الفصل الثامن والعشرون

286 15 7
                                    


نظرت له وجسدها يهتز من التوتر : علياء لا تجيب على الهاتف عبثت بأزرار الهاتف مرة أخرى لتضعه على أذنها وتقول بصوت مرتعب : ولا عمر ، ياسين أنا قلقة بالفعل .
حاول أن يسيطر على أعصابه التي بدأت تتلف قلقًا على عمر وعلياء فهو عندما اتصل بعمر مما يقارب الساعتين أخبره الآخر أنه تجاوز الاسكندرية و بطريق مارينا كان من المفترض أن يصل بعدها بساعة على الأكثر
قال مهدئًا لها : اهدئي نور ، سيصل الآن أو يرد على الهاتف ، ممكن أن يكون نسيا الهواتف بالسيارة وذهبا إلى أي مكان .
نظرت له بتعجب : إلى أين سيذهبان ياسين ، عمر يعلم أننا ننتظرهم .
هم بالرد عليها ليقاطعه رنين هاتفها هتفت : أنه عمر .
سحب التليفون منها بحركة سريعة ليرد عليه وهو يشعر أن عمر سينقل له أخبار غير سارة : مرحبًا عمر .
__ السلام عليكم ، أنت تعرف صاحب هذا الهاتف  ؟
__ أنا شخص رأى الحادثة التي تعرض لها صاحب هذا الهاتف وذهبت معه إلى المشفى .
ارتعشت يده بشده : أين هو صاحب الهاتف ؟
__ نُقل إلى المشفى هو وزوجته الناس انقذوه قبل أن تنفجر السيارة .
اتسعت عيناه رعبا وقبض كفيه ليسيطر على أعصابه
ليبتعد عن نور قليلا : أعطني العنوان من فضلك ؟
أملى عليه اسم وعنوان المشفى ليشكره ياسين ويغلق الهاتف وينظر لها ليجد الدموع تنهمر من عينيها
عندما سحب الهاتف من يدها شعرت بغضب فعلي منه ولكن عندما شعرت أنه يتكلم مع شخصًا آخر غير عمر
غلب خوفها على غضبها لترهف سمعها وتراقبه بصمت شديد أطبق عليها عندما ارتعشت يده شعرت بأن عمر بخطر حقيقي وعندما اتسعت عيناه خوفًا تأكدت أن أخاها أصابه مكروه لتنهمر الدموع من عينيها
اقترب منها وقال بصوت منخفض : هيا نور ، لنذهب ونطمئن على عمر ، إن شاء الله سيكون بخير .
اهتز جسدها بقوة وكادت أن تقع فرجليها لا تشعر بهما
ليمسكها بقوة من ذراعيها ويساعدها على الوقوف
__ اهدئي نور ، إن شاء الله سيكون بخير .
لم تجرؤ على سؤاله عما حدث لأنها تأكدت من ملامح وجهه أن الامر ليس على ما يرام ولا يبعث عن الاطمئنان هزت رأسها وهي تمسح دموعها ليهمس بإذنيها : كوني قوية حبيبتي ، و لا تقلقي سأكون بجانبكِ دائمًا
***
استيقظت من النوم لتنظر إليه بهدوء ، تشعر بالغضب يعصف بها والحب يملئها ، قلبها منشطر إلى نصفين بين الحب وبين الغضب، عندما عاد البارحة تعاملت مع الأمر كأن لم يكن وكأنها لا تعلم شيء عن علاقته بالأخرى ، اندفعت الذكرى برأسها لتشعر بأن قلبها يئن ألمًا بعد أن هوت جالسة على الفراش مصدومة مما قاله ومن أفعاله التي تشعر أنها غير طبيعية ، فمنذ فترة تشعر بأنه تغير بكل شيء ، وخاصة معها هي ، في بادئ الأمر أنكرت شعورها ولكن غريزة المرأة لا تخطئ أبدًا ، إلى أن تأكدت البارحة فعندما خرج نسي هاتفه رن الهاتف كثيرًا فتجاهلته أكثر من مرة ولكن لم ينقطع الرنين الملح أمسكته بيدها وعندما ضغطت على زر الإيجاب سمعت صوت أنثوي غنج : مرحبًا حبيبي ، هل أنت نائم أم ماذا ؟
ألجمتها الصدمة فتوقفت عن التنفس ليعلو الصوت مرة أخرى : ياسر ، لماذا لا تجيبني ، مرحبًا .
أغلقت الهاتف بقوة لتزفر نفس طويل يحمل كل ما تشعر به من ألم وضيق ، الصدمة شملت حواسها فلم تفعل شيء غير الجلوس والانتظار والتفكير لا تصدق أنه يخونها ،ضرب السؤال عقلها لماذا ، ماذا حدث ، ماذا فعلت لكي يذهب إلى أخرى غيري أتحاسبين نفسك ، اسأليه هو ، لا توجد امرأة أخرى بجمالك لا توجد امرأه فعلت لرجل ما فعلتيه أنتِ له ، نكر كل شيء فعلتيه من أجله وباع حبك لأجل أخرى
لا ، ياسر لن يخونني قط ، وإذا كان اتجه بمشاعره لمرأة أخرى فأنا السبب ، كم مرة طلب مني أن أهتم به قليلًا كم مرة طلب مني أن آخذ إجازة لنذهب إلى المصيف كم مرة طلب مني أن أخرج معه ليلًا وكنت أرفض بسبب الأولاد أو عملي بالصباح الباكر أنتِ تدافعين عنه بعد أن خانك لا أعلم إلى الآن إذا كان يخونني أم لا وإذا كانت هناك أخرى لن أتركه لها أبدًا ، فهو زوجي ووالد أطفالي ، ولكن لن يضر أن آخذ حقي منه أيضًا ،أنهت حربها الداخلية بقرار أنها ستدافع عن بيتها ليس من أجله هو بل من أجل أطفالها فهم يستحقوا وجوده بحياتهم دخل ليلًا وهو يحمل هدية ضخمة ابتسم لها لتنظر إليه ولم تستطع رسم الابتسامة على شفتيها .
اقترب منها وهي جالسة بغرفة المعيشة وتطعم
عبدالرحمن ليقبل رأسها وهو يهمس : آسف حبيبتي ، أرجوكِ سامحيني لم أقصد إغضابك ، كنت متعب ومتوتر من قلة النوم وأنتِ أدرى بي .
قالت بصوت هادئ نسبيًا : طبعًا أنا أدرى بك من الناس كلها .
نظر لها وتعجب من نبرتها ومن كلامها الذي حمل إليه معنى خفيًا ابتسم مرة أخرى وقبل خديها : كل عام وأنتِ معي و بجانبي دائمًا أنا بدونك لا أساوى شيئًا  يا مريم .
ابتسمت وأجابت بغموض : وأنت بخير إذن أنت تعاني من عقدة الذنب ياسر ، أو عاد إلى رشده ويريد أن يصلح ما أخطأ به أو لم يفعل شيء وأنا أظلمه بدون سبب ،تنبهت على ضحكة عبد الرحمن العالية التي تنفرج من بين شفتيه مع ياسر فقط ، فهو الوحيد القادر على إضحاكه هكذا ومهما حاولت هي أو أحد إخوته أن يضحكه يحن عليهم بابتسامة صامته فقط هذا إذا ابتسم .
نطق ياسين بقهر : لماذا لا يضحك إلى هكذا ؟
قال ياسر بمرح : أنت يا مفعوص تريد مقارنة نفسك بي
__ ولما لا أمي تقول أني أجمل منك ، وأني عندما أكبر ستركض الفتيات خلفي .
نظر لها ورفع حاجبيه ليستدير اليه : والدتك تعمل على رفع معنوياتك فقط .
ردت سريعًا : لا أنا محقه ، فأنت بعمره لم تكن جميلًا هكذا .
انفجرت ضحكة ياسين لتكمل هي بنبرة حيادية : أنت جميل حبيبي ، كمن تسميت على اسمه .
رفع لها رأسه بحده ليقول بقوة : ياسين خذ أخاك واذهب به إلى غرفتك ، انتبه إليه أنت الآن أصبحت رجلًا وأنا أعتمد عليك .
انكمش من لهجة أباه ليسرع بفعل ما أمره به .
انصرف ليغلق الباب من خلفه وينظر إليها مطولًا
قال بهدوء : ما بكِ ؟
نظرت إليه بغموض : لا شيء .
جز على أسنانه ليسأل بغضب مخفي : هل أنتِ غاضبة مما فعلته ، أنا اعتذرت لكِ .
ابتسمت ابتسامة باهته : لا لست غاضبة .
نطق ونبرة الغضب تعلو بداخل صوته : إذن ما هذه الخرفات التي تتفوهين بها ؟ المرة الأولى ظننت أنكِ تجاملين ولدك فلم أهتم بمؤازرتك له أمامي ، ولكن أن تتغزلين برجل آخر غيري لن أسمح بذلك أبدًا .
وقفت بهدوء أمامه لتنظر بعينيه : لم أتغزل بأحد ياسر ، ثم الرجل الآخر هذا صديقك وأخاك وأخي وابن عمي وأنت نفسك تقول لياسين أنه جميل كياسين الكبير ، هل توجد مشكلة أن أردد ما قلته أنت مسبقًا .
صرخ بها : نعم ، أنا لا أسمح لكِ أن تصفي شخصًا آخر غيري .
ابتسمت بدلال مقصود : المعذرة لم أكن أقصد إغضابك لا تغضب حبيبي .
قالت جملتها بخفة مقصودة لتخرج من الغرفة وتتركه يشعر بحيرة كبيرة من تصرفاتها الجديدة والعجيبة عليه تبعها وهو يشعر بغضب فعلي من استخفافها به الواضح من صوتها ودخل إلى غرفة نومهم بعاصفة أسكتته بإشارة من يدها حازمة نظر لها بغضب ليرى أنها تنوم الصغير سيطر على أعصابه وقال بصوت منخفض : أعطيه للمربية ، لينام بالغرفة المؤثثة له خصيصًا ولا أراه ينام بها أبدًا .
نظرت له بتعجب وهزت رأسها رافضه لتتسع عيناه غضبًا قال بحزم وهو يحافظ على صوته منخفضًا : أريد أن أخرج من دورة المياه ولا أجده هنا ، ولا تجعليني أردد كلامي ثانيةً .
تركها لتبتسم هي ابتسامة متسعة تعلم جيدًا كيف تستفزه وكيف تهدئه وإذا كانت أهملته الأيام الماضية دون قصد منها ستريه الآن أنها تهتم به فعلًا ، وستنسيه الأخرى تمامًا إذا كانت موجودة فعلت ما يريده ولكنها تأخرت عمدًا عليه اطمأنت على أبنائها والصغير خاصة وأوصت به المربية لتدخل إلى غرفة نومهم فتجده جالس يشاهد التلفزيون لم تقترب منه إطلاقًا بل تعاملت كأنه غير موجود بالغرفة دخلت تأخذ حمامًا باردًا لتنعش المياه عقلها وتهدئ أعصابها فهي لا تريد أن تتصرف معه بطريقة خاطئة فصوت الأخرى أعطاها شعور بأنها امرأة غير ملتزمة ومن الواضح أن ياسر بالنسبة إليها صيد ثمين ،أنا مخطئة أنا من أهملته ، ابتعدت عنه وانشغلت بأمور أخرى لا أهمية لها انتبهت من دوامة أفكارها على يديه القويتين تحيط بخصرها ليلصق صدره العريض بظهرها ويهمس بأذنها : اشتقت إليكِ حبيبتي.  احمرت وجنتاها عندما وصلت بذكرياتها إلى هذا الحد لتبتسم له بحب وهو نائم وضعت أناملها على خصلات شعره المموجة وتنهدت مشاعره البارحة كانت صادقة لا يشوبها شيء ، شعرت كم هو مشتاق إليها وكم هي مخطئة ، لم تستوعب إلى الآن أنه خانها مع امرأه أخرى ، فكرت هل هي من تتقرب منه ، لمعت عيناها بتصميم سأذهب لأرى من هي وأعرف إلى أي مدى وصلت علاقتهم .
ابتسم : اتركي شعري سيخرج بيدك .
تنبهت انها ممسكة بشعره وتشد عليه بقوة ارتبكت : آسفه .
رفع رأسه وشدها إليه برفق وقبلها : صباح الخير حبيبتي .
__ صباح النور
همت بان تنهض من جانبه ليمسك يدها : إلى أين ؟
__ سأحضر لك الفطور .
__ لا تذهبي إلى أي مكان ، أنا لا أريد أن افطر الآن .
__ ستذهب إلى المشفى دون أن تتناول الفطور ؟
ابتسم وأراح ظهره على الفراش : لن أذهب إلى المشفى اليوم سآخذ إجازة وأتمنى أن تستطيعين الاستئذان اليوم من عملك لنخرج جميعًا وننزه الأولاد .
ابتسمت باتساع : الفصل الصيفي انتهى ياسر وأنا انهيت عملي وقدمت على إجازة الفصل القادم لأنتبه إليك وإلى الأولاد .
__ حقًا ؟
هزت رأسها بإيجاب لتتسع ابتسامته : حسنًا سأرتب مواعيدي لنسافر إلى أي مكان تختارونه وخاصة أن لا يوجد لدي عمليات جراحية الفترة القادمة .
قام منتفضًا من الفراش : سأجري بعض الاتصالات وأتخلص من مواعيد العمل أعدي الحقائب .
__ هكذا سريعًا ؟!
اقترب منها ليحاوط خصرها بيديه : نعم لا أريد أن أضيع دقيقة واحدة دون أن نستمتع بها .
ابتسمت وهي تتبعه بعينيها وهو يخرج من الغرفة هذا هو ياسر من أحبته وتزوجته ليس الآخر ، ولكني عند قراري سأعلم من هي ومدى علاقتها به .
***
اندفعت مهرولة بأروقة المشفى وياسين يتبعها ذهب ليسأل عن مكان عمر بالاستقبال ليجدها تندفع راكضة نحو سرير متحرك يدفعونه الممرضين ذهب خلفها ليجد عمر راقد على السرير انقبض قلبه من رؤية عمر فهو بحالة يرثى لها تبكي بانتحاب وهي تشاهد أخاها والدماء تغطي وجهه وجسده ركضت بجانبه وقالت من بين دموعها : عمر هل تراني ، هل تسمعني ؟
رفع يده لتلامس أطراف أصابعه ذقنها لتهوى يده ساقطة
وتصرخ هي بقوة : عمر ، عمر .
دخلوا به إلى منطقة العمليات ومنعوهم من اللحاق بهم
أمسكها ياسين من كتفيها وهو يحاول أن يبقى قويًا من أجلها رمت نفسها بين ذراعيه لتبكي بنشيج حاد ، شعر أنها لا تستطيع الوقوف ليسندها إلى الكراسي الموضوعة ويجلسها ويجلس بجانبها نطقت بألم وحزن يقطر من صوتها : سيذهب ويتركني ، سيذهب هو الآخر ، أريده أن يبقى بجواري هو أخي وأبي وكل ما لدي هنا ، إذا ذهب أريد أن يؤخذني معه .
تصلب من كلماتها وجمدت يداه ، وشعر بألم من كلماتها القليلة ، فكر أنها ليس بوعيها ياسين هل ستحاسبها على صدمتها ، ولا تنسى أنها تعرضت لصدمات كثيرة من قبل ولا تقوى على تحمل المزيد
احتضنها مهدئًا : أنا بجانبك نور ، لا تحزني ، أنا معك .
دفنت نفسها بين ذراعيه لتشعر بالأمان الذي ستفقده إذا رحل عمر
رأى طبيب صغير السن خارجًا أمامه ليبعدها عن حضنه ويقف متجها إليه لتنتبه وتتبعه راكضة
__ أنتم أهل المريض ؟
__ نعم ، كيف حاله ؟
زفر الطبيب بيأس : لقد سيطرنا على النزيف وإذا مرت الأربع وعشرون ساعة القادمة على خير ،سينجو إن شاء الله .
شحب وجه ياسين وهز رأسه بألم وتمتم : أشكرك .
هم بالانصراف لتسأله بصوت مبحوح : الفتاه التي أتت معه
كيف حالها ؟ وأين هي ؟
__ أنها بالدور السابع ، هي الآن بغيبوبة منتظر أن تفيق منها خلال أربع او خمس ساعات تقريبًا هي بخير مجرد بعض من الكسور .
تنحنح : ولكنها تعرضت للإجهاض ، الجنين لم يكمل شهره الأول ،ولذلك فقدته بسهوله ، استأذنكما وأي أخبار جديدة سأبلغكما بها .
انهمرت الدموع من عينيها لتنظر إلى ياسين وعيناها متسعتين من الصدمة ليضمها إلى صدره يشعر بالتمزق فالمصيبة كبيرة هذه المرة ، ويشعر بأنه مقيد ولا يستطيع فعل شيء سوى الانتظار
وكم هذا الانتظار قاتل له ولها
قال بنبرة حزينة : تعالي نور ، لنطمئن على علياء .
ذهبت معه بصمت وهي تشعر أنها سائرة بفراغ كبير لا ترى ما حولها ولا تسمع ما يحدث ، الوجود حولها معتم أسود اللون يبعث على الكأبة وتريد أن تهرب من هذا الشعور المؤلم الفظيع الذي يجثم على صدرها تراه هو فقط ممسك بيدها ويشدها ، النور يأتي من جسده و كأنه مصدر الإضاءة تريد لهذا النور القوي أن يختفي تريد أن تشعر بالظلام والراحة تكتنفها فالنور مصدر ازعاج لها مدت يدها تلمس كتفه لينطفئ النور وتشعر أنها بسبات عميق
شدها من يدها لتسير معه ليشعر بأنها تلمس كتفه التفت إليها ليفاجئ بسقوطها بين يديه صرخ بقوة : نور .
***
رن جرس الباب لتركض إليه فاتحة وتهلل بصوت عالٍ : بابا ، اشتقت إليك .
أتبعت جملتها بأن قفزت إلى حضنه ولفت ذراعيها حول عنقه ، وضمته بقوة ضمها إلى صدرة بقوة كبيرة وهو يستنشق خصلات شعرها الحريرية البنية ويشعر أنه بالجنة تنهد داخليًا وهو يروي شوقه إلى ابنته حبيبة قلبه ونور عيونه يكفيني هذا الدفء الذي يغمرني بقربك جنى .
قبل رأسها ووجنتيها ليدلف إلى ح داخل الشقة فيشعر بغصة تجتاحه عندما وقع بصره عليها رن جرس الباب لتنتفض جنى وتركض لتفتحه كعادتها
قالت بصوتٍ منخفض : انتظري جنى لنرى من القادم وضعت طرحتها على عجل وذهبت خلف ابنتها لتشعر بأن قواها خارت عندما علمت أن علي هو القادم ابتلعت ريقها بصعوبة واستندت بجسدها على جانب الأريكة وهي تنظر إليه شعرت بالشوق يغمرها اليه ولكنها لن تستطيع الاقتراب منه فهي لا تقوى على تحمل أن ينبذها بعيدًا عنه أو يصدها فآثرت أن تبقى كما هي حتى تعلم ماذا سيفعل
نظر إليها بغضب معلن وأشاح بوجهه بعيدًا عنها وهو يسأل نفسه ما بها وجهها متعب وشاحب هل هي مريضة أم متعبة فلتذهب إلى الجحيم لا علاقة لك بها أنت عائد من أجل أطفالك ، لابد أن تطمئن عليها من أجل صحة طفلك الذي تحمله ، لا لن أطمئن عليها وبم أنها تستطيع الوقوف فهي بخير من فضلك اصمت قليلًا ولا تنتهز الفرص لتقنعني بأشياء لا أريدها ، أنت تضحك على نفسك علي لا تريدها أنها أنفاسك التي لا تستطيع أن تحيا بدونها لا تنكر أنك مرضت عندما تركتها وذهبت ، لا أنا لم المرض بسببها واخرس من فضلك هز رأسه بضيق وزفر بغضب وذهب إلى غرفة النوم
واقفة تنتظر ماذا سيفعل ،لترى ملامح وجهه وهي تتغير بانفعال واضح لتفاجئ بالغضب يحل على وجهه وهو يهز رأسه بضيق ويزفر بغضب تفاجأت بذهابه إلى غرفة النوم دون أن يسلم عليها ماذا تنتظري بعدما فعلتيه اية ؟ اذهبي أنتِ إليه وتكلمي معه وتجنبي المشاجرة معه حتى لا تتوتر ابنتك أو تسمع ما يحدث بينكما .
دخلت إلى الغرفة ، لتراه جالس على الفراش ويضم يديه بقوة
همست : حمدًا لله على سلامتك .
جز على أسنانه وأغمض عينيه بألم وهو يلوم نفسه على عودته ويلوم نفسه أكثر على قلبه الذي ينبض بها مازال نبرات صوتها تثير مشاعره ، أنت تحبها علي لا تنكر بل تعشقها ضم يديه وهو يشعر بالغضب يتصاعد إلى رأسه وعقله يهتف خانتك علي لا تجعلها تؤثر عليك وقف منتفضًا وهو يقول بصوتٍ غاضب لكن منخفض :
__ اسمعيني جيدًا ، أنا عدت من أجل أطفالي أنتِ لا تعني لي شيء ولا أريدك أنت تقتربين مني ولا تتكلمي معي
سأنقل أشيائي إلى غرفة المعيشة وسأنام هناك .
شعرت بغصة كبيرة من كلماته وترقرقت الدموع بعيونها لتقول بألم : لا علي ، امكث بغرفتك وأنا سأمكث مع جنى وأنام بجانبها .
هم بالرد عليها ليرن هاتفه نظر إليه : أهلًا عمرو كيف حالك؟
__ أهلًا علي ، أنا بخير الحمد لله كيف حالك وحال أسرتك؟
__ بخير ، أين أنت ؟ لم أجد سيارتك بالأسفل .
تنحنح : أنا عند ياسين ، اسمعني علي ولا تقلق من فضلك .
توتر من طريقة عمرو الجدية : ماذا حدث عمرو ؟
__ ياسين اتصل وأبلغنا أن عمر تعرض لحادث و تم نقله هو إلى المشفى .
شعر بقلبه يهوي بين قدميه : هل أصابه مكروه ؟
__ لا أعلم علي ولكني سأذهب إلى ياسين فيوسف لن يستطيع كما تعلم ، وسأمر عليك لنذهب سويًا .
__ سأنتظرك .
راعها ملامح وجهه القلقة لتسأله عندما أغلق الهاتف :
__ ماذا حدث علي ؟
نظر إليها بصدمة وهو يجلس على الفراش : عمر تعرض إلى حادث ونُقل الي المشفى ، عمرو لم يفسر لي ماذا حدث ؟ ولا أعلم إذا كانت علياء أصابها مكروه أم لم تكن معه من الأصل .
شهقت بفزع ووضعت يدها على فمها ، اقتربت منه تلقائيًا وجلست بجانبه رتبت على كتفه بحنان : اهدأ علي ، لا تقلق ستجدهم بخير وصحة وعافية .
للحظه كان سيرمي نفسه بأحضانها لتخفف عنه وينسى همه عندها كما كان يفعل دائمًا وتطمئنه أن الأمور ستكون بخير ولكنه نظر لها وسأل باستهزاء : هل تتمنين ذلك من قبلك آية؟ أم تبرعين في تمثيلك علي كما كنت تفعلين دائمًا ؟
نظرت له بصدمة : لا علي لم أمثل عليك بشعوري يومًا وأنت تعلم ذلك جيدًا ، ولم أتمنى يومًا أن يصيبهم مكروه إن شاء الله ستطمئن عليهما . أشاح بوجهه بعيدًا عنها لتتنهد بألم ، وقفت وهي تفكر أنه لن يغفر لها بسهولة ولابد أن تنتظر وتصبر حتى يعود كما كان اقتربت منه بهدوء وقبلت رأسه لتنصرف سريعًا من جانبه حتى لا يؤذيها أكثر بكلماته الجارحة .
لم يتخيل أنها ستقدم على فعل شيء كهذا بعد كلماته الجارحة لها ، فكبرياءها لا حدود له أغمض عينيه وهو يزفر بضيق يشعر بقلق كبير على علياء وعمر ، ولا يتخيل أن يصيب أحدهم مكروهًا ، لا يتخيل أن يفقد أخاه وصديق عمره ولا يتخيل أن يفقد شقيقته وبكريته التي رآها تكبر كل يوم أمام عيناه
لا علي لن تصل إلى هذا الحد إن شاء الله لن يحدث لهما شيء .
***
جالسًا بجانب سريرها بالمشفى وهو يشعر بثقب كبير في قلبه إلى هذا الحد هي مرتبطة بأخيها ، لم يتخيل أنها ستفقد وعيها من صدمتها على عمر ، الطبيب أخبره أنها بخير وستفيق بعد قليل وأنها أصيبت بصدمة عصبية فقدت على إثرها الوعي ولكنه يشعر أنها فضلت الذهاب إلى الغيبوبة على أن تظل بجانبه إذا فقدت عمر ، تنهد بألم ونظر إليها بعشق أمسك يدها وقبلها بحنان فائق شعر بها تشد على يده بأصابعها : نور ، حبيبتي جاوبيني .
تأوهت ليقترب منها أكثر ويحسس على شعرها : نور
الظلام يحيطها وتشعر ببرودة في أطرافها الخوف يملئ قلبها وتشعر برجفة داخلية تجتاح قلبها فجأة شعرت بالدفء يغلف يدها وأنفاس حارة تصطدم بالبرودة المحيطة بها لتطردها بعيدًا عنها وتهدئ من رجفة قلبها ، تمسكت بهذا الدفء الذي أحاط بها لتسمع صوته الدافئ الحنون وهو ينادي عليها ، حاولت أن تفتح عينيها ولكن الضوء آلمها بشدة فتأوهت شعرت به وهو يقترب منها ويحسس على رأسها بحنانه المتدفق وينادي مرة أخرى :
__ نور .
قالت بوهن وهي تحاول النظر إليه : ياسين ، عمر كيف حاله؟
اقترب أكثر منها واحاطها بذراعه : أنه بخير إلى الآن ، كيف حالك حبيبتي ؟
اقتربت منه : أنا متعبة ياسين ، أشعر أن قلبي سيتوقف من شدة الألم الذي أشعر به .
قال بنبرة لم يستطع أن يخفي منها الألم : تريدين أن تتركيني نور؟
نظرت له وهي تشعر بالألم يزداد عليها : لا خائفة أن تتركني أنت الآخر .
بكت بكاءً حادًا ليضمها إلى صدره بقوة : حبيبتي توقفي عن البكاء، لن نتركك عمر سيكون بخير وأنا سأظل بجانبك دائمًا ، أضاف مازحًا : إلى أين سأذهب أنتِ قدري ؟
ابتسمت من بين دموعها : أنت تتذمر مني .
ابتسم بحب : لا حبيبتي أعترف بالواقع فأنتِ أجمل قدر .
خيم الحزن عليها مرة أخرى : أريد أن أطمئن على علياء .
تنهد بألم : سألت الممرضة المختصة بحالتها منذ قليل لم تفق إلى الآن ، استريحي قليلًا ولنذهب عندما تشعري بتحسن .
استندت عليه لترفع جسدها : لا سأذهب إليها الآن ، أريدها أن تشعر أننا بقربها .
هز رأسه بتفهم : حسنًا سآتي لكِ بكرسي متحرك لتذهبي إليها فجسدك لا يقوى على الحركة .
هزت رأسها بالموافقة ليأتي لها بالكرسي ويحملها ليجلسها به لم تقوى على الاعتراض فهي تشعر بألم شديد في جسدها كله دفعها ياسين إلى أن وصلا إلى غرفة علياء ليدلفا إلى الداخل بهدوء ، انهمرت دموعها وهي ترى علياء ممده على السرير أمامها ، نصف وجهها الأيمن متورم على إثر كدمة كبيرة تغطي عينها وخدها ، توجد خدوش كثيرة تملأ وجهها ورقبتها ، ويدها اليمنى مجبسة أشاحت بوجهها ألمًا من مظهر صديقتها ،وهي دموعها تنهمر بغزارة وتفكر كيف ستتقبل الصدمة عندما تفيق وتعلم أنها فقدت طفلها من عمر ، عمر الذي لا تعلم إذا كان سينجو أم سينتقل إلى رحمة الله ازداد بكائها ليتحول إلى انتفاضات وتشنجات ليخرج بها ياسين من الغرفة سريعًا ، أخذ صوت بكائها يعلو وانتفاضاتها تزيد جلس أمامها وأخذها بين ذراعيه وضمها بقوة : اهدئي نور ، ستكون بخير الطبيب أخبرنا أنها ستكون بخير .
في ظل تهدئته لها رأى علي وعمرو مقبلين عليه ومعهم نهى تنفس براحة فوجود نهى بجوار نور هذه الأيام سيخفف عنها قليلًا .
تقدم إلى ياسين في حركة سريعة وهو لا يستطيع السيطرة على القلق الذي يشعر به :
__ أين هما ياسين ؟
ردت هي من بين دموعها : عمر سيذهب ويتركني علي
لن أراه بعد الآن .
قال بقوة وهو ضائقا منها لمخاطبتها لعلي : اهدئي نور ، أنه بخير .
نظر لهم واردف: حمد لله على سلامتكم ،اقترب من نهى : من الجيد أنكِ أتيتِ ، ابقي بجوارها نهى وحاولي أن تخففي عنها .
__حاضر ياسين ، لا تقلق .
__ تعال علي أنا أريدك أن تقابل الطبيب لتطمئن بنفسك عليهما .
ابتعدا عنهم ليمسك علي يده ويسأله :
__ ما الذي أخبرك به الطبيب ولا تريد أن تبلغني به وتفضل أن أسمعه من الطبيب ؟
تنهد ياسين بقوة : اسمعني جيدًا علي ، علياء الآن تحتاج من تستند عليه وخصوصًا في وضع عمر الراهن
ارتجفت يده الممسكة بيد ياسين بقوة ليضع ياسين يده الثانية على يده ويشد مؤازرًا : إن عمر حالته خطيرة وهو الآن بالعناية المركزة والطبيب أخبرني إذا مرت الأربع وعشرون ساعة القادمة ولم يحدث له شيء سينجو إن شاء الله .
قال بصوت يكاد إن يسمع : وعلياء ؟
__ أنها بخير الحمد لله ،مجرد كسور بسيطة
كح بقوة ليكمل : ولكنها تعرضت للإجهاض .
اتسعت عينا علي وترقرقت الدموع بهما : هل كانت حامل ؟
قال ياسين بأسف : الطبيب أخبرنا بأنها كانت في الشهر الأول ولذلك فقدت الطفل بسهولة .
شعر علي بصداع قوي يصيب رأسه : هل هناك شيئًا آخرًا أخبرك به الطبيب ياسين ؟
تنهد ياسين وهو يربت على كتفه : لا علي .
نظر له ليذهب إلى غرفة أخته سريعًا وينظر إليها بألم وحسرة على ما أصابها تبعه ياسين بهدوء ليقف بعيدًا
ابتلع غصته ونظر وراءه ليقول بنبرة حزينة : أريد أن أرى عمر .
__ تعال معي .
ذهبا معًا ليقفا خلف الزجاج ينظرون إلى عمر .
أسند علي رأسه على الزجاج ، يشعر بألم شديد وهو يرى أخاه وصديق عمره مقيد إلى الأسلاك والأجهزة نظر إليه وناجاه بعينيه من الذي سيقف إلى جواري الآن عمر ، كنت إلى جواري بكل مصيبة تصيبني كنت صخرتي التي أرمي عليها كل همومي كنت تشد من أزري وتدفعني إلى عمل الصواب اندفعت الذكريات لعقله يوم وفاة والده ويوم أن أصاب جنى التهاب الشُعب الهوائية وكاد أن يفقدها ، ويوم وفاة والدته ومنذ يومان وهو يخفف عنه دونما يدري ما به وما سبب ألمه وتعبه
الآن ماذا سأفعل ؟ من سيؤازرني ويشير علي بالصواب كيف سأبلغ علياء بأمرك وكيف سأبلغها بفقدانها لطفلكما كيف سأنظر إليها وأطمئنها عليك ،تنبه من أفكاره على قطرات من الماء تسقط على يديه ليفاجئ بأن دموعه تتدحرج على وجنتيه تنفس بعمق و مسح دموعه بكفيه وهو يفكر بطريقة يخبر علياء بما أصابها وأصاب عمر ينظر اليه بألم وهو يفكر بأن نور ستفقد عقلها إذا ما حدث له أي شيء ، فهي منهارة الآن وإذا تطور وضع عمر إلى الأسوأ ستصاب بانهيار عصبي حاد .
نظر إلى علي ليرى دموعه التي تسقط من عينيه
شعر بالألم يجتاحه اكثر وفضل أ يترك علي بمفرده ابتعد قليلًا عن علي ليرن هاتفه نظر ليجده حسام ضرب رأسه بقبضته فهو نسى تمامًا أمر الشحنة :
__ مرحبًا حسام ، أنا مشغول اليوم ولن أستطيع ان آتي إلى الميناء .
__ لا سيدي ، أنا استلمت الشحنة البارحة وأرسلتها إلى الأماكن المتفق عليها .
سأل بتعجب: كيف ؟ ألا تحتاج الي توقيعي ؟!
__ لا سيدي كنت أظن ذلك ولكن الشحنة آتية باسم مكتب الاسكندرية وأنا مدير المكتب ولذلك استلمتها بتوقيعي أنا .
تنهد بارتياح: ممتاز حسام، شكرًا جزيلا لك .
تنحنح حسام : أنا أتصل بسيادتك لأن لدي خبر سيء للغاية .
قال ياسين بترقب: تكلم حسام سريعًا ، فاليوم يوم الصدمات .
__ مشروع الشاليهات أخبرني المهندس المسئول عنه اليوم أن الوحدة الأولى هدت بالكامل .
صاح ياسين بقوة : نعم !
__ مع الأسف لقد ذهبت إلى هناك وتأكدت بنفسي الشاليهات التي بنيت غير موجودة والأساسات عبث بها بحيث أننا لن نستطيع أن نعتمد عليها بعد الآن .
ارتكن بجسده على الحائط وعيناه تتسع بغضب فهو الآن متأكد من هوية من فعل كل هذا
قال آمرًا : حسنًا حسام ، أبلغ الشرطة وأنا سأتصل بمعارفي لأجعلهم يهتموا بالأمر ، وأخبر المهندس أن يعمل في الأرض بشكل سريع بحيث ألا يتوقف العمل بالأرض إطلاقًا حتى يصلوا إلى ما كان عليه المشروع أغلق الهاتف وهو يشعر بأنه يرتجف من الغضب لم ينسى أبدًا ثأره من هذا الشخص الكرية ولكن من الواضح أن أسلوب التعامل الشريف لن يجدي نفعًا معه لا يعلم كيف  يكون هذا بشر أنه لا ينتمي إلى الجنس البشري إطلاقًا كيف يفعل هذا بابن أخيه ؟! زفر بقوة وهو يشعر أن المصائب لن تتوقف عند هذا الحد .

أحلامي المزعجة Where stories live. Discover now