سرعان ما تبدلت ملامحها الى التعجب و سألت
- حقاً!
ضيقت عيناي و نظرت اليها سائلة بشك
- اجل ، لماذا؟
شردت للحظات و اجابت
- لا شيء، تفاجئت ليس الا
- لماذا؟
- لا شيء
- بلى.. ارجوك اخبريني ، ماذا هناك؟
- صدقيني لا شيء
انا لا اصدقها، اهناك شيء علي القلق بشأنه لم يخبرني به عُدي؟ نظرت في ساعة يدي فتذكرت ذلك المسكين الذي وعدته بالعودة ولم اعد لذا استأذنت من فيروز و عدت الى غرفته، طرقت الباب و ما إن فتحت و دخلت حتى وجدته قد نام بالفعل.
.....
الآن انا أقف امام غرفة اسحاق،. لم يكن سعيداً المرة السابقة حين جئت مع عُدي،حالته ليست مستقرة ولكنني استطيع القيام بذلك، طرقت على باب الغرفة ثم دخلت، كانت الغرفة مظلمة، اول ما وقعت عيني عليه كان السرير ولكنه كان خالياً، قضبت حاجباي و دخلت بحذر ابحث عنه بناظراي
- اسحاق؟
لا احد في الغرفة، دخلت و اغلقت الباب حين سمعت صوت حركة قادماً من الحمام الملحق بالغرفة، توجهت اليه و كان الباب شبه مغلق، طرقت الباب تزامناً مع سؤالي
- اسحاق،هل انت بخير؟
لا رد، طرقت على الباب مجدداً، سألت مجدداً و لم يأتني الرد، فتحت الباب بحذر،. كان صنبور الماء مفتوحاً و اسحاق يقف و ينظر اليه بشرود، مراهق في التاسع عشر من عمره، طويل و بنيته قوية، شعره أسود اللون،ملامحه جذابة، فكه حاد، عينان رمادية ولكنها كمثل أي شخص على كوكب الأرض..لا حياة فيها!
- اسحاق هل تسمعني؟
اقتربت منه بحذر، حركت يدي أمامه و سألته
- ماذا هناك؟
رفع أنظاره عن صنبور الماء و وجهها اليّ،. ابتلع ريقه و كل ما خرج منه هو
- لم يكن انا، لم يكن انا، لم يكن انا
- حسناً، لا بأس.. هيا لنخرج من هنا
- لا.. لا
- لماذا؟
ادمعت عيناه و قال بحدة
- لا استطيع التحرك،. لا استطيع تحريك ذلك الجسد.
بدأت وتيرة انفاسه تتسارع، استطعت رؤية الهلع في عينه و تابع وهو يبكي
- لا استطيع التحرك الا تفهمين؟!
- حسناً حسناً، سأساعدك لا تقلق
اقتربت منه لمساعدته فصرخ في وجهي
- لا تقومي بلمسه.. لا تلمسيه
بدأت أشعر بالتوتر ابتلعت ريقي و نظرت اليه مجدداً من الأسفل الى الأعلى، كان متصلباً في مكانه كالمسمار.
- اسحاق ، هذا جسدك انت، عقلك هو المتحكم صدقني، هذه سفينة وانت قبطانها.
لم يحرك ساكناً و كأنه لم يسمع ما قلت فتابعت
-الا تريد الخروج من هنا؟ لن استطيع مساعدتك ان لم تساعد نفسك.
-اغربي عن وجهي و أحضري شخصاً يستطيع المساعدة.
حسناً، كانت تلك وقاحة و مع ذلك فأنا أتفهم حالته، امأت و تابعت و انا اخرج من الحمام
- حسناً، لا تتحرك
يا الهي ما الذي قلته! النظرة التي رمقني اياها لن انساها في حياتي ابداً،. نظرته جعلتني اشعر و كأنني بلا عقل لأنه محق،. هو فعلاً محق.
خرجت بسرعة ولم أعلم الى من اتجه لذلك ذهبت الى فيروز و طلبت مساعدتها فطلبت من أحد الممرضين ان يذهب معي.
دخل الممرض معي الغرفة و حين توجهنا إلى الحمام كان اسحاق لازال على نفس وضعه، ابتسم الممرض قائلاً
- كيف حالك ايها البطل؟
فأجابه اسحاق ساخراً من دون ان تتبدل تعبيرات وجهه
- بخير، الا ترى السعادة على وجهي؟
نظر الممرض اليّ فحركت كتفي، حمداً لله لست الوحيدة التي تعرضت للإهانة اليوم، اقترب منه الممرض و أمسك يده و على الرغم من إعتراض اسحاق في البداية الا أنه بدأ يحرك قدمه بصعوبة بالغة، كان يحركها كطفل صغير في بداية تعلمه للمشيّ.
أجلسه الممرض على السرير و خرج فنظرت الى اسحاق وجدته ينظر الى قدميه فسألته
- ما الأمر؟
- لا استطيع رفعها
اقتربت منه و انحنيت لأرفع اقدامه على السرير و بينما انا افعل سألني بنبرة قلقة
- هل حقاً هذا انا؟
ساعدته على التمدد و أجبته
- اجل
- اكانت هذه الذكريات تخصني؟
قضبت حاجباي و سألته.
- أي ذكريات؟
صمت للحظات، أغلق عيناه و قال
- أغلقي المصباح عند خروجك
يطردني بشكل غير مباشر، امأت له و كأنه يراني، خرجت و أغلقت الباب خلفي و كم حاولت و حاولت الا ابكي، نظرة الهلع التي رأيتها في عينه مزقت قلبي، أخذت نفساً عميقاً و نظرت الى الغرفة لمرة أخيرة قبل أن أرحل
......
خرجت من المصعد في الطابق الرابع، كالعادة لا يُسمع في ذلك الطابق صوت، ولا يُرى ضوء أيضاً.
اهتز هاتفي و بينما انا اقوم بإخراجه من جيبي سقط مني ارضاً، تباً المكان مظلم بالكاد ارى! زفرت بحنق فالهاتف بالفعل شاشته مهشمة. انحنيت لآخذه من على الارض ولكن ظهر الهاتف و البطارية ليسا في مكانيهما!
- يا الهي اين ذهبا!
بدأت اتحسس الارض و امعن النظر في البقعة التي سقط بها الهاتف ولكن لا شيء، علهما انزلقا بعيداً
بدأت ابحث حولي بحذر متجنبة النظر الى جهة اليمين
ولكن حين فقدت الامل و طال بحثي للحظات القيت نظرة سريعة، وجدت البطارية على الجانب الآخر بعد الاشرطة التي تمنع الاقتراب.
- من بين كل الأماكن سقطت هناك!
ابتلعت ريقي و اقتربت بحذر، انحنيت لأمر من أسفل الاشرطة و كل ما في بالي هو ان احصل على البطارية من دون ان انظر.
أخذت البطارية و قبلما اعود ادراجي اعتدلت في وقفتي
نظرت الى ذلك الممر الطويل و المظلم امامي، شعرت بالبرد القارص يلفح عظامي، الهدوء في ذلك الطابق اقرب ما يكون الى هدوء المقابر ولكن في هذه اللحظة،. ما جعلني اقف هكذا،. متصلبة في مكاني، لم يكن الهدوء المهيب، بل شيئاً آخر، صوت خافت بالكاد استطيع سماعه
اقتربت خطوة ولكن لازال الصوت خافتاً، اقتربت الأخرى ثم الأخرى فبدأ الصوت يتضح، كان الصوت كأنه لحن، موسيقى ربما، اقتربت مجدداً علّي أجد مصدر الصوت فمن النادر سماع اي نوع من انواع الموسيقى هذه الأيام.
وكلما اقتربت، كلما ازداد الظلام، الا يفترض الا يكون هناك احد في تلك الجهة من الطابق؟ من أين يأتي الصوت إذاً!
ابتلعت ريقي و اردت الاقتراب لمعرفة مصدر الصوت ولكن قلبي انقبض، نظرت خلفي فوجدتني قد ابتعدت عن الاشرطة بمسافة لا تكفيني للهرب ان خرج شيء ما.
بدأت ضربات قلبي تزداد، ازدادت وتيرة انفاسي، سابت مفاصلي كالعادة في أي موقف يتطلب الركض.
انا في منتصف الممر تقريباً، ابتلعت ريقي و خشيت العودة للنظر امامي، لازال الصوت موجوداً ولكن شجاعتي للبحث عن مصدره اختفت، اغلقت عيني للحظات وانا ادعو الله ان أخرج من ذلك الممر بسلام، اشعر و كأنني تيبست في مكاني، ابتلعت ريقي مجدداً و فتحت عيني.
حسناً يجب ان اعود الآن و بسرعة.
لا اعلم كيف حملتني اقدامي ولكن اخيراً عبرت الشرائط و جعلني ذلك اشعر بالراحة، و كأن أياً كان ما بالجانب الآخر لن يستطيع الوصول اليّ بعدما عبرت الشرائط!
لم استطع ايجاد ظهر الهاتف ولم اسع لإيجاده فكل ما رغبت به في هذه اللحظة هو الأبتعاد عن ذلك المكان.
توجهت بسرعة الى حيث غرفة روبيرت و لم المح آدمياً واحداً في هذا الطابق! هذا مخيف
وقفت امام باب غرفته، رفعت يدي لأفتح الباب فوجدتها ترتجف، لازال قلبي ينبض بسرعة، ابتلعت ريقي و طمئنت نفسي بأنه لا شيء هناك،. كل ذلك من عقلي، حتى ذلك الصوت الذي سمعته على الأغلب كان من عقلي.
فتحت الباب و دخلت بهدوء، كان روبيرت مستلقياً على سريره ولكن تفاجئت حين وجدته مستيقظاً
دخلت و اغلقت الباب خلفي،. حاولت السيطرة على نفسي فقلت وانا ابتسم
- مرحباً.. الم تنم بعد؟
لا استجابة،لا رد فعل
سحبت الكرسي و وضعته بالقرب من الفراش لسببين اولهما انني خائفة و وجود آدمي معي في نفس المكان الى حد ما يُطمئنني ، الثاني انني خائفة فاريد التحدث معه علّي أنسى خوفي
- إذاً... كيف حالك؟ كل شيء على ما يرام؟
لم يعقب فكأنني إتخذتها اشارة لكي ابدأ حديثي اللامتناهي معه
- ظننتك نائماً لذا تأخرت قليلاً في المجيء لرؤيتك.
لازال الصمت سائداً، هذا محرج، اخرجت هاتفي و بينما اقوم بوضع البطارية فيه قُلت
- هل تُرى سيعمل الهاتف؟ ان لم اهاتف نورسين قد تموت قلقاً علّي،نور هي شقيقتي الكبرى بالمناسبة ، وإن كنت تتساءل عن والداي فقد توفيا منذ زمن طويل
ضغط زر التشغيل و اكملت بينما الهاتف يُضيء
- لذا، فمن الضروري التواصل مع نور باستمرار لاخبارها بأنني بخير.
اشتغل الهاتف و كانت تلك بمثابة معجزة! ابتسمت و نظرت الى روبيرت الذي لم يحرك ساكناً قائلة
- انه يعمل!
تنهدت براحة و قمت بوضع الهاتف على الطاولة كي لا تسقط منه البطارية ثم عدت لأنظر الى روبيرت مجدداً
- هيا روبيرت الى متى سأحدث نفسي! حسناً انا اتفهمك، العالم فوضاوي و مخيف و الهرب منه بهذه الطريقة مريح ولكن سيسعدني سماع صوتك صدقني.
تنهدت ثم تابعت
- ستكون بخير و سيكون كل شيء على ما يرام، انا اثق بالله.
.....
لم انظر في الساعة ولا اعلم كم مر من الوقت، ولكن على ما أظن بأنني اخبرته بأسرار عائلتنا، على ما أظن انني اخبرته اين نسكن حتى! ان كنت مكانه لصرخت في وجهي لكي أصمت ولكنني لست مكانه وهو لم يتحدث لذا تابعت بكل اريحية، و حتى بعدما نهضت عدة مرات لأتفقد باقي الحالات في الطابق الثالث كنت أعود لأكمل معه من حيث توقفت.
- و كما اخبرتك بعدما نقلت الحكومة جميع الاطفال الى هنا تركونا في الشوارع، حقاً هذه حماقة لو تركونا للموت في الانفجار لكان هذا اهون، ولكن بفضل الله وجدت نورسين ذلك العمل في المصنع، كانت تعمل بجد لتستطيع ان توفر لي الطعام الى ان وقعت أعين ابن صاحب المصنع عليها و احبها و اخيراً تزوجا و رزقا بأجمل طفلة رأيتها في حياتي و.. هكذا تنتهي قصتي بنهاية سعيــ
نظرت اليه فوجدته قد نام! ابتسمت و تثاءبت متمتمة
- أتمنى ان تحظى بأحلام سعيدة
اعتدلت في جلستي فأنا أيضاً اشعر بالتعب، نظرت في ساعة هاتفي اخيراً فكانت تشير الى ٦:٣٠ ص، بقي نصف ساعة على نهاية نوبتي، ارغب في النوم بشدة، اسندت رأسي على ظهر الكرسي و حاولت الا انام،. حقاً لا يجب ان انام هذا ليس من احترام العمل، اجل لن انام انا مستيقظة.
.....
- بيان.. بيان
فتحت عيني ببطء على ذلك الصوت، فتحت عيني! هل كنت نائمة؟! انتفضت من مكاني وانا انظر حولي احاول ادراك ما يحدث، روبيرت كان نائماً، عدي يقف امامي، كنت اتنفس بسرعة، مسحت وجهي فسمعت عُدي يقول
- هل انتي بخير؟
- اجل اجل انا اسفة ما كان يجدر بي النوم، لم اقصد.
مسحت وجهي مجدداً فابتسم و تابع
- لا بأس لا عليك
- لا لا، حقاً لم اقصد انا فقط...
طارت الكلمات من عقلي لا اعلم ماذا أقول ولا اين انا
- امهلني لحظة لأغسل وجهي
لازال على ابتسامته، افسح لي المجال لكي أمر، ذلك الرجل يُذهلني بهدوءه و اتزانه!
كنت في الحمام الملحق بالغرفة، اغلقت الباب بعدما دخلت و نظرت حولي كان المكان مُهيئاً لحالة روبيرت.
يوجد سنادات على الجدار لإسناده ان وقف، حتى مقعد المرحاض كان مجهزاً فقط لكرسيه، حوض الاستحمام به مقعد، كان كل شيء في الحمام باللون الابيض.
غسلت وجهي في الحوض و بعدما انتهيت نظرت الى انعكاسي في المرآة، كان وجهي في حالة مزرية، بدا عليّ التعب ولكن ذلك التعب لم يكن جسدياً،. بل كان نفسياً، و ربما مقاومتي له و عنادي بأنني بخير من الداخل ارهقني أكثر!
....
- انا حقاً اسفة، لا اعلم متى غفوت حتى!
ضحك عُدي قائلاً
- صدقيني لا عليك، لقد قمت بما طلبته منك على أي حال.
امأت له ثم القيت نظرة سريعة على روبيرت، كان لازال نائماً، انا جائعة، لا اعلم ما علاقة ذلك بالأمر ولكنني
- جائعة
- لم اتناول افطاري بعد،. ما رأيك ان نتناوله في الكافتيريا بالأسفل؟
نظرت اليه بعدم فهم، قضبت حاجباي و سألته
- عفواً.. ماذا؟
- الست جائعة؟
- ما ادراك؟
- لقد قلت ذلك تواً
رمشت للحظات في محاولة لإستيعاب ما قال
- انا قلت انني جائعة؟
ارتسمت ملامح الشك على وجهه،اقترب مني قليلاً، كان يحاول تفسير ملامحي
- بيان،. لقد قلت بأنك جائعة، اقسم
- انا بالفعل جائعة ولكن لم ادرك انني فكرت بصوت مرتفع
دلكت جبيني متمتمة
- انا افكر بصوت مرتفع! هل فكرت بصوت مرتفع؟! و لم ادرك هذا!
نظرت اليه و سألته
-ولكن هذا طبيعي اليس كذلك؟
ضحك و قال
- مرحبا بك في المدينة الطبية
مر على وجودي يوم واحد وها انا افقد عقلي، ولكن لا بأس، تلك الأمور تحدث،. خاصة في الفوضى التي نحيا بها.
.....
لم تكن الكافتيريا مزدحمة ، كانت كبيرة و واسعة، النوافذ فيها تطل على الحديقة الخلفية للمبنى ولكنها للاسف كانت مغطاة بالثلج تماماً ككل شيء، كان كل شخص يأخذ صينية ثم يذهب ليختار ما يريد من على البوفيه الموجود، و كانت هناك آلة للمشروبات الساخنة و أخرى للمشروبات الباردة.
المكان هادئ ، الجميع يتحدث بهمهمة بالكاد يسمع صوتهم
كانت الطاولات الى حد ما متباعدة عن بعضها البعض و يحيط بكل طاولة اربع مقاعد معدنية.
سحب لي عُدي المقعد و حين جلست سألني
- اهناك شيء معين تريدين مني احضاره؟
- لا
- حسناً لن اتأخر
امأت له فتركني و رحل، نظرت من خلال النافذة بشرود كان تساقط الثلج مريحاً للاعصاب، بدا لي ناعماً و لطيفاً.
ترى ماذا سيحدث لو خرجت و قمت ببناء رجل جليد كما كنت افعل؟ ابتسمت حين تذكرت كيف كان رسلان يلعب معي ليتقرب من نور، كان ماكراً ولكنني سعيدة بوجوده في حياتنا، خاصة في حياة نور، اتمنى لو يحبني احد هكذا.
عدت الى الواقع حين وضع عُدي كوب الشاي أمامي
نظرت اليه فقال وهو يضع الصحن
- لم اعلم ما الذي تحبينه بالضبط فأحضرت لك كل شيء.
ضحكت فكان الصحن ممتلئاً
- هذا كثير، لن اتناول كل هذا!
- تبدين ضعيفة ،من الجيد لو تحافظي على صحتك
ابتسمت ولم اعقب، جلس على المقعد المقابل و سأل وهو يرتشف من الكوب الخاص به
- إذاً، كيف كان يومك الأول؟ هل واجهت أي صعوبة؟
- لا كان كل شيء على ما يرام ولكن إن كنت تسأل عن تقريــ
قاطعني بسرعة
- لا اسأل عن التقرير، انا أسأل عنك
ابتسمت و اجبته
- لم تواجهني صعوبة ، بإستثناء اسحاق
قضب حاجبيه و سأل
- ماذا حدث ؟
سردت له ما حدث بالتفصيل، حاولت ان أضع مشاعري جانباً، فأجابني عدي بهدوء و كأنه كان يتوقع ما قلته
- الحالة التي تصيب اسحاق هي شعور بأنه منفصلاً عن جسده، و كأنه ينظر الى نفسه من بعيد فيعجز عن التحكم فيها.
- لهذا حين قال لي "لا تلمسيه" تحدث عن جسده و كأنه كيان منفصل عنه؟ لأنه لا يشعر بالانتماء اليه!
- بالضبط و ما يزيد من سوء حالته هو عدم وثوقه بنفسه أو بنا أو بأي شيء، هو حتى يشعر بأن تلك الذكريات الموجودة في عقله لا تخصه، و كأنها لشخص آخر.
- هذا مؤسف
اماء لي و لم يعقب فصمتّ و نظرت من النافذة للحظات، عدت لأنظر الى عُدي بعدما تذكرت أمراً ثم قلت
- ولكن اتعلم
ولّاني كامل اهتمامه فأكملت
- لم المح أي شخص في الطابق الرابع و كأنه مهجوراً!
اماء بهدوء و أجاب
- اجل، الجميع يتهرب من العمل في ذلك الطابق خاصة في المساء.
- ماذا عن الحالات الموجودة في ذلك الطابق؟ الم تخبرني بأنه يوجد ١٠ حالات؟
- أجل، ولكن حقاً لا أعلم أي شيء بخصوصهم،. لا اعلم حتى إن كانوا.لازالوا هناك ام تم نقلهم، كما ترين الطابق كبير للغاية.
فركت كفي، لم ارغب في ان اكون متذمرة منذ يومي الأول، ضيق عُدي عينيه و سأل بفضول
- ماذا هناك؟
- أشعر بالتوتر لكون روبيرت في ذلك الطابق وحده، أي ماذا إن حدث شيء ما و انا كنت في الطابق الثالث! من سينتبه لذلك ؟
تبدلت ملامحه و بدا و كأنه تذكّر أمراً
- انا حقاً آسف، كان هذا خطأي لقد نسيت اخبارك.
- اخباري بماذا؟
- هناك كاميرا موضوعة في غرفة روبيرت موصلة على هاتفي انا فقط.
- حقاً! هل تقوم بفتحها طوال الوقت؟
- لا، فقط حين ترسل لي الكاميرا رسالة بوجود حركة في الغرفة.
شعرت بالراحة فور سماع ذلك، ابتسمت و لكن سرعان ما تلاشت ابتسامتي، نظرت اليه و سألته بحذر
- إذاً..
حمحمت ثم تابعت وانا اتفرس ملامحه
- الكاميرا ترسل لك رسال بأي حركة اليس كذلك؟
اماء بهدوء وهو لازال ينتظر مني التكملة فتابعت
- أي.. انه إذا مثلاً.. مثلاً حدث و سقط شخص ما ترصد الكاميرا أنه هناك حركة في الغرفة فترسل لك رسالة
ابتسم و اتسعت ابتسامته ، كان يحاول كبت ضحكته
-لا لا لا لم تفعل ارجوك
-اسمعي بيان تلك الامور تحدث
-رأيتني وانا انزلق ارضاً، و تظاهرت بأن شيئاً لم يكن!
-لم ارغب في احراجك ولكن،. كان هذا مضحكاً
خبأت وجهي بين كفاي و رغبت لو تنشق الأرض و تقوم بابتلاعي، شعرت بذلك الصهد يلتهم وجنتاي و تمتمت
-هذا سيء، هذا حقاً حقاً و من كل قلبي سيء
-لا بأس حقاً،. لم اطل النظر
نظرت اليه بحرج فتابع
-لانني كنت اضحك
- انت لا تساعد
أنفجر ضاحكاً فقلت غاضبة في محاولة للتبرير
- الأرض زلقة.. كيف يعقل ان تكون الأرض هكذا في غرف المرضى؟ ماذا إن سقط المريض مثلاً؟
كان لازال يضحك بكل وقاحة
- بيان، المرضى أكثر حذراً منك صدقيني
اشحت بوجهي و نظرت الى النافذة بينما اتناول طعامي فأنا جائعة، و بعد صمت للحظات نظرت اليه مجدداً و سألته
- هل الكاميرا في جميع الغرف؟
- لا، فقط غرفة روبيرت،. ولكن يوجد بالتأكيد كاميرات المراقبة العادية في الممرات و غرف الطابق الخامس أيضاً ولكنها لا تخصني.
لم اعقب فتابع
- لدي هاتف إضافي سأقوم بتوصيل الكاميرا عليه، و قومي بتسليمه لي في نهاية نوبتك
- هذا رائع، فكرة جيدة
ابتسم و قال
- حسناً
تابعنا تناول الافطار،. او عشائي و افطاره لا اعلم بالضبط.
اعطيته تقريراً عن الحالات أثناء ذلك و كان يخبرني بما علي فعله و ما علي تجنبه، اعطاني بعض الملاحظات لإتباعها خاصة مع حالة علي و اسحاق، و حين جاءت الساعة الثامنة نهضت لكي ألحق بالحافلة قبل ان تغادر
....
خرجت بسرعة بحثاً عن الحافلة رقم خمسة في موقف الحافلات بالمدينة الطبية فهي التي تقف عند اقرب محطة لبيتي.
لم يكن عثوري عليها صعباً و ما إن اتجهت اليها حتى تفاجئت بمحمد يترجل منها فابتسم ما إن رآني و قال
- مرحباً بيان، كيف حالك؟
بادلته الابتسامة قائلة
- بخير حمداً لله،. ماذا عنك؟
- بخير، سعيد لرؤيتك،. كيف كان يومك الأول؟
- حسناً،. كان جيداً
- حقاً؟ و كيف كان العمل في الطابق الرابع؟
ضحكت و سألته
- ما بالكم بذلك الطابق؟ لم يكن هناك شيء، بدا مخيفاً في المساء ولكن حقاً ما بالكم!
- لا شيء ، على كل حال قبل ان ارحل.. ما رأيك أن آتي باكراً في الغد و نتناول الإفطار معاً؟
قضبت حاجباي و نظرت اليه، لماذا كلما سألت عن ذلك الطابق اواجه كلمة واحدة "لا شيء" إن لم يكن هناك شيء ما سبب سؤالهم و تعجبهم إذاً!
- و تخبرني بما يوجد في الطابق الرابع؟
اقترب مني قليلاً، أخفض صوته و قال
- صدقيني لا يوجد شيء
فسألته بنفس نبرته
- لماذا تخفض صوتك إذاً إن لم يكن هناك شيء؟
ابتسم ابتسامة صفراء حين كشفته فقال
- حسناً نتحدث بالغد
- اتفقنا
رفع سبابته أمامي محذراً
- ولكن ما أقوله لك يبقى بيننا، ليس مسموحاً لنا بالتحدث عن الأمر
- حسناً، أعدك
- اراك غداً إذاً
اشار لي تاركاً إياي و الفضول ينهش قلبي ولكنني حقاً كنت متعبة و ارغب في النوم،صعدت الى الحافلة و ما إن جلست على المقعد بجانب النافذة حتى اسندت رأسي و أغلقت عيني ولكنني لن انام،لا لن افعل
.......
نمت مجدداً و استيقظت على صوت السائق وهو يسخر مني قائلاً بحدة
"ايتها الاميرة النائمة هل ترغبين مني ان اوصلك الى بيتك ايضاً!! "
ذلك الرجل وقح، ولكن لا يهم ما يهم الآن أنني في بيتي
لم أكن جائعة لذلك قمت بتبديل ثيابي و توجهت الى غرفتي، اغلقت الستار و الأضواء، اجل هذا جيد فأنا بحاجة الى النوم، بعدما أغلقت الستار و أظلمت الغرفة والتفت لأتوجه الى سريري تصنمت مكاني، الغرفة مظلمة للغاية، إنقبض قلبي و ساورني ذلك الشعور الذي شعرت به في الممر ليلة البارحة،. ابتلعت ريقي و رفعت الستار مجدداً بسرعة، تفحصت الغرفة بعيني
- لا شيء يا بيان هذا وهم
زفرت بحنق و قمت بتشغيل اضواء النيون خاصتي و بعد ذلك عدت لأنزل الستار مجدداً، التفت حولي فكانت اضواء النيون تضيء الغرفة بصورة لا بأس بها، كان تداخل الالوان و تلاشيها يريح اعصابي
توجهت الى السرير و اندثرت أسفل الغطاء، أغلقت عيني لأنام ولكن كل ما رأيته هو ممر مظلم لا نهاية له، ابتلعت ريقي و استعذت بالله من الشيطان، خوفي ليس من الممر بل مما يوجد به،. تباً بيان لا يوجد شيء فقط توقفي عن التفكير، عانقت نفسي و بدأت أشتت تفكيري بأي شيء آخر حتى بدأت أشعر بجسدي يسكن.

O. O. O

<<<في مكان ما تحت الأرض قاموا بجمع الأطفال كلهم، كان الجنود يحيطون بنا و أسلحتهم في أيديهم، صراخ و بكاء و أنهيار في كل مكان حولي، شددت قبضتي على يد نور، نظرت اليها فكانت تحاول كبت دموعها، تظاهرت بالقوة في أشد لحظاتها انهياراً، و على الرغم من ذلك الضجيج حولنا الا انني سمعتها وهي تقول لي "سيكون كل شيء على ما يرام" عانقتني بقوة و هي تربت على شعري، تعالت اصوات البكاء و الصراخ من حولنا فجميعنا اطفال قد تم سلبنا من اهالينا،. لا نعلم ما يحدث ولا ما سيحدث، و فجأة أهتزت الأرض من تحتنا بقوة شديدة فعم الصمت، بدى السقف و كأنه سيسقط فوق رؤسنا ، من شدة هلعنا جميعاً لم نقو على البكاء، كنا نتبادل النظرات، نحاول التشبث كي لا نسقط، مرت ساعات على ذلك الحال، او ربما لم تكن الا ثوان معدودة ولكنها بدت لي كأنها دهر، و حين توقفت الارض عن الاهتزاز، حين سكن جميع من حولي،. حين تبادل الجنود النظرات فيما بينهم، ادركت في هذه اللحظة ان كل من في الاعلى قد ماتوا، بما فيهم ابي، و امي.>>>
- بيــــــان
انتفضت من نومي فزعة، نظرت حولي بهلع بحثاً عن من نادى أسمي ولكنني لا ارى أي شيء، الغرفة مظلمة، مددت يدي بحثاً عن هاتفي بسرعة و قلبي يقرع كالطبول.
أمسكت الهاتف بيداي المرتجفة، و قبلما اقوم بفتح مصباح الهاتف رفعت رأسي بتلقائية لأنظر تجاه باب الغرفة، فوجدت ما يقف هناك بالفعل، ينظر اليّ... تباً


يتبع...

خارج نطاق الخدمة | Out Of Order Hikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin