الفصل الحادي والثلاثون

283 16 2
                                    

__ عمر ، عمر
نادت من الدور العلوي عليه فلم يستجب أطلت من أعلى السلم وأدارت عينيها في صالة الفيلا تبحث عنه ولكنها لم تجده نزلت السلم لتبحث عنه جيدًا فوجدت باب إحدى الغرف السفلية مفتوح ، لم تدخل إلى هذه الغرف إطلاقًا فعمر يغلقها دائمًا ، نظرت قليلًا إلى الباب لتتقدم في حذر وهي تشعر بترقب يثقل أنفاسها
أطلت من باب الغرفة لتجده جالسًا على كرسي أمام مكتب بالغرفة ويدعك جبهته بيده ،شعرت بأنه ليس على ما يرام فهذه الحركة العصبية تلازمه عندما يشعر بالضيق أو الغضب
تنحنحت ليرفع نظره إليها ويبتسم : تعالي عليا تقدمت إلى الداخل وهي تدور بعينيها في أنحاء الغرفة فوجئت أن الغرفة واسعة جدًا فمساحتها تساوي مساحة غرفتين من الغرف العلوية ابتسم وقال بضيق لم يستطع إخفاؤه : كانت غرفة والدي .
ابتسمت بسعادة : حقًا تقدمت للداخل أكثر وهي تدور بعينيها في الغرفة بسعادة فهو دائمًا يقص لها عن والده وأنه يشبهه وعندما سألته عن والدته رد أنها تشبه نور اتجهت إلى حائط معلق عليه صور فتوغرافية لوالديه شهقت : أنت بالفعل تشبهه عمر .
ضحك بهدوء : ألم أخبرك من قبل ؟
نظرت إلى الصورة جيدًا : هل هذه نور ؟
ضحك بمرح ليقول من بين ضحكاته :نعم أنها نور الكبيرة .
نظرت له بتعجب ورددت : نور الكبيرة
ابتسم : نعم ، إن أمي اسمها نور أيضًا  .
ضحكت علياء بمرح : حقًا ، أمر عجيب ألم يجد أباك اسمًا آخرًا ؟
تنهد : بل أمي من أسمتها على اسمها .
هزت رأسها بتفهم لتلفت إليه : ماذا بك عمر ؟هل تبحث عن شيءٍ هنا ؟
هز رأسه نافيًا : لا ، بل سأفرغ محتويات الغرفة وأعيد تأثيثها من جديد ، لتكون غرفة للاستقبال ، فلا يوجد لدينا غرفة للاستقبال بالدور السفلي غير الغرفة الملكية ولن أستطيع تغييرها فهي كانت غالية على جدي نظرت له بدهشه فهي لا تستوعب ما يقوله لا يستطيع تغيير غرفة غالية على جده وسيغير غرفة والديه
__ ولماذا تريد غرفة لاستقبال الضيوف الآن ؟ أنت تستقبلهم في الصالة رد بضيق : لا أستسيغ أن يأتي إلي أحد أصدقائي أو زملائي ويجلسون بالصالة ويستطيع بسهولة أن يراك وأنتِ واقفة بالمطبخ، لا أطيق هذه الفكرة ثم لتكوني على راحتك لا أريد أن أقيدك بضيوفي في الخارج نطقت بتردد : ولكنها غرفة والداك .
_ لم يمكثا بها إلا سنة واحدة ، كانت لأمي وجدي أعدها لها هي ووالدي ليمكثا بها إذا جاءَ إلى القاهرة وعندما انتقلنا جلسا بها ما يغيظني حقًا الآن ، أني لا أستطيع أن أفتح درج هذا المكتب ، أريد أن أفرغه من محتوياته فالغرفة فارغة من كل شيء ماعدا هذا المكتب ،أكمل بغيظ : بل هذا الدرج الذي لا أعلم ما به ، فلقد اقترحت هذه الفكرة من قبل على نور وأفرغنا الغرفة ولكننا انشغلنا أنا وهي ولم تكتمل الفكرة
تنهد : من الواضح أني سأكسره .
ابتسمت باتساع وهي تنظر إلى قفل الدرج لتستخرج دبوس شعر من شعرها وهي تقول بابتسامة : ابتعد .
نظر لها بتعجب مما تفعله ليرتفع حاجباه بدهشه : ماذا تفعلين عليا؟
قالت وهي تعالج قفل الدرج بمهارة : انتظر.
تك صوت القفل الذي فتح لترتسم الصدمة على وجه عمر لثواني وينفجر ضاحكًا : حقًا ، انت لصة إذن !!
احمر وجهها بإحراج : تعودت على ذلك فقد كنت أنسى مفتاح قفل مكتبي الدراسي كثيرًا فكنت ألجأ لهذه الحيلة .
ابتسم : ولكنكِ مفيدة فانا حاولت أكثر من مرة أن أكسره ولم أستطع ، اليوم كنت سأفسد الخشب ولكنكِ وفرتي علي كثير من الوقت والجهد .
__ سأعد لك كوبًا من الشاي يساعدك في إفراغ محتويات الدرج .
فتح الدرج لينظر به وجد معظم الأشياء ، أشياء أنثوية .
تمتم : أكيد أنها لأمي أفرغها كلها ووضعها على سطح المكتب وهو يقول سأعطيها لنور أدخل يده إلى آخر الدرج ليتأكد من خلوه ليجد شيئًا ناعمًا تحت يده سحبه بلطف لينظر إليه فوجده دفتر يوميات بني اللون ملمسه ناعم وشكله جميل فتحه ببطء وهو يشعر بالترقب وجد اسم والدته بأعلى أول صفحة فيه
"أنا نور إسماعيل عبدالرحمن اليوم أنهيت السنة الأولى من دراستي الثانوية وأهداني والدي هذا الدفتر بمناسبة انتهاء الدراسة فهو يعلم أني مولعة بكتابة الخواطر فأهداني إياه لأتسلى قليلًا بالإجازة ولكني قررت أن أكتب به الأحداث المهمة اليومية تخليدًا لذكرياتي المهمة سواءً كانت سيئة أو جيدة "
قلب عدة صفحات ليقرأ صفحة أخرى "أنا سعيدة جدًا اليوم فنوارة صديقتي المقربة أقنعت والدي أن أسافر معها إلى الإسكندرية فهم دائمًا يقضون شهور الصيف هناك ، ونحن أيضًا ولكننا لن نسافر هذا الصيف بسبب عمل والدي ، فطلبت والدة نوارة من أمي أن أذهب معها ولكن والدي لم يوافق ، ولكن نوارة بذكائها وقدرتها الغير عادية على الإقناع ، أقنعته أن أسافر معهم وها أنا أعد حقيبتي لنسافر في الغد إلى الإسكندرية"
دخلت علياء ليغلق الدفتر سريعًا وينظر إليها يشعر بالإثارة تسيطر عليه مذكرات والدته بين يده وهو يريد أن يعرف كل شيء عن ما حدث بينها وبين والده وما الذي فعله عمه لتقع في حبه وتهوى معه إلى علاقة قلبت حياتهم كلها رأسًا على عقب
__ عمر ، ماذا بك ، لا ترد علي ؟!
__ ها ، لا شيء أفكر في أشياء تخص العمل ، هاتي الشاي وسأذهب إلى مكتبي قليلًا ، نامي إذا تريدين .
نظرت إليه بتعجب : سأشاهد التلفزيون إلى أن  تنتهي من أعمالك .
تركها وخرج لتهز كتفيها بتعجب وتخرج خلفه
***
تقدم ليدلف إلى مكتبه وهو يشعر بأنه مقيد لا يستطيع الحركة شعور خانق يسيطر عليه ولا يستطيع أن يتخلص منه ، رفع نظره ليجد أمه بوجهه ، أراد أن يعود ولكنها رأته كان يتلاشى الأيام الماضية مقابلة أمه ، حتى لا تصر ان تفهم ما يحدث بينه وبين نور ، أو تصر على أن تعرف سبب ضيقه نظرت إليه مطولًا ليخفض نظره بعيدًا عن مرمى عينيها قالت امرة : تعال ياسين ، ام لا تريد أن تجلس معي ؟
ابتسم بتوتر : لا طبعًا أمي .
نظرت له نظرة تسبر إلى أغوار نفسه لتتكلم بهدوء : أنا أمك ياسين ، وأعلم جيدًا متى تتحاشاني حتى لا تعترف بأخطائك . دارت مقلتيه سريعًا من هجوم أمه المفاجئ : لم أفعل شيئًا أمي .
شعر أن بجملته الأخيرة انه عاد طفلًا وتذكر عندما كانت تؤنبه على أخطاءه .
قالت آمره : اجلس ياسين ، وأخبرني ماذا حدث لتعامل زوجتك بهذه الطريقة ؟
توتر فكه ليقول : لم يحدث شيئًا أمي .
هدرت به ولكن بصوت منخفض : ياسين .
انتفض من نبرة أمه الحازمة ليخفض رأسه وهو يشعر بتفاقم شعور الذنب داخله لم يعد يقوى على شيء فالأحداث السيئة تحاوطه لدرجة أنه لم يعد يحتمل شيء صمتت أمه صمتًا مدروسًا تعلم أنه يأتي بثماره مع ياسين وهو في مثل هذه الحالة فهي تأكدت أنه فعل شيئًا ليس بهينًا .
سألت بنبرة هادئة : ماذا حدث ياسين ؟
ابتسمت بسخرية لتكمل : هل اكتشفت فجأة أن عم زوجتك هو من كان السبب في وفاة اباك ؟
اتسعت عيناه صدمةً مما تفوهت به أمه لينظر إليها : من أين علمتي أمي ؟
نظرت له : ليست هذه المشكلة ياسين ، بل المشكلة بك أنت تعامل زوجتك بعدم تهذيب بسبب أن عمها كان السبب في وفاة أباك ، وهذا ليس حقيقًا ، أباك توفى إثر أزمة قلبية ياسين لم يقتل .
نطق بكره : كان هو السبب بها .
__ الموت بيد الله ياسين وأباك كان متعب ومريض من قبل وأنت تعلم ذلك .
جز على أسنانه غضبًا لتكمل وهي تلومه : ثم ما ذنب المسكينة أن تأخذها بذنب عمها ، عمها الذي لم تره ولا مرة منذ أن انتقلت إلى القاهرة .
نظر الي امه بتفحص : من أين لك بهذه المعلومات ؟
هل كنت تعلمين من قبل زواجي أن حافظ المصري عم نور؟
ابتسمت بسخرية : طبعًا ، لذلك رشحتها إلى يوسف. التمع الغضب بعينيه لتكمل وهي تعطيه نظرة قوية
__ كنت اريد أن أزوجها ليوسف لأني على دراية بأنه إذا علم لن يغيرالأمر لديه من شيء فشعوره نحو حبيبته إذا كان يحبها حقًا لن يتغير ولن يهمه إذا كان عمها فعلًا هو من تسبب بموت والده ، و ها أنت ترى كيف يعامل إنجي  على الرغم من أنه لا يحب معتز وحاقد عليه ولكنه لم يقبل أن تهينها نادين .
استفزته أمه بمقولتها أن يوسف كان يناسب نور عنه وأنه كان سيعاملها جيدًا حتى لو علم بأمر عمها الذي اتضح له أنه أباها، ليقول بغضب أعمى : أنه والدها أمي .
انتفض من مقولته الذي قالها بلحظة غضب تملكته لتنظر إليه نوارة هانم بهدوء : تعال ياسين اجلس بجانبي .
تعجب من هدوء أمه ليجلس بجانبها تنفست بعمق ومسكت يد ابنها الغالي وقالت بصدق : هذا ليس صحيح ياسين أخبرني من قال لك هذا الكلام الفارغ .
نظر إليها لتكمل : هل حافظ من قال لك أنها ابنته ؟
هز رأسه إيجابًا وهو يشعر بالدهشة تسيطر عليه فردة فعل أمه عجيبة قالت أمه بحنق : حافظ الحقير .
زمت شفتيها بحنق لينظر إليها ياسين وانفكت عقدة لسانه :
__هل تعلمي شيء لا أعلمه أمي ؟
نظرت إليه : نعم وأنا متأكدة أنها ليست ابنته ولا تنتمي إليه أنها ابنة محمد ، كل شيء بها ينطق بأبوة محمد لها دمعت عيناها وهي تكمل : رحمة الله عليه .
اتسعت عيناه ولمع الضيق فيهما : أمي من أين تعرفيهم ؟
نظرت بعيدًا : هل تعلم أني كنت أسكن بالمعادي بيت والدي بحي المعادي. هز رأسه بعدم استيعاب : لا أفهم ما العلاقة ؟
__ فيلا اللواء إسماعيل أين تقع ياسين ؟
نظر لها وعقله بدأ في العمل لتتبع هي : كان أبي جار اللواء إسماعيل وأنا كنت صديقة لنور الكبيرة كنت أكبرها بعامين فقط ، كنا نذهب إلى المدرسة سويًا كنا أكثر من أصدقاء ، كنا بمرتبة الأختين فهي الابنة الوحيدة لوالديها وأنا أيضًا ، فكنا نقضي أغلب الوقت معًا ، حتى وقت النوم أنا أقضي عندها ليلة وهي تقضي عندنا ليلة كانت جميلة وذكية ومنطلقة .
__ أمي أنا سألتك عن علاقتك بوالد نور.
تنهدت : أبي لأنه كان رجل أعمال كما تسمونه الآن كانت علاقاته كثيرة ولكنه كان يرتبط بعمي عبد الله بعلاقة وثيقة جدًا فكنا نقضي الصيف كله عندهم ولأن الفارق بيني وبين محمد في السن بسيط فهو كان يكبرني بثلاثة أعوام ، جمعتنا صداقة قوية من الطفولة إلى الشباب ، كنت أشعر أنه أخي وهو أيضًا كان يعاملني كما يعامل صفية.
...
أسرع خطواته الي المكتب ليدخل ويغلق الباب جيدًا استلقى على الأريكة وقلب الصفحات بين يديه
"اليوم كان ممتعًا تعرفت على صديق نوارة الذي كانت تكلمني عنه كثيرًا لدرجة شوقتني أن أراه لم يكن جميلًا ولكنه كان وسيمًا جدًا وله هاله تحيط به انجذبت إليه من أول نظرة ، رأيته وهو يتكلم مع نوارة وعندما ابتسم شعرت بأن قلبي يرتجف بين ضلوعي اقترب مني وهز رأسه ليحييني لابتسم بهدوء نظر إلى بعينيه شديدة السواد لأشعر بأني أغرق ببحرهم الهادئ تكلمت نوارة لتقطع هذا التواصل بيننا: هذا هو محمد يا نور ،محمد هذه نور التي حدثتك عنها مسبقًا .
مد يده وصافحني لأشعر بوهج تملكني والاحمرار يزحف إلى وجنتي علقت نوارة : من الواضح أن الشمس ستؤذي بشرتك نور فوجهك محمر بشدة تعاليا ندخل إلى الشاليه. أسرعت نوارة أمامنا ليبتسم ويقترب مني وقال بغرور محبب : من الواضح أن شمسي هي التي ستؤذي بشرتك .
لم أستطع أن أمنع ضحكتي من الانفلات : أنت مغرور .
اتسعت ابتسامته لتأسرني بداخلها : لنتعرف من جديد .
مددت يدي لأصافحه : نور عبد الرحمن .
أمسك يدي وقبلها برقة ورفع عيناه إلى : محمد المصري سعيد بتعرفي عليكِ .
نظرت له : وأنا أيضًا سعيدة أني تعرفت عليك.
...
__ كنت أنا السبب بمعرفتهما فلقد أقنعت اللواء إسماعيل أن تأتي نور معنا إلى الإسكندرية وهناك رأت محمد وتعرفت عليه بل أحبته أيضًا ،وهو هام بها من أول نظرة خطفته بضحكتها الشقية وانطلاقها الذي لا حدود له ، وهناك تقربت أنا وأباك كثيرًا فخطبتنا كانت محددة من قبل رحلة الإسكندرية ولكن علاقتنا أصبحت أقوى في هذه الرحلة ولكن الشيء الوحيد الذي كان يرعبني منه غيرته القاتلة فهو كره محمد من أول نظرة وخاصة أن علاقتي به كانت قوية كان يغضب عندما أتكلم معه أو أضحك على شيء قاله عدنا من الإسكندرية ليصر أباك على إتمام الزواج سريعًا ، أحببته ووافقت على ما يريده وانتقلت إلى هنا معه ولكني لم أقطع صلتي بنور فكانت تزورني باستمرار وفي يوم أخبرتني أنها رأت محمد البارحة .
...
اليوم أخبرت نوارة أنني رأيت محمد البارحة اتسعت عيناها دهشةً لابتسم بسعادة : فوجئت عندما خرجت من المدرسة أنه ينتظرني أمام الباب بسيارته دعاني ليوصلني إلى البيت وأنا وافقت .
غضبت : هل جننتِ نور ؟ لماذا تركبين سيارته ؟
بماذا ستفسرين لأصدقائك الفتيات هذا التصرف والأهم للمديرة التي غالبًا ستعلم من إحدى الفتيات وبالطبع ستخبر والدك.
ابتسمت بشقاوة : سأخبرهم أنه خطيبي. اتسعت عيناها لدرجة أني ضحكت بشده : ما بكِ نوارة ، استمعي إلي أولًا ثم تعجبي كما شئتِ .
...
كانت تقص لي بنبرتها الحالمة وعيناها يقفز منها الحب و السعادة ،أخبرتني أنه اصطحابها لتناول الآيس كريم وأخبرها أنه يريد أن يتزوجها وهي وافقت ، كانت سعيدة ولم تهتم إلى أي شيءٍ آخر، لم تهتم أنها ستترك والديها لتذهب معه إلى الإسكندرية لم تهتم بأنها لم تتعرف عليه جيدًا ، لم تهتم بشيء شعرت بحبها له وتمنيت لها السعادة .
...
أشعر بسعادة كبيرة فاليوم سيأتي محمد ليتقدم لأبي ونوارة أيضًا ستأتي لتكون بجانبي على الرغم من أنها حامل وبشهورها الأخيرة ولكنها أخبرتني أنها ستأتي من أجلي
...
ذهبت أنا وأباك مع محمد وعائلته بناءً على طلبه طبعًا وطبعًا لأكون بجوار نور ، ولأول مرة لم يكن محمود عدائي معه وعندما سألته لما تغيرت معاملتك لمحمد ؟
ابتسم وأخبرني انه احسن الاختيار ، فهو ونور سينسجمان معًا كنت حينها حاملًا بك ، وكدت أن أطير من السعادة فاقتراب قدومك مع خطبة نور جعلاني أشعر بسعادة عارمة ،ولكن اللواء إسماعيل اشترط قبل أن تتم الخطبة أن تنهي نور دراستها الثانوية أولًا وإذا نجحت سيتم الزواج في فصل الصيف وتمت الخطبة ورأيت بعينيها هذه النظرة التي لم أراها بعدها إطلاقًا ، نظرة مليئة بالحب والسعادة لمحمد .
...
اليوم سيأتي محمد لزيارتي ، لأول مرة يزورني بالبيت فأبي لم يأذن لنا بالخروج معًا ، لا أعلم ماذا أرتدي ولا كيف سيكون لقائنا ولكني مشتاقة إليه جدًا لا أستطيع أن أسيطر على دقات قلبي المجنونة فعندما رأيته أجبرت نفسي أن لا أقفز إلى أحضانه كان وسيًما فوق العادة ، أدخلته إلى الغرفة الملكية التي يستقبل بها أبي كبار الزوار لنا وأخبرته بمرح أني أعده من كبار الزوار فابتسم ابتسامته التي تطير بعقلي جلست بجانبه وأنا أقدم له واجب الضيافة نظرت له بهدوء ليتوقف عن الكلام وينظر إلي: ما بكِ نور ؟
نظرت إلى عينيه : أحبك .
اتسعت عيناه من الدهشة ليقترب مني ويقبلني برقة حانية لن أنسى هذه القبلة مهما حييت ،ولن أنسى الاحمرار الذي زحف إلى وجهه بعد ما قبلني ليعتذر وهو في قمة التوتر لأضحك بخفة وأقول بشقاوة :
__ لن أخبر والدي لا تقلق .
امتقع وجهه واصفر بشده لأنفجر ضاحكة : أمزح معك محمد.
نظر إلي معاتبًا وهو يقف لابتسم له واقترب منه واضع رأسي على كتفه تنهد وضمني إلى صدره : اهتمي بدروسك لنتمم زواجنا بالصيف .
ابتسمت له مطمئنة لينظر إلي وهم أن يقبلني ثانيةً ولكنه تراجع بآخر لحظه وهو يكح : سأنصرف نور ، الوقت تأخر.
...
وفعلًا بالصيف تزوجا فنور نجحت نجاحًا باهرًا ، لم أكن أتوقعه فهي لم تكن محبة للاستذكار ولكن من الواضح أن حبها لمحمد أعطى إليها دفعة قوية وجعلها تذاكر وتنجح كنت اقتربت بذاك الوقت على اتمامك السنتين .
...
اليوم هيأت نفسي للخروج مع محمد كما وعدني البارحة فوقته مشغول دائمًا في إدارة أملاك والده ويتركني كثيرًا لوحدي حاولت معه أن يتركني أكمل دراستي ولكنه رفض بسبب أن من الطبيعي أن يرزقنا الله بطفل وحينها لن أستطيع التوفيق بين الطفل والدراسة واهتمامي به ولكن من الواضح أن هذا الطفل لن يأتي ، فأباه وأخته التي تشعرني أني تزوجت من زوجها لا ينفكا أن يسألاني لماذا لم أحمل إلى الآن وأنا لا أعرف بم أجيبهم ،عاد حبيبي من عمله أخيرًا لابتسم إليه بحب وأقول بمرح أنا جاهزة محمد ، هل تفضل تناول الطعام هنا ؟ أم نتناوله بالخارج .
ردت صفيه : هل تريدين منه الخروج وهو متعب هكذا ؟
ألا تبحثين عن شيء سوى الخروج والتنزه ، ألا تهمك صحته ولو قليلًا .
فوجئت من الهجوم الغير متوقع لأنظر إليه مستنجدة به
ليرد عليها ولكنه قال ببرود : آسف نور أنا متعب اليوم ، لنخرج يومًا آخر .
شعرت بالغصة تجتاحني لدرجة أن الدموع تجمعت بعيوني وانصرفت من بينهم بسرعة قبل أن أبكي أتى محمد بعد قليل ليرضيني ولكني مثلت النوم فلا أريد أن أتشاجر معه ، فمن أول يوم وأنا أشعر بأن صفية لا تحبني وعندما حاولت اخباره أننا غير متفقات نظر إلي بحزم وهو يقول أنها أخته الوحيدة وأنه لا يستطيع الاستغناء عنها فهي بدلًا من أمه المتوفاة ، وأردف بقوة ضعيها بمكانة أمي وتحملي ما تفعله شعرت يومها أن لا فائدة من الكلام معه ، فلن يأتي لي بحقي أبدًا، ثم هو لا يرى أبدًا أن أخته مخطئة أو أنه من المفترض ألا تتدخل بيننا نحن الاثنين كم أتمنى أن تتزوج وتجد من يشغلها عني وعن محمد .
...
دعتني بالصيف التالي لزيارتها وأن أمضي معها الصيف أباك لم يوافق في البداية ولكنه وافق من أجلي وعلى أن نمضي فترة قصيرة هناك عندما رأيتها شعرت بأن شخصيتها تغيرت تغييرًا جذريًا و حاولت أن أفهم ما بها ولكنها لم تريد اخباري بسبب أنها تريد مني الاستمتاع ولم تأتي بي لتقص علي مشاكلها التي غالبًا تحدث في بداية الزواج ولكني شعرت بأن صفية وراء تعب نور وضيقها فصفية لم تعجب بنور من أول نظرة ثم إن غيرتها بأن هذه الطفلة سرقت قلب محمد جعلتها تأخذ منها موقفًا عدائيًا .
...
اليوم ستصل نوارة ومحمود بك لقد دعوتها لأتسلى معها قليلًا واستمتع برفقتها وبرفقة الصغير ذو العينان الرمادية ، هذا الياسين يأسر قلبي ، كم أتمنى أن يرزقني الله بطفل يملئ علي حياتي ،اليوم فرحتي لا توصف فأنا تأكدت أني حامل وأنتظر محمد بفارغ الصبر لأخبره بحملي هذا وأنا متأكدة أنه سيسعد جدًا وصدق حدسي فهو قفز من الفرحة واحتضنني بين ذراعيه ولف بي وهو يصرخ حتى أتى عمي وصفيه ليروا ما الأمر عمي هو أيضًا ظهرت فرحته بوضوح وهنأني ودعا إلي بتمام الحمل على خير وأمر محمد أن يذهب بي إلى أشهر طبيب لأتابع حملي معه وأطمئن على نفسي ما تعجبت منه صفية هنأتني بسعادة صادقة وهنأت محمد أيضًا وكانت الفرحة تطل من عينيها اقترب مني بعدما انصرفت صفية ليبتسم ابتسامته التي تجعل قلبي يرفرف من السعادة : ماذا تريدين حبيبتي ؟
بلعت ريقي وطلبت الطلب الذي أريده من فتره : أريد أن أذهب إلى أمي .
بهت وجهه : لماذا نور؟ هل أنتِ متضايقة مني ؟
ابتسمت : لا حبيبي ، بل أريد أذهب لأجلس معها قليلًا وأبشرها بحملي وهي ستنعتني بي الفترة القادمة .
احتضنني : سأعتني أنا بكِ نور ، وصفيه أيضًا لن تجعلك تنهضي من مكانك .
خفضت بصري ليضمني أكثر إلى صدره : حاضر نور سأذهب بكِ إلى والديك ، ولكنكِ لن تمكثي هناك أكثر من اسبوعين، هل ستستطيعين أن تبتعدي عني أكثر من ذلك ؟
__ لا طبعًا ، لن أستطيع .
اليوم آخر يومًا لي عند والدي سيأتي محمد لنعود معًا أشعر بالشوق يجرفني إليه ولكني لا أريد أن أترك والدتي
يا ليتنا نسكن معها هنا بالقاهرة ولكن الاسبوعين الماضيين كانا من أفضل الأيام التي قضيتها فأنا سعدت برفقة نوارة وياسين فشاءت الأقدار أنها هي الأخرى هنا عند والدها من أجل سفر محمود بك ، كم سعدت باللعب مع ياسين هذا الطفل ذو الثلاث سنوات ، أحب طريقة حديثة جدًا وضحكت من قلبي عندما أخبرته عن الطفل وجعلته يتحسس بطني وهو مندهش مني فأنا أتكلم على طفل لا يراه تركني وهو يهز رأسه بتعجب وركض إلى أحضان أمه ليدفن رأسه بصدرها كم أعشق هذا الطفل الجميل الذي أتوقع أنه سيصبح رجلًا كبيرًا يعتمد عليه فملامح رجولته واضحة على وجهه من الآن .
اليوم عيد ميلاد عمر الأول وأنا اشعر بالفرح وأريد أن أقفز من السعادة ، ولدي الحبيب وطفلي الرائع الذي يشبه والده ما يجعلني أحبه أكثر وأفرح به وبوجوده في حياتي ولكني أتمنى أن يصبح حنون كوالدي ، فمحمد على الرغم من حبه لي الذي أشعر به ولكنه يبخل أن يتكلم معي ويخبرني عن مدى اشتياقه لي أو مقدار حبه لي إن شاء الله سيكون عمر أفضل مننا نحن الاثنان ما يضايقني حقًا ويفسد سعادتي صفية وإصرارها على أن يرتدي عمر ملابس اشترتها له ولكني لا أريده ان يرتدي هذه الملابس وعندما أتى محمد واشتكت له نظر إلي بعتب
و قال لي بهدوء : اتركيه نور لعمته وتعالي فأنا أريدك .
دخلت إلى الغرفة وأنا أرتجف من الغضب وأنا أفكر لن تتدخل بطفلي إطلاقًا ، كله إلا ولدي نظر إلي بعتب شديد وقال مؤنب : ألا تستطيعين التخلي عن أنانيتك ؟!
نظرت إليه بدهشة ورددت : أنانيتي !
قال بقوة : نعم ألا تشعرين أنها تعامل عمر كأنه طفلها ، تحبه كطفلها ، اشعري بها قليلًا فهي لم تتزوج إلى الآن وتفرغ عاطفة امومتها في ولدك ماذا سيحدث لو تركتيها تلبسه ما تريد وتطعمه بما تريد ؟
جززت على أسناني وقلت بغضب : أنه طفلي أنا وليس من حقها أن تتحكم بطريقتي في الاعتناء بطفلي ولا أن تتحكم فيما أفعله معه .
نظر لي بحزم : وطفلي أنا أيضًا نور ولا أسمح لك أن تنتزعيه من حضن عمته من أجل غيرتك وأنانيتك.
خرج وتركني لأبكي بقهر نظرت إلى نفسي بالمرآة وأقسمت أن لا أتركهم يسرقون سعادتي اليوم ،سأفعل ما أريده ألبست عمر ما أريده كتحدي لصفية وله هو أيضًا وأقسمت أن لا أدعها تتدخل في حياتي مرة أخرى سواءً أعجب هذا محمد أو لم يعجبه .
اليوم وصل شخص غريب لا أعرفه إلى القصر يشبه عمي كثيرًا ولكنه مرح جدًا ، علمت من رئيس الخدم أنه أخو محمد اسمه حافظ ، ذهبت لأرى عمر وهو يلعب بالحديقة و آثرت أن انتظر حتى يأتي محمد ويعرفني عليه وقفت ألعب الكرة مع عمر ليركل عمر الكرة بقوة فتذهب للاتجاه الآخر من الحديقة ،أمرت عمر أن يذهب ويأتي بها وجلست بجانب الشجرة الضخمة وعيناي تتبعانه ،وقف عمر ينظر إلى عمه بحدة والآخر يضع قدمه على الكره .
قال عمر بقوة : من فضلك مرر الكرة .
ابتسم : من أنت ؟ ما اسمك ؟
رفع عمر رأسه بتعالي : أنا عمر المصري ، وقال بعنجهية
من أنت ؟ وماذا تفعل هنا ؟
ضحك بمرح : أنا حافظ المصري وأنا ببيت والدي .
__ هل تقرب إلى أبي ؟
ابتسم بسخريه : نعم إنه أخي الأصغر ، أنا عمك .
هز عمر رأسه بالتحية : تشرفنا ، هلا مررت الكرة .
رفع حاجبية : تعال لتأخذها .
جز عمر على أسنانه واندفع في اتجاهه ليأخذ منه الكره ولكن السيد حافظ تفوق عليه فهو يفوقه مهارة وقوة
ليحمر وجه عمر غضبًا فيضحك عمه بقوة : أنت متعالي يا فتى ، ومعتد بنفسك أيضًا ، للأسف تشبه والدك كثيرًا.
انتفضت من الجملة لأقف سريعًا : ما هذا الذي تقوله ؟
نظر إلي واتسعت عيناه وصمت قليلًا ليصفر بانبهار وابتسم ابتسامة جذابة : من أنتِ هل أنتِ المربية ؟
زمجر عمر وانتهز فرصة انشغال عمه بالحديث معي ليندفع ناحيته وينتزع الكره من تحت قدمة ليهوى أرضًا ويقف عمر فوق راسه ويقول بغرور : من حقي أن أعتد بنفسي .
لم أستطع كتم ضحكتي فوقوع عم عمر ونظرة الغرور التي تقفز من عيني عمر جعلتني انفجر ضاحكةً أمسكت عمر من يده وانصرفت من أمامه وأنا لا أستطيع التوقف عن الضحك ،عندما أتى محمد وأعددنا الغداء نزلت لأتناول معهم الغداء لينظر إلي بحده ويسأل : من أنتِ ؟
ابتسم محمد : أنها زوجتي يا حافظ ، اسمها نور .
لمعت عيناه بنظره لم أفهمها ولكنه ابتسم ومد يده ليصافحني فصافحته بهدوء ليرفع يدي ويقبلها برقة : تشرفت بمعرفتك نور .
التفت بسرعة إلى محمد وأنا جاهلة لردة فعله لأرى وجهه كما هو جامد لا يعكس انفعالاته 
هززت كتفي بلا مبالاة وابتسمت له : تشرفنا .
اليوم عيد مولد عمر الثامن ، ازدادت المشاجرات بيني وبين محمد في الفترة السابقة والتوتر سائد ، اليوم تشاجرنا بشراسة فهو يريد أن يأخذ عمر معه إلى الخارج فهو مسافر غدًا أعلم جيدًا أنه اقتراح صفية فرفضت الأمر لم يهتم لرفضي فقلت له أني لن أسافر معهم نظر إلي ببروده الذي بت أكرهه حقًا : على راحتك نور.
أعلم سبب ضيقة جيدًا ولكني أريده أن ينطق بكلمة واحدة ، كلمة واحدة تشعرني أني مهمة لدية ، أن قلبه ينبض إلي أتساءل لماذا لا يمنعني من الخروج برفقة حافظ إذا كان هذا الأمر يثير غضبه لا أنكر أني أستمتع برفقة حافظ ولكن ما يجعلني أخرج معه هو أن أجعل محمد يشعر بالغيرة قليلًا ، ولكن من الواضح أن هذا اللوح الجامد لا يشعر بأي شيء ، حافظ لا يعني لي أكثر من صديق ائتمنه على أسراري فهو القناه التي أرمي بها همومي ومشاكلي ولا أنكر امتناني إليه فهو يقف معي ضد صفيه وتدخلها المستمر بحياتي أشعر كأن الله وضعه بحياتي ليكون لي أخي الذي لم أتمتع بسنده أبدًا .
اليوم اكتب من بين دموعي ، لن أستطيع مسامحة نفسي أبدًا
لا أعلم ماذا أفعل ، استيقظت في الصباح لأجد أني بين ذراعيه لا أعلم ما حدث ولا أذكر شيئًا ، كيف وصلت إلى هنا ، وكيف حدث هذا صرخت من رعبي وتخيلي لما حدث
لينتفض من نومه مفزوعا : ما بكِ حبيبتي ؟
رفعت يدي وصفعته بقوة وقبل أن يتنبه لما يحدث صفعته مرة أخرى أمسك يدي بقوة فنعته بكل الشتائم الذي أعلمها وأنا أبكي بانهيار حاول أن يضمني إلى صدره لأدفعه بعيدًا وأضربه بقوة على صدره لينهض من جانبي وقال بقوة : كنت أظن أنكِ تحبيني نور .
صرخت : أنت مجنون ، أنا زوجة أخيك .
اقترب مرة أخرى مني : اتركيه ، ونتزوج .
نظرت إليه برعب : ألا تفهم ، أنه زوجي والد طفلي ، حبيبي لا أستطيع أن أتركه ، لا أستطيع العيش بدونه .
انتفض واقفًا كأن عقربه لسعته ليرتدي ملابسه ويخرج من الغرفة بسرعة لملمت بقايا نفسي وذهبت إلى غرفتي ، لملمت أشيائي الضرورية لأغادر إلى منزل والدي أريد ان أشعر بهدوء نفسي بعيدًا عن هنا ، فالذنب يقتلني يمزقني لا أعلم كيف سأضع عيناي بعيني محمد ، لا أعلم كيف أتخلص من شعور الذنب الذي يسيطر علي ، أنا السبب فأنا من دفعه إلى ذلك اهتممت به كأخي فظن أني أحبه ولكني لم أكن لأخون زوجي أبدًا معه حتى لو كان قلبي ينبض بحبه ما يدفعني للجنون كيف فقدت وعيي ، تذكرت كأسي الخمر الذي أصر على أن يشربني إياه ، هل من الممكن أن كأسي الخمر يفقدوني وعيي هكذا ،ضرب سؤال آخر بعقلي هل كان يقصد أن يحدث بيننا ما حدث وضعت يدي على فمي لأمنع شهقاتي من الخروج حتى لا تسمعني أمي فهي سألتني أكثر من مرة عما أتى بي بمفردي وأبي يرغي ويزبد وهو يستنتج أني غاضبة من محمد أقسمت لهم أني لم أتشاجر مع محمد ولكنهم لا يصدقوني لا أعلم ماذا سيحدث ، لا أريد أن أترك محمد ولكني لن أستطيع العيش معه بعد الآن وخاصةً  مع وجود هذا الحقير هناك.
...
اتصلت والدة نور بيوم لتخبرني أنها تريدني ضروري ذهبت إليهم بعد أن استأذنت والدك لأجدها بحالة قلق كبيرة
سألتها : ما الأمر ؟
أخبرتني أن نور تمكث عندهم منذ عشرة أيام ومحمد أتى لها مرتين ليقنعها بالعودة معه و هي رافضة بشكل قاطع وها هو اتصل اليوم وأخبر والدتها أنه يريد عودتها وأنه لن يقدم على فعل أي شيء يغضبها ، طلبت مني أن أتكلم مع نور فهم إلى الآن لا يعلمون شيئًا عن سبب الخلاف بينهم ومحمد لا يفهم شيء أيضًا ، كل ما أخبرهم به أنه أخذ عمر وسافر وعاد بعدها بيومين ليجدها غادرت .
شعرت بأن هناك سبب مخفي ونور لا تخبر أحدًا عنه دخلت وتكلمت معها وبعد فترة انهارت بين يدي وهي تخبرني بما فعله الحقير معها ، وأنها لم تكن بوعيها ولكنها لن تستطيع العودة إلى محمد فهي تشعر بأنها السبب فيما حدث وأنه تشجع على فعل ذلك بسبب خروجها معه باستمرار أقسمت من بين دموعها أنه لا يعني إليها شيء وأنها كانت تتعامل معه كأخ وصديق هدأتها وأنا أعلم جيدا أنها لم تقترف شيء ليتخذ حافظ هذه الخطوة فأنا أعرفه جيدًا شخصية حقودة وكريهة ولا يتوانى عن فعل أي شيء ليحقق رغباته .
...
اليوم سأعود مع محمد فنوارة هدأتني وأخبرتني أن أحاول أن أنسى ، فعمر لا ذنب له أن أنفصل عن والده ،وعندما أخبرتها برعبي من حافظ ، قالت بحزم : لا تتعاملي معه نور انشغلي بزوجك وطفلك .
الحمد لله مضى اليوم على خير فأنا عملت بنصيحة نوارة ومكثت بغرفتي معظم النهار وما سعدت به حقًا أني أمضيت اليوم برفقة عمر ، اشتقت إليه جدًا ولكني أشعر بأنه متغير لا يبتسم كما كان يفعل دائمًا والغضب يلمع بعينيه سألته بهدوء : ما بك حبيبي ؟ هل أنت متضايقًا من شيء ؟
نظر إلي بغضب : هل ستتركين والدي ؟
صعقت من الجملة لأسأله برعب : من قال لك ذلك ؟
رد بضجر : سمعت عمتي تتكلم مع أبي وهي تقول أنكِ ستتركينه لأنكِ لم تحبينه قط .
هممت بالرد عليه لأفاجئ بمحمد يصيح بغضب : هذا غير صحيح عمر ، عمتك كانت تمزح معي حبيبي ، هيا لتنام فقد  حان وقت نومك .
نظرت إليه بلوم ليزفر بضيق: لم تكن تعلم أنه موجود نور ، فهي أكيد لا تقصد ذلك .
نظرت إليه والدموع تلمع بعيوني ليقترب مني ويحيطني بذراعيه : سأتكلم معها حتى لا تتفوه بمثل هذه الأشياء مرة أخرى .
طبع قبلته على رأسي ونظر إلي : لكنها معذورة نور ، فأنا كدت أن أجن وأنتِ بعيدة عني ، ألا تعلمين إلى الآن أني لا أستطيع الاستغناء عنكِ أنتِ حياتي نور .
انهمرت دموعي بغزارة ليقبل خدودي برقه وحنان : توقفي نور ، لا تبكي حبيبتي .
نظرت إليه لأسأله : حقًا ، هل أنا حبيبتك ؟
ابتسم : بلى ، أكثر من حبيبتي أنتِ روحي وعقلي وقلبي وكياني كله نور .
نثر قبلاته على رأسي لأشعر بأني بحلم جميل لا أريد أن أستيقظ منه .
اليوم أشعر بالهدوء يحاوطني فاليوم سافر حافظ لألتقط أنفاسي ، فكلما كان يقع نظري عليه كنت أشعر بالذنب يجتاحني وخاصة أن محمد بدأ يحُسن من اسلوب معاملته معي وأصبح يخبرني بمشاعره نحوي ولكن شعور الذنب يتغلب علي عندما يخبرني بمشاعره وأشعر بالنفور من نفسي وأني مخطئة بحقه عندما يلمسني ،هممت أن أخبره أكثر من مرة ولكن لا أعلم ، خائفة بل مرعوبة من ردة فعله ، أعلم جيدًا أنه سيتركني ولكني خائفة أن يقتل أخاه ، فهو عندما يغضب لا يرى أمامه تكلمت مع نوارة أكثر من مرة وهي تشدد علي ألا أخبر محمد بما حدث ، حتى لا تكون العواقب علينا وخيمة .
اليوم اشعر بتوتر غير طبيعي لابد أن أتأكد أني حامل والأهم أن أتأكد أن حملي من محمد ، ولكن كيف سأتأكد ،حاولت أن أتخلص من الطفل ولكن محمد رفض بشدة .
دعتني نوارة لزيارتها فهي بالإسكندرية ،ذهبت لأقابلها وأتكلم معها فهي من تستطيع أن تهدئني ذهبت إليها لأجدها مع أطفالها الرائعين احتضنت الفتاة التي تلعب على الأرض حولنا وقبلتها وأنا اقول : إنها تشبهك نظرت إلى الصغير الذي لأول مرة أراه ناولتني إياه : هذا هو يوسف .
حملت الصغير وقبلته التفت إليها : يحميه الله نوارة ولكنه لن يكون جميلا كياسين .
بحثت بعيني : أين هو ؟
ضحكت نوارة : مع أصدقائه في البحر ، ياسين كبر الآن ولا يقر بجانبي .
تنهدت بخيبة أمل : كنت أريد أن أراه ، هل سيتذكرني ؟
__ لا ولكنه عندما يراكِ سيحمر وجهه ويغادر الغرفة .
ضحكت : هل هو خجول ؟
__ جدًا ، صديقية المقربين يغازلن الفتيات علنًا وهو لا يقترب من أي مكان به فتاه ، بل ينفر منهم بشكل عجيب ضحكت لتكمل : سألته ذات مرة لماذا لا يتكلم مع الفتيات الأخريات قال بضيق أنهن تافهات أمي . ضحكت من قلبي على هذا الرجل الصغير لتنظر إلي نوارة وتقول بهدوء : ما بكِ نور ؟ ضحكتك ليست نابعة من قلبك .
نظرت لها وقلت بتوتر : أنا حامل .
تهلل وجهها بالسعادة لتنطفئ السعادة من عينيها عندما تلاقت نظراتنا لأقول بقلق : خائفة أن يكون طفله نوارة .
اتسعت عيناها رعبًا ونفضت رأسها : لا طبعًا هذا احتمال بعيد ، لا تبثي الرعب بقلبك بدون داعي .
اخبرتها بأني تشاجرت مع محمد البارحة فأنا أريد أن اتخلص من الجنين وهو يريده بشده لدرجة أنه أقسم على ألا أفعل ذلك .
تنهدت : لا تقلقي نور ، ستتحسن الأوضاع قريبًا.
ابتسمت بألم : اتمنى ذلك دخل إلى الغرفة صبي جميل وهو يزمجر من الغضب ويتشاجر مع فتاه صغيرة تقريبًا بسن عمر كانت تبكي بقوة وقفت بعيدًا ليصيح هو بكلمات غير مفهومة قالت نوارة بحزم : اصمتا .
توقفت الفتاه عن البكاء وصمت هو الآخر ابتسمت لردة فعلهما السريعة فأنا لا أستطيع  السيطرة على نوبات غضب عمر إلى الآن نظرت إليهما : تعال أنت وهي سلما على ضيفتي .
احمرت اذناه بشدة عند رؤيتي أتت الفتاة بهدوء لأمسح على رأسها وأقبل وجنتيها ، تسمر مكانه ونظر إلي بهدوء وشد قامته وهز رأسه ليحييني بابتسامة متكلفة : أهلًا سيدتي .
خرج من الغرفة لتتبعه الفتاه مسرعة : خذني معك .
صاح بقوة : لا ، أنتِ تثيرين المشاكل .
نظرت إلى أمها بقهر لتبتسم نوارة وتقول بهدوء : لماذا ياسين ؟
__ أنها تثير المشاكل أمي ، وتتشاجر معي .
نظرت نادين إلى أمها : حنان ستذهب معهم هي ومريم لماذا لا أذهب أنا أيضًا ؟
قالت نوارة بحزم : خذ أختك معك ياسين وإذا لا تريد الاعتناء بها أخبر أحمد أن يعتني بها .
نظر بقوة لامه : لست عاجز معها أمي سأهتم بها أنا .
جز على أسنانه غضبًا ليصيح بها : تعالي .
انتفضت من صيحته لأنظر إلى نوارة : كبر نوارة وأصبح رجلًا .
ابتسمت : أنه يدفعني للجنون ، لا أعلم إلى من ينتمي بطبعه هذا .
__ اكيد الي محمود بك
__ لا محمود ليس هكذا ، هو بنفسه عاجز على ترويضه ، حماتي أخبرتني أنه يشبه جده شكلًا وطبعًا .
__ ستركض الفتيات خلفه نوارة .
ضحكت بقوة : اه لو سمعك لاحمرت عيناه غضبًا منك .
ابتسمت لتربت على كتفي : لا تضعي هذا الموضوع بعقلك نور ، أنها ابنة محمد ، ألم يقترب منك من حينها ؟
__ لا طبعًا .
__ عندما تضعين الطفل ستتأكدين أنها ابنة محمد .
__ أتمنى من كل قلبي أن يكون طفل محمد .
حمدت الله عندما ولدت نور ، فميلادها أتى بعد ثمانية أشهر على حادثتي مع حافظ وهذا يعني أنها ابنة محمد فهي أتت سليمة معافاة، الحمد لله أسميتها نور حتى تذكر محمد بي دائمًا ، فأنا أريده أن يتذكرني دائمًا ، أريده عندما يعلم بما حدث أن يظل قلبه يحبني ، أن تظل شفتاه تنادي باسمي ونظرة الحب تطل من عيناه ، فهو لن يكره ابنته أبدًا نعم لن تكون هذه النظرة موجهه إلي وستكون لابنته ، ولكنه سيظل يقولها بنفس طريقته التي اعتدت عليها كم اشعر بالفرح لفرحته بها ، فهو يشعرني بأنها أول أطفالنا يحبها بشدة ويدللها ، أشعر بأن عمر ضائق من هذا الدلال المفرط للكائنة الجديدة الذي لا يفهم لماذا نعتني بها هكذا ، الخوف يمتلكني أن يصير قاسيًا عليها ، فهو كان الطفل الوحيد لمدة تسع سنوات الطفل المدلل لوقت طويل ولا يستسيغ أن يأتي أحدًا آخرًا يشاركه هذا الدلال وما يزيد ضيقي صفية وما تفعله معه ، فهي تشعره بأن نور لا أهمية لها بجانبه وأنه الولد الوحيد ، أو ولي العهد الذي ستؤول إليه كل هذه الأملاك فلا يهتم بهذه الصغيرة هي أيضًا استاءت من كون الطفل فتاه وانقلب وجهها فالفتاه بعقيدتها لا أهمية لها ، فهي لن تكون سندًا لأبيها كعمر ،ولكن ما أشعر به حقا أنها تكرهها لأنها تشبهني ولأن محمد طاوعني على أن يسميها نور ، كانت تعتقد أن محمد سيسميها على اسمها أو اسم والدتهما ولكن محمد خلف كل توقعتنا أنا أيضًا كنت أظن ذلك وأنه لن يمتثل لرغبتي في تسميتها بنور ، كم أنا فرحة بتغيره هذا فهو أصبح أكثر تفهمًا ولكن قسوته وبروده يتحكمان به كثيرًا ولكني ألتمس له العذر فمن شب على شيء شاب عليه .
اليوم أشعر بالغضب يتملكني فلقد تناهى إلى مسامعي صفية وهي تصيح بنور لأجل أن تترك عمر يستذكر دروسه نظرت إلى ما يحدث لأجد نور واقفة بين لعبها المنتشرة على أرضية الغرفة وعمر جالس على مكتبه يستذكر فهو بآخر سنة له في المرحلة الإبتدائية نظر عمر بقهر لأخته التي تشده من يده ليلعب معها وهي لا تفهم ماذا يحدث من حولها فهي تكاد تبلغ العامين نفض يده بقوة من يدها لتقع أرضًا لينظر لها بعدم اهتمام ويجلس بمكانه انتفضت غضبًا لأذهب إليهم حملت نور بين ذراعي وعنفته بشده حاولت صفيه أن تدافع عنه لأصيح بها هي الأخرى ، فهي السبب الرئيسي لمعاملته السيئة لأخته تركتنا صفيه وهي غاضبه لأنظر إليه بتأنيب ليخفض بصره احتضنته بين ذراعي وجلست وأجلسته بحضني وقلت له بهدوء : انظر عمر إلى شقيقتك .
نظر لها لابتسم: انظر كم هي جميلة .
ابتسم لتضحك له نور مقهقهه : انظر ، هي تحبك .
هز رأسه موافقًا : وأنا الآخر أمي أحبها ولكني أريد أن أستذكر دروسي.
__ كيف تحبها وتعاملها بهذه القسوة عمر ؟
نظر لي ولم يجبني لأقول بغضب : لا تصبح كوالدك عمر ، لا تصير قاسيًا على شقيقتك ، أريدك أن تكون حنونًا متفهمًا وعطوفًا .
هز رأسه بإيجاب : حاضر أمي .
ربت على رأسه بهدوء : هيا اذهب لتنام واستذكر بقية دروسك غدًا .
انتظرت محمد وأخبرته بما حدث وتكلمت معه بنبرة شديدة أن يتكلم مع أخته فأنا لا أريد أن يتربى أولادي على كراهية بعضهما شعرت بغضبه هذه المرة منها ولأول مرة تركني وذهب إليها وهو مقتنع أن هذا لا يجب أن يستمر .
أشعر بسعادة تغمرني فصفية اليوم تتزوج وتنتقل إلى بيتًا آخر لا أنكر أني تفاجأت من موافقتها على هذا العريس دونًا عن غيره، أنه رجل بسيط من الطبقة المتوسطة يعمل مدرسًا بمدرسة عمر ، لا أعلم لماذا أشعر أنها على دراية جيده به فهي وافقت فورًا حين أبلغها محمد عن اسمه ، محمد نفسه أسر لي بأنه غير مقتنع بهذه الزيجة الغير متكافئة اجتماعيًا ولكن والده موافق وهي أيضًا وهو لن يسرق فرحة أخته بدون أسباب كافية ، وإذا كانت هي مقتنعة به سيوافق إرضاءً لها .
أشعر بالاشمئزاز اليوم عندما رأيته فها هو عاد ليأخذ عزاء والده، ولكن أشعر بأنه ناويًا على الشر لمحمد فعيناه تنطق بحقد دفين ، محمد أيضًا أعصابه على المحك فموت والده أثر به بشده وأنا أشعر أنه يتأهب لمعركه ستدور بينه وبين حافظ لا أعلم إلى أين ستنتهي بنا هذه المعركة الباردة التي تدور بينهما ما يقلقني أيضًا خرافات حافظ عن كون نور ابنته خائفة أن يخبر محمد بهذه الخرافات ويهد المعبد على رؤوسنا ، فهو مجنون لن يردعه شيء عما يريده أنا متأكدة أنها ليست ابنته ، ولكنها ورثت لون شعره الغريب وطابع الحسن الذي لا أعلم من أين أتت به ،إذا أستمع محمد لهذه الأدلة لن يفكر بسؤالي ولا الاستماع إلي ، بل سيصدق أخاه فورًا .
لا أعلم ماذا أفعل مع هذا الحقير فهو لا ينفك أن يضايقني اليوم أخبرني بكل جبروت انه سيحصل علي وقتما يريد وأني لن أستطيع منعه أو رفضه أشعر بالاختناق حينما أراه ولكن كل ما أريده الآن أن ابتعد عن هذا القصر الذي حمل سنين عذابي أخبرني محمد أنه عندما يأتي من السفر سننتقل فورًا إلى القاهرة كنت أريد أن اذهب إلى والدي بم أنه مسافر ولكن عمر لدية امتحان غدًا ، لينتهي منه ونسافر على الفور .
عاد عمر من الامتحان وهو سعيد جدًا وأخبرني أنه سيذهب إلى صديقه حسن ويمضي معه الليلة ، كنت أريد أن أرفض ولكني لم أشأ أن أسرق فرحته بانتهاء الاختبارات ووافقت أن يذهب معه سأعد الفراش لننام أنا ونور معًا نظرت إليها وهي تلعب بعروستها الجميلة وقلت لها : هيا لننام يا صغيرتي .
قلب الصفحة ليقرأ الباقي ليجد الصفحات الباقية فارغة نفض الدفتر مرة أخرى يمكن أن تكون أمه فوتت عدة صفحات ولكنه لم يجد أي حرف آخر رمى الدفتر على المكتب واعتدل جالسًا فهو يتذكر هذه الليلة جيدًا، نعم كان يريد أن يبيت عند صديقه ولكنه أراد أن يعود للقصر فوجود أمه وأخته بمفردهما أقلقه وصل إلى القصر الساعة الثانية صباحًا بعد أن أوصله شقيق حسن الكبير ، عندما وجدوه مصرًا على العودة إلى منزله يتذكر هذه الليلة جيدًا ويتذكر الموعد أيضًا فهو نظر إلى ساعته عندما دخل من باب القصر تعجب أن عمه الكريه لم يكن بالصالة كعادته فهو يسهر ليلًا يحتسي الخمر الذي لم يكن متواجد بالقصر قبل عودته فهو لم يرى والده أبدًا يشرب هذا النوع من المشروبات وبإحدى المرات دعاه عمه ليشرب معه كأس فنهره أباه بشده وتشاجر مع عمه مشاجرة مخيفة كان لأول مرة يرى أباه غاضبًا هكذا، لا يطيق هذا العم ولا يعلم السبب ولكن وجوده ثقيل الظل على قلبه ،صعد السلالم وذهب إلى غرفته وقبل أن يدلف للداخل أراد أن يطمئن على شقيقته ذهب إلى غرفتها وطل من الباب فلم يجدها عقد حاجبيه تعجبًا ولكنه ابتسم فهي من عادتها الاستيقاظ والذهاب إلى غرفة والديهما لتنام هناك ابتسم وذهب إليهم ليشاركهم الفراش بم أن أباه غير متواجد دلف للداخل بهدوء حتى لا يوقظ أحدًا منهما ليقشعر بدنه مما يراه عاد بظهره إلى الخارج وهو يشعر بأنه سيفرغ ما بمعدته ليسرع إلى غرفته ويدخل لدورة المياه ويتقيأ بكي بشدة لم يتخيل أن أمه تخون أباه ومع هذا الحقير لا يستطيع أن يحتمل هذا الألم ، لا يستطيع ماذا فعل أباه لتفعل به ما فعلته ، لا تستحق أن تحيي معه ولا دقيقة واحدة .
انتفض على دموعه وهي تبلل رقبته وشفتيه وهو يتذكر هذه الليلة السوداء ويتذكر كيف غفت عينيه وهو يجلس على الأرض يضم ركبتيه إلى صدره ليستيقظ صباحًا على صوت صراخ حاد ناتج من غرفة والدته لم يهتم بما يحدث لها وتمنى من قلبه أن تموت ، ولكنه تذكر شقيقته أين كانت البارحة ذهب سريعًا ليبحث عنها لم يجدها بغرفتها ولا بالحديقة في هذا الوقت تنبه إلى سيارة الاسعاف التي تنقل والدته للمشفى ضحك ساخرًا وهو يرى أنها تستحق عقاب أكثر من ذلك على ما فعلته بأبيه وجد نور أخيرًا بغرفة الملابس الخاصة بغرفة والديهما مختبئة تحت رف الملابس السفلي ونائمة تعجب من مكان تواجدها ولكنه أيقظها بهدوء وشدها إلى الخارج ، استيقظت مفزوعة من النوم وبكت وهي تشير بيديها وتحاول أن تخبره عن لص حاول سرقتها ابتسم وهو يهدئها فخيالها خصب جدًا جلس ودعك وجهه بيديه وهو يحاول أن يتخلص من الألم الذي أصاب رأسه من هذه الذكرى البشعة ، يشعر بشيء مفقود ، المذكرات أخبرته أن والدته لم تحب عمه أبدًا بل كانت تعشق أباه، وتؤكد أيضًا ما قالته عمته بأن والده لم يكن يخبر أمه بمدى حبه لها وإذا كان عمه أفقد أمه وعيها لينالها المرة الأولى ما رآه هذه الليلة لا يدل على أنه أجبرها إذن ما الذي دفعها إلى الانتحار هل كان الندم على ما فعلته ولكن آخر صفحة بمذكراتها تؤكد أنها لا تحب عمه أيضًا وأنها لا تريده ماذا حدث ؟ شعر بالصداع يتزايد داخل رأسه والدموع تتجمع بعيونه ، إذن عمه كذب عليه وعلى جده وعلى عمته لم تكن نور ابنته ولم يكن على علاقة بأمه ، أمه التي ظلمها حية وميته كان يكرهها عندما تقفز إلى ذكرياته لا يستطيع تحمل فكرة أن هذا الحقير اعتدى على أمه وهي غائبة عن الوعي تمتم من بين أسنانه : سأقتلك حافظ سأقتلك .
***
عاد حافظ ليقلب الدنيا رأسًا على عقب توترت نور من وجوده وهو تعرض لها أكثر من مرة وردد أن نور ابنته وزعزع ثقتها بنفسها ، زادت الخلافات بينها وبين محمد الذي لم يسلم من شر حافظ كان في ذاك الوقت محمد أنشأ شركة صغيرة مع أباك للمقاولات من ماله الخاص بعيدًا عن ورثه من أبية طرده حافظ من الشركة والمصنع ومع تصميم نور على الانتقال إلى القاهرة ، أخبره أباك أن يأتي ويصبح مسئولًا عن الشركة وفعلًا بدأ محمد الاعتناء بالشركة لينضم إليهم أحمد سليم وتتوسع الشركة وطبعًا أباك عهد بالشئون القانونية للسيد عبد العزيز ، بدأت الشركة في الازدهار والأمور تستقر وبدأ محمد في الترتيب لينتقلا هنا ولكن جاءت صفقة مهمة للشركة ليسافر محمد ووالدك للخارج ليتمما الصفقة لاستيقظ في الصباح التالي لسفرهم على الهاتف ووالدة نور تخبرني أنها بالمشفى سافرت معهم إلى الاسكندرية لأجد صفية أمامي وهي تخبرني أنها لا تعلم ما بها فهي أتت في الصباح لتطمئن على أولاد أخيها لتجد نور في حالة انهيار حادة وأنها حاولت الانتحار ، أخبرنا الطبيب أنها صدمة عصبية حادة فقدت على إثرها الوعي و ذهبت بها إلى الغيبوبة ظلت بالغيبوبة لمدة عشرون يومًا ،محمد خلال هذه الفترة رتب أمورهم لتخرج من المشفى إلى منزل اللواء إسماعيل ولكنها لم تعد كما نعرفها ، كانت تتعرض لنوبات اكتئاب حادة لا نعلم سببها ، محمد كان يموت حزنًا عليها كل يوم وبإحدى الأيام وجدتها تتصل بي وتخبرني أنها تريدني ،طبعًا ذهبت إليها على الفور فهي كانت ترفض مقابلة أي أحد حتى محمد كانت الممرضة ترافقها باستمرار لتمنعها من الانتحار كنا جميعا نرها وهي نائمة احتضنتها من كثرة شوقي إليها لتدمع عيناي : اشتقت إليكِ نور .
ابتسمت بتوتر : وأنا أيضًا .
نظرت لها وسألتها : ماذا حدث نور ؟ أخبريني فأنا كدت أفقد عقلي .
نظرت إلي وانهمرت دموعها لتصيح بأن حافظ اغتصبها بالقوة دون أن يراعي أي شيء .
انتفض ياسين من الجملة ليحمر وجهه بشدة وينتفض واقفًا لتمسكه والدته من يده وتشده : اهدأ ياسين .
خلص يده من يد أمه ليذهب إلى النافذة وينظر منها قال بجمود : أكملي أمي ، أريد أن أعلم كل شيء .
__ احتضنتها بين ذراعي لأجد محمد أمامي وجهه منتفخ من الغضب والصدمة تقفز من ملامحة شدها من بين يدي ليوقفها أمامه وسألها بغضب هل ما سمعته صحيح ؟ انهمرت الدموع من عيونها لتتسع عيناه والشرر يتطاير منهما ليخرج سريعًا من الغرفة ركضت وراءه وركبت بجواره وهي ترجوه أن لا يذهب إليه كانت هذه آخر مرة أراهما بها فعلى المساء جاءنا خبر وفاتهما تذكر عندما أخبرته نور عن آخر ليلة لوالدها معها بعد وفاة محمد سحب اللواء إسماعيل نصيبه من الشركة على الرغم أن أباك اخبره ألا يفعل ويترك نصيب محمد ليجد عمر شيء يستند عليه عندما يكبر ولكن اللواء إسماعيل أصر على موقفه وأخبره أنه يريد أن يجنب عمر عالم الأعمال وأنه لا يريد لعمر أن يحتك بعمه .
التفت إليها : ولكني لم ألتقي بمحمد المصري إطلاقًا كنت لا تهتم بأصدقاء والدك ياسين وكنت تعرف والد معتز لأن معتز صديقك ، وأيضًا السيد عبد العزيز بسبب حنان ولكن محمد كان منغلقًا، وانغلق زيادة بعد حالة نور المتدهورة ، وعندما توفى بنى اللواء إسماعيل حول حفيديه جدارًا عازلًا بعيدًا عن كل ما كان له صلة بنور ومحمد فمنعهم عن عمهم وعمتهم ، وأبلغني بذوق أن لا آتي للاطمئنان عليهم ويكفي الاطمئنان عن طريق الهاتف .
عقد حاجبيه : لماذا ؟ هذا الرجل تصرفاته عجيبة .
__ علمت من والدة نور فيما بعد ، فأنا كنت أزورها باستمرار وكنت أختار أوقات لا يتواجد أحد بالمنزل غيرها أخبرتني أن حافظ أتى وكان يريد أن يأخذ نور ، تعجبت حينها وسألتها وعمر ؟!
تنهدت وبكت بقوة : يقول أن نور ابنته ، إسماعيل كاد أن يقتله ، ولكن عمر وقف بينهما لا أعلم ما الذي يريده من أحفادي ، وأشعر أني سأفقد إسماعيل قريبًا بسببه أخبرتها حينها أن حافظ كاذب وأنه يفتري على نور ولكني لم أشأ أن أصدمها بما فعله حافظ مع نور شعرت أني لو أخبرتها ، ستموت كمدًا على ابنتها توفت بعدها بوقت ليس بقليل ، ولحقها اللواء إسماعيل بعدها بقليل ليتركا نور في حماية عمر ، ولكن والدك وقف حائلًا بين حافظ وبينهم وأوصى الأستاذ مصطفى أن يعتني بهما هو و زوجته ، فعمر حينها كان بآخر سنواته بكلية الهندسة وعند نجاحه بعث له والدك بباقي أرباح الأسهم أصر ألا يعطيها للواء إسماعيل ، وأخبره أن يؤسس شركة خاصة به ، ويعتمد على نفسه .
__ هل قابل عمر أبي ؟
__ نعم مرة واحدة ، أتى إلى هنا مع الأستاذ مصطفى والد علي ، وأخبرني محمود حينها أن لا أقلق على نور فهي ستكون بأمان معه وبعدها انقطعت أخبارهم عنا وأنا انشغلت بوالدك ومشاكل الشركة وأنت عدت إلى مصر لأنشغل أكثر عنهم ثم توفى والدك رحمة الله عليه .
صمتت لينظر إليها مطولًا : هل العداء الذي نشأ بين أبي وحافظ كان سببه أنتِ أمي ؟
نظرت إليه بتعجب لتبتسم : أنا كنت أحد الأسباب فحافظ لم ينسى أني رفضت الزواج منه قبيل سفره ولكن ما أزاد العداء بينهم هو وقوف أباك في وجهه وحمايته لنور وعمر ، وخاصةً عمر أتمنى أن أكون وضحت لك كم أنت مخطئ بحكمك على والدة زوجتك ياسين ، وأتمنى أن لا تكون آذيت زوجتك بسبب هذا الحقير .
تنهد وهو يغمض عينيه ، لقد دمرتها أمي ما فعلته معها أرعبها ومن المؤكد أنها ستتركني لن تنتظر معي دقيقة واحدة أنه عقاب قاسي أن تتركني وتذهب ولكني أستحق هذا العقاب .
ماذا سأفعل معك نور ؟ ماذا سأفعل ؟ هل اؤذيك أكثر وأجبرك على العيش معي ، أو أتركك تفعلين ما تريدينه .
انتبه على صوت أمه وهي تخرج من المكتب : انظر ياسين وجدت هذا مرمي أمام الباب
نظر إلى ما تشير إليه أمه ليجد بيدها مغلف أبيض لماذا يشعر بأن قلبه يترجف بين ضلوعه وأن هذا المغلف الرقيق له علاقة به ابتلع ريقه وتقدم إلى أمه وأخذه من يدها فتحه بهدوء ليجد رسالة بداخله من النظرة الأولى علم أنه من نور قرأ الكلمات القليلة التي به ، وأغمض عينيه بألم نظرت إليه أمه بقلق : ماذا هناك ياسين ؟
__ لقد تركتني أمي ، تركتني ذهبت إلى أخيها وترجوني أن لا أذهب إليها ، فهي لن تخبر عمر عن خلافتنا حتى لا يزيد عليه التعب تريد أن تأخذ قسطًا من الراحة بعيدًا عني لتستطيع الوصول لقرار هل ستعود إلي أم سننفصل بهدوء .
لمعت الدموع بعينيه ليتنفس بقوة وينفض رأسه
نظر إلى والدته ليكمل : بعد إذنك امي ، سأذهب لأنام فغدًا يومًا شاق بالنسبة الي ، ولابد أن آخذ قسطًا من الراحة تركها وذهب لتتنهد ألمًا على ابنها البكر الذي طالما نجح وبجدارة أن يسيطر على مشاعره ولا يظهر منها شيء تعلم أنه يتألم بشدة وأنه لن يستطيع العيش بدون زوجته .
مد يده لترتعش بعنف قبض كفه بقوة وأمسك مقبض الباب كأنه يفرغ ضيقه به فتح الباب لتهب عليه رائحتها الرقيقة استنشق الهواء بقوة وخطى الي الداخل وهو يتمنى أن تكون موجوده كما تركها وأن هذه الرسالة لم تتواجد ولم يقرأها لف عينيه بغرفة النوم ليجدها مرتبه وخالية منها تركت كل شيء ورحلت ، ملابسها وعطورها وكل شيء تركت كل شيء ورحلت ، هل هذا معناه أنها ستأتي ثانيةً أم معناه أنها تتخلى عن كل شيء يربطها به فتح دولاب الملابس ووقف ينظر إلى ملابسها ويشعر أنه يراها أمامه مد يده وسحب روب حريري كانت ترتديه لأخر ليلة لهما هنا ، ليلة عيد مولده ، الليلة التي لن ينساها أبدًا احتضنه بقوة واستنشق رائحتها منه ، جلس أرضًا وأسند ظهره إلى الدولاب زفر نفسه بقوة : كيف سأقضي الأيام القادمة من غيرك نور .
***
رن الجرس لتنظر إلى الساعة الكبيرة الواقعة بغرفة الجلوس لتجدها تعدت الحادية عشر مساءً تعجبت من سياتي لهم الآن ، بل من سيأتي لهم أصلًا فلا احد يزورهم إطلاقًا ، هل عاد حافظ ؟
نهضت لتجد أحد الخدم يفتح الباب ذهبت لترى من القادم لتشهق بفزع : هل حدث شيء لعمر ؟
نظرت إلى عمتها بعينيها الباكية وهزت رأسها نافية لترتمي بحضن عمتها وبكائها يزداد ضمتها عمتها إلى صدرها : ماذا حدث حبيبتي ؟
قالت من بين دموعها : أين عمي أريد أن أتحدث معه ؟
رتبت على ظهرها وهي تقودها للداخل : اهدئي نور ، اهدئي ولنتكلم بعد قليل .
جلست وأجلستها بجوارها على الأريكة وضمتها لصدرها أكثر وهي ترتب على ظهرها وتسمي عليها بالرحمن إلى أن هدئت وتوقفت عن البكاء رفعت رأسها من حضن عمتها : آسفة عمتي جئت فجأة وأفزعتك ببكائي .  نظرت إليها بعتب : ماذا تقولين نور ؟ أنه بيتك حبيبتي وتأتي هنا وقت ما تشائين .
__ هلا تسمحين لي بالمبيت هنا ؟
نظرت إليها بتعجب : طبعًا ، على الأقل تؤنسيني في غياب عمك .
__ أين هو ، كنت آمل أن أراه وأتحدث معه . توترت صفية : لماذا نور هل حدث شيء لعمر ؟
__ لا عمتي ، أنا أريد أن أستفهم عن شيء يخص عمي .
نظرت إليها متفحصة : هل حدثت مشكلة بينك وبين زوجك؟ وتريدين من عمك أن يتدخل .
نظرت إلى عمتها بعينين دامعتين وقررت أن تقص لها ما سمعته فهي بحالة نفسية سيئة وعلى وشك الانهيار .
نظرت إليها وقالت بجدية : لا أستبعد أن يكون عمك فعلا وراء وفاة محمود بك .
__ هل تعرفينه عمتي ؟
__ نعم ، كان شريك محمد لبعضًا من الوقت قبل أن يتوفى والدك .
نظرت إليها بعينين حالمتين : كلميني عنه عمتي أخبريني بكل شيء .
ابتسمت عمتها وهي تنظر إلى لمعة عيناها التي تشعرها بأنها رأتها من قبل بعيني محمد كثيرًا عندما يكون متحمسًا لشيءٍ ما : سآتي لكٍ بملابس لتبدلي ملابسك .
__ حقيبتي بالسيارة .
__ إذن سآمر أحد الخدم ليأتي بها من الخارج وأنتِ اذهبي لتأخذي حمامًا يهدئ أعصابك ، تعالي .
رافقت عمتي إلى إحدى الغرف من الواضح أنها مؤثثة حديثًا
نظرت لها : أريد أن أجلس بغرفة أبي .
ابتسمت لأرشدها إلى غرفة والديها وتركتها هناك .
دلفت إلى الغرفة لأشعر بموجة من الصقيع تجتاحني اقشعر بدني من البرودة التي زحفت لأنحاء جسدي أشعر بخنقة تسيطر على أنفاسي والغصة تقف بحلقي ولا أعلم لماذا الدموع تجمعت بعيوني، تهيأ لي أني سمعت أحدًا يصرخ من حولي صرخات مستنجدة ، التفت حولي لأتأكد من الصراخ الذي يتردد بأذني لأجد أني وحيدة ولا أحد غير بالغرفة توجهت لدورة المياه لأخذ حماما يهدئ أعصابي قليلًا وقفت تحت المياه لأسكب دموعي فلا أستطيع التفرقة بينها وبين المياه التي تتناثر على جسدي ، أبكي بشدة وأنا أخبر نفسي أن البكاء سيريحني ، سينسيني ، سيجعلني أقوى من ذي قبل ، ومن بين دموعي تذكرت كم كان حنونًا كم كان رقيقًا ، ليتبدل الحال ويصبح قاسيًا ومرعبًا ، اجتاحتني الرجفة من أثر عنفه معي لأضم جسدي بقوة وأنا أشهق أكثر ودموعي تنهمر بغزارة لأتذكره وهو يقول :ابتعدي عني فأنا لا أستطيع الابتعاد عنك أتمنى أن تكون مرتاحًا ياسين ، أتمنى أن أكون حققت لك ما تمنيته خرجت بعد وقت ليس بقليل وأنا أمسح دموعي الذي ظلت تتساقط على وجهي لا أستطيع التوقف عن البكاء نظرت إلى المرآه لأرى عيناي منتفختان من أثر البكاء ووجهي شاحب ، وجدت حقيبتي موضوعة على الفراش فذهبت وأخرجت ملابسي وبدأت بارتدائها توقفت عند العلامة الزرقاء بذراعي ، آثار أصابعه واضحة وكأنها تخبرني بوجوده في حياتي حتى وأنا بعيدة عنه كل هذه المسافة
__ لن أسامحك ياسين ، لن أسامحك .
دق الباب ليفتح : هل انتهيتِ نور ؟ أتيت لكِ بالعشاء .
__ تفضلي عمتي ، اجلسي لتكلميني عن أبي .
رتبت على خدي بحنان : هيا تناولي الطعام واخلدي للنوم وغدًا نتحدث ، ولكن الآن نامي واستريحي .
***

أحلامي المزعجة Where stories live. Discover now