البارت الخامس عشر

57 7 0
                                    

ثم ماذا؟

_._._._._._._._

أغلقت باب البيت بالمفتاح، إلتفت على ذلك الصوت فوجدتها تترجل من سيارتها، القيت الحقيبة أرضاً و ركضت تجاهها بسعادة، أخيراً جاءت، ميرا.
فتحت ذراعيها لي فعانقتها بقوة، اشتقت إليها كثيراً، بادلتني العناق و قالت بحب وهي تمسد على ظهري
  -اشتقت إليك كثيراً.
ابتعدت عنها ، ابتسمت و قُلت بسعادة
  - وانا أكثر، أقسم، لا أصدق أن نهاية الأسبوع جاءت أخيراً، بدت ولو كأنها دهراً.
  - حين هاتفتني لآتي لم أصدق، يا فتاة لقد تحنطت هنا وحدك في تلك المدينة.
  ضحكت و عدت لأحضر حقيبتي قائلة
  -نسيت كيف كانت حياتي قبل قدومي إلى هنا.
فتحت لي صندوق السيارة الخلفي، حملت حقيبتي و ما إن ذهبت و وضعتها في الصندوق حتى أغلقته ميرا و قالت
  - طوال رحلتنا، اريد تقريراً مفصلاً عن كل شيء.
  - حسناً أيتها الفضولية، لك هذا.
  فضولية.. انظروا من يتكلم... الفتاة التي تضع انفها في كل مكان الا وجهها.
.....
لا ادري ماذا قُلت بالضبط ، كنت أحكي لها قصص عشوائية عن مواقفي هناك، و عن الطابق المسكون ولكن ،أياً كان ما تفوهت به، لم أتحدث عن أية تفاصيل، لم أذكر أمر عمر، لم أخبرها عن علاقتي الطيبة مع القائد، عن سرقتي للمفاتيح الرئيسية، عن حياكتي للأمور من خلف عدي.
  - ماذا عن ذلك المريض الذي تحضرين له البسكويت؟
  قضبت حاجباي و سألتها
  - علي؟ أتتذكرينه؟
  - اجل ،الم تحضري له علبة المرة السابقة حين كنا معاً.
  ابتسمت و أجبتها
  - أجل ، لازال على وضعه، لا يتذكرني إلا بالبسكويت.
  ضحكت و قبلما تتحدث دق هاتفها، استأذنتي و قامت بالإجابة فالتفت لأنظر من النافذة، إلى الجبال على جانبي الطريق، السماء صافية، فتحت النافذة قليلاً مستمتعة بمداعبة الهواء لوجهي، ابتسمت بسعادة، و أغلقت عيناي للحظات، فقط بضع لحظات كانت كفيلة بإعادتي إلى تلك اللحظة.

<<<<
  - تأخرتي.
  إبتلعت ريقي و التفت لأنظر إليه، ابتسمت و كم شق علي هذا و أجبته
  - كان لدي الكثير من العمل.
  بدا عليه عدم الاقتناع، جلس على السرير و قال
  - حقاً؟
  - أجل.
  همهم بلا مبالاة و لم يعلق، و ما إن جلست على الكرسي حتى نهض عن مكانه ليغلق الباب، تباً لقد تركته موارباً عن قصد!
عاد ليجلس على السرير أمامي و نظر  إلي، كان ينظر إلي بشكل مختلف، اهو يغازلني بعينيه؟
  - توقف.
  قضب حاجبيه و اصطنع الغباء سائلاً
  - عن ماذا؟
  - عن ذلك الشيء الذي تقوم به بعينيك.
  غمز و سألني
  - هذا؟
  - عن الأمر كله، توقف.
  ابتسم و قال
  - حسناً.
  أخذت نفساً عميقاً، أخرجني عن شعوري، نسيت ما كنت أرغب في قوله، شهيق، زفير، شهيق، زفير، القيت نظرة عليه فكان مبتسماً، أشحت بوجهي للحظات ثم عدت إليه و قُلت
  - على كل حال،. هل رأيت ذلك الكابوس مجدداً؟
  - أجل.
  - هل حاولت الا تفكر فيه قبل نومك،. أن تفكر في شيء مختلف.
  - اجل.
  - فيما فكرت؟
  التزم الصمت للحظات قليلة، حك رقبته ، نظر إلى الأعلى، عاد لينظر إلى الأسفل، إلى السقيفة، لقد نظر إلى كل زاوية في الغرفة، تباً فيما يفكر كل هذا!  عاد لينظر إلي و قال
  - تخطي هذا السؤال.
  ضيقت عيناي وانا أنظر إليه، بدأ الفضول  يأكلني، أنفي يحكني، و لكن لسبب ما أشعر بأنني لا أرغب في معرفة الإجابة، لذا لم اسأل.
  - حسناً ، دعك من هذا السؤال... ما رأيك لو جربنا شيئاً جديداً؟
  - كيف؟
  - لنجرب التنويم مثلاً؟
  رفع حاجبيه بدهشة و سأل
  - اتمزحين؟
  - ربما يساعدك هذا على الاسترخاء.
  ابتلع ريقه ولم يعقب فقلت بسرعة
  - ولكن إن لم ترغب لك هذا... لن اتضايق إن رفضت، في النهاية يجب ان يكون هناك ثقة و..
  قاطعني
  - أنا أثق بك.
  ابتسمت للأثر الذي تركته تلك الكلمة في نفسي، أكثر ما أحب سماعه و خاصة في هذا المكان، ثقتهم بي.
استلقى إسحاق على السرير أمامي، أغمض عينيه و قال
  - ارجو ان تكوني على علم بما تقومين به.
  حمحمت و لم أعقب، فتح عينه اليمنى لينظر تجاهي، أظنه أدرك بأنها تجربتي الأولى، سمعته يتمتم في سره ذلك الوغد، اردت لوهلة وضع الوسادة على وجهه لأكتم انفاسه، أخذت نفساً عميقاً و قُلت.
  - حسناً اتسمعني؟
  حاول الا يضحك و قال
  - اجل.
  - جيد
  اقتربت من السرير قليلاً،. سأبدأ بتطبيق ما سمعته عن الأمر فيه.
  - حاول الاسترخاء ، تخيل بأنك تطفو فوق الماء.
  - حسناً.
  - ضع لسانك في فمك، لا تتحدث أنصت فقط.
  ابتسم و لم يعقب، أخذت نفساً عميقاً، حاولت جعل صوتي هادئاً.
  - تخيل بأن ذلك الكابوس تحول إلى سحابة سوداء، ضع في تلك السحابة كل شيء يضايقك، كل الذكريات السيئة.
راقبت تعبيرات وجهه بحذر، بدأت ملامحه ترتخي بعض الشيء.
  - بعدما وضعت كل تلك الذكريات السيئة في السحابة، اتركها تخرج من عقلك، مروراً بحلقك، ثم قلبك، إلى الأسفل، إلى ان تصل إلى قدميك، دعها تخرج من هناك.
  - بيان.
  قالها بهدوء ، بصوت منخفض، اقتربت منه بحذر و سألته بنفس هدوءه
  - ما الأمر؟
  - انا لست ملبوساً، ما الذي تفعلينه!
  رمشت عدة مرات،. كان هذا محبطاً، فتح عينيه و نظر إليّ كان مستمتعاً بإحباطي ، اردت سحب الوسادة من أسفل عنقه و لكمه بها بقوة، أخذت نفساً و تراجعت إلى الخلف قائلة
  - على الأقل كنت أحاول مساعدتك.
  جلس و اسند ظهره على السرير خلفه و لم يعقب، كيف يقوموا بهذا الأمر؟ كيف يجعلون التنويم يبدو بتلك السهولة؟؟ زفرت بضيق و نظرت إليه، ذلك الصعلوك لا ينام، أشعر بالاستفزاز منه.
مسحت وجهي ، أخذت نفساً عميقاً، انا هادئة ، نظرت إليه و قُلت
  - حسناً. سنجرب طريقة مختلفة.
  - حسناً.
  - بيت الجبل خاصتكم، قم بوصفه لي، التفاصيل، الرائحة ،الشعور ، كل شيء.
  أخذ نفساً و بدأ يفكر ، نظر إلي و قال
  - كان منعزلاً عن ذلك العالم، كل ركن فيه بدا ولو كأنه شاهداً على ذكرياتهم، النوافذ تطل على الجبال الشاهقة، صوت الطيور تغرد كل يوم، السماء دائماً ما تكون صافية، و حين يحل الليل، تبدو السماء أقرب، و كأنك قطعة منها ،وكأن بمقدورك لمس النجوم.
  كنت أنصت له باهتمام، نبرته هادئة، مع كل حرف كنت أتخيل نفسي هناك، أتخيل لو أنني في ذلك المكان، بدأت أشعر بالراحة، بالارتخاء في جسدي، شعرت بالانسجام معه لدرجة أنني بدأت أشعر بالتلاشي، بدأ صوته ينخفض تدريجياً، بدأت الرؤيا تتشوش، ولكن ذلك المشهد أمامي يتضح أكثر فأكثر، الجبال الخضراء، بيت جميل هناك، بحيرة بالقرب منه، انا اتلاشى.
  - بيان.. بوفارديا..
  فتحت عيناي بهدوء ، كان يقف أمامي، كان يضحك، على ماذا يضحك؟ مهلاً... هل نمت!
انتفضت عن مكاني بسرعة، نظرت حولي ثم عدت لأنظر إليه، لم انم انا متأكدة، نظرت إليه فكان لازال يضحك.
  - ماذا حدث ؟!
  - نمتي.
  - لا لم أفعل.
  أشار إلى ساعتي بعينيه، و حين نظرت ، يا الهي لقد نمت نصف ساعة، وضعت وجهي بين كفاي.
  - من المفترض أن يكون انت من ينام وليس انا! لماذا نمت ها؟ ما هذا العبث!
  - عبثيات بيان.
  <<<<
عدت إلى الواقع على طقطقة ميرا لاصابعها أمامي
  - يا فتاة... اين انتي؟
  نظرت إليها و سألتها
  - ما الأمر؟ هل ناديتني؟
  ابتسمت و سألت
  - اجل، في من تفكرين؟
  قضبت حاجباي و قُلت باستنكار
  - انا؟ لا احد.
ضيقت عينيها ، قامت بفتح المرآة أمامي، كان وجهي أحمر اللون، لماذا وجهي أحمر؟ ابتلعت ريقي و قُلت
  - صدقيني لا شيء.
  لازالت لا تصدق، رفعت حاجبيها عدة مرات و سألت
  - من؟ ها.. ها.
  -لا احد.
  نكزتني و قالت
  - هيا أجيبي...أهو عدي؟
  - ماذا؟ لا بالتأكيد لا.
  - أهو ذلك الشخص الذي أخبرتني بأنه يمتلك أجمل أعين رأيتها في حياتك؟
نظرت إليها بدهشة، كيف تذكرت هذا!
  - لا، لا احد صدقيني.
  عادت لتنظر إلى الطريق أمامها بعدم إقتناع فقلت وانا أخرج ذلك الظرف من حقيبتي
  - على كل حال، هذا لك.
  ألقت نظرة سريعة عليه ثم قالت بعدما عادت لتنظر إلى الطريق أمامها.
  - ما هذا؟
  - ثمن البنزين و النقود التي اقترضتها منك.
  - أجننت؟
  -ميرا اسمعي، لقد استلمت راتبي و حقاً كان أكثر مما ظننت.
  - ضعي أموالك جانباً لن آخذ شيئاً.
  - لا ، لم يكن هذا إتفاقنا.
  - لست بحاجة إليهم الآن،. ابقيهم معك.
  - ميرا ارجوك.
  - أعطهم لرسلان.
  - حين أجمع المبلغ كاملاً سأعطيه إليه، هيا يا فتاة لا تتظاهري بالثراء،جميعاً فقراء في هذا الكوكب.
  ضحكت و لم تعقب فقمت بفتح الصندوق الصغير في سيارتها و وضعت الأموال فيه قائلة.
  - يكفيني وجودك معي.
  قبلت خدها فصحكت و قالت
  - حسناً الآن أشعر بالخجل.
  ابتسمت بسعادة و نظرت من النافذة بالخارج، أخيراً بعض الوقت بعيداً عن المدينة الطبية، بعض الوقت مع عائلتي، مع ركني الدافئ في هذه الفوضى.
......
لا أصدق، لقد وصلنا أخيراً، نظرت إلى الشارع أمامي، كانت الساعة الرابعة عصراً، لا أحد في الشارع كالعادة، قامت ميرا بركن سيارتها بالقرب من البناء و قالت
  - مرحباً بك في بيتك.
  ابتسمت بسعادة و قُلت بينما أترجل
  - هيا.
  لم تتحرك من مكانها، قضبت حاجباي و نظرت إليها سائلة
  - أهناك خطب؟
  -لن أصعد.
  - ماذا؟ لماذا!
  - سيكون هذا تجمعاً عائلياً.
  قلبت عيناي و قُلت بحدة
  - ميرا ، إن لم تخرجي من تلك السيارة الآن أقسم على سحبك منها بنفسي، أهذا واضح؟
  فتحت عينيها على وسعيهما و ضحكت قائلة
  - تباً يا بيان، ما هذه الوحشية!
لم أعلق و ذهبت لأحضر حقيبتي من صندوق السيارة و أنظاري لازالت عليها ،لم تترجل.
أغلقت صندوق السيارة بعنف فترجلت بسرعة و قالت بحدة
  - لا، لا غير مسموح، إلا سيارتي.
  ضحكت على تعبيراتها ثم قُلت بهدوء
  - لماذا لا تحضري واحدة تعمل بالكهرباء و تتركي تلك و شأنها؟
  ابتسمت ساخرة و قالت
  - اولاً لا أَملك المال، ثانياً محطات الكهرباء اول شيء يتعطل في حالات القصف لذا... لا شكراً.
نظرت إلى سيارتها لمرة أخيرة قبل أن ندخل البناء،. ربما قد أرغب في تعلم القيادة قريباً.
.......
أخذت نفساً عميقاً، و قمت بطرق الباب و الابتسامة لا تفارق وجهي.
  - الا تملكي مفتاحاً؟
  - بلى ، ولكن أريد مفاجئتها وليس إصابتها بسكتة قلبية.
  ضحكت و لم تعقب و ما كانت لحظات حتى سمعنا صوت إقتراب شخص ما من الباب، ثانية، اثنان.
ما إن فتحت الباب حتى صرخت متفاجئة في وجهي، ضحكت على تعبيراتها فسحبتني إلى عناق طويل و قالت
  - اتمزحين!!! حقاً... يا الهي اشتقت إليك كثيراً.
  بادلتها العناق بحب ، ولكن ما كانت لحظات حتى شعرت بها تخنقني،. ربتت على ظهرها و قُلت
  - حسناً نورسين ،انتي تقتلينني.
  ضحكت و ابتعدت عني، مسحت دموعها و قالت
  - لم أتوقع مجيئك.
  دفعتني بخفة و قالت بغضب طفيف
  - لماذا لم تخبريني؟ كيف جئتي؟
  أشرت إلى ميرا التي تراقب بصمت فما إن انتبهت لها نورسين حتى سحبتها إلى حضنها و قالت
  - و انتي ايتها الخرقاء لماذا لا تأتي؟
  عانقتها ميرا و لم تعلم بما تجيب، فقد توردت وجنتيها خجلاً.
  - أين عائشة؟
  قُلت وانا اتفحص البيت بعيناي فقالت نور بعدما افسحت لنا المجال لندخل
  - ذهبت إلى بيت سارة و ستعود بعد قليل.
  -اشتقت إليها تلك القردة الصغيرة.
ابتسمت نورسين و قالت بحماس
  - ستسعد كثيراً فور رؤيتك.
  بادلتها الابتسامة ثم اشتمتت تلك الرائحة الشهية
  - ما هذه الرائحة؟
  - صديق رسلان سيأتي اليوم ليتناول معنا الغداء.
  قضبت حاجباي و سألتها
  - حقاً؟ من ؟ هل شخص قابلته ؟
  - لا، كنتي صغيرة حينها، هو جندي في البحرية، اسمه عثمان عبدالقادر.
  ضيقت عيناي و حاولت التذكر، نظرت إلى ميرا فقالت
  - يبدو لي الأسم مألوفاً.
  ساد الصمت لثوان حتى فتحت ميرا عينيها على وسعيهما و قالت
  - تذكرته، ألم يكن ذلك السمج الذي كسر لي دميتي؟
  نظرت لها نورسين و قالت مبررة
  - كان عن طريق الخطأ.
  - ولكنه كسرها.
  ضحكت نور و قالت وهي متجهة إلى المطبخ
  - حسناً ولكنه شخص جيد حقاً،. على كل، قوما بتبديل ثيابكما ريثما انتهي من الطهو.
  أعترضت ميرا
  - لا لا يجب أن أغادر.
  التفت نور لها و ضيقت عينيها قائلة بتحذير وهي ترفع سبابتها
  - هراء، لن تغادري، هذا قرار.
  كادت تعترض مجدداً الا انني سحبتها من ذراعها إلى غرفتي.
......
بعدما بدلنا ثيابنا خرجنا لنساعد نور.. او كانت هذه نيتنا ولكن انتهى بنا الأمر نلتهم الطعام الذي تعده قبلما يجهز حتى لذا، طردتنا من المطبخ!
سمعت صوت طرقات صغيرة على باب البيت فتوجهت ركضاً لأفتحه و ما إن فعلت حتى ابتسمت بسعادة، عائشة أمامي.
  - ايبو
  قالتها وهي تقفز و تعانقني بقوة فحملتها و قُلت وانا أقبل وجنتها
  - اشتقت إليك.
  - وانا اكثر
  قبلت خدي بقوة و قالت بسعادة
  - متى أتيت؟
  - امم....قبل ساعة تقريباً.
  مطت شفتيها للأمام و قالت بحزن طفولي
  - هل سترحلي اليوم إذاً؟
  - ماذا؟ لا بالطبع لا، سأرحل بعد غد إن شاء الله.
  صفقت بيديها و عانقتني مجدداً إلى أن انتبهت إلى وجود ميرا فتركتني و ركضت تجاهها بسرعة و هي تنادي باسمها، يا اللهي أتمنى أن يمر الوقت ببطء، لا اريد المغادرة، لا أريد تركهم!.
خرجت نور من المطبخ و قالت لعائشة
  - هيا عيوش أغسلي يديك و بدلي ثيابك.
  اماءت لها عائشة  و ذهبت ركضاً بقامتها القصيرة تلك إلى الحمام، رفعت حاجباي بدهشة و سألت مستنكرة
  - لقد ذهبت؟ بكل تلك السهولة؟ لا عناد؟ لا جدال! ماذا حدث في غيابي!
حاولت نور كتم ضحكتها و قالت بصوت منخفض
  - أخبرتها أنها إن لم تسمع كلامي سأعطي كل العابها إلى عثمان كي يكسرهم.
  صفقت ميرا بيديها و قالت باندفاع
  - ارأيت ؟ ارأيت؟ أخبرتك ذلك الرجل لديه عقدة من الاطفال.
  ضحكت على تعبيراتها فبررت نور مجدداً
  - حسناً إسمعي ، لا يوجد تفاهم كبير بينه و بين الأطفال ولكنه شخص جيد صدقيني.
  ضيقت ميرا عينيها فتابعت نور
  - صدقيني،. سيكون زوجاً رائعاً.
  رفعت حاجباي بدهشة و أخيراً فهمت مقصدها، تبادلت النظرات مع ميرا و بعدها عدنا للنظر إلى نور فقالت
  - إلى متى ستبقيا كالمزهريات هكذا ها؟ أي واحدة، ليتزوج أي واحدة منكما و انا سأكون سعيدة.
  تأتأت لها و قُلت بهدوء
  - تؤ ، انا خارج ذلك الأمر.
  قضبت نور حاجبيها فهمست لها ميرا على مسامعي
  - واقعة في حب شخص ما.
  فتحت عيناي و نظرت لها بصدمة و قبلما أبرر شهقت نور و قالت
  - اتمزحين!! حقاً؟!!
  - لا لا لم يحدث
  تدخلت ميرا و قالت
  - بلى، و توردت وجنتيها و ابتسمت بسعادة و هي تفكر فيه.
  لا ادري لماذا آلمتني معدتي من الفكرة، شعرت بالتوتر لقابلية حدوث شئ كهذا، نظرت لها بغضب و قُلت
  - ميرا توقفي ، لم يكن الأمر بتلك المبالغة.
  إلتقطت ميرا الوسادة من جانبها و قالت بدراما وهي تعانقها
  - حبيبي، لن اتأخر أعدك سأعود إليك بسرعة، أنتظرني.
  ضحكت نور بسماجة على سخافة ميرا فنهضت عن مكاني بغضب و قُلت بحدة
  - اتعلما أمراً؟ انتما سخيفتان حقاً.
  ضحكت ميرا و قالت
  - حسناً حسناً إهدأي كنت أمزح.
  توجهت إلى غرفتي و أغلقت الباب بعنف ، أنا غاضبة، لا أدري لماذا، ولكن أنا غاضبة، أغلقت عيناي و... أريد أن أبكي، ما هذه الدراما التي أنا بها يا إلهي.
سمعت صوت طرقات على الباب تلاه صوت ميرا تقول
  - بيان، لقد كنت أمزح ما بك!
  لم أعقب ففتحت الباب و دخلت ، أغلقت الباب خلفها و قالت وهي تقترب مني بسرعة
  - ما بك هل انتي بخير؟
  نظرت إليها، ابتلعت ريقي ثم ابتسمت و أجبت
  - أجل.
  - لا لست كذلك.. ما الأمر؟
  غمزت و قالت
  - ام ان هناك شيء ما؟
  قلبت عيناي و ازحت وجهها القبيح بعيداً عني فضحكت وقالت
  - هيا بيان أخبريني.. ما بك؟
  - صدقيني لا شيء، لو كان هناك لأخبرتك.
  ضيقت عينيها و نظرت إلي بشك و قبلما تتحدث دخلت نور و قالت
  - لقد جاءا ، ارتديا الحجاب.
.....
خرجت أنا و ميرا لماقبلتهما في غرفة الجلوس، ما إن رآني رسلان حتى نهض عن مكانه بسرعة و قال
  - بيان!! ما هذه المفاجأة! سعدت لرؤيتك.
إبتسمت و  قُلت
  - وانا أيضاً،. ما كان بمقدوري البقاء هناك أكثر من هذا حقاً.
  - لو أخبرتني لأتيت لإصطحابك وقتما شئتي.
  -لا بأس ميرا أحضرتني.
إلتفت لينظر إلى ميرا خلفي فقال
  - و تلك التي أختفت من الوجود فور رحيلك.
  تدخلت ميرا و قالت
  - لم اختفي، كنت منشغلة.
  ضيق رسلان عينيه وهو ينظر لها ثم سرعان ما تبدلت ملامحه و قال معرفاً بمن يقف خلفه
  - هذا عثمان
  نظرت إليه، أجل إلى حد ما أتذكره، كان طوله من نفس طول رسلان تقريباً، بشرته حنطية، شعره أسود اللون، عينيه بنية، لحيته زينت وجهه، لم يكن وسيماً هكذا في الماضي، على حد ذاكرتي كان قبيحاً و مستفزاً.
ابتسمت و قُلت بتهذيب
  - مرحباً.
  بادلني الابتسامة و قال
  - مرحبا.. بيان اليس كذلك؟
  امأت له عدة مرات، قضب حاجبيه و قال
  - كبرت ، ولكن لازلت قصيرة.
  تلاشت إبتسامتي و نظرت إليه بحنق، لا ارغب في إخباره بأنه كبر، ولكن لازال مستفزاً.
نظر إلى ميرا و قال
  - و انت ميرا بالتأكيد.
  ابتسمت ميرا و قالت بأدب
  - مرحباً.
  - مرحباً بك.
  أشار له رسلان ليجلس و حين فعلا نظر لي و قال بصوت منخفض
  - هلاّ ناديت نور
  امأت له ثم خرجت من الغرفة بسرعة بحثاً عن نور و لم أخفى عن تتبع ميرا لي.
....
طرقت باب غرفة نور و ما إن دخلت حتى قُلت بصوت منخفض
  - سمج، اقسم على سماجته.
  اماءت ميرا عدة مرات و قالت بسرعة
  - أجل ، لازلت أتذكر تعبيراته المريضة حين كسر لي دميتي.
  إنفجرت نور ضاحكة و قالت
  - حسناً لنرى البطل الخارق التي تنوي كل منكما  الزواج منه.
  ضيقت ميرا عينيها و قالت بتحدٍ
  - حسناً ، سأبهرك بإختياراتي في الرجال.
  اماءت نور بعدم إقتناع و ما إن نظرت إلي حتى أجبتها
  - أختياراتي سيئة ،صدقيني لا أبالغ.
  قلبت عينيها فتابعت
  - على كل حال رسلان يريدك.
  - حسناً
  تخطنا و ما إن خرجت حتى قلت لميرا.
  - لا ادري من أي جحر تعرف عليه رسلان.
- حسناً بيان كفي وقاحة، في النهاية لقد أصبح وسيماً، ثم من عاب ابتلي.
انفجرت ضاحكة على آخر جملة قالتها و من داخلي، كنت أعلم بأن حديث سهرتنا اليوم سيكون عنه!
.....
خرجنا لنساعد نور في تجهيز مائدة الطعام و حين انتهينا لسوء حظي كان عثمان يجلس في مقابلتي، ينظر إلي بعد كل كلمة و أخرى، يستعرض مهاراته العسكرية و خبراته، لا ادري لماذا لم أنبهر بأي مما قال، ربما لأنني لا أرى أي من هذا إنجاز؟ أي انه من عائلة غنية، ذهب للدراسة، خضع للتدريب قبل ان يتحرك أي خطوة في حياته، كان هناك من يدعمه،. كان والده يدعمه، والدته موجودة ولها دور في حياته، ذلك المتباهي امامي لم يعاني في حياته، يبدو لي كشخص مدلل.
  - كيف هي إذاً؟
  رفعت أنظاري عن الصحن أمامي حين لاحظت بحلقة الجميع في،. ابتلعت ريقي و سألت
  - عفواً؟
  كرر عثمان سؤاله
  - المدينة الطبية.. كيف هي؟
  حمحمت إستعداداً لإخراج الكلمات من فمي و قُلت
  - تبدو كمدينة صغيرة بها سبع أبنية، كل بناء منفصل عن الآخر في القوانين و القواعد و نوعية الأمراض التي يعالجها، ولكن في النهاية جميعهم تحت سيطرة شخص واحد.
  ابتلعت ريقي و لا ادري لماذا لفظ إسمه كان بهذه الصعوبة
  - راكان عبد العزيز.. القائد الأعلى للمدينة الطبية.
  اماء عثمان ثم نظر إلى رسلان و قال
  - ذلك الرجل لم أقابل في حياتي مثله قط.
  رفعت حاجباي و سألته بفضول
  - أتعرفه؟
  ضحك رسلان و قال
  - من منا لا يعرفه! لا يوجد شخص تم تجنيده إلا و سمع بذلك الرجل.
عقب عثمان على قوله
  - أجل و قصة هوسه الغريبة بزوجته، أظنه فقد عقله بعد موتها.
  نظر إليه رسلان بصدمة و قال معترضاً
  - ماذا؟ لا، هذه شخصيته منذ وُلِد.
  -أياً كان ، ولكن هذا لا يمنع أنه كان مهووساً بها.
ابتلعت ريقي و سألتهما بفضول
  - كيف علمتما بذلك؟
  نظر إلي عثمان و أجاب
  - الأخبار في المعسكرات تنتشر بسرعة الرياح.
  تدخلت ميرا في الحوار قائلة
  - أجل صحيح، أنا ايضاً سمعت بتلك القصة.
  نظرت إليها بصدمة و شعرت بأنني آخر من يعلم بكل شيء سواء هنا أو في المدينة.
  - أياً يكن فقط لا تحتكي بهذا الرجل، لا تفعلي.
  نظرت إلى رسلان ،ابتسمت و أجبته
  - لا تقلق،. لم نتقابل ولو لمرة حتى.
  تباً، انا كاذبة و مغفلة، الأثنين معاً.
  - إذاً بيان إلى متى تنوين البقاء في المدينة الطبية؟
  كان هذا سؤالاً لا داعي له من عثمان فأجبته
  - هذا عملي، ما الذي قد يجعلني اتركه؟
  حرك كتفيه و قال
  - لا ادري ، ربما إن تزوجت مثلاً؟
  أريد كسر المقعد الذي يجلس عليه فوق رأسه،. ابتسمت باتساع و قُلت
  - لا تقلق، لا أحد يملك المال ليتزوج في ذلك الزمن.
  نهضت عن مكاني قبل أن يُلمح بثراء عائلته الفاحش و قدرته المادية على الزواج و أنه شخص لا يمكن رفضه و قُلت لنور
  - سلمت يداك نور.
  قبلت خدها و دخلت إلى المطبخ من دون أن أنظر إليه، لأنني كلما فعلت شعرت بالاستفزاز.
.....
لا ادري كيف مر الوقت، ولكن حقاً كنت أحسد عائشة على إختبائها في غرفتها منذ لحظة قدومه إلى أن غادر، بينما كل ما كنت أقوم به انا هو تحاشي الخروج أمامه تجنباً للتواقح معه، ليس لأنني أخشى على مشاعره، بل إحتراماً لرسلان.
تنهدت براحة بعدما أغلقت باب الغرفة و نزعت حجابي قائلة
  - أخيراً رحل! ذلك الرجل أتلف أعصابي.
  ضحكت ميرا و قالت وهي تعبث في هاتفها
  - أظنه وقع في حبك.
  - بل وقع على رأسه في صغره ولم ينضج من وقتها.
  إتجهت إلى حقيبة يدي بحثاً عن شاحن الهاتف خاصتي فسمعت ميرا تتحدث مع والدتها قائلة
  - فقط أخبريه بأنني ذهبت إلى العمل باكراً... حسناً
  ابعدت الهاتف عنها و قالت
  - ماما تبلغك سلامها.
  ابتسمت و قُلت بينما لازلت أبحث في مغارة علي بابا خاصتي
  - ابلغيها سلامي.
  كنت أفرغ محتويات الحقيبة حين سقطت المذكرة خاصتي أرضاً، إنحنيت لإحضارها و تفاجئت من وجود شيء بين الصفحات، لوهلة ظننته قلمي ولكن ما إن فتحت الصفحة حتى تفاجئت بوجود سيجارة!
أمسكتها و رفعتها بصدمة فوجدت مكتوب عليها من الناحية الأولى

                             "لا تتأخري"

و من الناحية الأخرى

                  "My Beautiful Bouvardia"     

ابتلعت ريقي بتوتر و بدأت يدي ترتجف، أنا أتذكر لحظة إخباري له بأنني سآخذ إجازة ليومين، ولكن لا أذكر متى أخذ المذكرة من جيبي، متى وضع تلك بها!
  - بيان!
  إنتفضت على صوت ميرا التي شهقت و قالت وهي تنظر إلى السيجار بيدي
  - هل تدخنين؟
  -لا لا بالتأكيد لا.
  - ما هذا إذاً؟
  كدت أعيدها إلى الحقيبة الا ان ميرا قامت بنتشها مني بسرعة، حاولت إسترجاعها الا انها أعطتني ظهرها و قرأت المكتوب بصوت مرتفع، خبأت وجهي بين كفاي فالتفتت إلي و سألت
  - لا شيء ها! ممن تلك؟
  استطيع الشعور بضربات قلبي، ذلك الحقير يجعلني أتوتر حتى ولو كانت المسافة بيننا من الأرض إلى السماء.
  - سأشرح لك ولكن أعيديها.
  ضيقت عينيها بشك فتابعت
  - ميرا صدقيني ليس الأمر كما تظني... الموضوع معقد.
  أعطتني إياها فألقيتها في حقيبتي بإهمال، عدت لأنظر إليها فكانت تنتظر مني تبريراً،. أظنها غاضبة، ولكن... ماذا أبرر؟ ماذا أشرح! انا حتى لا استطيع إيجاد تبرير لأقنع به نفسي.
ظلت تراقبني ، تنتظر تبريري فكل ما خرج مني هو
  - حسناً هو أحد الحالات التي أتابع معها، كانت طفولته مأساوية لذا فقط كنت أحاول أن اكون لطيفة معه.
  بدا عليها عدم الاقتناع فأكملت بسرعة
  - كما أنه أصغر مني لذا.. لا شيء مما في بالك، هو فقط لا يثق بأي شخص هناك.
  - بيان ، هل هذا من كان يشغل بالك طوال الطريق؟
قلبت عيناي و قُلت
  - صدقيني يا ميرا إنه فقط حالة اتابع معها.
  ابتسمت ساخرة و قالت
  - أتمنى أن يكون هذا ما انتي مقتنعة به.
  أغلقت الضوء و ذهبت لتنام، زفرت بضيق و صعدت بجانبها قائلة
  - ميرا... صدقيني لا يوجد شيء.
  نظرت إلي يدي، إلى وجهي، قلبت عينيها و قالت
  - أجل صحيح.
  سحبت الغطاء فوقها و قالت
  - تصبحين على خير.
  نهضت عن مكاني بعنف، سحبت حجابي من على المقعد و خرجت متجهة إلى الحمام.
.....
أغلقت الباب خلفي و نظرت إلى انعكاسي في المرآة، كان وجهي أحمر، يدي ترتجف، ضربات قلبي سريعة ، أغمضت عيناي ،ماذا يحدث لي! ... ابتلعت ريقي و ما جاء في بالي شيء واحد... إسحاق نسخة من راكان... إسحاق يمشي على خطاه و هذا يُخيفني... يُخيفني كثيراً.

يتبع....

خارج نطاق الخدمة | Out Of Order Where stories live. Discover now