٢٣_ إنتهاك.

Start from the beginning
                                    

_ بتعمل إيه في حياتك؟

هز كتفه بلا تعبير مردفًا

_ بنام.
_ أهم حاجة تكون مرتاح.

ضحك بدون مرح

_ إطلاقًا يا حُبي واللهِ.

عضت شفتها السفلى متنهدة

_ محتاج إيه عشان تكون مرتاح ؟

أغمض عيناه يتنفس بعمق

_ سلام نفسي ممكن ، شوية حظ ميضرش ، حياة أفضل يا سلام ، محتاج كتير يا مِيرال.

أدركت الآن أن حزنه ليس على وفاة والدته ، حزنه على كل الفرص الضائعة و الحظ العاثر ، الليالي التي باتها مُحبطًا ضريبة لطموحه الزائد في دولة لا تعترف سوا بسلطة المال و نفوذه ، كم مرة كان بها على الحافة يكاد يسقط من فوق سطح أحلامه و ينتهي بهِ الأمر مُهشمًا و قد ظن أنها النهاية ، لم تملك سوا معانقة كتفه والهمس بدعم

_ هتلاقي كل إلي إنتَ محتاجه بس بص حواليك و أصبر ، إن اللَّه مع الصابرين يا أدهم.

أسند ذقنه على رأسها مقررًا

_ ونعم باللَّه، قولي لي إنتِ بتعملي إيه ؟
_ ولا حاجة إتقبلت في الوظيفة بس و تطوعت في جمعية خيرية.

وعلى غير توقعها لم تلمح في عينه نظرة محبطة ، لقد كانت تتجنب الحديث عن عملها خوفًا على مشاعره لكن إتضح أن هناك أشياء لا تتغير

_ ما شاء اللَّه كويس جدًا ، واثق إنك هتطلعي أحسن ما عندك.

إبتسمت بإمتنان تاركة جسدها يستند على جسده بـ دعم

_ أنا نسيت ياسر.

همس مازحًا لتضحك في المقابل

_ يعز عليا أقولك قوم واللهِ بس عيب ده ضيف بردو.

إبتسم إبتسامة لم تصل لعينيه وهو يعتدل مشاكسًا إياها بوقاحة

_ إستري نفسك يا عسل بقى عشان بأمانة المنظر إلي شوفته أول ما دخلت الأوضة مش هقدر أمحيه بسهولة.

نظرت لهُ بصدمة متذمرة

_ وأنا إلي مفكراك مُكتئب حتى وإنتَ في أسوء حالاتك النفسية باد يا أخي إتقي اللَّه.

ضحك ضحكة قصيرة خارجًا من الغرفة ، نهضت ترتدي فستان فضفاض لا يلتصق بأرجلها وتبعته للخارج ، جلست على الكرسي المقابل لهُ هو وياسر و فاجأة رن جرس الباب بجنون لينهض كلا من ياسر و أدهم متجهين نحو الباب تتبعهم مِيرال وما إن فتح أدهم الباب حتى إندفعت مِيرال نحو الواقفة أمام الباب بلامح مكدومة

_ سُهيلة مين إلي عمل فيكِ كده ؟!

إرتمت بين أحضانها تُلقي حقيبتها أرضًا ، تبكي آلام جسدها و روحها تبكي الذل و المهان التي أُجبرت عليه
تبكي ضعف شخصيتها و خضوعها في البداية تبكي كل الأبواب التي أُغلقت في وجهها ، شهقاتها ترتفع و جسدها يترجف كل ما بها يصرخ وجعًا لقد تحطم بها شيء لن يندمل ولو بعد حين

_ بسم اللَّه على قلبك يا حبيبتي بس اللَّه على قلبك.

همست مِيرال باكية و قد صمت الجميع أمام هول الموقف ، و سهيلة لم تتوقف عن البكاء رغم محاولة تهدئتها من قِبل مِيرال ألا يجوز لها الإنهيار ولو لمرة ؟

_ طب تعالي ندخل جوا.

سحبتها لتسير بجوارها وهي تغلق الباب برفق ، أجلستها على الأريكة محضرة لها كوب ماء بارد تنظر لأثار الصفعات على وجهها بألم مصحوب بغضب ، نظرتها الكسيرة لم تخفى عليها أيضًا لذلك أصرت على الصمت حتى تهدأ.

_ هنستأذن إحنا يا طنط وتسلم ايدك على الأكل تعبناكِ معانا.

شكرها أدهم بتهذيب مستئذنًا في الرحيل ، وقفت مِيرال تصافحه بتعب هامسة

_ معلش يا أدهم واللَّهِ بس سهيلة منهارة زي مانتَ شايف كده.

إبتسم مطمئنًا

_ عارف يا مِيرال خليكِ جمبها بس وربنا يجعل العواقب سليمة.
_ يارب يا أدهم يارب.

بعد صعوده هو وياسر جلست بجانب سهيلة تضمها بصمت لتنفجر الأخرى باكية

_ تعبانة أوي يا مِيرال تعبانة فوق الوصف.

هدهدتها برفق

_ إرتاحي وكل حاجة هتتحل إن شاء اللَّه.
_ مفيش حاجة هتتحل.

همست بفزع و نشيجها يرتفع ، حاوطت مِيرال كفاها المرتجفتان بدفئ

_ كل حاجة وليها حل صدقيني المهم إنتِ.

بقيت صامتة قبل أن تهمس بصوت ميت

_ حاول يغتصبني.

إتسعت عيناي مِيرال بخوف وهي تستمع لباقي حديثها

_ كنا رايحين نختار العفش و الحيوان حاول يغتصبني في العربية ، بعد ما كنت قررت أرضى بالأمر الواقع زي ما بيقولوا بس هو كتب النهاية بأبشع صورة ممكنة ، هربت منه إشتكيت لأهلي ملقتش غير إهانة وضرب و تحميلي أنا الذنب زي أي بشر معندهومش عقل في وسط المجتمع المقرف ده ، لحد آخر لحظة كنت عذارهم كنت بقول ومن الحب ما قتل لكن أرجعلهم مكسورة بعد ما كنت هتعرض لإنتهاك زي ده وملاقيش غير لوم وعنف فأنا وقتها مش هدي أعذار ، هربت لميت هدومي وجيت على هنا ملقتش حتة تانية أروحها بعدما ما كانوا مصريين يجوزوني لي ، أنا تعبت يا مِيرال ومش عايزة أرجع البيت ده تاني ولا هرجع للإنسان ده تاني ولو إنطبقت السما على الأرض.

عانقتها مِيرال بعيون تغلفها الدموع هامسة

_ محدش هيقدر يعملك أي حاجة يا سُهيلة ، هنطلع على القسم ونعمله محضر عدم تعرض ولو إضطرينا نشتري ناس تشهد ، إنتِ مش قليلة ولا ملك لي وهتاخدي حقك منه تالت ومتلت السافل تربية الشوارع.

بقت سهيلة تضمها حتى إرتخى جفناها و سقط رأسها على حافة الأريكة ، ساعدتها لتعتدل ودثرتها ثم عادت لغرفتها
جلست على الفراش باكية من كل ما يدور حولها ، صديقتها محطمة هشة وبسبب ذكر الآخر و معتقدات فارغة ، كيف لما أن تحتمل كل هذا وحدها دون عون أو أسرة تشد من أزرها ، هزت رأسها بيأس ودموعها مازلت تنهمر ولكنها عزمت على رد الصفعة لهُ على هيئة ركلات ، وقد إلتمعت عيناها ببريق وحشي كانت تظن أنه هجرها.

إلحاد عاطفي.✓Where stories live. Discover now