سأذود مستبسلاً ! CH 21

26 3 9
                                    


غلبها النعاس وغمرها ، استسلمت للكرى ، ما كان عليها أن  تستيقظ مبكراً اليوم ، لقد نعست بسرعة ، وبعد طول إنقطاع رأت حلماً ، حلماً حلواً فيه ذاك الفتى المهق الذي يمسك بيدها والتي كانت تراه منذ كانت طفلة ، فتى مهق طويل ، يخبرها أنها تشبه الدمى ، ذات الحلم وذات الكلمات ووجه الفتى غير واضح تماماً ككل مرة ، ولكن هذه المرة أصبح خيال الفتى فجأة خيال أليكسيس يضمها ومحكماً عليها بذراع ويرصّ نصله في ظهر بينلوب بذراعه الأخرى . أفاقت ، استدركت ، تذكرت ، ربما الأمر كذلك! ، ترى ماذا فعل أليكسيس؟! ، هي لا تعلم أي شيء ولكن ما هي متأكدة منه هو أن بينلوب لن ترجع !.

جلست محاولة الاستيعاب ، تحدق في الفراغ مع تعبير ابله ، *هل انتهى كل شيء؟ ، كلا ، لقد ماتت بينلوب كما يبدو ، مع أن لا كلمة "ماتت" ولا "بينلوب" تناسب هذا الموقف ، لأنني أعلم أنها خيال يختفي ولا يموت وأنها ليست بينلوب!. لكن ماذا حدث؟ ، أليكسيس يعرف!.*

مضى نصف اليوم ببطء وكادت الشمس تزاور ، واستغربت الخوض الذي وجدت نفسها فيه مع والديها عندما قالت بأنها سترجع للقلعة الملكية ، كان القلق بادياً عليهم لسبب غريب ، ولكن فيوليت ذكرتهم بكونها الأميرة المتوجة التي لا يجوز أن تترك موقعها . وبعدها ركبت العربة مرافقة كريس ، كانت تشعر بشعور غريب آخر مرة رأته فيه كان يوم أتى إلى الدوقية وهربت منه ، كانت تحدق للأسفل ثم حولت بصرها نحو كريس الذي يجلس مقابلاً لها .
*كريس لا يبدو أنه على علم بشيء ، ماذا علي أن أفعل ؟*
-هل أليكسيس موجود؟.
-أجل فيو .
توقفت العربة أمام القصر الرئيسي ، دخلت فيوليت بخطوات متسارعة وألقت التحية على كل من عرفته ، كم من الغريب كونها شعرت بالإشتياق ، والأغرب أنها متأكدة وليست قلقة ، أخبروها بأنه يعمل في مكتبه فصعدت السلالم وإنتهت عند باب المكتب ، رفعت يدها ، أصابتها رعشة ، كسعادة تتسلل إلى عروقها ، وطرقت الباب.

-من؟.
-أولن تفتح لي؟.
كانت ثوانٍ حتى فتح الباب ، فقد وقف راكضاً ، كان يرتدي معطفاً على كتفيه تحته قميص أبيض ممسك بوثيقة وكتاب بيد وفتح الباب بأخرى ، كانت هالاته كثيفة ، ولكن كان ليهون كل شيء لولا رد فعله ، فحالما رآها وقف جامداً يحدج بها بمحيا جافل ، أوقع ما في يده ، استمع إلى كلماتها ، وحتى بعد أن قالت له أن:
- بينلوب رحلت إلى الأبد!.

كان متفاجئاً ، كان حزيناً ، كمن تخيل أن الجميع سيموت وصدق ذلك ، كان كئيباً مرهقاً إلى آخر حدوده ، يحسُّ بأنهُ يجري وحيداً في هذه الحياة وكل خطب ينهال عليه من كل مكان ، وقع ظهورها أمام عينيه فجأة موقع دهشة في نفسه ، كمن بلغ المنى بعد طول كد ، ولكن هذه معضلة واحدة حُلَّت والبقية في الإنتظار!.
-لقد رحلت بينلوب! ، أليكسيس هذه أنا!.
صمتت قليلاً وتابعت:
-هل أنت بخير؟.
أحاطها بذراعيه وعانقها بشدة ، بعيونٍ فارغة ، ونفسٍ مكروبة ، كان هذا وقت البكاء بالنسبة لبني آدم ، ولكن ليس وقته لهذا الذي جفت مشاعره .
-أعلم أن هناك ما مات فيك و حرمك البكاء ، أخشى على ضلوعك أن تتحطم من رهابة الألم.
مدت ذراعيها محاولة ضمه وأردفت:
-سأبكي عوضاً عنك!.
-... فيولي ، كلا أرجوكِ.
حل صمتٌ رهيب ، كان يقبع خلفه أحاديثٌ طويلة وعجيجُ ذكريات مدويّ والالامٌ باكية مُبكية ، كل ذلك الكبت المدة الماضية ، إنتهى هكذا ، وبدل من الإنهيار إختارت الصمود والتحمل ، لمَ لا؟ و كُل مرٍّ سيمر والقادم دائماً أجمل ، وكلما إحتمل المرء مشقة الدهر ، زاد فخراً وبركة!.
تبادر إلى ذهنه شأن اللعنة ، تذكر بأنه تخلص من أكبر بيادقها ، وتذكر بأن فيوليت لن ترى حلماً سيئاً وستكون أكثر راحة من أي مرحلة أخرى في حياتها ، ابتسم في دعة أفلتها وأمسك يدها وهو يجذبها للداخل لحقته في خطوات متثاقلة بعيون منتفخة من البكاء ، فركت عينيها ، قهقه وقال ساخراً مداعباً:
- وجهك مضحك.
-ذلك بسببك!.
أجابت منفعلة غاضبة وأضافت:
-لمَ مزاجك المجنون تغير فجأة؟ أنا مازلت منزعجة.
-هدِّئي من روعكِ لا بأس .
استمر ممسكاً بيدها وأخذها ورفعها وجعلها تجلس على المكتب وجلس على مقعده مقابلاً لها ، كان سعيداً للغاية!.
-أولن تتكلمي ؟.
-كلا.
-ماذا؟ ، فيولي هذا أمر!.
-من الغريب أن تلقي أمراً وأنا بهذا الوضع لذلك لن أقبل!.
-أتريدين إفتعال مشكلة وأنتِ تعتقدين بأني لا أعلم؟!.
-ماذا عمَّ تتكلم ؟!.
سألت جافلة بعد أن رسم وجهاً مستفزاً ودنا منها واقفاً من مجلسه وقال عاداً كل نقطة على أصبعه:
- يكفي بأني تجاهلت كونك إرتديتِ الأحمر ، وتكلمتِ مع رونان ، وأهملتِ صحتك ، وإرتديتِ الأحمر مرة أخرى ، ثُمَّ طردتيني من قصركم ، والآن تردين علي بفضاضة ، وثُمَّ لا تُريدين إخباري.
-ااا...!!!
تلعثمت وحاولت التلفظ ثم بقيت صامتة تحدج فيه مع شعور بالإحراج والغضب والعجز بنفس الوقت ثم تبادر إلى ذهنها اسم واحد فحسب!.
*روز الحثالة! ، لقد أعطت كل الإحداثيات له وحتماً أنها حظيت بكل ما فاتها من أحاديث الخدم ، لمَ لم أكن حذرة بهذا الشأن!!! ، سأكسر عنقكِ يا روز!.*

-لمَ لا تتكلمين؟.

-أبعد وجهك أيها المجنون ، لديك مملكة كاملة عليك الإهتمام بها ولكنك تلاحقني كال...كالمنحرف!!!.

صمت الآخر ولم يتوقع ذلك الغضب الذي أظهرته له ، ما هذا الذي حل بالعالم؟ إن الوضع يدعو إلى الضحك أكثر من كونه مزعجاً ، كما لو أن الأرنب الذي عاش في قفص طول حياته تعلم العض أخيراً ! ، ابتعد فارداً طوله و ضحك حتى قهقه بقوة ، سعل واحمر وجهه من شدة الضحك ، أحست فيولي بالإحراج الذي لم يشعر به أي أحد في هذا العالم لمَ أصبحت جريئة فجأة هكذا؟! ، توردت وجنتيها وقطبت حاجبيها قائلة :
-يكفيك.

-ما بك؟.

أجابها ساخراً وهو يلتقط أنفاسه ، وأردف:
-استمري ، أكملي ، إذن أنا مطارد منحرف ، يشرفني ذلك أيتها الجامحة .

-أنت لم تتغير البتة.

-لا شيء يمكنه تغييري.

-كنت أعتقد بأنك تخال نفسك صخرة ، لكني تأكدت الآن.

- ... مالذي فعلته لكِ بحق الله كي تستمري في شتمي منذ لحظة مجيئك؟؟.

-لا شيء إنما  ...

بعد صمتها وترددها خيم الكدر على وجهه فجأة ، أمسك بيديها ودنا مجدداً ، وقال في نبرة هادئة .
-ابكي .
-...
-ابكي فيولي لقد مررت بالكثير حقاً.
كانت صامتة ، انزلت رأسها على كتفه ، بعد أن بلغت طوله حينما جلست على المكتب العالي ، أردف:
-أنا آسف ، لا يمكنني إنكار أن كل هذا بسببي ، لا أمانع إن كرهتني لذلك.
حل صمت طويلٌ بعد تلك العبارة ، صمتٌ لم يكن فيه سوى صوتُ نحيب هادئ ، نحيب يوحي لسامعه بأن الناحب يحترق من الداخل.





















آمَالٌ مُتَلأْلِئة | Bright HopesWhere stories live. Discover now