الفصل الاخير

Start from the beginning
                                    

.................................................. ............................

كانت سولاف تهرول في الشارع الترابي المظلم كالهاربة دون ان تلتفت خلفها وكأن أحدا يلاحقها واوهام وظنون مسيطرة على عقلها حتى انها لم تدرك ما جرى لها الى ان بدأت خطواتها تتباطأ بسبب تشنج حاد أصاب ظهرها وأسفل بطنها مما جعلها تحيط جسدها بذراعيها وتنزل الى الأرض لتجد الدماء قد اغرقتها!
هزت رأسها بذعر وركعت وغمرت اصابعها بالتراب وهتفت: "يا الله .... يا رب"
.................................................. ................................

لفت بيلسان حول نفسها في الشقة وبدت تتضح امامها الرؤية وكأنها كانت عمياء! بدأت ترى الأمور على حقيقتها كما لم ترها من قبل كأنه رفع الحجاب عنها وزالت الغشاوة عن عينيها لتقبل على عالم غريب! .... تطلعت باركان وزوايا الشقة التي انتزعت منها الرحمة فجأة وخليت من الدفأ ومن صوت الدعاء الذي كان يطمئن قلبها رغم معاصيه.... البيت أصبح خاليا عليها وبارد كالجليد على مشاعرها التي كانت معطلة لسنوات وعاجزة عن الشعور بما يحيطها من نعمة المحبة الخالصة النابعة من ذلك القلب المليء بالحنان والعيون الساهرة على حراستها واللسان الذي يلهج بالدعاء لها بظهر الغيب .... تبين لها انها كانت تعيش نفسها بكذبة ووهم العذاب والحرمان والتخبط في متاهات الانتقام دون ان تعلم ان العذاب والحرمان الحقيقي هو ما حل بها اليوم .... ان غياب أمها عن عالمها هو الضياع واليتم والحرمان بعينه .... غادرها عالم بأكمله لم تكن تشعر بأهميته لم تستمتع يوما برفقته وحمايته عالم من الاطمئنان والسلام والوفاء والتسامح.... عالم من الحب والصدق والهناء .... الوحدة! .... اليوم عرفت إحساس الوحدة القارص .... اليوم شعرت نفسها كصغير الطير الذي غادر عش ابويه الى الحياة مرغما لا مخيرا ليخوض فيها ويتجرع من خشونتها واجنحته ما زالت حمراء.
تهاوت على الاريكة وهمست بدموع: "اريد يوم واحد .... واحد فقط من عالمك يا امي لأخبرك انك كنت اماني وملجأي هل لي ذلك؟ .... يوم واحد فقط لأفصح لك عن ندمي واسفي لعدم تقديري لوجودك بحياتي فقد كنت اجري وراء سراب لذة الانتقام وفاتني العمر وفاتتني الأشياء الجميلة وفاتني الوقت"
.................................................. ..........................
كأن جاسر وقف بمفترق طرق عندما رفع هاتفه الى اذنه وسمع امه تقول بلهفة وقلق واستنجاد: "جاسر اين انت؟ هتان في المستشفى وبحالة خطرة وقد لا تلحقها .... تعال يا جاسر ان زوجتك ليست بخير"
انزل الهاتف ببطء وهز برأسه وتعبير الحزن العميق اكتسى ملامحه وبسرعة التفت نحو الغرفة حيث استغاثة ديم وانفعالها ورجائها وعبراتها: "بركات مات يا جاسر اخي مات بيدي قتلته .... جاسر لا تتركني .... جاسر عود الي انا خائفة .... خائفة"

شعر ان شلل أصاب قدميه ولا يعرف وجهته كالذي بين نارين حتى وجد نفسه يسرع الى الشارع بلا تفكير ولما وصل الى سيارته وفتح الباب سرعان ما اغلقه بعنف وعاد الى الداخل راكضا!

رواية الحلم الرمادى لكاتبة هند صابرWhere stories live. Discover now