سأذود مستبسلاً..CH5

49 8 48
                                    

كان ثغره الباسم غريباً يبث الاستعجاب في النفس وحسب ووجهه الأبيض الذي اِحمر أغرب ، لقد تلعثمت كما يقول البعض "حد اللعنة" ويبدو أننا سنلجأ إلى استعمال ألفاظ غير مألوفة فلعلها توصل شعورها!! ، كما لو أن تمثالاً عهدت تقاسيمه عابساً يبسم لأول مرة!!! ، ولكن تلك الإبتسامة كانت عذبة صادقة ، وزادها سنا الشفق جمالاً فوق عذوبتها .

*هذه أول مرة أنتبه فيها ولكن...*
-أنا أكتشف جانباً جديداً فيك كل يوم.
*أريد أن استمتع بهذه اللحظة كما لو أنها آخر لحظة في حياتي*
-أجيدٌ أم سيئ؟.
-ما رأيك؟.
-لست أدري بما يجول في خلدك.
-أحقاً لست تدري؟. لكني أشعر أنك تدري عن كل ما فيه.

عادت إليه ملامحه الجدية ، والآخرى تحدق فيه منتظرة الرد ، ولكن لم تكن هناك ولو كلمة واحدة تجيبها! .
عادا إلى القصر وفي نفسها الكثير من الكلمات لتخبره بها ، لقد شعرت بأن الآن هو الوقت المناسب! ، دخلا من البوابة الخلفية للقصر وطلبت منه أن يرافقها إلى غرفتها لأنها تريد التحدث قليلاً معه ، والآخر وافق وهو يبدي تلك التعابير الفارغة ، ويضع عينيه عليها ، دخلا وجلسا قرب الشرفة .
أردفت متساءلة بعد أن أحست أن صمته قد طال:
-ما الأمر؟.
-كلا لاشيء.
أجابها بهدوء مبعداً عينيه عنها وملامح الاستياء تعتليه ، لمَ هو كئيب هكذا؟ ، مالذي ظنه منها؟.
وهو يقول في لجات عقله:
*هل ما يخيل إلي صحيح؟*
والآخرى تطرح سؤالاً من جهةٍ أخرى :
*هل فهمني بشكل خاطئ أم ماذا؟*
أردفت بحزم وهي تصنع تواصلاً بصرياً معه :
-أليكسيس أنظر إلى عيني وحدثني بجدية ، أنظر إلى عيني وأبيني بسرك ، أبيني بسرك الذي عَلِمتُ منه ، أبيك بسري الذي خبئتُه كله .
-وأي سرٍّ تهوين معرفته؟.
-سرُّ سحرك الخفي المضطرب ، الذي يغفو لحين ويشتعل في حين آخر ، ذلك السّرُّ الذي يؤرق ليلك ، ذلك السّرَّ الذي يُسمعكَ نَجواي!.
إنتفض رافعاً رأسه مستمراً في تواصلهما البصري ، كما لو أنه نجا من كارثة أو رفع عنه ابتلاء ، إبتسم وأردف بنبرة دافئة:
-ودعيني أفعل يوماً ما.
أجاب راسماً ابتسامة ساحرة على شفتيه ، لم يتردد للحظة ، لأنه يثق بها وما هي الثقة؟ ، هي ترابط الأرواح قبل الأنفس ، هي شعورٌ عميقٌ يتجاوز في نقاءه اطار المشاعر حتى! .
*ظننت أنها تريد الإنفصال أو شيء من هذا القبيل لقد صعقت حقاً..*
-إذن دعني أخبرك ، أنك يا أليكسيس تعي وتعلم أن أعداءك كُثُر ، والضغائن تُولد الضغائن ، وتباً لأنفس البشر اللعينة التي تذهب إلى أبعد الحدود كي تحقق مبتغاها.
-ما الذي ترمين إليه؟.
سأل واجماً قلقاً ، فاضمحلت تلك الابتسامة التي زينت محياه ، وقد أحس أن حديثها هذا غير مألوف ، فهو لم يألف حديثها في الجد ، ولم يتمنى أن تشكو يوماً من خطب!.
-هناك لعنة تتربص بك.
هي التي قتلت أباءك وأباء أباءك.
وتراك كالوريث الاخير.
كظمت دموعها وابعدت خصلات شعرها وراء أذنها ، صمت لبرهة ، فهذا المقال يعني أن الموت أقرب من الوتين ، وأنه لا محالة سيهلك بأي وسيلة ، فتلك اللعنة أهلكت "ألبيرت جيمان " فلمَ لا تقتل ابنه؟ ، ولكن ما نبست به شفتيه كان نابعاً عن ما فكر به ، وما فكر به لم يكن مألوفاً لشخص يبشر بالموت!!.
-وأنتِ؟.
هل تحملتِ كل تلك المشقة وبقيت مع شخص ملعون؟! ، منذ متى وأنتِ تعلمين ذلك؟.
أردف بهيستريا وإنتفض واقفاً  ممسكاً بذراعيها بقوة رافعاً صوته معبراً عن غضبه ، تلك النظرة التي علت تقاسيمه كانت تلك التي تعلوه في أشد حالات غضبه وفي أشد مواضع الجد وتلك التي جعلت له صيتاً مريعاً كذاك!.
-هل جننت أهذا ما تفكر فيه الآن؟!.
أليكسي! ، هذا يعني هلاكك إنتبه إلى نفسك قليلاً!. لقد قررت البقاء معك لأني أريد ذلك ومن المستحيل أن أتخلى عنك كيف تقول شيئاً كهذا!.
-مشاعركِ شيء وسلامتك شيء آخر! ثم أن هذه الأمور تذهب العقول فكيف تحملتها؟!!.
-توقف أليكسيس! ، أنت تفهم الحياة بشكل خاطئ أنت مجنون لا يلقي بالاً لنفسه أبداً ، أنت ظالم لنفسك ، الى أي حد تريد أن يشحب وجهك؟ لم أعد أتحمل رؤيتك تنهار بصمت كل يوم هذا يكفي!.

وأجهشت بالبكاء مرسلة تلك الدموع الحارة ، أفلتها الآخر وجلس على الكرسي واضعاً يده على وجهه مشيراً للاحباط والغضب.
-هذا يكفي ، أرجوكِ ، أنا لا أريد أن تتأذي ، لمَ هذه الأمنية عسيرة؟.
-ولكني بخير .
-أنتِ صرتِ أكثر ضعفاً منذ تلك الحادثة ، لقد وهن جسدك.
قاطعها بنبرة حادة وأزاح يده من على وجهه رافعاً رأسه .
ولكنها أجابت بحزم منحنية لتصنع تواصلاً بصرياً معه:
-لا يهم فأنت بحال اسوء.
-كلا ، كلا ، ما جاز ولن يجوز ، أنا لن اسامح نفسي أبداً ! .
-جيمان!!!.
صرخت بعلو صوتها ناوية إخماد بركان غضبه الهيستيري ، هدأ للحظات ومن ثم تنفس الصعداء وعدل جلسته معيداً نفسه إلى الوراء وخلل أنامله في خصلاته الفضية وأردف:
-لمَ لا أحقق أي تقدم؟.
-يخيل إليك ذلك فقط .
نظرت إليه بتلك العيون الأرجوانية التي تتغنى بالثقة والشجاعة ولاشيء غيرهما وتطرَّدت
-جيمان صدقني ، إنتصارك الحقيقي هو تغير حالك للأفضل من حالك السابقة ، لهذا أرجوك لا تهمد تطلعاتك ، أنت موفق وقوي وستتمكن من التخلص منها ، أنت علمتني القوة ، فلو خسرتها ماذا سيحل في العالم؟!.
حدج بصمت ورسم ابتسامة دافئة تبعتها ضحكة وأردف:
-ربما كل شيء جيد فعلته كان إختياركِ.
-جيمان أنت متقلب المزاج! ، لقد قلقت حقاً! وما هذا الغزل المفاجئ؟!.
-مامن داعٍ للقلق أنا بخير ولكني قد إنزعجت كثيراً بسبب تلك الحقيقة التي ادركتها ، لمَ فعلتِ ذلك يا فيوليت ؟.
-هذا ليس المهم الآن!
-سأكرر سؤالي مرة أخرى ، لمَ فعلتِ ذلك يا فيوليت؟.
-لأنك . . . الشمس وأنا القمر!.
-ويحي! .
قال تلك الكلمة بنبرة طريفة وإرتفع ضحكه إلى قهقهة ، لقد جن الملك الواعد! .
-أليكسيس ، هذا ليس مضحكاً كن جاداً قليلاً!! .
-لا أستطيع أن أميل إلى الجد ولو حتى قليلاً لقد حاولت ولكني فشلت ، إذن كرريها ، أنا الشمس وأنتِ القمر أليس كذلك؟.
خجلت وإعتلاها الغضب فوق خجلها ، أدارت ظهرها صوب الشرفة وعقدت ذراعيها وقطبت حاجيبيها وأردفت بحدة:
-أنت سعيدٌ جداً بالنسبة إلى شخص في خطر.
نسماتٌ باردة داعبتها ولدقائق لم تسمع أي شيء سوى نجواها الذي يدوي والنسيم الذي يهب ويصطدم بها ، الخريف آتٍ .
وقف الآخر وتقدم صوبها ، أخذ بطانية خفيفة من على الأريكة ، وتقدم بهدوء متسللاً ، وضعها على كتفيها وأردف بصوت هادئ ملؤه وقار وثقة وهو يحيط ذراعيه بها كمن يحتضن من الخلف :
-لقد رأيت الكثير يا فيوليت ، الكثير مما لا تحيطين به علماً ولو حتى قليلاً ، الفراق ، مرَّ السقام ، الوحدة ، الحرب . أما الآن فقد وصلت في سنٍّ مبكرة إلى مرحلة اللامبالاة ، طالما فيوليت معي .. أنا بخير ، وما قلتيه قبل قليل كان يدل على رغبتكِ في ذلك ، أتمنى أن أكون شريكاً جيداً .

آمَالٌ مُتَلأْلِئة | Bright HopesWhere stories live. Discover now