الفصل الثاني

629 24 1
                                    


جلست على الكرسي الموضوع أمام طاولة بيضاوية ورفعت عينيها لثلاثة رجال يجلسون من خلفها  ، رجل في منتصف الخمسينات وجهه بشوش ويبتسم لها مشجعًا والآخران من الشباب ظنت أنهما لا يتعديان الخامسة والثلاثين من العمر
أحدهما ملامحة جامدة ووجهة عابس ظنت أنه غاضب من شيء ما والآخر يتفحصها بدقة شديدة من اخمص قدميها إلى قمة رأسها تنبهت على صوت الرجل كبير السن : عليكِ السلام يا بنيتي.
ارتاحت مبدئيًا فمن الواضح أن هذا الرجل عطوف ورقيق ومن سيتخذ القرار هنا فهو الأكبر سنًا جلست بأريحية و نجحت في إزالة التوتر عنها وأخذت تجاوب على الأسئلة بهدوء وتأنى وثقة أيضًا فستفوز بالوظيفة حتمًا فعينا هذا الرجل تشجعها باستمرار وتطمئنها سألها عن إمكانية سفرها إلى الخارج في بعض الأوقات إذا احتاجتها الشركة لإبرام عقود واتفاقيات مع شركات دولية
ترددت وهى في حيرة ماذا تفعل: لن أستطيع الإجابة الآن فلابد من أخذ موافقة ولى أمرى فهذا الشرط لم يكتب بالإعلان .
سألها الآخر الغاضب بسخرية : أقرأتِ الإعلان جيدًا يا آنسة؟
نظرت إليه مستفهمة وعيناها تسأله باستفهام عن مقصده ، التفتت إلى الرجل الكبير الذي سألها : ألن تستطيعي أن تقرري الآن فأنتِ أحسن من قابلت اليوم ومهارتك وشهادتكِ وسنك مناسب أيضًا للوظيفة.
همت بالرد علية ولكن قاطعها الغاضب ثانيةً وهو يقول بسخرية وحدة :لا تشغلي بالك يا آنسة فلن تشغلي هذه الوظيفة.
استشاطت غضبا: والله، ولماذا لن أشغلها؟
_ لأن الوظيفة للرجال فقط.
_ لم لا تكتبوا ذلك بالإعلان؟
_ لهذا سألتك من قبل أقرأتِ الإعلان ؟
ارتعدت أطرافها غضبًا وفتحت الجريدة على الإعلان وقرأته بصوت مسموع إلى النهاية
رفعت نظرها إليه بتحدي  ونبرتها تقطر سخرية وناولته الجريدة : أظن أننى غير مخطئة فلا يوجد ذِكر لهذا الشرط في الإعلان وأظن أيضًا أن من الوقاحة أن تقاطع رئيسك بهذا الشكل وهو يتكلم وتفرض رأيك على جميع الحضور
نظر إلى الجريدة وقرأ الإعلان سريعًا وجز على أسنانه من الصدمة لما في الجريدة ولما قالته أيضًا
وقال والغضب يعصف بأوصاله :المسئول عن الإعلان أخطأ نأسف لإزعاجك.
قالت وصوتها يعلو: ماذا ؟! أخطأ ، وماذا أستفيد من خطأه ؟
عاد إلى سخريته المريرة وقال وهو يلوى شفتيه : وماذا خسرتِ؟
_ خسرت وقتي ومجهودي في النزول والمجيئ إلى هنا
ثم دقت الأرض بقدمها وهى تتابع  :لا أعلم إلى الآن لم تتدخل فيما لا يعنيك بينما السيد المسئول هنا موافق!
صاح غاضبًا بوجهها : أنا من يقرر هنا . وقف أمامها ونظر إلى عينيها الغاضبتان بعينين أكثر غضبًا وقوة
وقال بخفوت : وأنا قررت أنكِ لا تصلحين.
ثم غادر الغرفة بغطرسة وهدوء ، خلفها وراءه واقعة في بئر من الحيرة وواصلة إلى قمة الغضب.
********************
عاد إلى مكتبه  وهو يرغي ويزبد من الغضب كيف لفتاه صغيرة مثلها أن تصرخ بوجهه و تسخر منة ، كيف جرؤت على فعل ذلك معه .. هو من يهابه الرجال !! والإعلان كيف نشر هكذا ؟!  توعد السيدة عبير في ذهنه وعند جلوسه دق جرس الاستدعاء وهو يؤمرها أن تأتى.
دخلت إلى المكتب مترقبة عما ألم  به وسبب الغضب الذي يملأ صوته ، لقد عملت معه من ثلاث سنوات لم تراه غاضبًا هكذا من قبل ، قال بصوت منخفض ولكن غاضب : اجلس
جلست وهى في حيرة من أمرها " ماذا يحدث " تأملت  ظهره المشدود  ينظر من نافذة المكتب يعقد يدية خلفه ، تكلم ببطيء وهو يصر على أسنانه : ألديكِ الجريدة التي نشرنا بها الإعلان ؟
_ نعم سيدى
_ آتى بها واقرئيه
أتت بالجريدة وقرأت الإعلان و نظرت بدهشة ، سألها
_ ألم اضيف على المخطط شرط من أحد الشروط الهامة بل أكثرهم أهمية لمَ غافلتيه عمدًا عبير؟
_ لا سيدى لم أغفله لقد بعثت الورقة عن طريق الفاكس إلى الجريدة كما مضيت عليها  سيادتك حتى التعديل مكتوب بخط يدك وتستطيع أن تتأكد بنفسك .
تنهد بضيق : حسنًا عبير اتصلى بالجريدة وقولي لهم أن يمتنعوا عن نشر الإعلان وأبلغي السيد عبد العزيز أن لا يختار أحدًا مما تقدموا فلدى شخص بالفعل لهذه الوظيفة يمكنك أن تنصرفي.
انصرفت من المكتب وهو يفكر هل يستطيع أن يقنعه بقبول الوظيفة أم سيخذله كعادته.

***
دخل إلى البيت وهو يقفز فرحًا :نور .........نور ، تعالى ، أنا أحمل لكِ أخبار سارة  ، نور أين أنتِ؟
أجابته وهى تخرج من غرفة المكتب : أنا هنا عمر.
امسك بيديها وأجبرها على أن تدور معه
__ما بك لم كل هذا الفرح الذى يعتريك؟
__ باركي لي باركي لي لقد ربحت المناقصة .
صرخت فرحًا وهى تحتضنه :مبروك يا عمر ألف مبروك حبيبي.
__ نور أنا أتضور جوعًا
ضحكت وهى تقول : نعم أنا أعرفك جيدًا عندما تفرح تشعر بالجوع انتظر قليلًا ريثما أعد الطعام.
جلسا إلى المائدة ليتناولا الطعام وعمر يحكى لها عن التوتر الذى مر به خلال اليوم
_ اه لقد تذكرت ، ماذا فعلتِ اليوم في مقابلتك اغفري لي الفرحة أنستني
تحشرج صوتها وابتلعت الطعام بصعوبة : لم أفعل شيء لم أكن مناسبة بالقدر الكاف
صمت مستفهمًا لتغمغم بخنقة :لقد تشاجرت مع المدير وحتى لو مواصفاتي تسمح فهو لن يوظفني الآن
__ نور أجننتِ؟ لم تشاجرت معه أضايقك بشيء؟
سردت له ما حدث بينها وبين الرجل الغاضب صغير السن وأن بعد مغادرته للغرفة أخبرها الأستاذ عبد العزيز
( الرجل كبير السن ) أنه مديرًا للشئون القانونية وأن الذى غادر لتوه هو المدير التنفيذي وهو من له الحق في تعيينها
رد عمر ضاحكًا : حسنًا لا تحزني يا صغيرتي أنها بالفعل لا تلائمك فلن أسمح لكِ بالابتعاد عنى إلى أن تتزوجي وأطمئن عليكِ .
__ عمر لم أعد صغيرة لتقلق على هكذا.
__ نور أنتِ من تبق لي من عائلتي ومن حقي أن أموت خوفًا عليكِ.
__ ولكنك تعلم أن أمور الزواج هذه لا تشغل تفكيري فأنا لا أريد أن أتركك .
__ وأنا أيضًا يا صغيرتي ولكن لابد أنكِ في يومٍ من الأيام ستؤسسين حياة خاصة بك.
نظرت إليه ويبدو على وجهها عدم الاقتناع بفكرة أنها ستتركه يومًا ما .

****
في أحد الأحياء الراقية داخل أحد القصور العريقة الباقية من الزمن الفائت جلس يتناول طعام الغداء على مائدة فخمة كبيرة نسبيًا لا يجلس عليها سواه هو وأمه وبقية الأماكن فارغة ليست المائدة فقط ولكن القصر أيضًا فارغ يبعث بالكأبة  والملل وخاصة بعد سفر أخته فهو الآن يعد الرجل الكبير للعائلة الصغيرة المكونة من أمه وأخاه ، فأختاه تزوجتا وذهبت كل منهما مع زوجها ، إحداهما سافرت مع زوجها والأخرى أسست مسكنًا بعيدًا عنهم مما أدى إلى فضاء القصر وبالرغم من إلحاح أمه على أخته الأخرى التي لم تغادر البلاد بأن يسكنوا معهم فيه فهو كبير ويتسع للجميع إلا أن زوجها لم يوافق
لكن أمه لم ترضخ لهذا فقد أسست لكل منهما جناح بالقصر لتسكنا به عندما تأتيان فحلمها أن يتجمع أبنائها جميعًا حولها
ابتسم عند تذكر وجه أخيه الصغير الضاحك دائمًا الرافع لشعار لا تبالى وخذ الحياة ببساطة فهو يتناول أموره ببساطة شديدة وسخرية شديدة أيضًا فكر قليلًا لا يتذكر أن أخاه غضب مرة من شيء حدث أو حزن على فقدان شيء والمرة الوحيدة التي شاهده يبكى يوم وفاة والدهما ، فأخاه كان مرتبطًا بشدة بوالده و كان أباه أيضًا يتعامل معه باختلاف عنهم وعلى الرغم من صرامة وشدة أباه إلا أن يوسف من كان يستطيع أن يجعله يضحك بشدة ووجهة يشرق من السعادة والفرح
لوى شفتيه وهو يعقد حاجبيه للمقارنة بينة وبين أخاه فهو عابس صارم وأخاه مبتسم يشرق بالسعادة دائمًا
انتبه على صوت أخاه و وجهه الضاحك :السلام عليكم يا أهل الدار ، كيف حالكم؟
انحنى ليقبل رأس أمه ورفع عينية بابتسامة لأخية
ردت أمه: عليكم السلام، نحن بخير والحمد لله .
ألن تأتى قبل موعد الغداء ؟
__ إذا أتى في الموعد لن يبقى يوسف يا أماه.
__ نعم إذا أتيت في موعدي سأغير اسمى وأصبح شخصًا آخر يا أخي العزيز لم نقيد أنفسنا بهذه المواعيد والتقاليد القديمة فلنتحرر من كل شيء يفسد سعادتنا .
لوى شفتيه بسخرية : نعم لا نتقيد بشيء ونستهتر بكل شيء ولا نعمل ونبقى عاطلين إلى ما شاء الله ونحيا كالأطفال كما تفعل أنت .
احمر وجه الأخير ونظر إلى أسفل: ياسين أنا لا أفرض عليك شيء ولكنى أريد أن أفعل ما يحلو لى.
__ نعم لتفعل ما يحلو لك. قام غضبًا
__ ألن تكمل غدائك بنى؟
__ لقد شبعت بالفعل أمي ، اسمحي لي فلدي بعض الأعمال أريد أن أنتهى منها
رمق أخيه بنظرة سريعة غاضبة وهو ينصرف إلى غرفة مكتبه
نظرت إليه بنظرة تعلوها مسحة من الغضب : ألن تعقل أبدًا ستبقى هكذا دائمًا ، لما تغضب أخاك.
__ أمي أنا لم أغضبه فهو غاضب دائمًا وأبدًا أنا لا أتذكر أتى رأيته يضحك في حياتي مطلقًا وأنا لا أطلب منه أي شيء.
لقد طلبت أن أفعل ما يحلو لى.
__ يوسف لست صغيرًا الآن وأخاك يتولى أمور العائلة كلها وأنت بدلًا من أن تتحمل معه بعضًا من الهموم تزيد عليه لا تريد أن تعمل ولا تريد أن تستقر مثل باقي الخلق واسلوبك هذا غير صحيح لقد كبرت وعليك أن تكبر وتتحمل المسئولية معه ولو قليلًا.
__ حاضر أمي سأفعل ما يرضيكِ.
__ افعل ما يرضى أخاك فهو يريد مصلحتك ومصلحتنا جميعًا ولا تغضبه أرجوك
__ لكِ ما تريدي أماه.
***
جلس يفكر في أمر أخيه ، ألن يستطيع يوم من الأيام أن يعتمد عليه حتى لو قليلًا فأبسط الأشياء لا يستطيع أن يكلفه بها أنه يريد أن يلقى بعضًا من همومه إلى أخاه فكل شيء فوق أكتافه وأحمال العمل والشركة أصبحت ثقيلة عليه وهو وحيدًا ماذا يفعل معه ليقنعه بالعمل معه وخاصةً أنه يحتاج إليه الأيام القادمة .
تنبه إلى صوت طرقات على الباب
__ هل تسمح لي بالدخول؟
__ طبعًا تفضل ليس من عادتك أن تأتى إلى غرفة المكتب ؟ أتريد شيئًا؟
__ لا ، بل جئت للاطمئنان عليك وأريد أن أعلم لم غضبت منى ؟ فأنت تعلم أني لا أحب أن أغضبكِ.
__لم أغضب يوسف فلست طفلًا صغيرًا لأغضب.
ولكنى مستاء من تصرفاتك الطفولية لقد كبرت الآن وأنا أريد الاعتماد عليك و لو قليلًا ، ولكنى لا أجدك بجانبي في الوقت الذى أريد مساعدتك.
__ سأفعل ما أستطيع لمساعدتك
__ حسنًا سأدخل بصلب الموضوع لم لا تأتى للعمل بالشركة فهي شركتنا ورثناها عن أبانا ولك الحق أن تعمل بها وتباشر ميراثك وخاصة أتى أحتاجك هذه الأيام لقد نشرت إعلان في الجريدة لأطلب تخصصك ولكنى لم أجد أحدًا مناسبًا أو يحمل المواصفات المطلوبة أنا أريدك أن تشغل هذه الوظيفة ولتعلم لن توظف كمدير بل كعضو قانوني تابع لمكتبي فبرغم كل ما تفعله ، كنت متفوق دائمًا في دراستك وأنا أحتاج أحدًا أثق به لإبرام عقود مهمه مع إحدى الشركات الأجنبية وأعتقد أني لن أجد أحسن منك لذلك ستصبح المسئول عن المعاملات القانونية الخاصة بمكتبي يعنى ستعمل تحت امرتي مباشرةً ومن حقك أيضًا أن تتعلم أصول العمل وتصبح مديرًا في الشركة أحد الأيام صدقني يوسف إذا أثبت جدارتك فسأضعك في منصبًا هامًا جدًا بالشركة أرجو أن ألا تخذلني.
__ لك ما تريد أخي ، سأفعل ما باستطاعتي
***
زفرت بالضيق وهى تستمع الى ضحكات صديقتها المقربة تصدح من الهاتف لتملئ الكون من حولها 
تبرمت : لا أعلم لم تضحكين هكذا لا شيء يستحق كل هذا المرح ؟!
ردت علياء وهى لاتزال تضحك : الموقف سخيف فعلًا ولكنى أتخيل شكلكِ وأنتِ غاضبة فأنا أعرفك جيدًا تتحولين إلي شخصًا آخر وتصبحين مثل الوحوش المذكورة بقصص الأطفال.
ردت بسخرية : هاهاها ظريفة حضرتك.
__ ماذا فعلت مع هذا الجلف ؟
تنهدت بعصبية :لم يعطيني فرصة لأفعل شيء انصرف بغرور حسبي الله عليه.
انطلقت ضحكتها ثانية : لقد جاء اليوم الذى أسمعك فيه تُحسبنين على أحد .
ردت بضيق : انتهى الموضوع أرجوكِ توقفي عن الضحك.
أخبريني ما الذى جعلك تنصرفين اليوم بهذه الطريقة لم أفهم موقفك .
ردت بضيق :لقد شعرت أن الجو خانق فجأة وأن لا أمل فيما نفعله.
__ أهذا بسبب ما أخبرتك به عن عمر ؟
__ نور أنتِ تعرفين أني سأنتظر عمر مهما طالت المدة وكلامك الآن معناه أنه لا أمل من الانتظار.
__ لا لم أقل ذلك ولكنني أحببت أن أفهمك حتى لا تتعبين من كثرة التفكير.
__ حسنًا نور أنا سأنتظره شئت أم أبيت فأنا أحبه ولا أتمنى أحدًا غيره.
__ ألن تأتى لتجلسي معي قليلًا فلنقض السهرة معًا
__ لن أستطيع اليوم إن شاء الله مرة أخرى
أغلقت الهاتف مع صديقتها وهى تفكر في موقف علياء فلأول مرة ترفض علياء دعوتها فهي لطالما استجابت حتى تأتي وتنتهز الفرصة لرؤية عمر ولكن اليوم ، هي  تتصرف بطريقة غير طبيعية فكرت قليلًا لتتبلور في عقلها فكرة ذهبت لتنفيذها.
***

أحلامي المزعجة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن