الفصل الثامن عشر

Start from the beginning
                                    

لم تمض الا دقائق وكانت في غرفتها تدعك براحتيها بقلق وتتطلع في الساعة وتعد الدقائق وما ان انقضت ربع ساعة من الانتظار حتى وجدته يفتح الباب ويدخل عليها!
قالت بعيون حمراء: "الى متى تبقى بموقف المتفرج والنار تحيط بي من كل جانب حتى بدأت تلتهمني"
اقترب وقال بانفعال: "فاجأتني الليلة بمظهرك وطريقة لبسك وكأنك مستعدة لخبر صادم مثل هذا؟ .... قصدك استفزازي؟ اثارة غيرتي؟ انت تلعبين بالنار وانظري اين أوصلت نفسك سقطت في تهلكة"

هي وبضيق واستنكار: "جئت لتحاسبني؟ هذا كل ما استطعت ان تواجهني به هذا كل ما قدرك الله عليه؟ ظننتك جئت لتنجدني من "
قال بغضب مكتوم مقاطعا: "كيف رضيت؟ لماذا صمتت؟ اشك انك كنت متفقة مع ديم على اعلان الخبر بقصد ازعاجي والانتقام مني"

هي وباستخفاف: "وهل انزعجت؟ ضايقك الخبر؟"
أصبحت ملامحه حادة ونظرته عميقة وقال بصعوبة: "بالطبع .... بل ذبحني"
شتتها تعبيره لكنها قالت باتهام: "لا اصدقك .... لم اعد اصدق حرف واحد من كلامك .... انا"
واضطربت أنفاسها واتسعت عينيها عندما وجدته قد جذبها بخشونة وكأنه غرز انامله بذراعيها وغمرت انفها أنفاسه وعطره المؤثر وقبل ان تنطق بكلمة او تقاوم بحركة انتزع من شفتيها قبلة شغوفة وفاجئها جدا بتصرفه الغريب ولم يمهلها ثانية حتى قبلها مرة أخرى بلهفة وقال بنبرة ضعف: "متى ستعرفين انني احبك يا هتان؟ شعرت الليلة انك ستضيعين من يدي .... المرء لا يشعر بالنعمة الا بعد زوالها وانت نعمة لم احتويها حتى كادت تكون لغيري.... مستحيل ان"
وتجمد الدم بعروقها كما تحركت اهدابه بقلق واضح عندما طرق الباب!

تطلع أحدهما بالأخر بصمت ولاحظت حرجه وقلقه
ابتلعت ريقها وتطلعت الى الباب بذعر وكان هو مضطرب جدا وكأنه محاصر ومسح شفتيه بالمنديل فدفعته باتجاه المكتبة قائلة بهمس: "ارجوك"

عندما فتحت الباب كان قلبها يطرق بقوة وما ان التقت عينيها بعينين بركات التي تلمع بالمكر حتى قالت بارتباك: "ماذا تريد؟"
وضع يده على كتفها العاري ودفعها الى الداخل برفق وهو يقول بهدوء: "وهل هذا استقبال مناسب لخطيبك"
تراجعت وخفقت اهدابها قائلة: "لست خطيبي .... لم ابد رأيي بالموضوع بعد"

اغلق الباب وقال متأملا: "اختفيت فور اعلان الخبر وعرضت ديم للحرج! لماذا فعلت ذلك هتان؟ لقد خذلتني وتصرفت بغرابة رغم اتفاقنا المسبق.... تتظاهرين كأنك مصدومة الان؟ اين رقتك معي؟ اين اختفى لطفك تغيرت فجأة!"

احرجت وهو ينزل بصره ببطء الى جسدها وفستانها وصدمها بكلامه المريب لتقول: "أي اتفاق؟ ارجوك الوقت غير مناسب الان اتركني من فضلك انا متعبة جدا"
هو وبجدية: "تطردينني؟ غيرت رأيك فجأة هكذا؟ فاجأتني حقا! ما الذي استجد يا هتان ليشقلب كيانك؟ هتان انت حامل ولابد من الزواج لإصلاح الخطأ الذي ارتكبته .... التفكير والمهلة ليس بصالحنا .... لو كنت اعلم ان علاقتنا ستنتهي بكارثة الحمل لما لمستك الابعد عقد رسمي صدقيني"
اتسعت عينيها على اشدهما وشعرت بأهدابه أصبحت مخادعة وداهمها الغثيان حتى كادت ان تتقيأ لتقول بانفعال وتبرير: "انت مجنون! لم تلمسني والطفل ليس"

تطلع بها ببراءة وقال مقاطعا بنبرة تبدو صادقة: "أقدر انك بمزاج سيء او خائفة من شيء ما لكن صدقيني انا واثق انك ستراجعين نفسك .... كيف لم المسك يا هتان؟ كيف وانا حفظت كل جزء من جسدك وأصبحت مدمن عليك منذ حادثة الحمام وقد اسرتني بتفاصيلك .... انوثتك وقتها اضعفتني ونادم على استمرار العلاقة بشكل غير رسمي وقررت اصلاح الخطأ ما الضير من ذلك؟ ام مشاعرك انصرفت لغيري؟ وهذا ليس بجديد عليك يا هتان فسبق وهجرتني فترة ثم عدت الي ولا اعرف ما السبب .... تظنينني لعبة بيدك مرة ترحبين بي ومرة تهجرين وبعدها تعاودين تطلبين العودة واليوم قررت تتركيني من جديد! احترت معك اشك ان لديك انفصام"
وضعت يديها على اذنيها وقالت بارتجاف: "كذاب .... اخرج .... اخرج من هنا"
رفع كتفيه واعادهما وبدى كالثعلب الماكر وهمم بالخروج لكنه عاد ليقترب منها واخرج منديل من جيب سترته ومسح به على احمر الشفاه الذي يحيط شفتيها ثم ابتعد وهو يهز رأسه ويبتسم وتلك إشارة كافية منه على انه يعلم بوجود جاسر بالغرفة واراد تخريب العلاقة لا أكثر.

عندما اختفى وقع خطواته وظهر لها جاسر كان كل شيء قد تغير به حتى نظرته ولم ينتظر منها ولو كلمة تبرير واحدة بل رمقها بنظرة نفور وانصرف وكأنه نادم على كل شيء!

ارتجفت اوصالها وهي تمرر يديها على ذراعيها وتشعر بالبرد وكأنها ستمرض والضعف دب بجسدها ولم تشأ سوى الاندساس في السرير.

جذبت الغطاء واحاطت به كل جسدها المرتعش وشعرت بخسارتها الفعلية لجاسر الذي صدق ادعاءات بركات وزرع الشك بصدره ناحيتها ولم يعد يحترمها بحياته حتى انه لم يشأ ان يبقى في بيته فقد عرفت في الصباح انه غادر المنزل وعاد الى عمله منذ البارحة! فقد سمعت ديم تتحدث بالهاتف عن مغادرته الحفلة قبل ان تنتهي بحجة انه جاء بوقت محدد من اجل الحفلة ومضطر ان يعاود مقر عمله.

كان يوما عصيبا بالنسبة لها والساعات مرت ثقيلة باردة وهي حزينة ومصابة بنزلة برد شديدة حتى انها كانت تسعل بقوة مما اقلق ذلك ديم التي اتصلت بطبيبها الخاص ليجلب لها طبيب نسائي.

غريب امر ديم التي تبالغ بالقلق بشأن الطفل والاهتمام الشديد بسلامته وكأنه ابنها هي وكأنه يخصها!
لهذه الدرجة بلغت انسانيتها لتحرص على ابن بركات!!
يا لخوفها من القادم .... مما ينتظرها.

وهي مستلقية في غرفتها تعاني الحمى العالية رن هاتفها من رقم مجهول ولما تناولته بضعف وفتحت الخط تساقطت دموعها عندما قال بركات باسترخاء: "تظنين انني لا اعلم بخيانتكما انت وجاسر لأختي المسكينة .... بعد كل ما فعلته معه من تضحيات بعد ان سرق ابتسامتها وشبابها وفرحتها وامومتها ذلك الجاحد يريد ان يوجه لها ضربة قاصمة جديدة؟ .... تظنين انني مغفل ولم اعرف ان الطفل هو ابن جاسر؟ اختي أصبحت عاجزة عن الانجاب وهو يحفل بنعمة الابوة من خلال نزواته القذرة .... اعلم منذ اول يوم جلبك الى بيته نيته وعرفت العلاقة التي جمعتكما لكنني اوهمت ديم انني والد الطفل كي لا اجرحها وبنفس الوقت لانتقم لها من الحقير الخائن جاسر ومنك ايتها اللعوب الوسخة"
اغمضت عينيها بقهر وزفرت أنفاسها بحرقة بعد ان اغلقت الخط ولا تريد ان تسمع المزيد من التهديدات والصدمات.




انتهى الفصل

رواية الحلم الرمادى لكاتبة هند صابرWhere stories live. Discover now