الفصل الثانى والثلاثون

ابدأ من البداية
                                    

.................................................. ..................
اقفل زكي الخط والتفت الى منى التي كانت واقفة ويدها على وركها وقال بتفحص: "لم يتغيب عبطا .... زوجته في المستشفى .... اعرفه لم يترك واجب العمل الا لأمر جلي خارج عن ارادته لكن لا عذر له على تجاوزه عليك واستهتاره .... سأقتص لك لا تقلقي"
منى وهي تسير خطوات امامه وبغيظ: "يجب ان تهينه امام الاخرين حتى يكون عبرة لغيره كي لا يفكر أحدهم بالتطلع الى فوق .... فوق جدا .... كأن جاسر أراد ان يصعد على حساب ابنتك .... ظن انه بتقربه مني سيضحك علي ويجعلني أوافق على الزواج الذي يطاردني به .... صحيح انه رجل ناجح بالعمل وامين ومخلص ويمكن ان يرفع من مستوى وكفاءة المعمل لو تسلم إدارة بعض الأمور لكن لا .... انا أتطلع لواحد مثله؟ جاسر هذا اقل شأنا مني وانزل مستوى"

رفع زكي حاجبه الغليظ وتطلع بها بنظرة لها مغزى وكأنه أدرك الحكاية وما فيها وقال ببراءة: "وماذا يعني لو وافقت على الزواج؟ جاسر رجل لا غبار عليه فأنا اعرفه منذ سنوات وبحياتي لم أفكر ان استغني عنه انه مستشاري في العمل وذراعي الأيمن .... كما ان ظروفه العائلية تسنح ان يتزوج أخرى خاصة وان زوجته عاقر وانت مطلقة فكلا له عيبه"
وبقي يراقب ردة فعلها عندما ابتلعت ريقها وقالت متظاهرة: "ان .... ان كنت ترى ذلك فربما .... أفكر بالأمر"
ابتسم زكي واومأ برأسه ببطء دون ان تراه وقال مع نفسه: "فهمت قصتك المزعومة"
.................................................. ..........................
ديم وباصرار: "لا لن ادعك تذهب الى أي مكان ابق معي انا احتاجك وبكل ثانية احتاجك"
جاسر وبتردد: "مجرد ان استحم واغير ملابسي واعود لن اتأخر عليك"
هي وبتعمد: "لا .... أبقى جاسر"
.................................................. ..........................
اعتدلت هتان بقلق عند طرق الباب وعضت على شفتها وهي تتطلع بالساعة التي بلغت التاسعة مساءا وفكرت من تراه القادم بهكذا وقت؟
نهضت بصعوبة وهي تمسك بطنها وانتابها الدوار والغثيان حتى ان الرؤية تشوشت امامها وبالكاد وصلت الى الباب وقالت بضعف: "من؟"
اجابها صوت نسائي: "انا جارتك ام عابد .... لا تخافي"
فتحت الباب ورحبت بالجارة التي كانت تحمل صينية مغطاة وبابتسامة باهتة تطلعت الى واصف الواقف جانبا والذي بدوره تطلع بها وقال بأدب وتهذيب: "الحمد لله على سلامتك"
ام عابد وبلطف: "عرفت من أستاذ واصف انك مريضة ووحيدة وزوجك في العمل و ارتأينا ان نقدم لك العون ونقف الى جانبك بمحنتك وهذا اقل واجب"
واصف وهو يتجنب النظر اليها: "اعتبرينا اهلك ولا تترددي ثانية من طلب أي حاجة بخاطرك"
واستاء جدا لما شاهدها بنفس الثوب الأزرق الذي اضطر ان يشتريه لها في المستشفى بعد ان اتسخ قميصها الخفيف الذي كانت ترتديه وقتها!
هتان وبتعب واضح وامتنان: "شكرا جزيلا .... تفضلي .... تفضلي "
ودخلت ام عابد وهي امرأة متوسطة العمر وشعبية الهندام وتضع على رأسها ايشارب وتبدو طيبة جدا وخدومة
ثم تطلعت هتان الى واصف بحرج وقالت: "تفضل"
هو وبسرعة: "اردت فقط الاطمئنان .... عن اذنك"
واستدار وقبل ان تدخل التفت وقال: "لا تنسي ان تخبري ام عابد بكل احتياجاتك ولا تخافي من شيء فكلنا بالقرب"
بقيت هتان واقفة ومحدقة بخطواته وهو يبتعد ولا تعرف لماذا تذكرت والدها بليغ بهذه اللحظات .... واصف ذكرها بوالدها.
أغلقت الباب وتنهدت بارتياح الحمد لله على نعمة الجار الطيب بالفعل ردوا لها الأمان والاطمئنان بزيارتهم
لطمت ام عابد صدرها وهي تتطلع بالبيت وقالت بتعجب: "ما هذا يا بنتي؟ الطقس بارد للغاية وذلك ضار بصحتك .... كما ان .... ان"
وكأنها ارادت ان تقول شيء كأن تنتقد المكان وظروفه الخشنة لكن سرعان ما ندمت وغيرت الموضوع كي لا تحرجها وتعتبر جارة فظة: "سأرتب لك المكان واسخن لك حساء الدجاج انه لذيذ ومفيد"
عندما دخلت ام عابد الى المطبخ هزت يدها وهي تتجول ببصرها بالمكان الخانق البارد وعندما فتحت الثلاجة لطمت خدها وهمست: "يا مسكينة!"
.................................................. ..........................
تطلع جاسر الى ديم المستغرقة بالنوم وتطلع بساعة يده وسرعان ما انسحب من الغرفة كاللص الهارب!

رواية الحلم الرمادى لكاتبة هند صابرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن